مفاجأة كتائب القسام واحتمالاتها

رسائل حماس من إعلان الأسرى الإسرائيليين

تجارب سابقة
قضية الأسرى
احتمالات وخيارات

لم تكن مفاجأة كاملة تلك التي أعلنت عنها كتائب عز الدين القسام، بعرضها صورا لأربعة أسرى إسرائيليين، في مؤتمر صحفي موجز وسريع للناطق باسمها أبو عبيدة، فقد أعلنت سابقا عن وجود أسرى، دون إفصاح عن حالتهم، إن كانوا أحياء أو أمواتا، أو إن كانوا لديها أو لدى جهة قريبة منها، متعمدة الغموض البناء لإرباك إسرائيل وزيادة الضغوط على حكومتها، وإثارة الرأي العام فيها، على غرار ما جرى إبان أسر الجندي جلعاد شاليط.

هناك عدة أسباب جعلت حركة حماس تدفع نحو هذا التطور، أولها، تصريح رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي قال فيه إن حكومته تعمل على إطلاق سراح المعتقلين بالتعاون مع دول إقليمية معينة، لتهدئة خواطر أهالي المعتقلين والرأي العام الإسرائيلي، وبما يفيد بأنه يعمل على ذلك في تجاوز لحركة حماس، أي من دون دفع أي ثمن مقابل.

وثانيها، ربما وجدت حماس أن من مصلحتها إشهار هذه الورقة، ووضعها في التداول، للرد على محاولات إسرائيل تجاهل هذا الملف، أو التقليل من شأنه، لاسيما وأن أطرافا من قوى اليمين الإسرائيلي المتطرف تحرض وترفض دفع أي ثمن مقابل الإفراج عن أسرى إسرائيليين، خاصة مع تشريع الكنيست لقانون ينص على رفض إطلاق أسرى فلسطينيين ممن تعتبرهم إسرائيل "ملطخة" أياديهم بالدم، وكأن جنودها أطفال أبرياء أو سياح أو حمائم سلام!

ربما وجدت حماس أن من مصلحتها إشهار ورقة الجنود الأسرى ووضعها الآن في التداول، للرد على محاولات إسرائيل تجاهل هذا الملف أو التقليل من شأنه، لاسيما وأن أطرافا من قوى اليمين الإسرائيلي المتطرف تحرض وترفض دفع أي ثمن مقابل الإفراج عن أسرى إسرائيليين

وثالثها، هناك ما يشير للاعتقاد بأن حركة حماس تحاول توظيف هذا الملف لتعزيز علاقاتها الإقليمية، وللخروج من حال الضغط أو الحصار التي تتعرض لها، خاصة مع قيام وفد رفيع منها بزيارة إلى مصر.

ورابعها، أن حركة حماس تحاول في هذه الظروف تعزيز مكانتها فلسطينيا وعربيا، وتحقيق انتصار سياسي يتمثل بالإفراج عن أعداد كبيرة من الأسرى من السجون الإسرائيلية.

تجارب سابقة
إضافة إلى ما تقدم يجدر بنا هنا التنويه هنا إلى أن أوساط حماس تؤكد أن ملف الأسرى هو ملف خاص في ذاته ولذاته، وليست له صلة بملفات أخرى، كملف رفع الحصار مثلا، وأنها تتوخى من طرحه الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين (ما بين 5 إلى6 آلاف)، وفي مقدمتهم الأسرى المفرج عنهم في صفقة وفاء الأحرار التي تم التبادل فيها مع إسرائيل بجلعاد شاليط في العام 2011، والذين قامت إسرائيل بمعاودة اعتقال مجموعة منهم في الفترة السابقة، بما يخل بكل الاتفاقات التي تم التوصل إليها، كما هو عادة إسرائيل.

ويبدو من الوجاهة بمكان تمسك حماس بهذا المنطق قياسا على التجارب السابقة، ففي التبادل الذي حصل بعد غزو لبنان 1982، استطاعت حركة فتح مبادلة ستة جنود إسرائيليين بحوالي 4500 فلسطيني من معتقل أنصار، وفي التبادل الذي أجرته الجبهة الشعبية القيادة العامة، جرى مبادلة 1153 فلسطيني ولبناني مقابل ثلاثة إسرائيليين، وفي العام 2004 أجرى حزب الله مفاوضات تبادل تمخضت عن إطلاق 4000 فلسطيني ولبناني مقابل ثلاثة إسرائيليين، أما في التبادل الذي أجرته حركة حماس، والذي أفرجت بموجبه عن الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط فقد تم تحرير 1050 فلسطينيا من سجون الاحتلال.

