الملكة وضيوفها الصينيون

Britain's Prime Minister, David Cameron (R) Chinese President Xi Jinping (2-L) observe Li Qingkui (L), Chairman of China Huadian Corporation, Wang Yilin (C), Chairman of China National Petroleum Corporation and BP Chief Executive Bob Dudley (2-R) signing commercial contracts during the UK-China Business Summit at Mansion House in central London, England, 21 October 2015. President Xi Jinping arrived in Britain on 19 October 2015 for a three-day state visit. This is the first state visit to Britain by a Chinese leader since 2005.

قبل نحو نصف قرن من الزمن، غنى بول مكارتني: "صاحبة الجلالة فتاة لطيفة مليحة، ولكنها ليس لديها من الكلام الكثير". والآن، في عامها التسعين، تبدو الملكة إليزابيث الثانية عازمة فجأة على تكذيب هذه الفكرة.

في حفل أقيم في حديقة الربيع على أرض قصر باكنجهام -أكثر المواقع التي يمكن تصورها أناقة على الإطلاق- هاجمت الملكة البريطانية مؤخرا الوفد الذي رافق الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى لندن في زيارته الرسمية للبلاد في عام 2015. وفي محادثة مسجلة مع قائدة شرطة العاصمة لوسي دي أورسي، وصفت الملكة المسؤولين الصينيين بأنهم "في غاية الفظاظة"، وأعربت عن إشفاقها على دي أورسي "لسوء حظها" الذي اضطرها إلى التعامل معهم.

وفقا لرواية دي أورسي، انسحب المسؤولون الصينيون من أحد الاجتماعات في لندن معها هي والسفيرة البريطانية في الصين باربرا وودوارد، مهددين بإلغاء الزيارة بأكملها. أما عن الملكة، فمن الواضح أن نزهتها المشتركة مع الرئيس الصيني إلى لندن مول في عربة تجرها الخيول كادت تنتهي إلى مأساة بسبب مسؤول أمني صيني تظاهر بأنه مترجم رسمي.

هناك أمثلة أكثر فظاعة لسوء الأخلاق في عالَم الوظائف الرسمية مما حدث بين الصينيين والبريطانيين؛  ففي أول لقاء بينهما، سمح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لكلبه اللابرادور الأسود الضخم بدخول الغرفة على المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل المعروف عنها خوفها من الكلاب

بطبيعة الحال، لا تُعَد المناوشات الثقافية خلال الزيارات الرسمية الرفيعة المستوى أمرا خارجا عن المألوف؛ ففي عام 2009، عندما وضعت سيدة الولايات المتحدة الأولى ميشيل أوباما يدها على ظهر الملكة في حفل استقبال، تذمرت وسائل الإعلام البريطانية بشدة بدعوى أن المرء لا ينبغي له أبدا أن يلمس الملكة ما لم تمد يدها إليه. كما انتُقِد جورج دبليو بوش عندما أَتبَع تصريحا كاذبا في خطاب ألقاه عام 2007 بغمزة من عينه في اتجاه الملكة. (ربما لا يتوقع أحد غير إمبراطور اليابان أن يراعي القادة الأجانب طقوسا تفصيلية أكثر دِقة وإيلاما).

على أية حال، هناك أمثلة أكثر فظاعة لسوء الأخلاق في عالَم الوظائف الرسمية؛ ففي أول لقاء بينهما، سمح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لكلبه اللابرادور الأسود الضخم بدخول الغرفة على المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل المعروف عنها خوفها من الكلاب. وتُظهر الصور التي التُقطت لذلك الحدث بوتين وعلى وجهه ابتسامة عريضة خبيثة وكأنه صبي مشاغب في ساحة المدرسة يرهب زملاءه.

الواقع أن مثل هذه التصرفات الفظة ليست بهذا القدر من الحدة المقصودة دائما؛ فقد كاد اللورد إدوارد هاليفاكس، وزير الخارجية البريطاني -الذي كان طويلا للغاية- يسلم معطفه لأدولف هتلر في إحدى الزيارات، متصورا بطريق الخطأ أن هتلر القصير القامة أحد الخدم. وأصابت الرئيس جورج بوش الأب وعكة في مأدبة رسمية في اليابان، فتقيأ في حجر رئيس الوزراء كيشي ميازاوا قبل أن يستسلم لغيبوبة. ومن الواضح حتى عندما لا تكون النوايا الخبيثة متوفرة أن تواجد قادة العالم معا من الممكن أن يُفضي إلى كارثة دبلوماسية.

ومن هنا فإن تواجد زعماء العالم تحت سقف واحد لفترة طويلة ربما يكون النهج الأكثر خطورة على الإطلاق، وإن بدا وكأنه نهج ناجح مع ونستون تشرشل وفرانكلين د. روزفلت. ويبدو أن القادة الأميركيين والبريطانيين نجحوا في إقامة أقوى الصداقات السياسية خلال إقامة تشرشل التي استغرقت 24 يوما في البيت الأبيض عام 1941.

