السياسة الخارجية الأميركية على طريقة ترامب

Democratic presidential candidate Hillary Clinton (L) and Republican presidential candidate Donald Trump are seen in a combination of file photos taken in Henderson, Nevada, February 13, 2016 (L) and Phoenix, Arizona, July 11, 2015. REUTERS/David Becker/Nancy Wiechec/Files

مما لا شك فيه أن حملة الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، والتي كانت طويلة وصاخبة وعنيفة بالفعل، سوف تزداد عنفا وصخبا في الأشهر المقبلة، في ظل المواجهة قبيل الانتخابات في شهر نوفمبر/تشرين الثاني بين مرشحي الحزبين اللذين أصبح اختيارهما رسميا الآن. ولكن الناخبين سوف يواجهون اختيارا واضحا، وخاصة في ما يتعلق بالسياسة الخارجية.

تَعِد مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون بالاستمرارية؛ فسوف تظل إدارة كلينتون شريكا راغبا لأصدقاء أميركا وحلفائها، وسوف توضح لخصوم أميركا أن المبادئ العريضة لسياسة الولايات المتحدة الخارجية لن تتغير. والواقع أن السياسة الأميركية الحالية التي تمتد جذورها إلى القوة وتسترشد بحس عملي برغماتي كانت ناجحة عموما في ضمان السلام والاستقرار لعقود من الزمن.

بيد أن رؤية مختلفة تماما برزت على الجانب الجمهوري، مع ترشيح دونالد ترامب. ومع هذا، يمثل شخص المرشح قضية ثانوية، أحد أعراض التحول السريع الذي طرأ على الحزب القديم العظيم ذاته، والذي كان مشهدا محيرا لجماهير الناس من الأميركيين والأجانب على حد سواء.

أنفقت مؤسسة الحزب الجمهوري فترة الانتخابات التمهيدية في حيرة من أمرها، تتساءل كيف من الممكن أن يحدث شيء مثل ترشح ترامب. على سبيل المثال، في مارس/آذار 2016، وَقَّع المئات من المستشارين الجمهوريين، الذين يمثلون طائفة واسعة من وجهات النظر في السياسة الخارجية على خطاب مفتوح أعربوا فيه عن معارضتهم لترامب، ورغم أن بعض هؤلاء المستشارين ربما يدعمونه هذا الخريف، بعد أن "اطمئنوا" إلى التزامه بوجهات نظرهم، فإن أغلبهم لن يفعلوا.

 

لقد أنتج الحزب الجمهوري مرشحا رئاسيا يحمل رؤية باهتة قاتمة لآفاق أميركا حتى أنه يتصور أن البلاد انزلقت إلى هاوية قد لا تخرج منها أبدا. وفي حين لا يزال قسم كبير من العالم يتطلع إلى الولايات المتحدة طلبا للزعامة الدولية الحكيمة، فإن المؤتمر الوطني الجمهوري في كليفلاند -حيث جرى ترشيح ترامب رسميا- لم يعرض شيئا سوى الخوف والكراهية.

كان أحد العناصر اللافتة للنظر في الخطاب الذي ألقاه ترامب في المؤتمر الهجوم الذي شنه على آخر إدارة جمهورية. فوصف جورج دبليو بوش بأنه متآمر مع هيلاري كلينتون في تشابكات وتعقيدات خارجية متنوعة، مثل الحروب والأسوأ منها الاتفاقيات التجارية.

ولكنه طيلة خطابه ذلك لم يُشِر إلى بقية إرث الحزب الجمهوري الذي دام 162 عاما. ماذا عن أبراهام لينكولن؟ دعك منه. وماذا عن الجنرال دوايت أيزنهاور، بطل الحرب والرئيس الذي بنى شبكة الطرق السريعة بين الولايات، والتي يزعم ترامب أنها متهالكة إلى حد بالغ الخطورة؟ يبدو أنه لم يسمع به مطلقا. ويبدو أن المندوبين الحاضرين لم يجدوا مشكلة في هذا الإغفال، فهدرت حناجرهم بالتأييد لكل إهانة عدوانية وجهها لغيره وكل تحذير مروع.

الواقع أن قلة من المراقبين تعاملوا مع ترامب نجم تلفزيون الواقع الذي لم يتقلد أي منصب عام، بجدية، إلى أن بدأ يكسب الانتخابات التمهيدية. وهو الآن الرئيس الأسمي للحزب الجمهوري وحامل اللواء الرئاسي.. كيف حدث هذا؟

ذات يوم، قال رونالد ريغان، قديس الحزب الجمهوري الشفيع في العصر الحديث، إن الحكومة هي المشكلة وليست الحل، وهي المقولة التي جسدت العداء المناهض للحكومة والذي ميز الحزب الجمهوري منذ ذلك الحين. وهي لمفارقة ساخرة أن أي مرشح جمهوري للمنصب سوف يسارع إلى التخلص من الحكومة وليس الخدمة فيها فعليا. لا عجب إذن أن يرشح الناخبون الجمهوريون شخصا لم يخدم في الحكومة قط.

كان الدفاع الوطني دوما الاستثناء الوحيد لهذا الرأي المناهض للحكومة، ولكن الحزب الجمهوري تغير حتى في ما يتصل بهذه القضية. فقد أشار ترامب إلى أنه لن يحترم التزامات أميركا في حلف شمال الأطلسي، وأنه يعتزم تجاهل الحكم العالمي والتعامل مع المفاوضات مع الدول الأخرى وكأنها مراسم استسلام لمواقف الولايات المتحدة، وليس باعتبارها مداولات تجري في اتجاهين.

ومع هذا، إذا كانت مؤسسة السياسة الخارجية في الحزب الجمهوري راغبة في فهم من أين أتى مرشح مثل ترامب، فيحسن بأعضائها أن ينظروا إلى سلوك بعض الأعضاء بين صفوفهم. فأولئك من أمثال ماكس بوت، الذين كثيرا ما دعوا إلى استخدام القوة بصورة أحادية في بؤر التوتر العالمية، مهدوا له الطريق حتى وإن كانوا لا يؤيدونه اليوم. كما ساعده آخرون خلال حملته التي كانت أشبه بمشاجرة في حانة، عندما حول الخلافات السياسية إلى هجمات شخصية.

وفقا لاستطلاعات الرأي والخبراء، سوف يخسر ترامب في نوفمبر/تشرين الثاني على الأرجح، وإذا لم تكن السنوات الثماني الماضية كافية للجمهوريين لإصلاح حزبهم، فربما تكفيهم أربع أو ثماني سنوات أخرى. ويأمل المرء أن ينجحوا، فالديمقراطية الأميركية ـوالسياسة الخارجية الأميركيةـ في احتياج إلى حزبين رئيسيين على الأقل، وليس حزبا واحدا يتبع التيار السائد وآخر يتخذ منحى متطرفا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.