هل ستحظى أميركا والهند بفرصة ثانية؟

US President Barack Obama in India photo information

لم تحظ زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي مؤخرا لواشنطن العاصمة باهتمام كبير خارج الهند.. ومع ذلك فقدن تتبع الدبلوماسيون والعسكريون المحترفون في آسيا وخارجها عن كثب هذه الزيارة لسبب وجيه؛ التقارب بين أكبر ديمقراطيات العالم من حيث عدد السكان يمكنه تحديد مستقبل العالم.

والجدير بالذكر أنه في خطابه أمام الكونغرس الأميركي، ذكر مودي كلمة "شريك" أو "شراكة" ما لا يقل عن 15 مرة، ووصف البيان الرسمي المشترك الصادر عن الحكومتين الهند بأنها "شريك دفاع أساسي" للولايات المتحدة، وأنها مؤهلة للحصول على التكنولوجيات المتقدمة ذات التطبيقات العسكرية.

وقد تحولت العلاقة بين الهند والولايات المتحدة من علاقات باردة إلى إستراتيجية في جيل واحد، وبسرعة فائقة نظرا للجغرافيا السياسية. وتستحق العوامل الكامنة وراء هذا التحول كل الاهتمام، فمن المحتمل أن تكون بعض هذه العوامل سببا في تقريب المسافة بين البلدين بصورة أوثق.

وقد أدت نهاية الحرب الباردة إلى تقارب كبير بين البلدين، لأنها قضت على إمكانية التحالف المستمر بين الهند والاتحاد السوفيتي، وعلى احتضانها لكتلة عدم الانحياز.

لفترة طويلة، قامت الولايات المتحدة بانتهاج سياسة منصفة تجاه اثنتين من أهم الدول إستراتيجيا في جنوب آسيا (الهند وباكستان)، ومع ذلك، وخلال فترة الحرب الباردة، كان ينظر إلى باكستان باعتبارها دولة صديقة، في حين كان ينظر لمنافستها الكبيرة الهند، كدولة صعبة

والعامل الثاني هو باكستان. فلفترة طويلة، قامت الولايات المتحدة بانتهاج سياسة منصفة تجاه اثنتين من أهم الدول إستراتيجيا في جنوب آسيا. ومع ذلك، وخلال فترة الحرب الباردة، كان ينظر إلى باكستان باعتبارها دولة صديقة، في حين كان ينظر لمنافستها الكبيرة الهند، كدولة صعبة، وقد تم تعزيز هذا الرأي عندما أصبحت باكستان الممر الأساسي لإرسال الأسلحة إلى المقاتلين الأفغان ضد الاحتلال السوفياتي في بلادهم.

ولكن العلاقة بين الولايات المتحدة وباكستان ضعفت عندما انسحبت القوات السوفياتية من أفغانستان في عام 1989، وعانت العلاقات بين البلدين لوقت طويل من تطوير باكستان للأسلحة النووية، وتوفيرها الملاذ والدعم لحركة طالبان، واستعدادها لتقديم الحماية لأكثر الإرهابيين خطورة في العالم، بمن فيهم أسامة بن لادن. ونتيجة لذلك، لم تعد العلاقات بين الولايات المتحدة والهند مقيدة بسبب الخوف من المضاعفات في باكستان.

كما تقوم الصين بإنعاش تحسن العلاقات بين الهند والولايات المتحدة؛ والدافع وراء ذلك جوهري لأن الهند والصين لا تزال بينهما مشاكل لم تحل بعد. وقد خلق صعود الصين حافزا قويا للدول ذات مصلحة في آسيا لزيادة تعاونها مع الولايات المتحدة، وكذلك مع بعضها البعض، لضمان تمكنهم من مواجهة القوة السياسية والعسكرية والاقتصادية للصين.

