مدن من أجل المهاجرين

A migrant from Syria cries as she stands with her children on a field after crossing into Hungary from the border with Serbia near the village of Roszke, September 5, 2015. Austria and Germany threw open their borders to thousands of exhausted migrants on Saturday, bussed to the Hungarian border by a right-wing government that had tried to stop them but was overwhelmed by the sheer numbers reaching Europe's frontiers. Left to walk the last yards into Austria, rain-soaked migrants, many of them refugees from Syria's civil war, were whisked by train and shuttle bus to Vienna, where many said they were resolved to continue on to Germany. REUTERS/Marko Djurica

في كثير من البلدان، وخاصة في أوروبا، يجري تأطير الهجرة على نحو متزايد باعتبارها قضية أمنية؛ فيدعو ساسة التيار الرئيسي، في إذعان واضح للضغوط من قبل الشعبويين المروجين للخوف إلى فرض قيود أكثر صرامة، وتنتهك بعض الدول علنا التزاماتها القانونية ومسؤوليتها الأخلاقية عن توفير الحماية للاجئين الفارين من الصراع.

ولكن ليست كل الأخبار سيئة. فحتى في حين يعوق الخطاب السياسي السام العمل الفعال على المستويات الوطنية والدولية، تزدهر مبادرات إدماج المهاجرين التقدمية الفعالة على مستوى البلديات.

يعمل رؤساء البلديات والمسؤولون المحليون على تشييد البنية الأساسية الاجتماعية والمادية التي تدعم استقبال المهاجرين واللاجئين في المجتمعات المحلية. ففي نظرهم، لا يمثل القادمون الجدد مجرد إحصاءات؛ وإنما هم أناس حقيقيون، وأعضاء منتجون محتملون في المجتمع المحلي. ويدرك المسؤولون عن المدن أن مفتاح الاستفادة من إمكاناتهم يتلخص في عملية الإدماج التي تدار بشكل جيد.

وهي عملية معقدة بطبيعة الحال، ومن الممكن أن تثير المخاوف بين السكان المقيمين. فكثيرا ما يفرض الوافدون الجدد ضغوطا كبيرة على المراكز الحضرية، وخاصة المدن التي تعاني بالفعل من شح الموارد. والتحديات -من توفير القدرة على الوصول إلى السكن اللائق والرعاية الصحية إلى ضمان قدرة شبكات النقل والمدارس على التعامل مع الطلب المتزايد- عديدة ومرهقة.

ولهذا السبب يشكل النهج الاستباقي -ناهيك عن قدر كبير من الإبداع- أهمية بالغة. وهذا هو على وجه التحديد ما يُظهره العديد من القائمين على إدارة المدن.

فمع بطاقة الهوية البلدية في مدينة نيويورك، يستطيع كل السكان بصرف النظر عن وضعهم الوصول إلى مجموعة متنوعة من الخدمات. وفي ساو باولو، يستطيع المهاجرون المساهمة في مناقشات السياسة العامة من خلال مجلس المشاركة. كما أطلق المجلس البلدي في برشلونة -كجزء من خطة أوسع للتماسك الاجتماعي- "حملة مكافحة الشائعات"، التي تستخدم سلسلة من الكتب الهزلية لمكافحة الصور النمطية السلبية عن المهاجرين.

بالتعاون مع الشركات المحلية، نجح رؤساء البلديات أيضا في توجيه الموارد نحو تشجيع روح المبادرة والتدريب على العمل للمهاجرين. وفي أوكلاند في نيوزيلندا، حيث ثلث السكان من المولودين خارج البلاد، يعمل مشروع أوميغا، المستلهم من مبادرة كندية، على التوفيق بين المهاجرين الجدد والمدربين المهرة وتعرض عليهم فترات تدريب مدفوعة الأجر. وفي لندن، يعمل مشروع الدراجات على تجديد الدراجات المتروكة، ويعطيها للمهاجرين لاستخدامها كوسيلة نقل ميسورة التكلفة. وهناك الآلاف من المشاريع الأخرى كهذه، تساعد المهاجرين واللاجئين لبناء حياة جديدة في مجتمعاتهم الجديدة.

والأفضل من هذا هو أن المبادرات لم تعد مقتصرة على المدن فرادى؛ إذ يعمل رؤساء البلديات والسلطات المحلية بشكل متزايد على تشكيل تحالفات مع نظرائهم في مختلف أنحاء العالم لإيجاد حلول للمشاكل المشتركة، وتبادل أفضل الممارسات، وتحويل التحديات المصاحبة لعملية الإدماج إلى فرص جديدة. على سبيل المثال، قام ضباط شرطة من تورنتو، المدينة المتعددة الثقافات، بتدريب نظرائهم من أمستردام على التواصل المجتمعي.

ويهدف منتدى رؤساء البلديات بشأن التنقل والهجرة والتنمية، المنصة التي تدعمها الأمم المتحدة، إلى تعزيز هذا النوع على وجه التحديد من الحوار والتعاون بين محافظي المدن ورؤساء البلديات والهيئات الإقليمية على مستوى العالم. والواقع أن هذا المنتدى الذي أنشئ في عام 2014 في برشلونة وينعقد سنويا، والذي يعمل على مبدأ مفاده أن المراكز الحضرية المستدامة السليمة الصحة -العنصر الأساسي في دينامية ونجاح أي بلد- يعتمد على المساواة في الحقوق والواجبات والفرص لكل المقيمين.

كما يشجع المنتدى المجتمع الدولي على المشاركة مع المدن "كقوى فاعلة رئيسية في المناقشات وعمليات اتخاذ القرار بشأن تصميم سياسات الهجرة". فالمدن -التي تؤوي بالفعل أكثر من نصف سكان العالم، ومن المنتظر أن ترتفع النسبة إلى 66% بحلول عام 2050- تتمتع بقدر كبير من الخبرة في إدماج السكان الجدد، سواء كانوا قادمين من الخارج أو من مناطق ريفية.

المشكلة هي أنه على الرغم من نقل السلطة إلى الحكومات المحلية -وهو اتجاه في الدول المتقدمة ينتشر الآن إلى العالم النامي- فإن العديد من المدن لا تزال تعمل بالاستعانة بموارد وسلطة تصرف محدودة. ولابد أن يتغير هذا، وهي الحتمية التي سلط الضوء عليها مؤخرا الفاتيكان. فعندما أعلنت الأكاديمية البابوية للعلوم أنها تعتزم تنظيم قمة بشأن اللاجئين والمهاجرين في وقت لاحق من هذا العام، شددت على أن رؤساء البلديات "لابد أن تتوفر لهم القدرة على تلبية الاحتياجات، واستيعاب وتنظيم جميع أنواع المهاجرين أو اللاجئين".

الواقع أن المناقشات الدائرة حول قضية الهجرة على المستويين الوطني والدولي معيبة، وذلك نظرا لتركيزها على الأمن، وكذلك السياسات التي تنتج عنها. وإذا جرى تمكين السلطات البلدية -التي أثبتت استعدادها وقدرتها على التعامل مع تفاصيل الإدماج بأساليب مبدعة- حتى يتسنى لها الاضطلاع بدور أكثر نشاطا في صياغة سياسات الهجرة، فسوف يستفيد الجميع.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.