من يقصف القوات الدولية في سيناء؟

An Israeli flag (L) flutters next to an Egyptian one at the Nitzana crossing, along Israel's border with Egypt's Sinai desert, as seen from the Israeli side August 20, 2013. Egypt began three days of official mourning for 25 policemen killed on Monday by suspected Islamist militants in the Sinai near the desert border with Israel. REUTERS/Ronen Zvulun (ISRAEL - Tags: POLITICS)

مفاجآت
استهداف محدود
فك ألغاز شمال سيناء

في شهر أبريل/نيسان الماضي، سقطت قذيفة دبابة في صالة الألعاب الرياضية بمعسكر الشمال لقوة المراقبين الدولية (MFO) بالقرب من قرية الجورة في شمال شرق سيناء. لم يصب أحد لحسن الحظ، نظرا لسقوط القذيفة قبل الفجر؛ ولكن قذيفة أخرى سقطت بعد ذلك ببضعة أيام، فدمرت سيارة تابعة للمراقبين وأصابت جنديا.

مفاجآت
تتبع الأميركيون إحداثيات مواقع القصف عبر راداراتهم المنصوبة في المعسكر فوجدوا مفاجأة: مواقع القصف تابعة للجيش النظامي، وليست مواقع تنظيم "ولاية سيناء" المبايع لتنظيم الدولة. فما الذي يحدث؟

كشفت وثيقة أميركية مسربة عبر موقع الويكيليكس بأنه في مارس/آذار ٢٠٠٥ صرح مسؤول أمني مصري رفيع المستوى في سيناء لوفد رسمي أميركي بأن "البدوي الميت هو فقط البدوي الجيد في سيناء!" ونبه كاتب التقرير على خطورة هذه السياسة الأمنية، وأن انفجار الوضع السيناوي بسببها هو "مسألة وقت"

"المسئولون الرسميون [الأميركيون] الذين تحدثت معهم ليسوا متأكدين مما يحدث، قالوا ربما أحدهم في الجيش النظامي تمت رشوته أو تهديده من قِبَل "داعش" لقصفنا. أو ربما يكون قائد عسكري مارق [متعاطف أو موال للتنظيم]،" يقول توم بومان المراسل العسكري للراديو الأميركي الوطني (NPR) لدى البنتاغون، وهو قد زار معسكر الشمال في ديسمبر/كانون أول الماضي وصرح بعدها "بأن الوضع خطير للغاية." ولكن هناك احتمالات أخرى لم يستبعدها خبراء آخرون، ومنها احتمال "النيران الصديقة" رغم أن الخطأ متكرر، ولم يستبعد المسئولون أيضا احتمالات "نظرية المؤامرة."

"يتفوق الإرهابيون على القوات الدولية في القوة النارية في الوقت الراهن.. فالمتمردون يمتلكون قذائف هاون ومدفعية خفيفة ويطلقونها على معسكراتنا،" يقول الجنرال المتقاعد مارك هرتلينغ. وقد جاء تصريحه بعد إخطار وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر مصر وإسرائيل بأن الولايات المتحدة تفكر في مراجعة مهمتها في سيناء عن طريق زيادة الاعتماد على تكنولوجيا الاستشعار عن بعد، وبالتالي سحب القوات الأميركية بعيدا عن شمال شبه الجزيرة المضطرب، الأمر الذي رفضه ومازال يرفضه النظام الحاكم في مصر نظرا لارتباط التواجد بالمساعدات العسكرية الأميركية، وكذلك الحكومة الإسرائيلية خوفا من التهديدات الأمنية والعسكرية القادمة من سيناء وحالة عدم الاستقرار هناك.

وكانت الولايات المتحدة قد حذرت من خطورة السياسات الأمنية والعسكرية المتبعة في سيناء، وما تنتجه منذ أكثر من عقد من الزمان. فقد كشفت وثيقة أميركية مسربة عبر موقع الويكيليكس بأنه في مارس/آذار ٢٠٠٥ صرح مسؤول أمني مصري رفيع المستوى في سيناء لوفد رسمي أميركي بأن "البدوي الميت هو فقط البدوي الجيد في سيناء!" ونبه كاتب التقرير على خطورة هذه السياسة الأمنية، وأن انفجار الوضع السيناوي بسببها هو "مسألة وقت."

استهداف محدود
سَحب جنود من القوة الدولية بسبب تمرد سيناوي مسلح هو التطور الأول من نوعه منذ أن نُشرت قوة المراقبين في يناير/كانون الثاني ١٩٨٢. والخطر الذي يتهددهم حقيقي، فتنظيم "ولاية سيناء" هو أقوى تنظيم مسلح -غير تابع للدولة- في تاريخ مصر الحديث، حتى بالمقارنة بأحداث الخمسينيات والتسعينيات.

"فالولاية" تصدر نشراتها العسكرية بشكل شهري وسنوي، وفي يناير/كانون الثاني (أو فبراير/شباط) ٢٠١٦ (الموافق لربيع الثاني١٤٣٧ هجريا)، أصدرت "الولاية" حصاد العمليات العسكرية الشهري، زاعمة تدمير ٢٥ عربة مدرعة (تشمل دبابات، كاسحات ألغام، جرافات)، وقتل أكثر من مئة جندي.

ويزعم التنظيم أنه اعتمد على العبوات الناسفة في ٥٩٪ من عملياته في هذه الفترة، يلي ذلك الاعتماد على تكتيكات حروب المغاوير (٢٠٪)، ثم القناصة (١٢٪)، ثم الاغتيالات عن قرب للقادة والمتعاونين المزعومين (٩٪).

