الإعلام الجديد ينتصر للديمقراطية في تركيا

تفاصيل كشف خيوط الانقلاب الفاشل بتركيا

الآي فون يهزم التليفزيون
تويتر يحاصر قاعدة عسكرية
الإعلام المنحاز
سقطات الإعلام المصري

كانت الجبهة الإعلامية إحدى أهم الجبهات في معركة الانقلاب الفاشل في تركيا، وكان واضحا منذ البداية إدراك طرفي المعركة لذلك، لكن الفارق الكبير في العقليتين العسكرية والمدنية ظهر جليا في هذه المعركة، إذ تحرك العسكر وفقا لفهمهم التقليدي لاحتلال مبنى التليفزيون الرسمي (تي. آر. تي) وأجبروا مذيعة الشيفت المسائي تيجان كاراش على تلاوة بيانهم الأول الذي أعلنوا فيه سيطرتهم على الحكم، ودعوا إلى حظر التجوال في البلاد.

لكن أردوغان الذي لم يتمكن من الوصول إلى التليفزيون الرسمي لم يعدم الحيلة فقد وجد في الإعلام الجديد (New Media) ضالته، مستخدما برنامج فيس تايم (Face Time) عبر جهاز آي فون ليرسل من خلاله رسالة إلى شعبه بأن ما جرى هو محاولة انقلاب، وأن عليهم النزول دفاعا عن الديمقراطية، وهو ما استجاب له الشعب فعلا بشكل سريع ليتم القضاء على المحاولة الانقلابية خلال ست ساعات.

ويعتبر تطبيق فيس تايم واحدا من أحدث البرامج التقنية التي طرحتها شركة آبل مؤخرا للتواصل عبر الفيديو بين أجهزتها الخاصة (عام 2010 لأجهزة iOS وعام 2011 لنظام ماك)، ويقدم تطبيق فيس تايم جودة أفضل في نقل الصوت والصورة من نظيره سكايب، كما يتميز بالتشفير end-to-end الذى يضمن خصوصية تامة للمستخدم.، ويسمح بإجراء المكالمات من خلال الاتصال عبر واي فاي أو الإنترنت G3 و يقدم جودة عالية أثناء إجراء المكالمات عبر شبكة الاتصالات G3.

الآي فون يهزم التليفزيون
وكما ساهم الإعلام الجديد وصفحات التواصل الاجتماعي خصوصا فيس بوك وتويتر ويوتيوب في الحشد لثورة 25 يناير المصرية وغيرها من ثورات الربيع العربي، فقد سجل في معركة تركيا انتصارا جديدا على الإعلام التقليدي الذي لجأ إليه الانقلابيون ظنا منهم أن الشعب لايزال يتلقى المعلومات المهمة خاصة في حالة كهذه من الإعلام الرسمي فقط، وهو ظن صحيح جزئيا إذ أن إعلانهم عن سيطرتهم على الحكم عبر القناة التليفزيونية الرسمية دفع البعض للتصديق، وقد شاهدت بعيني طوابير للسيارات أمام محطات البترول للتزود بالوقود، وطوابير أمام ماكينات الصرف الآلي أيضا، لكن ذلك انطبق على فئات عمرية كبيرة نسبيا لاتزال بعيدة عن الإعلام الجديد، بينما كانت غالبية الحشود التي نزلت إلى الشوارع من جيل الشباب الأكثر استخدما للإعلام الجديد والذين يحملون الآي فون والآي باد، والذين استمعوا من خلالهما لكلمة الرئيس أردوغان.

وقد نقلت قناة "سي أن أن" التركية مكالمة أردوغان وهو ما دفع الانقلابيين لاقتحامها ووقفها عن البث رغم أنها تقليديا كانت من القنوات المعادية لحكم أردوغان، وقد شجع بث المكالمة على قناة "سي أن أن" وقناة "أن تي في" التركية المستقلة على حشد المزيد من المواطنين الأتراك ونزولهم للشوارع دفاعا عن النظام الديمقراطي.

وقد ظهر أيضا تفوق مساعدي أردوغان على الانقلابيين في استخدام صفحات التواصل ففي الوقت الذي كان الانقلابيون يحتجزون رئيس الأركان ويبثون رسالة عبر الصفحة الرسمية لرئاسة الأركان بأن تحركهم لتصحيح الأوضاع وحماية العلمانية واستعادة الديمقراطية، وجه رئيس الوزراء بن علي يلدريم رسالة للشعب عبر تويتر بأن رئيس الأركان مختطف وأن صفحة هيئة الأركان تعرضت للقرصنة، وتبعه وزير العدل برسالة أعلن فيها تقديم الانقلابيين للمحاكمة.

