مافيا الشذوذ.. انحطاط غربي واحتلال للضمير الإنساني

إنفوغراف الشواذ في التشريعات الأوربية


في يونيو/حزيران 2015، شرّعت المحكمة العليا الأميركية تزويج الشواذ جنسيا، في كل الولايات الأميركية رغم رفض الكنيسة الكاثوليكية لهذا التشريع الملزم، وهو الموقف القانوني الذي استُحضر في خضم التعاطي مع جريمة عمر متين، بقتل أكثر من 50 شخصا في هجومه المسلح على ملهى للشواذ في ولاية أورلاندو الأميركية.

وقبل العودة إلى فهم فلسفة الأخلاق الإنسانية، وموقفها من الحرب الكبرى في تاريخ الوجود البشري على الزواج الطبيعي والعلاقة الفطرية بن الأنثى والذكر، والذي يقودها قطاع فاعل في المؤسسة الغربية الثقافية والسياسية اليوم، وتُلزم العالم بالقبول به، في ضغطها الإعلامي والثقافي.

نحرر بعض القواعد الأصلية في حادثة أورلاندو وما يقرأه الفكر الإسلامي فيها.

1- الحادثة تعتبر جريمة في العرف والوعي الإسلامي العام لعدة أسباب، أولها أن اللجوء إلى القتل بحق أي مدني غير مسلح ولا معتد بغض النظر عن انحرافه أو مرضه الشذوذي، في بلد لجأ له وقدم له جنسيته وضمانه القانوني لحقوقه؛ يعتبر جريمة.

2- لا يوجد في تشريعات الإسلام ولا نستحضر في الثقافة الشرعية ما يبيح لأي فرد مسلم ممارسة الولاية القانونية العامة، والتنفيذية على المنحرفين، في وطنه المسلم أو وطنه المغترب، وإلا أصبحت الفوضى قانونا.

3- أعلن عمر متين في أكثر من اتصال وتوثيق حرص عليه، وكذلك وكالة أعماق التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) مسؤولية التنظيم عن عمليته، ولا يوجد في كل سجل التنظيم وتطور حضوره السياسي أي بند يتعامل إيجابيا مع مصالح المسلمين المقيمين في أوطانهم، أو مواطني المهجر.

4- وبالتالي فهذه الأعمال بعيدة كليا عن مراعاة مصالح التواجد والحياة والمعيشة والاستقرار والتعايش للمسلمين، بل خلاف ذلك هو مقصد داعش سواء في أراضي الشرق المسلم، أو المهجر المغترب، وهي لا تقّر عهدا في سلوكها السياسي والاجتماعي مع المسلمين، فضلا عن دول الغرب ومهاجر المسلمين المتعددة.

5- التوظيف لن يقف عند حملة المرشح الجمهوري المتطرف دونالد ترامب، بل سيشمل كل مسار سياسي أو قانوني لأحزاب الحكم في الغرب والمعارضة، والمؤسسات الثقافية المختلفة الحريصة على خنق المجتمع المسلم في مهجره، وإشعال ثقافة الإسلامفوبيا، وهذا الأمر لا يعني داعش ولا مثيلاتها أو الثقافة الموازية التي تخدمها.

وإنما الفكرة دائما، كيف تحوّلُ داعش كل مستقرٍ للمسلمين إلى دار حرب مشتعلة، هم الطرف الأضعف المسحوق فيها، وتدعم نموذج تقديم صورتهم، كمجتمع حربي شرس ضد الإنسانية، وهي مظلمة كبيرة لكن داعش تمدّها بالوقود حينا بعد حين، والأمر في جوهره مطلب لمشروع اليمين والمخابرات الغربية، فالعداء الثقافي محتاج لإمداده بما يبرر قراراته، أو يزيدها عنفا ضد المسلمين من حكومات أو لوبيات ثقافية.

وما هي مهمة الخطاب الإسلامي أمام مفاهيم الانحطاط، وكيف يُبشر بثقافته العميقة الرشيدة لمصالح الإنسانية وطهرانية الفطرة، ويُسقط التفكير الثقافي الشاذ بالتعاون مع الفكر الإنساني المشترك، تلك هي مهمة الوعي الإسلامي الجديد الذي تطرقنا له في دراسة عن العلاقات الغربية الإسلامية.. الطريق الثالث، المنشورة في الجزيرة نت.

كل ذلك لا يُلغي ولا يهوّن من مسؤولية هذا الخطاب للتمسك بقواعد الفضيلة الإنسانية الجامعة، والتي تُشكّل أحد أهم قواعد المشترك البشري للحياة والوجود الإنساني الطبيعي، أمام حرب ثقافية أسّست لقوانين وسياسات وهيمنة إعلامية ترسّخ الشذوذ المرضي والسلوكي الجرمي، بديلا للتوافق الفطري للحياة الإنسانية، منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها.