أما حين يتعلق الأمر باستهداف القوة الدولية، فهناك بعض الفروق الهامة التي يجب أن يسلط الضوء عليها. فنحو ٩٠٪ من هجمات "الولاية" المسجلة استهدفت القوات النظامية أو متعاونين محليين معها منذ تصعيد العمليات العسكرية في سيناء في سبتمبر/أيلول ٢٠١٣، أما الهجمات على أهداف أخرى (مثل إسرائيل أو السياحة) فقد تضاءلت بشكل ملحوظ في الكَمّ، وليس بالضرورة في النوعية أو مستوى الأضرار (كما يتبين من حالة الطائرة الروسية).

أما الهجمات على القوة الدولية فكانت محدودة أيضا. فمنذ أغسطس/آب ٢٠٠٥، سُجلت حوالي عشر هجمات، ست منها عبر عبوات ناسفة مزروعة في الطرق، وبالتالي المُستهدَف غير واضح في تلك الحالات. أما في حالات أخرى، فكان المستهدف واضحا. ففي سبتمبر/أيول ٢٠١٢، اقتحم مسلحون "معسكر الشمال" واستولوا على معدات وتبادلوا إطلاق النار مع القوة، مما أسفر عن إصابة أربعة جنود، وفي يونيو/حزيران ٢٠١٥، هوجمت القوة في مطار الجورة بقذيفة هاون واحدة وصاروخ غراد.
وبالمقارنة مع تعقيد واستدامة الهجمات على الجيش النظامي، فالهجمات على القوة الدولية هي ذات كثافة منخفضة نسبيا، وهذا لغز في حد ذاته. فقد تسبب القصف الجوي الذي قادته الولايات المتحدة في قتل أكثر من ٢٠ ألف عضو من تنظيم الدولة، بحسب تقديرات البنتاغون.

لا يزال تنظيم الدولة في حالة حرب شرسة ودموية مع الولايات المتحدة وحلفائها في العراق وسوريا وليبيا وبلاد أخرى؛ ولكن لا يبدو أن الفرع المصري للتنظيم يضع مهاجمة المراقبين العسكريين الأميركيين على رأس أولوياته، رغم تمركزهم في مناطق عملياته الرئيسية (شمال شرقي سيناء)

ولا يزال التنظيم في حالة حرب شرسة ودموية مع الولايات المتحدة وحلفائها في العراق وسوريا وليبيا وبلاد أخرى. ولكن لا يبدو أن الفرع المصري لتنظيم الدولة يضع مهاجمة المراقبين العسكريين الأميركيين على رأس أولوياته، رغم تمركزهم في مناطق عملياته الرئيسية (شمال شرقي سيناء). جزء من فك هذا اللغز متعلق بالحسابات المحلية "لولاية سيناء" فيما يبدو.

فك ألغاز شمال سيناء
"حين يبدأ النظام بالقصف العشوائي فوق رؤوس السكان، يهرع هؤلاء للبيات قرب معسكر الشمال، فهذه منطقة آمنة نسبيا. أما لو هاجمت "الولاية" المعسكر بكثافة، فسيزول هذا الملاذ الآمن، وسيغضب السكان،" يقول ناشط سيناوي محلي.

"التنظيم يريد أن يرسل رسالة للسكان مفادها أنه -بخلاف النظام- يهتم بسلامتهم" يقول الناشط. وفي إطار البروباغاندا تعتبر هذه الرسالة مفيدة للتنظيم من حيث بُعدَي التعاون والتجنيد المحتمل والشرعية المحلية. ولكن "الولاية" مازالت بحاجة لإظهار الولاء لتنظيم الدولة، ومن هنا تأتي الهجمات على القوة الدولية بين الحين والآخر.

وفيما تتضاءل احتمالات "مروق" الضباط أو رشوتهم وتهدديهم من قبل "الولاية" من وجهة نظر كاتب السطور، وذلك نظرا للمركزية الشديدة التي تتسم بها القوات النظامية، والرقابة المشددة على عناصرها من قبل إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع وأجهزة أخرى منافسة للأخيرة في منطقة شديدة الحساسية المحلية والدولية؛ تبقى احتمالات التآمر و"العلم المزيف" قائمة، لتصعيد خطورة الوضع وتحقيق مكاسب تُؤخذ من الجانب الأميركي بناء على ذلك.

ويبقى الاحتمال الأكبر هو "النيران الصديقة" والخطأ المتكرر نظرا لعدم الكفاءة، فقد تكررت أخطاء مشابهة على مدار الأعوام الثلاثة الماضية بشكل مكثف. فخلطة التسامح مع القتل مع الحصانة القانونية للقتلة مع عدم الكفاءة العسكرية هي خلطة خطيرة، كان من بين ضحاياها السياح المكسيكيون في الصحراء الغربية بسيناء، وكاد أن يكون من بينهم ركاب طائرة تومسون السياحية البريطانية (أطلق الجيش النظامي صاروخ أرض جو عليها بطريق الخطأ فوق جنوب سيناء في أغسطس/آب الماضي)، وربما أيضا القوة الدولية في شمال سيناء. وهذا بالإضافة لآلاف المصريين في سيناء وخارجها، الذين لم يتصدر خبر مقتلهم عناوين الصحف الدولية، لكونهم مجرد مصريين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.