ليبرمان الجندي الأول بإسرائيل.. الدلالات والتوقعات

Israel's Prime Minister Benjamin Netanyahu (R) converses with former Foreign Minister Avigdor Lieberman during a Likud-Yisrael Beitenu campaign rally in the southern Israeli city of Ashdod January 16, 2013. REUTERS/Amir Cohen/File Photo

إقصاء أم احتواء؟
حرب في غزة
إزاحة عباس
المستنقع السوري
صفقة مع الإقليم

أخيرا تحقق لأفيغدور ليبرمان، اليهودي القادم من أقاصي الاتحاد السوفياتي السابق ما كان يتمناه منذ دخوله دهاليز السياسة الإسرائيلية قبل أكثر من عشرين عاما، بأن يكون الجندي الأول في إسرائيل، وهو الوصف المفضل لأي وزير دفاع فيها، رغم الكثير من الانتقادات الموجهة لهذا التعيين، من الداخل والخارج.

هناك الكثير مما يقال في زحمة تعيين ليبرمان وزيرا لدفاع إسرائيل، وهو الرجل الثاني في الدولة بعد رئيس الحكومة، ومن سيشغل موقعه في حال تغيبه، لسبب قاهر كالسفر أو المرض، وبالتالي من يمسك بين يديه زمام المبادرة في الكثير من القرارات المفصلية الخاصة بالدولة، خاصة بشئونها الأمنية والعسكرية.

إقصاء أم احتواء؟
تحدث الكثير من الإسرائيليين أن خطوة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بتعيين خصمه اللدود، وحليفه القديم، وزير للدفاع إنما أراد منها أحد ثلاثة أمور:

أيا كان السبب الذي أتى بليبرمان إلى وزارة الدفاع، فهو حدث يمكن اعتباره انقلابا حقيقيا في السياسة الإسرائيلية، وقد تكون له تبعات وآثار داخلية إسرائيلية، وخارجية إقليمية ودولية، ربما لكون الرجل لا يمتلك خبرة عسكرية حقيقية

– إما استيعاب ليبرمان وما يمثله من حزب إسرائيل بيتنا، وجمهور اليهود الروس، ومعسكر عريض من التيار القومي الاسرائيلي المتطرف، وهو بذلك يضمن لنفسه قيادة المعسكر اليميني بأسره، ويحافظ على فترة رئاسته الكاملة للحكومة أربع سنوات.

– أو أنه أراد "حرق" ليبرمان في أتون وزارة الدفاع، وحشره في الزاوية حين يحيطه بكبار الجنرالات من قادة الجيش الإسرائيلي الذين لم يقع عليهم خبر تعيينه بردا وسلاما، بحيث تكون لهم الكلمة الفصل في مستقبل قرارات الجيش بالتنسيق مع نتنياهو، وهنا قد تتبخر تهديدات ليبرمان ضد الفلسطينيين في الهواء.

– وربما تعمد نتنياهو الإتيان بوزير للدفاع من خارج المؤسسة العسكرية بعكس سلفه المستقيل موشيه يعلون، لمحاولة كبح جماح العديد من قادة الجيش الذين تحدثوا بصوت عال في الآونة الأخيرة ضد المستوى السياسي، في محاولة منهم لإظهار تمايز أمام الرأي العام الإسرائيلي، يعطيهم أفضلية على الحكومة ومن يترأسها.

أيا كان السبب الذي أتى بليبرمان إلى وزارة الدفاع، فهو حدث يمكن اعتباره انقلابا حقيقيا في السياسة الإسرائيلية، وقد تكون له تبعات وآثار داخلية إسرائيلية، وخارجية إقليمية ودولية، ربما لكون الرجل لا يمتلك خبرة عسكرية حقيقية، مع أن هناك وزراء دفاع سابقين أتوا من المؤسسة المدنية مثل عمير بيرتس الذي قاد حرب لبنان الثانية 2006، والمخضرم موشيه آرنس الذي عاصر الانتفاضة الفلسطينية الأولى.

لكن خطورة تعيينه تتعدى شخصه وسيرته الذاتية المزدحمة بالوعود والتهديد في شتى الاتجاهات وعلى مختلف الجبهات، وتتعلق بالتوقيت الحرج الذي تعيشه إسرائيل في ظل تطورات المنطقة المشتعلة، فغزة تعيش على صفيح ساخن، والضفة الغربية حبلى بتطورات متلاحقة، في حين تبدو الجبهة الشمالية بشقيها السوري واللبناني مرشحة لأن تشهد سخونة في قادم الأيام، أما مصر فتمثل حدودها الشرقية مع إسرائيل عبر سيناء الشغل الشاغل لصانع القرار السياسي والعسكري في تل أبيب.