القصد من كل ذلك لفت الانتباه إلى أنه من حق حركة حماس، ومن حق الفلسطينيين عموما، الضغط بهذه الورقة للإفراج عن كافة المعقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، خاصة أن هؤلاء الجنود تم أسرهم في ميدان القتال.

وبالمقابل فإن العدد الأكبر من المعتقلين الفلسطينيين، هم من المدنيين الذين لم يشاركوا في أعمال قتالية، وخاصة منهم المعتقلون الإداريون الذين يتم اعتقالهم لمجرد الشبهة، ولا يخضعون لأية محاكمة، ويجري تجديد حبسهم ستة أشهر بشكل مستمر ودون أي سبب، اللهم إلا إجراءات الاحتلال العسكرية التعسفية والعنصرية.

قضية الأسرى
أصبحت قضية الأسرى الفلسطينيين واحدة من أهم قضايا الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لا سيما إذا علمنا أن عدد الفلسطينيين الذين زجت بهم إسرائيل في سجونها يقارب الـ 800 ألفا (بعضهم اعتقل عدة مرات).

تؤكد أوساط حماس أن ملف الأسرى هو ملف خاص في ذاته ولذاته، وليس له صلة بملفات أخرى، كملف رفع الحصار مثلا، وأنها تتوخى من طرحه الإفراج عن آلاف الأسرى الفلسطينيين، وفي مقدمتهم الأسرى المفرج عنهم في صفقة وفاء الأحرار الذين أعادت إسرائيل اعتقال عدد منهم

والمشكلة هي أنالاعتقال جزء من السياسة التي تنتهجها إسرائيل لإخضاع الفلسطينيين، وتطويعهم لسياساتها، وتدفيعهم غاليا ثمن رفض الاحتلال ومقاومته. وفوق هذا وذاك فإنه يمثل جزء من سياسة العقاب الجماعي ضد الفلسطينيين، وبخاصة ضد جيل الشباب الذين يظهرون عناد الفلسطينيين، واستعصاء قدرة إسرائيل على وأد مقاومتهم، ثم إن معظم عمليات الاعتقال تتم بشكل تعسفي أي لمجرد الشبهة، وبشكل استباقي.

وكانت قضية المعتقلين الفلسطينيين إحدى المسائل المدرجة في اتفاق أوسلو 1993 لكن إسرائيل كعادتها -وكما في مواضيع أخرى مشابهة- تنصلت من الاستحقاقات المطلوبة منها، ولم تفرج عن المعتقلين الفلسطينيين الذين اعتقلتهم قبل الاتفاق المذكور. ثم رفضت قبل عامين مواصلة تعهداتها بالإفراج عن الأسرى القدماء، الأمر الذي قوض عملية المفاوضات التي كانت قد استؤنفت برعاية أميركية وعربية في مايو/أيار 2013.

في كل الأحوال فإن قضية الأسرى تعتبر بمثابة جرح فلسطيني مفتوح، لأنها تتعلق باستنزاف مجتمع الفلسطينيين، وهدر أعمار شبابه، وتفويت فرص التعليم عليهم، ومحاولة كسرهم، وهو أمر لم يجد الفلسطينيون حتى الآن إستراتيجية مناسبة للرد عليه، إذا استثنينا عمليات تبادل الأسرى التي تجري من حين لآخر، والتي تقوم إسرائيل بعدها بمواصلة السياسات ذاتها، المتعلقة بالعقاب الجماعي، وضمنه أخذ مزيد من الأسرى كرهائن، في محاولتها "كي وعي" الفلسطينيين.

القصد من ذلك أن الفلسطينيين مطالبون بصياغة إستراتيجية فعالة، بالتعاون مع الأطراف الدولية والإقليمية والعربية، لوضع حد لانتهاج إسرائيل سياسة العقاب الجماعي، وخاصة منها الاعتقال التعسفي، وهدم البيوت، ومصادرة الأراضي، وانتهاك حرمات المسجد الأقصى، وحرمان الفلسطينيين من الوصول إليه، وحصار غزة منذ قرابة عشرة أعوام.

