الاستعداد للرئيس ترامب

Mercedes Vega raises her fist while protesting outside a rally for Republican U.S. presidential candidate Donald Trump in Fresno, California, U.S. May 27, 2016. REUTERS/Noah Berger

بينما يتطلع أصدقاء أميركا وحلفاؤها بدهشة للسباق شبه المؤكد بين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة؛ فإنهم بحاجة لعمل ما هو أكثر من الاكتفاء بالمشاهدة، حيث يتوجب عليهم أن يأملوا أن يتحقق الأفضل، ولكن عليهم في الوقت نفسه أن يستعدوا للأسوأ.

إن النقطة الحيوية فيما يتعلق بانتخابات 2016 ليس فقط أن أحد نجوم تلفزيون الواقع، وأحد أقطاب العقارات والذي لم ينتخب مطلقا لمنصب عام قد برز ليصبح المرشح المفترض للحزب الجمهوري، بل أيضا التأثير الضخم لانتصار ترامب على بقية العالم مقارنة بانتصار كلينتون.

في كل انتخابات رئاسية أميركية في العصر الحديث كان لأصدقاء وحلفاء أميركا تفضيلاتهم الخاصة؛ ولكن لم يحدث من قبل أن يكون المرشحان الديمقراطي والجمهوري مختلفين لهذه الدرجة، فلم تكن هناك فجوة لا يمكن تجاوزها بين ريغان وكارتر، أو كلينتون وبوش، أو بوش وغور، أو أوباما وماكين، ولكن هناك فجوة لا يمكن تجاوزها بين ترامب وكلينتون.

النقطة الحيوية فيما يتعلق بانتخابات 2016 ليس فقط أن أحد نجوم تلفزيون الواقع، وأحد أقطاب العقارات والذي لم ينتخب مطلقا لمنصب عام قد برز ليصبح المرشح المفترض للحزب الجمهوري، بل أيضا التأثير الضخم لانتصار ترامب على بقية العالم مقارنة بانتصار كلينتون

بالنسبة لبقية العالم تمثل كلينتون الاستمرارية، بينما يمثل ترامب التغيير الدراماتيكي حيث يصعب معرفة مدى دراماتيكية ذلك التغيير، ولكن الافتراض الطبيعي بأن المرشحين يحاولون عادة استرضاء أنصارهم خلال الانتخابات التمهيدية ومن ثم يعودون للوسط في الانتخابات العامة، لا يمكن التعويل عليه في حالة ترامب؛ فترشيحه هو أصلا ترشيح غير طبيعي.

لهذا السبب فإن الاستعداد سيكون منطقيا، فلقد أكد ترامب في خطابه عن السياسة الخارجية أمام مركز المصلحة الوطنية في العاصمة واشنطن بتاريخ 27 أبريل/نيسان بأن شعار "أميركا أولا" سيكون الموضوع الرئيسي لإدارته، حيث سيرفض الصفقات التجارية والمؤسسات متعددة الأطراف، وسوف يتبنى خطا أكثر تشددا بالنسبة للهجرة غير النظامية، بالإضافة إلى صياغة مقاربة جديدة تتعلق بتحالفات الدفاع والأمن.

لقد أعلن ترامب في كلمته أنه لا يريد أن يتمكن أحد من التنبؤ بمواقف الولايات المتحدة الأميركية، ولكنه أوضح كذلك أنه لن يتخلى عن موقفه الأساسي. سيتوجب على الحلفاء أن يدفعوا أكثر من أجل دفاعهم، ويمكن أن يتوقعوا إجراءات صارمة من قبل إدارته لو كان لديهم فائض مستمر ضخم فيما يتعلق بالتجارة الثنائية مع الولايات المتحدة الأميركية.

إن الاتفاقات الإقليمية مثل اتفاقية التجارة الحرة لشمال أميركا (نافتا) بين الولايات المتحدة الأميركية وكندا والمكسيك والموقعة سنة 1994 هي "كارثية" لأنها جعلت يد أميركا مغلولة، وعليه فإن الافتراض الأصح أنه سوف يتم إلغاؤها.

إذن كيف يمكن لأصدقاء وحلفاء أميركا الاستعداد للرئيس ترامب؟ بتكتم وترو بالطبع؛ ولكن من المؤكد أن مؤلف أحد الكتب الأكثر مبيعا (فن الصفقة) سوف يتفق بأن الاستعداد السليم هو جوهر عقد صفقة جيدة، ولو وجد ترامب أدلة على ذلك بعد وصوله للبيت الأبيض فمن المرجح أنه سيعجب بنظرائه بسبب قيامهم بذلك حتى لو كان ذلك سريا.

