قوانين الاحتلال للسيطرة على القدس

القدس الحالية
بما أن إسرائيل قوة محتلة، فإن قيامها بإصدار التشريعات يحب أن يكون لمصلحة الشعب المحتل (المقدسيين)، لكن جملة القوانين التي أقرتها إسرائيل للتطبيق على المقدسيين وعقاراتهم وممتلكاتهم وحياتهم اليومية إنما تهدف إلى تعزيز الاحتلال، وتقليص الوجود الفلسطيني العربي في القدس.

فقد قسمت القدس نتيجة الواقع العملي الذي نجم عن نكبة عام 1948م إلى قسمين (غربي وشرقي)، ويخضع القسم الغربي لحكم إسرائيل وسيادتها، ويشمل الضواحي التي أقيمت خارج أسوار المدينة القديمة ابتداءً من الربع الأخير من القرن التاسع عشر، وتقع غربي باب الخليل.

وتشمل القدس الغربية الأحياء اليهودية والأحياء العربية التي هجر أهلها خلال النكبة مثل: الطالبية والقطمون، كما ضُمت أراضي القرى الفلسطينية المهجرة غرب المدينة إلى المدينة الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية مثل عين كارم والمالحة ودير ياسين ولفتا وغيرها.

ثم قامت إسرائيل بعد ذلك بتوسيع حدود بلديتها لتشمل منطقة تصل إلى نحو 40000 دونم، وأقرب نقطة في هذه المساحة إلى المدينة القديمة تقع في منتصف شارع مأمن الله، وتحديدًا في نقطة التقائه بشارع الملك داود.

أما القسم الثاني وهو القسم الشرقي الذي يشمل البلدة القديمة كلها فقد أصبح تحت سلطة المملكة الأردنية الهاشمية، وقامت المملكة بتوسيع حدود بلدية القدس التي خضعت لسيادتها لتضم مناطق من وادي الجوز وسلوان وجبل الزيتون والشيخ جراح بمساحة إجمالية تصل إلى حوالي 6000 دونم.

وهكذا أصبح لمدينة القدس بلديتان ترعيان شؤون السكان المحليين فيها، تخضع إحداهما للسيادة الإسرائيلية، والثانية للسيادة الأردنية.

وقد استندت إسرائيل في فرض سيادتها على الجزء الذي سيطرت عليه في القدس الغربية إلى إعلان استقلالها، وإلى نتيجة الحرب التي أدت إلى سيطرتها الفعلية على هذا الجزء من المدينة.

رفضت إسرائيل رفضا تامًّا كافة قرارات الأمم المتحدة بشأن جعل المدينة حيادية، وذات سيادة ونظام خاصين. وقامت فعليًّا بالإعلان عن أن القدس عاصمة لها، وبدأت بناء مؤسسات السلطة فيها

رفض الحيادية
رفضت إسرائيل رفضا تامًّا كافة قرارات الأمم المتحدة بشأن جعل المدينة حيادية، وذات سيادة ونظام خاصين. وقامت فعليًّا بالإعلان عن أن القدس عاصمة لها، وبدأت بناء مؤسسات السلطة فيها.

لقد جعلت إسرائيل من القدس الغربية مركزًا لمؤسسات الدولة، حيث أقيم فيها البرلمان، ومكتب رئيس الدولة والوزارات المختلفة.

أما المملكة الأردنية فلم تعلن القدس الشرقية عاصمة لأي كيان سياسي، وإنما اعتبرتها واحدة من المدن الأردنية، واعتمدت بذلك على قرارات الحكومة الأردنية والمراسيم الملكية التي ضمت مناطق الضفة الغربية إلى المملكة، وأهمها المرسوم الملكي الصادر عام 1949م، المنبثق عن مؤتمر أريحا الذي دُعي الأردن فيه إلى ضم أراضي الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية إلى المملكة الأردنية الهاشمية، وبذلك أصبحت القدس الشرقية تحت سيادة قانون المملكة الأردنية الهاشمية منذ عام 1948م.

في السابع من يونيو/حزيران عام 1967م احتلت إسرائيل الجزء الشرقي من مدينة القدس، الذي كان واقعا تحت الحكم الأردني، وشكلت إدارة عسكرية إسرائيلية للمدينة بقيادة شلومو لاهط، رئيس بلدية تل أبيب السابق، واتخذت هذه القيادة فندق الأمبسادور مقرا لها.

باشرت السلطات الإسرائيلية سلسلة إجراءات عملية هدفت إلى دمج شطري المدينة فأزيلت بوابة مندلباوم التي كانت نقطة العبور بين القدس الغربية والشرقية، وأزيلت الحواجز الأخرى التي كانت تفصل بين جزئي المدينة وامتدت على طول "الخط الأخضر" الذي أفرزته اتفاقية الهدنة التي وقعت بين المملكة الأردنية الهاشمية وإسرائيل في نيسان 1949.

قوانين حزيران
بعد الاحتلال الإسرائيلي للقدس، أصدرت إسرائيل سلسلة من القرارات هدفها ضم القدس العربية إلى الحكم "الإسرائيلي" المباشر:

– ففي 11 يونيو/حزيران 1967م صدر قرار حكومي ضمت بموجبه القدس الشرقية إلى إسرائيل، وشكلت لجنة وزارية لتصوغ الغطاء القانوني الإداري.