احتمالات وخيارات
ولكن ماهي احتمالات التعامل الإسرائيلي مع هذا الملف؟ معلوم أن كتائب القسام ألقت بهذه "الجمرة" في ظروف لا تعيش فيها الحكومة الإسرائيلية في أحسن أحوالها، وفي ظل اتهامات متزايدة لجيشها بقتل الفلسطينيين بشكل متعمد، كإعدام دون محاكمة، ودعاوي الفساد على بعض أركان الحكومة الإسرائيلية ما يهدد بتفككها في أي لحظة والذهاب إلى انتخابات مبكرة، مع وجود قوى إسرائيلية يمينية متطرفة تحاول المزايدة على نتنياهو في كثير من الملفات المتعلقة بالفلسطينيين.

على ضوء كل ذلك ينبغي الانتباه إلى أن الأمور لا تسير بحسب الرغبات، إذ ثمة عدة احتمالات إسرائيلية للتعامل مع هذه الملف، ينبغي أخذها بعين الاعتبار.

الأول، يقوم على أساس سياسة مفادها استمرار تجاهل إسرائيل لهذا الأمر، أو التقليل من شأنه، لإرغام حماس على إبداء تساهل أكبر بخصوص التفاوض حول حيثيات صفقة معينة بأقل كلفة ممكنة.

على حماس أن تتصرف بملف الجنود الأسرى بحكمة وتعقل ومن دون مبالغات، ومع الأخذ في الاعتبار كل الاحتمالات دون استثناء، بما فيها لجوء إسرائيل لشن حملة عسكرية على القطاع كما جرى في حرب 2006 ضد لبنان بعد أسر جنديين إسرائيليين

والثاني، ينطلق من حث أطراف عربية وإقليمية مقربة من حماس أو لديها قوة ضغط أو تأثير عليها في هذا الموضوع (تركيا ومصر وقطر) لدفعها للمقايضة، مقابل تسهيلات معينة لا تؤثر على الملف الأصلي، أي المتعلق بالإفراج عن الأسرى، وهذا احتمال سيبقى قائما، لاسيما في هذه الظروف.

وثالثها، إمكان شن إسرائيل حملة عسكرية ضد قطاع غزة على نحو ما جرى بعد أسر شاليط، وما جرى في حرب 2006 ضد لبنان إثر أسر جنديين إسرائيليين، وهو احتمال ينبغي عدم استبعاده -وإن كان مكلفا- على ضوء التجارب السابقة، وإنما يفترض الانتباه له والحذر من الوصول إليه، لاسيما في ظروف الاضطراب الحاصلة في المنطقة، إذ أن إسرائيل ستجد نفسها مطلقة السراح في البطش بقطاع غزة والإمعان فيه قتلا وتدميرا، مع تأكيدنا أنها ستلقى مقاومة كبيرة وأنها ستتكبد خسائر فادحة.

القصد من كل ذلك أن على حماس أن تتصرف بهذا الملف بحكمة وتعقل كبيرين، ومن دون مبالغات، ومع الأخذ في الاعتبار كل الاحتمالات من دون استثناء، ولاسيما الحرص الشديد على عدم الوصول إلى اللحظة التي تدفع إسرائيل إلى شن حرب جديدة، ومن المجدي لحركة حماس أن تعزز ورقتها المتعلقة بالأسرى الإسرائيليين، وأن تحصن موقفها بمنح هامش معين في هذا الأمر لحلفائها الإقليميين، وعبر حملة علاقات عربية ودولية، يمكن أن تكبح أي حماقة إسرائيلية ضد قطاع غزة.

وربما من المفيد لها أيضا -وبغض النظر عن تقييمنا للنظام المصري- أن توظف هذا الأمر في تصويب العلاقة المصرية معها ومع قطاع غزة، ما يفيد في التسهيل على قرابة مليوني فلسطيني يعانون الأمرين جراء إغلاق مصر لمعبر رفح بسبب التوتر الحاصل في العلاقة بين حماس ونظام السيسي.

المشكلة أنه بغض النظر عن رأينا ببطولات المقاومة وصمودها وقدرتها على تكبيد إسرائيل خسائر فادحة، وكسر هيبة جيشها، إلا أن الواقع يفيد أن الفلسطينيين هم الطرف الأضعف في هذه المعادلة، فهم هنا الضحايا، وهم الذين يقتلون ويعتقلون ويخضعون للحصار.

والمشكلة أيضا أن كل هذا يحصل في ظروف الاضطراب أو الخراب في المشرق العربي، أي أن الفلسطينيين متروكون في هذه المرحلة في مواجهة إسرائيل التي تمتلك آلة عسكرية مدمرة، وتحظى برعاية وتفهم دوليين لكل ممارساتها الوحشية بحق الفلسطينيين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.