لقد تعاطت الشرائع السماوية مع الشذوذ في الحياة البشرية المعاصرة كواقع لا مناص من التعامل معه وكسلوك جرمي منحرف، يُعاقَب أو يُعالج المصاب به، ولكنها لم تشرعه، ولم تصل المجتمعات التاريخية في التعاطي معه إلى المستوى الحالي من الدعم القانوني والتشريعي.

وهو يمثل بالوصف الطبيعي، أحد شواهد الانحطاط الغربي المتطرف، وبغيه الثقافي على الإنسانية، ثم تحويله كضغط سياسي يغزو البشرية بالوباء، كما يجري اليوم على تركيا، في حملات الشذوذ وضغطها على الرأي العام في ميدان تقسيم وغيره.

لقد صُنع هذا المشروع عبر قوة مخملية متوحشة في آثارها، فمافيا الشذوذ التي نشطت في الولايات المتحدة الأميركية نجحت في تحقيق مستويات متقدمة لحصار الإنسانية، وفرض السلوك الجرمي والمرضي، وضغطت على مؤسسات القضاء واستقطبت شخصيات كبيرة، وسخّرت هوليوود ومؤسسات إعلام كبرى لخدمة إرهابها.

وكتأكيد على نموذج البغي المتوحش لهذه المافيا، ومؤسساتها ضد الإنسانية، وأول ضحاياها المجتمع الغربي، تمت مطاردة وحصار التعاطي العلمي الطبيعي مع حالات الشذوذ، وكيف أنها تنشا لأسباب مرَضية ثم تتحول لسلوك جرمي، رغم أن ذلك كان ضمن التعاطي العلمي البحت.

كما تمت مطاردة الطب البشري في الغرب الساعي لتوسيع العلاجات النفسية والهرمونية التي تعالج مرضى الشذوذ، بل وتم تجريم الحملات الطبية، والتضيق على المؤسسات الناشطة في محاربة تلك الآفة، مما يحد من إمكانية الحصول على المساعدات الطبية والنفسية اللازمة بالنسبة لأي أسرة أو محيط اجتماعي بشري إنساني يرغب في التخلص من هذه الآفة.

فكيف تحول الإرث المشترك وأسباب البقاء الوجودي وفلسفة العلاقة بين الذكر والأنثى، إلى مجرد نموذج للعلاقات الإنسانية، وكيف بات على المجتمعات البشرية أن ترضخ لاختطاف بنيها وبناتها، لمعسكرات الشذوذ العالمية التي يرعاها الانحطاط الغربي اليوم.

إن تصريح عارضة أزياء تدخل مسابقة جمال في الولايات المتحدة الأميركية، بأنها رغم احترامها لمجتمع الشواذ، فإنها ترى أن العلاقة الطبيعية هي في الزواج بين الذكر والأنثى، كان كافيا لاستهدافها وشن حرب إعلامية وثقافية عليها.

إن ما يجري اليوم، من حرب الشذوذ على المجتمعات الإنسانية، والذي وصل للشرق، مسلمين وغير مسلمين، مع أن الشرق -بمسلميه وغيرهم- أكثر ممانعة أخلاقيا في تاريخه الإنساني أمام الانحطاط القيمي واستبدال الفضيلة بالرذيلة الشاذة، هو وصمة عار ومستقبل مدمر صحيا وثقافيا على الإنسانية، في حرب كراهية عظمى يقودها الانحطاط الغربي.

لقد تراجعت قوة المقاومة للإرهاب الشذوذي في الولايات المتحدة الأميركية والغرب، وحوصرت حركة الرفض الأخلاقية والدينية في الكنائس والإعلام، وليس من مصلحة البشرية ذلك، وهو أمر مروع للعقل والضمير الإنساني المجرد.

فكيف ينتشر هذا الإرهاب الذي يقضي في نهايته الحتمية على الوجود البشري، بيقين علمي لا يتزعزع؟ وكيف تُشرع رسميا الأمراض الجنسية الكارثية، وتُحصن قانونيا، ويُحارب علاجها أو يحاصر البحث العلمي فيه، أو يُستهدف في حملات بغي ثقافي وإعلامي وسياسي وقح، حتى وإن بقيت مقاومة ثقافية أخلاقية ومساحة سياسية في المجتمع الغربي تقاوم هذه الحرب، لكنها في تراجع وضعف أمام مافيات الشذوذ المدعومة من البيت الأبيض.

إن ما يحتاجه العالم اليوم، كقضية إنسانية كبرى لحياته وبشريته، وما يفصله عن الغريزة الشهوانية الشاذة حتى في عالم الحيوان، هو تدعيم وتأسيس الحلف الديني والثقافي لحماية الطفل والصحة الإنسانية وقيم البشرية الفاضلة، أمام حرب الكراهية للإنسانية السوية.

ومن واجبات العالم أن يناضل بلا هوادة لتحرير ضميره الذي احتله الانحطاط الغربي في نواح عديدة، وفرض عليه موازينه المزدوجة لتكَوّن الأسرة المعقل الأخير لنجاة البشر صحة ونسلا وأخلاقا واستقرارا نفسيا، أمام حرب الشيطان الأخيرة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.