هناك نوعان من الأشياء التي يجب أن يعملها الأصدقاء والحلفاء للاستعداد للأسوأ. أولها هو جعل أنفسهم أقوى وهكذا يكونون في وضع أفضل لمواجهة ذلك المتنمر، والشيء الآخر هو دعم التحالفات والصداقات بينهم وذلك توقعا لقطع علاقات "أميركا أولا" مع الشراكات القديمة والنظام العالمي الليبرالي والذي ساد منذ الأربعينات من القرن الماضي.

إن اليابان الضعيفة والمجموعة المنقسمة التي تتكون من 28 بلدا في الاتحاد الأوروبي سيشكلان هدفا مغريا للرئيس ترامب. فاليابان التي تبنت خلال الاثنتي عشرة سنة الماضية إستراتيجية تعتمد على تحرير الاقتصاد لتعزيز النمو وهي الإستراتيجية التي وعد بها رئيس الوزراء شينزو آبي ستكون في وضع أقوى، وهذا الطرح ينطبق كذلك على الدول الأوروبية التي تخلت عن هوسها بالتقشف المالي واستخدمت برامج الاستثمار العام من أجل إطلاق النمو وتخفيض البطالة.

إن مثل هذه الخطوات والتي تعتبر ضرورية على أي حال ستسهل البدء بمهمة بناء تحالفات أقوى والتي يمكن أن تصبح ضرورية.

نظرا لإمكانية وقوع حروب تجارية وحروب عملات والتخلي عن تحالفات أمنية قامت منذ فترة طويلة، فقد حان الوقت لأن يكون التضامن الإقليمي أهم من العداوات السابقة وقوى الانقسام.. يجب على أصدقاء أميركا وحلفائها البدء بالاستعداد لأميركا أقل ودية

لو أرادت إدارة ترامب السعي لإلغاء اتفاقية نافتا، ستحتاج كندا والمكسيك لتبني قضية مشتركة، ولو قررت إدارة ترامب التخلي عن اتفاقية الشراكة التجارية عبر المحيط الهادي والتي فاوضت عليها إدارة أوباما مع 12 اقتصادا من اقتصادات آسيا والمحيط الهادي، فإنه يتوجب على تلك البلدان -بقيادة اليابان أو أستراليا– أن تكون جاهزة للاستمرار بالاتفاقية أو شيء من هذا القبيل فيما بينها (لقد انقلبت كلينتون كذلك على اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي، ولكن من المفترض أن يكون ذلك حركة تكتيكية، ولكن في حالة ترامب فإن الافتراض نفسه غير صحيح).

إن الحالة نفسها تنطبق على أوروبا فمن أجل تجنب أن يتم التلاعب بها من قبل ترامب فيما يتعلق بالتجارة أو الأمن فإنه يتوجب على الاتحاد الأوروبي والناتو أن يكونا مستعدين لرص الصفوف معا، ويعني هذا أن يكونا مستعدين لمزيد من الإنفاق على الدفاع الخاص بهم، وهو من مطالب ترامب التي تبدو منطقية، كما يعني كذلك أن تكون تلك الدول متحدة من أجل تجنب أن يتفرد بها المتنمر الأميركي واحدة تلو الأخرى.

لكن التضامن الأوروبي في حالة انقسام بسبب أزمة اللاجئين والآثار الاقتصادية للانهيار المالي سنة 2008. وفي 23 يونيو/حزيران يمكن للناخبين البريطانيين أن يجعلوا الموقف أكثر سوءا بكثير لو قاموا بالتصويت في استفتائهم على الخروج من الاتحاد الأوروبي، ومن أجل تقوية بريطانيا والاتحاد الأوروبي نفسه في حالة فوز ترامب فإنه ينصح بأن يصوت الناخبون البريطانيون على البقاء في الاتحاد الأوروبي.

إن آسيا غير معروفة بتضامنها، فقد اعتمدت -وربما بشكل يزيد عن الحد- على النفوذ الأميركي من أجل إحداث توازن مع خصومها؛ فاليابان على سبيل المثال لديها علاقات وثيقة مع دول جنوب شرق آسيا، ولكن لا يوجد لديها علاقات أمنية رسمية معها. إن كلا من اليابان وأقرب جيرانها (كوريا الجنوبية) تمتعان بمعاهدات أمنية منذ وقت طويل، ولكن كلا منهما عدائي تجاه الآخر.

نظرا لإمكانية وقوع حروب تجارية وحروب عملات والتخلي عن تحالفات أمنية قامت منذ فترة طويلة خلال فترة 9-12 شهرا القادمة؛ فقد حان الوقت لأن يكون التضامن الإقليمي أهم من العداوات السابقة وقوى الانقسام.. يجب على أصدقاء أميركا وحلفائها البدء بالاستعداد لأميركا أقل ودية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.