كما أن للسياسة الداخلية دور في تطوير العلاقة في كلا الجانبين. وقد قلل تراجع حزب المؤتمر في الهند من تأثير القوة السياسية الأكثر تحفظا من الولايات المتحدة. بينما نجد الآن أكثر من ثلاثة ملايين من الهنود الأميركيين، وكما هو الحال مع العديد من السكان المهاجرين الآخرين، فقد أصبحوا أكثر انتشارا وقوة. وأصبح دعم علاقات أوثق مع الهند مثالا نادرا للتوافق بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي بشأن السياسة الخارجية للولايات المتحدة، ومن المتوقع أن تستمر هذه السياسة بغض النظر عن أي حزب سيحكم البيت الأبيض أو الكونغرس بعد الانتخابات التي ستقام في نوفمبر/تشرين الثاني القادم.

لقد جاء الانفراج في العلاقات الثنائية قبل عقد من الزمن، عندما رفعت الولايات المتحدة العقوبات التي فرضتها ضد برنامج الأسلحة النووية في الهند، وبعد ذلك وقعت اتفاقا يمهد الطريق لتدخل الولايات المتحدة في برنامج الطاقة النووية المدنية في الهند. وتعتبر الهند، خلافا لباكستان وكوريا الشمالية، "قوة نووية مسؤولة"، والبلد الذي تدعمه الولايات المتحدة الآن للحصول على العضوية في مجموعات متنوعة ترمي إلى وقف زيادة انتشار المواد النووية والأسلحة.

أصبحت الهند تفرض نفسها باعتبارها مثالا ناجحا للديمقراطية الموجهة نحو السوق مع علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة. ومع أن الحصول على فرصة ثانية أمر نادر في الحياة، ولكن من المحتمل أن تحصل الهند والولايات المتحدة على فرصة أخرى

وتعرف العلاقات الاقتصادية نموا ملحوظا أيضا، جنبا إلى جنب مع الاقتصاد الهندي؛ فقد زاد حجم التجارة الثنائية إلى أكثر من 100 مليار دولار سنويا. وأصبحت الزيارات رفيعة المستوى مسألة عادية. كما يحظى توطيد العلاقات الاقتصادية والتعاون الواسع في الطاقة النظيفة بأولوية عالية. ويمكن للمرء أيضا التنبؤ بزيادة التعاون بين المؤسسات العسكرية والاستخباراتية لهذين البلدين.

في الواقع، تبذل جهود حقيقية مشتركة للحفاظ على محيط هندي آمن ومفتوح. وليس من الضروري أن تكون الولايات المتحدة والهند حليفان رسميان لتؤثر علاقتهما بالشكل المطلوب على الحسابات الإستراتيجية الصينية.

لكن لا تزال هناك تحديات، بطبيعة الحال؛ فالاقتصاد الهندي يعاني من البيروقراطية والفساد، وضعف البنية التحتية. كما يجب أن يكون القادة الهنود حريصين على عدم فعل أو قول أشياء من شأنها أن تنفر الأقلية المسلمة الكبيرة في البلاد، وأن يقروا أن العلاقات الوثيقة مع الولايات المتحدة ليست مجرد سياسة رئيس وزراء أو حزب معين. وهذا يعني استعادة حزب المؤتمر لسلطته بالكامل والتغلب على مقاومة الموظفين المهنيين وخلق طرق جديدة للتفكير والعمل.

فمن الصعب التغاضي عن السخرية في كل هذه الأمور. قبل أكثر من نصف قرن، في السنوات الأولى من الحرب الباردة، كان الكثيرون في واشنطن يعتبرون الهند نموذجا محتملا للتنمية السياسية والاقتصادية غير الشيوعية؛ لكن لأسباب كثيرة، لم تحقق الأمور بهذه الطريقة، وأصبح للهند اقتصاد اشتراكي، ولفترة نظام سياسي سلطوي، وأقرب جغرافيا وسياسيا إلى الاتحاد السوفياتي منه إلى الولايات المتحدة عكس ما توخاه المسؤولون الأميركيون.

الآن، ومع ذلك، أصبحت الهند تفرض نفسها باعتبارها مثالا ناجحا للديمقراطية الموجهة نحو السوق مع علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة. فالحصول على فرصة ثانية أمر نادر في الحياة، ولكن من المحتمل أن تحصل الهند والولايات المتحدة على فرصة أخرى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.