يدخل ليبرمان مقر وزارة الدفاع الإسرائيلية في تل أبيب، وهم محاط بعدد كبير من الجنرالات الذين تتثاقل أكتافهم من كثرة النياشين والأوسمة، في حين لا يمتلك الرجل أيا منها، لكنه بحكم موقعه الجديد ومسئوليته المباشرة عنهم، سيطلب عرضا مختصرا عن أهم الملفات التي سوف تشكل شغله الشاغل في قادم الأيام والأسابيع، وهي على النحو التالي:

حرب في غزة
لم يتوان ليبرمان طوال العامين الماضيين منذ انتهاء حرب غزة الأخيرة في أغسطس/آب 2014، عن توجيه الاتهامات لنتنياهو، بأنه يبدي ضعفا متزايدا أمام جهود حماس في تطوير قدراتها العسكرية، لاسيما مع اكتشاف المزيد من الأنفاق على حدود غزة، وتواصل إطلاق الصواريخ بين حين وآخر، وكان يؤكد بصورة لا تحتمل الشك بأن الحل الجذري لوقف التهديد القادم من غزة يتمثل بالقضاء على حماس كليا هناك، من خلال الإطاحة بها، واستقدام قيادة فلسطينية جديدة، تحكم القطاع.

يزعم ليبرمان أن لديه البديل الفلسطيني لعباس، ويكاد يعلن أن القيادي الفتحاوي محمد دحلان، وبعض القادة الميدانيين في الضفة الغربية، مستعدون لاستلام زمام القيادة في اليوم التالي لغياب عباس، لاسيما في ظل وجود تناغم إقليمي في المنطقة، مصدره القاهرة

في أول جلسة لليبرمان مع هيئة أركان الجيش ورؤساء الأجهزة الأمنية والدوائر الاستخبارية، سيكون لسان حالهم مجتمعين -على ما يبدو- مخاطبين وزيرهم "المندفع وغير الخبير"، بأن يهدئ من روعه، ولا يندفع في تهديداته ضد حماس، لماذا؟ لأن الحركة انشغلت طوال العامين الماضيين بمراكمة قدراتها، بما في ذلك القذائف الصاروخية والأنفاق الهجومية والتسلح بمختلف أنواع الأسلحة، وربما تكون المواجهة العسكرية الأخيرة معها "بروفة" مصغرة عما سيشهده الجانبان في جولة قادمة، إذا ما أتت.

هذا يعني أن يعيد ليبرمان التفكير مجددا بدعواته الاستئصالية ضد حماس، لأن ثمن أي مواجهة عسكرية معها تشمل في النهاية إزاحة لها عن المشهد السياسي سيحمل معه أثمانا بشرية قد لا يحتملها ليبرمان، وربما تكون الوصفة السحرية لسقوطه المدوي، وإلى الأبد، كما حصل مع سلفه "عمير بيرتس" الذي شكلت له حرب لبنان الثانية جواز سفر لمغادرة الحلبة السياسية الإسرائيلية، وربما هذا ما يريده نتنياهو، إذا ما دخلنا في نظرية المؤامرة.

لا يعني هذا أن يسعى ليبرمان لتحقيق تهديداته ضد حماس في غزة، وهو ما يعني أن المسألة مرهونة بتطورات الموقف الميداني أكثر من كونها تطبيقا لرغبات شخصية لدى الرجل، بمعنى أن الأمور ستدخل في سياقاتها إذا راقبنا رد فعله على أول صاروخ ينطلق من غزة باتجاه المستوطنات الإسرائيلية، فهل سيكتفي بردود الفعل السابقة بقصف مناطق مفتوحة من القطاع دون إيقاع إصابات في صفوف الفلسطينيين، أم يتعمد اغتيال بعض الناشطين الميدانيين، وهنا قد تتدحرج كرة الثلج.

إزاحة عباس
لا يخفي ليبرمان بغضه الشديد للرئيس الفلسطيني محمود عباس، باعتباره يتحمل مسئولية اندلاع الانتفاضة الحالية، ولا يصدر تعليماته لوقفها، (وفق تصريحاته) وربما يذهب الرجل لاستنساخ ما ذهب إليه سلفه شاؤول موفاز حين قرر مع رئيس الحكومة آنذاك أريئيل شارون طي صفحة الرئيس الراحل ياسر عرفات، وتحميله مسئولية اندلاع انتفاضة الأقصى، مع اختلاف ظروف الرئيسين، وتغير البيئة السياسية التي كانت سائدة في المرحلتين.

