أوروبا مقابل الدولة الإسلامية

تفجيرا في مطار بروكسل

بعد هجمات نوفمبر/تشرين الثاني الإرهابية في باريس والتي خلفت 130 قتيلا، كتبت تعليقا بعنوان "نحن في حالة حرب"، وواجهت بعد ذلك انتقادات كبيرة من القراء الأوروبيين وغير الأوروبيين على حد سواء. كيف أجرؤ على استخدام كلمة "حرب" لوصف الهجمات! الكلمات هي بمثابة أسلحة، و يعتبر سوء استخدامها أمرا غير مسؤول، بل وخطير.. ألم أتعلم شيئا من شوفينية جورج بوش؟

في الحقيقة، كنت أعرف بالضبط ما كنت أفعله عندما اخترت هذه الكلمة، فعندما واجهت بروكسل هجوم إرهابيا في مطارها وفي محطة المترو الأسبوع الماضي، استخدم أفراد خدمات الطوارئ نفس الكلمة، مطالبين بعلاج "جروح الحرب"، ولذلك سأقولها مرة أخرى: نحن في حالة حرب.

بطبيعة الحال، هذه ليست حربا تقليدية، لم يطلق أي إعلان رسمي عن أي أعمال حربية؛ لكن الهجمات التي شنت ضد باريس وبروكسل كانت أعمال حرب، وتتمثل في مناورات متعمدة ووحشية مخطط لها من قبل مجموعة من الناس يسيطرون على جزء كبير من الأرض.

لا ينبغي الخلط بين الإرهابيين واللاجئين إلى أوروبا، ويمثل اللاجئون الذين طردوا من ديارهم بسبب تصرفات داعش وغيرها من مرتكبي العنف فرصة مهمة لأوروبا، ولا يمكن السماح للشعبويين الأوروبيين الذين يحتقرون القيم الأوروبية بإضاعة هذه الفرصة من خلال التعصب وحملة التخويف

ولا تستهدف هذه الأعمال سكان أوروبا فحسب، بل تطعن في قيمها الأساسية أيضا، وهي جزء من نمط أوسع من العدوان الذي لن يتلاشى ببساطة. في الواقع، على الرغم من احتمال تقلص إقليم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق، لكنها تتوسع في ليبيا، ومن يدري أي بلد سيستولي عليها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) غدا؟ فعلى سبيل المثال، يمكن أن تكون أجزاء من الجزائر معرضة للخطر.

لقد حان الوقت لكي يدرك الاتحاد الأوروبي الواقع، وأنه في حالة حرب شاء أم أبى، ويجب أن يتصرف على هذا الأساس. وهذه لحظة قوية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية التي تحتاج فيها أوروبا لتولي مسؤولية أمنها بنفسها، وقد حان الوقت لذلك. وهذا يعني التعامل مع الخطر في الداخل وأخذ دور قيادي لمكافحة داعش، ليس فقط بسبب القرب الجغرافي لأوروبا، ولكن بسبب المساهمات الماضية التي قامت بها بعض دول أوروبا مثل فرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة في زعزعة استقرار المنطقة.

وفي هذا المسعى، من الملفت للنظر أنه لا ينبغي الخلط بين الإرهابيين واللاجئين المهاجرين إلى أوروبا، ويمثل اللاجئون الذين طردوا من ديارهم بسبب تصرفات داعش وغيرها من مرتكبي العنف فرصة مهمة لأوروبا، ولا يمكن السماح للشعبويين الأوروبيين الذين يحتقرون القيم الأوروبية اليوم بإضاعة هذه الفرصة من خلال التعصب وحملة التخويف.

وبطبيعة الحال، ليس الإرهاب هو التهديد الأمني الوحيد الذي يواجه الاتحاد الأوروبي حاليا، فمع تركيز الولايات المتحدة على آسيا والشرق الأوسط (ناهيك عن نفسها)، أصبح الأمر متروكا لقادة الاتحاد الأوروبي ليحسموا أمرهم للحد من طموحات روسيا في الجزء الشرقي من أوروبا.