تويتر يحاصر قاعدة عسكرية
وقد سعى الانقلابيون مجددا عبر موظفين موالين لهم لوقف خدمة الفيس بوك وتويتر واليوتيوب لكنهم لم يصمدوا طويلا خاصة مع لجوء الشباب لبرامج حديثة تتمكن من كسر هذا الحظر، وحاولوا مجددا السيطرة على مؤسسة الاتصالات التركية (Turk Cell) بالتعاون مع بعض كبار المسئولين الموالين لهم داخل المؤسسة لكنهم فشلوا بسبب رفض مسئولين آخرين وتصديهم لهذه الخطة.

وقد واصل رجال أردوغان التفاعل سريعا وحشد الشعب عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومن ذلك تغريدة عبر تويتر لرئيس بلدية أنقرة عن تحركات جديدة للانقلابيين بقاعدة آتي مسعود الجوية القريبة من العاصمة ما دفع الحشود الشعبية للتحرك والتظاهر والاعتصام أمامها وذلك يوم 18 يوليو/تموز أي بعد مرور 3 أيام على المحاولة الانقلابية.

كما نجح رجال أردوغان في استخدام الصور لكسب تعاطف شعبي والرد على الحملات الدولية ضدهم، ومن ذلك إظهار المشاركين في المحاولة الانقلابية في مظاهر الانكسار والمهانة عقب القبض عليهم، ثم إظهار صور لهؤلاء الضباط والجنود يقتلون المواطنين ويطلقون عليهم الرصاص خلال الدقائق والساعات الأولى لمحاولتهم الانقلابية، وذلك ردا على حملات دولية نددت بعمليات القبض والمداهمة الواسعة، واعتبرتها مجافية للديمقراطية.

يقودنا هذا الانتصار للإعلام الجديد لمعرفة البيئة التي يعمل بها وينجح فيها، إذ وصل عدد مشتركي الهواتف الجوالة في تركيا إلى 73.2 مليون عام 2015 ومن المتوقع أن يرتفع إلى 75 مليون بحلول العام المقبل وفقا لإحصائيات رسمية تركية، وبلغت نسبة مستخدمي الإنترنت في تركيا 56% في العام الماضي ومن المتوقع أن ترتفع إلى أكثر من 60% العام المقبل.

الإعلام التقليدي التركي من فضائيات وإذاعات وصحف لم يفقد دوره تماما، كما أنه في معظمه كان رافضا للانقلاب العسكري لإدراكه لخطورة هذا الانقلاب حال نجاحه على حرية الصحافة بل على الحريات العامة، وكما وقفت الأحزاب السياسية المعارضة لأردوغان ضد الانقلاب مبكرا فقد حدث الشيء ذاته على وسائل الإعلام التابعة لها أو القريبة منها أيضا، وهو ما دعا رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم إلى توجيه التحية لوسائل الإعلام التركية على وقفتها تلك.

الإعلام المنحاز
أما الإعلام الدولي فقد بدا أكثر انحيازا للمحاولة الانقلابية الفاشلة وظهر ذلك مبكرا في تقارير وكالة رويترز وشبكة بي بي سي وسكاي نيوز وفوكس نيوز و"سي. أن. أن" التي راحت جميعها تبرر المحاولة الانقلابية، وتنقل توجيهات خبراء عسكريين وأمنيين لإنجاح الانقلاب، وقد شارك في هذه التوجيهات المباشرة روبيرت بير ضابط سابق في الاستخبارات الأمريكية (سي. آي. أيه) ومشارك في عدة انقلابات سابقة، وجيمس ووسلي مدير سابق لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي. آي. أيه)، والجنرال المتقاعد ويسلي كلارك قائد قوات الناتو الأسبق في أوروبا في موقف يجافي القواعد المهنية التي تقتضي الاقتصار على نقل الأخبار المجردة، ونقل وجهات النظر المختلفة وعدم الاقتصار على رأي واحد، كما أنها واصلت خطها المعادي للحكومة التركية عقب فشل الانقلاب حيث ركزت على ما وصفته بوحشية الحكومة والشعب التركي في الانتقام من الانقلابيين.