يزعم ليبرمان أن لديه البديل الفلسطيني لعباس، ويكاد يعلن أن القيادي الفتحاوي محمد دحلان، وبعض القادة الميدانيين في الضفة الغربية، مستعدون لاستلام زمام القيادة في اليوم التالي لغياب عباس، لاسيما في ظل وجود تناغم إقليمي في المنطقة، مصدره القاهرة التي لا تخفي رغبتها باستبدال عباس بدحلان، وربما يبدو الوضع الإقليمي والدولي مواتيا لمثل هذا التغيير، في ظل انشغال أميركي واضح بالانتخابات الرئاسية، وازدحام أجندات الإقليم بالتغيرات الحاصلة في المنطقة.

المستنقع السوري
يتزامن دخول ليبرمان مقر وزارة الدفاع الإسرائيلية مع استمرار الحرب الدامية في سوريا، ودخولها مستويات غير مسبوقة من الاحتراب بين قوى محلية وإقليمية ودولية، وهو سيناريو يمنح إسرائيل استراحة زمنية طويلة، وفي الوقت ذاته تطبق فيه سياستها القاضية بعدم تجاوز أي من الخطوط الحمر التي أعلنتها، وأهمها عدم وصول شحنات أسلحة كاسرة للتوازن من سوريا إلى لبنان.

قد لا يطرأ تغيير جوهري على السياسة الإسرائيلية في الجبهة الشمالية (سوريا ولبنان) مع تولي ليبرمان موقعه الجديد وزيرا للدفاع، ربما لأن هذه الجبهة ليست حصرية بالقرار الإسرائيلي، فهناك الإقليم والمجتمع الدولي، وإسرائيل بحاجة بصورة أو بأخرى لإجراء مشاورات مع هذه الأطراف إذا قررت القيام بتغيير حاد في سياستها تجاه هذه الجبهة.

بينما يجاهر ليبرمان بإمكانية شن حروب على الفلسطينيين، يبدو في الوقت ذاته متحمسا لتقوية علاقات إسرائيل مع العرب، فهو صاحب مقترح الحلول الإقليمية، وفتح خطوط تواصل مع دول المنطقة، وتجاوز حل الصراع مع الفلسطينيين إلى تسوية له مع العرب عموما

الأهم من ذلك أن ما يحصل في سوريا ولبنان يوفر لإسرائيل بيئة جيوسياسية لم تحلم بها من قبل، فالجيش السوري حصر مهمته في إلقاء البراميل المتفجرة على مواطنيه، وحزب الله غرق حتى أذنيه في الوحل السوري، وإيران تعيش حرب استنزاف على مدار اليوم والليلة في عاصمة الأمويين.

صفقة مع الإقليم
في الوقت الذي يجاهر فيه ليبرمان بإمكانية شن حروب على الفلسطينيين، يبدو في الوقت ذاته متحمسا لتقوية علاقات إسرائيل مع الإقليم العربي، فهو صاحب مقترح الحلول الإقليمية، وفتح خطوط تواصل مع دول المنطقة، وتجاوز حل الصراع مع الفلسطينيين إلى تسوية له مع العرب عموما، وقد يكون ذلك بالتزامن مع رغبات عربية وإقليمية موازية.

فقد جاء تعيين ليبرمان فيما تعلن مصر مبادرة سياسية لعودة المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، من خلال دعوة رئيسها عبد الفتاح السيسي لتشكيل حكومة وحدة إسرائيلية تضم إلى حزب الليكود والأحزاب اليمينية، المعسكر الصهيوني الذي يمثل يسار الوسط، لكن نتنياهو رد عليه التحية بأسوأ منها حين عين ليبرمان وزيرا للدفاع بدل يتسحاق هرتسوغ، والمصريون لما ينسوا بعد تهديدات ليبرمان بقصف سد أسوان!

ومع ذلك، لم تخرج من القاهرة أو من أي من العواصم العربية أي رد فعل على تعيين ليبرمان وزيرا للدفاع، وربما يرتبط ذلك بوجود علاقات خفية مع بعض هذه العواصم، أو ربما لأن هذه العواصم العربية تعلم أن اتصالاتها ستكون مع نتنياهو مباشرة، ومن جهة ثالثة لأن بعض العرب في الإقليم؛ ومع بغضهم لليبرمان لكنهم يتوقعون منه التخلص من الصداع المزمن المسمى القضية الفلسطينية! من يعلم؟

أخيرا أصبح ليبرمان، حارس البارات القادم من روسيا، وصاحب ملفات الفساد التي تزكم الأنوف، وزيرا للدفاع في إسرائيل، وهو ما يفتح الباب واسعا على كثير من التوقعات الساخنة، بجانب إمكانية بعض التسويات المتوقعة، فلسطينيا وعربيا.. ننتظر ونرى!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.