الواقع أن تلك الزيارة وفرت المناسبة لكي يطلق تشرشل واحدة من أشهر مزحاته؛ فحينما كان تشرشل في أحد حمامات البيت الأبيض، اندفع روزفلت فجأة إلى الغرفة لمناقشة مسألة شبه عاجلة، وبعد أن أدرك غلطته، حاول روزفلت أن يسارع إلى الخروج، ولكن قبل أن يتمكن من ذلك، وقف تشرشل عاريا وقال: "رئيس وزراء بريطانيا ليس لديه ما يخفيه عن رئيس الولايات المتحدة!"

لم تسر الأمور على هذا النحو من السلاسة بالنسبة لأولئك الذين استضافوا قيصر روسيا الشاب بطرس الأول خلال جولته الشهيرة "السفارة الكبرى" في أوروبا في نهاية القرن السابع عشر؛ إذ لم يفشل هو وحاشيته في تحقيق هدفهم الدبلوماسي الأساسي المتمثل في بناء التحالفات للمساعدة في الكفاح ضد الإمبراطورية العثمانية فحسب؛ بل إنهم خلفوا عددا كبيرا من المنازل الفخمة في حالة ربما كانت ستجعل كيث مون (عازف إيقاع بريطاني اتسم سلوكه بالفوضوية) يستحي خجلا.

إن سلوك المسؤولين الصينيين في لندن في زيارتهم الأخيرة أظهر نوعا معينا من الغطرسة يلقي الضوء على الطريقة التي ينظر بها قادة الصين إلى مكانة بلادهم في عالم اليوم، ويبدو أنهم يعتقدون أن الصين أصبحت مرة أخرى "المملكة الوسطى" التي تحتل موقعا مركزيا في العالم يستحق الاحترام العالمي

قد يقول بعض الزعماء إن حفيدة نيكيتا خروشوف، التي -حسب ما يُقال كذبا سَحقت حذاء جدها على مكتب في الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1960- ينبغي لها أن تتجنب تناول موضوع سلوكيات قادة العالم؛ ولكن سلوك الصينيين مؤخرا يستحق البحث والتمحيص.

عندما يتعلق الأمر بالارتجالية الدبلوماسية، فربما يكون بوسعنا أن نقول إن الصينيين كانوا يسيرون لفترة طويلة على ما قد يسميه المقامرون البريطانيون "النسق"؛ ففي زيارة قام بها إلى الاتحاد السوفييتي، رفض ماو تسي تونغ استخدام المرحاض الدافق الملحق بغرفته، واستخدم بدلا من ذلك مِبولة جلبها معه من الصين؛ ولعله اشتبه في أن ستالين -كما زعمت قناة البي بي سي العام الماضي- كان يجمع ويحلل برازه لتجميع المعلومات حول مزاج "الربان العظيم".

بيد أن سلوك المسؤولين الصينيين في لندن في زيارتهم الأخيرة أظهر نوعا معينا من الغطرسة يلقي الضوء على الطريقة التي ينظر بها قادة الصين إلى مكانة بلادهم في العالم اليوم، ويبدو أنهم يعتقدون أن الصين أصبحت مرة أخرى "المملكة الوسطى" التي تحتل موقعا مركزيا في العالم يستحق الاحترام العالمي، وتَبَعية الدول المجاورة لها.

الواقع أن نظرة الصين الهرمية للعالم عميقة الجذور، وهي النظرة التي يستكشفها يان تشو تونغ الذي ربما يكون المفكر الإستراتيجي المعاصر الرائد في البلاد، في كتاب "انتقال القوة العالمية" وكتاب "فِكر صيني قديم، وقوة صينية حديثة"، ويرى يان أن تصرفات الصين تعتبر أخلاقية دائما، لأنها تعكس "الترتيب" اللائق للنظام العالمي، وكل من يفشل في إدراك هذا التسلسل الهرمي أو يتحداه فهو مخطئ.

وبوسعنا أن نتبين هذا الموقف في تصريح وزير الخارجية الصيني الأسبق يانغ جي تشي الذي أصبح الآن عضوا في مجلس الدولة (الجهاز التنفيذي للحكومة المركزية). ففي قمة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، وبخ يانغ مضيفيه الفيتناميين وغيرهم من أعضاء آسيان لأنهم يرفضون قبول مزاعم السيادة الصينية في بحر الصين الجنوبي قائلا: "الصين دولة كبيرة، والدول الأخرى دول صغيرة، وهذه مجرد حقيقة".

ليس من المستغرب بهذا المنطق أن يتعامل المسؤولون الصينيون في المملكة المتحدة مع الملكة بقدر من الكياسة أقل مما قد يتوقع المرء؛ فهم يرون أن ملكة بريطانيا تلقت المعاملة التي تستحقها قوة من الدرجة الثانية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.