الصورة في مصر كانت أكثر فجاجة، إذ بدا إعلامها الذي يعمل بتوجيهات عسكرية جزءا مباشرا من الانقلاب في تركيا، وهلل مقدمو برامج التوك شو للمحاولة الانقلابية، بل أعلنوا نجاحها مبكرا، وزادوا على ذلك بأخبار كاذبة وتحليلات أكثر كذبا عن طلب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اللجوء السياسي إلى ألمانيا، ورفضها لذلك وطلبه المساعدة من أميركا وروسيا، وهروب قيادات الإخوان من تركيا عبر الحدود البرية بعد توقف حركة الطيران في المطارات التركية.

سقطات الإعلام المصري
الإعلام التقليدي المصري في مجمله الذي افتقد المهنية في تعامله مع الشأن الداخلي المصري وتحوله إلى مجرد أبواق لسلطة الانقلاب في بلاده، لم يجد حرجا أن يمارس "اللامهنية" في تعاطيه مع شأن دولي (محاولة الانقلاب في تركيا) يحظى باهتمام إعلامي عالمي واسع، ولا يمكن لأحد أن يتجاهل فيه الحقائق على الأرض، لكن حالة الكراهية المفرطة والثأر المسبق (البايت) لإعلاميي النظام المصري مع أردوغان وحكومته دفعهم للتهور بل "الهبل" عبر برامجهم أو مقالاتهم أو تعليقاتهم العاجلة على صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

فهذه قناة صدى البلد التي يمتلكها رجل الأعمال محمد أبو العينين أحد رجال مبارك تصف ما حدث في تركيا بأنه ثورة من داخل الجيش التركي ضد أردوغان وليس انقلابا عليه، وظهر مذيعها الأساسي أحمد موسى في يوم عطلته ليؤكد أن الجيش التركي صحح مسار البلاد بعد ما وصلت له الأحوال بسبب سياسيات أردوغان، مضيفا "الليلة هنسهر للصبح وهنتابع ثورة تركيا ورحيل أردوغان".

أما قناة العاصمة التي يمتلكها صهر السيسي فقد ظهر مذيعها سعيد حساسين ليعلن الخلاص من أردوغان عميل إسرائيل حسب وصفه، وظهرت الشماتة واضحة في تعليقات إعلاميي السيسي فهذا الصحفي مصطفى بكري علق شامتا "إلى الجحيم يا أردوغان" مشيرا إلى أن هناك محاولات هروب جماعي لرموز إخوانية مصرية من تركيا.

وهذا يوسف الحسيني، الذى كتب عبر صفحته في تويتر "العالم الغربي سيستقبل خلع الطاغية أردوغان بهدوء، وربما بشيء من الترحاب نظر لمعاناتهم من التيارات الإسلامية". كما كتب خالد أبو بكر عبر صفحته الرسمية على تويتر: اللهم لا شماتة بس اللي يجي على مصر ما يكسبش".بينما شن الإعلامي مجدى الجلاد هجوما على الرئيس التركي وجماعة الإخوان المسلمين، وكتب على صفحته في تويتر: "هذه نهايتك يا أردوغان.. يوم أسود في تاريخ جماعة الإخوان".

وبعد أن وجدت القنوات المصرية نفسها في مأزق بعد فشل الانقلاب لم تعتذر عن جريمتها المهنية بل تمادت فيها حيث وصفت ما حدث في تركيا بأنه تمثيلية صنعها أردوغان لتحسين صورته واستعادة شعبيته، وتنافست في تضخيم صور إذلال الضباط الضالعين في الانقلاب بعد القبض عليهم، في محاولة لإيصال رسالة تخويف لضباط الجيش المصري بأن هذا المصير ينتظرهم إن سقط الانقلاب العسكري في مصر أيضا، وبالتالي دفعهم للتمترس خلف الجنرال عبد الفتاح السيسي مهما كان الثمن.

لقد أظهرت معركة الانقلاب الفاشل في تركيا الأهمية الكبرى للإعلام في حسم المعارك الكبرى لصالح من يحسن استخدامه، كما أثبت الإعلام الجديد (إعلام الإنترنت) مجددا أنه نصير موثوق وغير مكلف لكل أنصار الحرية، وأثبت الإعلام الغربي وغالبية الإعلام العربي تقديمه للانحيازيات السياسية على الاعتبارات المهنية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.