وفي الوقت الذي بإمكان الاتحاد الأوروبي صب اهتمامه نحو الداخل إذا ما أتيحت له فرصة الاختيار، يجب مواجهة هذه التحديات الخارجية الشاقة، وآخر ما يحتاج إليه هو تحد داخلي أو عدم استقرار، لكن هذا هو ما يواجهه بالضبط، وذلك نتيجة لمحاولات رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الفاشلة إرضاء المعارضين في حزب المحافظين بالبقاء في الاتحاد الأوروبي من خلال التخطيط للاستفتاء حول ما إذا كانت المملكة المتحدة يجب أن تظل عضوا أم لا. عندما يكون منزلك المشترك معرضا لخطر الحريق، تعمل مع مستأجرين آخرين لإخماد الحريق، ولن تثير ضجة حول من الذي سيحمل الخرطوم لإطفاء الحريق.

وتوجد مفارقة بين ما تحتاج إليه أوروبا وما هي على استعداد للقيام به، مما يعكس وجود فجوة بين العقل والعاطفة. فمن المنطلق العقلاني، نرى أن هناك حاجة واضحة إلى مزيد من التعاون الأوروبي في مجال الأمن والدفاع، كما أشار رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي. لكن عاطفيا، يبدو أن العكس صحيح، كما يتضح ذلك من فشل الاتحاد الأوروبي في صياغة سياسة مشتركة تجاه نزوح اللاجئين.

بطبيعة الحال، لا يمثل الإرهاب التهديد الأمني الوحيد الذي يواجه الاتحاد الأوروبي حاليا، فمع تركيز الولايات المتحدة على آسيا والشرق الأوسط -ناهيك عن نفسها- أصبح الأمر متروكا لقادة الاتحاد الأوروبي ليحسموا أمرهم للحد من طموحات روسيا في الجزء الشرقي من أوروبا

مثل رينزي اليوم، تقوم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وحدها بتوجيه نداء من أجل الاستجابة الإنسانية لأزمة اللاجئين، فبالنسبة لمعظم الأوروبيين، يبدو أن الحالة لا تقاوم، لذلك نفروا منها، كما يتضح من قول رئيسة لاتفيا ريموندز فيجونيس يوما لميركل في اجتماع المجلس الأوروبي في العام الماضي "اللاجئون، هذه مشكلتك". في الوقت ذاته يثير الإرهاب بتكتيكاته التي لا يمكن التنبؤ بها وحدوده الغامضة قلقا مماثلا.

في الحقيقة هذا التحدي خطير بشكل كبير، فلا تتبادل دول الاتحاد الأوروبي حتى المعلومات على نحو فعال، وقد نشأت مشكلة مماثلة بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، أي بعد الهجمات الإرهابية في الولايات المتحدة التي حجبت المعلومات حتى عن أقرب حلفائها، مثل كندا والمملكة المتحدة، وكان ذلك سبب إحباط مباشر في يناير/كانون الأول 2002 في المنتدى الاقتصادي العالمي، حيث ترأست جلسة خاصة لقادة الأجهزة الأمنية الغربية.

واليوم، وفقا لقوة نظم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، هناك من جهة أجهزة الاستخبارات والأمن الفرنسية والبريطانية (وهي الأقوى)، ومن جهة أخرى نجد البقية. وتعتبر بلجيكا ضعيفة في هذا المجال، نظرا لضعف هياكل دولتها وهويتها اللغوية والثقافية المعقدة، وعدم حصولها على معلومات من جانب الفرنسيين والبريطانيين على الإطلاق، لكن هذا ليس الوقت المناسب للتكبر، ناهيك عن الخوف والإخفاء.

إذا كان الإرهابيون يستهدفون أوروبا، فذلك لأنهم يعتقدون أن أوروبا هي رابط الغرب الضعيف، ومن أجل سلامتها يتعين عليها أن تثبت عكس ذلك، ولعل الطريقة الوحيدة للقيام بذلك هي وقف السماح للرغبة العاطفية بالاختباء وراء القومية مدعية أنها ستطغى على الإدراك العقلاني الذي هو السبيل الوحيد لتأكيد أن العمل الموحد هو الحل الوحيد لتثبيت الأمن على نطاق أوسع.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.