– في 27 يونيو/حزيران 1967م أصدر البرلمان الإسرائيلي "الكنيست" قرارا على شكل إضافة فقرة إلى قانون إسرائيلي هو (قانون الإدارة والنظام 1948م) وقد خولت تلك الفقرة حكومة "إسرائيل" تطبيق ذلك القانون على أية مساحة من الأرض ترى حكومة إسرائيل ضمها إلى "أرض إسرائيل".

– في 28 يونيو/حزيران 1967م أصدر سكرتير حكومة "إسرائيل" أمرا أطلق عليه (أمر القانون والنظام رقم (1) لسنة 1967م) أعلن فيه أن مساحة "أرض إسرائيل" المشمولة في الجدول الملحق بالأمر، هي خاضعة لقانون قضاء وإدارة "الدولة الإسرائيلية".

ويضم هذا الجدول منطقة تنظيم أمانة مدينة القدس (البلدية) التي تقع تحت الحكم الأردني (ما بين المطار وقرية قلنديا شمالا، وبيت حنينا غربا، وقرى صور باهر وبيت صفافا جنوبا، وقرى الطور والعيزرية وعناتا والرام شرقا) ويقطنها حوالي مائة ألف من العرب، أضحوا بموجب هذا الأمر خاضعين للسيادة "الإسرائيلية" مباشرة، وأصبحت جميع الأملاك والأراضي التي تقع ضمن حدود القدس الموسعة جزءا من أراضي "دولة إسرائيل".

في 29 يونيو/حزيران 1967م، أصدر الجيش الإسرائيلي أمرا يقضي بحل مجلس أمانة القدس "البلدية" العربي المنتخب، وبطرد أمين القدس (السيد روحي الخطيب) من عمله وإلحاق موظفي وعمال الأمانة ببلدية القسم الغربي من المدينة (ويرأسها تيدي كوليك)، وألحقت جميع ممتلكات وسجلات الأمانة بالدوائر الإسرائيلية.

عُدل قانون البلديات، التعديل رقم (6) 1967م الذي خول وزير الداخلية صلاحية الإعلان عن توسيع بلدية القدس كي تضم المناطق التي ستطبق عليها الأنظمة الإسرائيلية. وبموجب أمر حل أمانة القدس العربية وُسعت حدود بلدية القدس عمليا من 48.200 دونم إلى 108.000 دونمات

وعُدل قانون البلديات، التعديل رقم (6) 1967م الذي خول وزير الداخلية صلاحية الإعلان عن توسيع بلدية القدس كي تضم المناطق التي ستطبق عليها الأنظمة الإسرائيلية. وبموجب أمر حل أمانة القدس العربية وُسعت حدود بلدية القدس عمليا من 48.200 دونم إلى 108.000 دونمات.

– في 14 أغسطس/آب 1968م، تم سن قانون تسويات قضائية وإدارية لسنة 1968م، وجاء هذا القانون كما يفيدنا الشرح المرفق بمشروع القانون مكملا لقانون تعديل أنظمة السلطة والقضاء (رقم 11) لسنة 1967م الذي وضع الأساس القانوني لسريان القضاء والإدارة الإسرائيليين على القدس الشرقية.

وجاء قانون عام 1968م (الذي جرى تعديله وصدوره في نص مدمج في عام 1970م) ليرتب ويؤمن انتقال المنطقة التي جرى ضمها وسكانها لتخضع للقانون الإسرائيلي في مجالات معينة.

وعلى سبيل المثال، فقد أعطى هذا القانون أصحاب المهن الحرة والشركات التي عملت في المنطقة التي جرى ضمها مهلة لترتيب وضعهم بموجب القانون الإسرائيلي المتعلق بذلك، كما أعطى القانون مهلة لمن حصل على ترخيص بناء ولم يباشره أو لم يكمله، ليستمر فيه شريطة إبلاغ اللجنة المحلية للتنظيم والبناء برغبته في الاستمرار خلال سنة من بدء سريان القانون.

إشكاليات
مع غياب محاكم نظامية غير المحاكم الإسرائيلية، بدأ المواطنون الفلسطينيون البحث عن بدائل لحل الإشكالات المتعلقة بالأراضي والعقارات في إطار الحل العشائري أحيانا، أو من خلال جهات اختصاص محلية أخرى، ولاحقا بعد تشكيل السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994م، أنهيت بعض الإشكالات من خلال تدخلات بعض الشخصيات السياسية والوطنية، مع استمرار متابعة القضايا المتعلقة بالأوقاف الإسلامية أمام المحاكم الشرعية (الأردنية) في القدس.

فيما يتعلق بالقضايا المتعلقة بمصادرة العقارات والأراضي وهدم المنازل، والقضايا المتعلقة بالتنظيم الهيكلي التي تعد إسرائيل أو أحد أجهزتها طرفا فيها، وبسبب تطبيق القوانين الإسرائيلية، لم يكن أمام المواطن المقدسي الفلسطيني بدٌّ من متابعة قضاياه أمام المحاكم المحلية "الإسرائيلية" المختلفة دفاعا عن حقه في الوجود وعن عقاره في القدس الذي يواجه الهدم أو المصادرة.

لقد نتج عن تطبيق القوانين الإسرائيلية -ومن بينها قانون أملاك الغائبين في القدس الشرقية- واقعٌ إشكالي، إذ أضحت الغالبية العظمى من أملاك سكان المدينة الفلسطينيّين تخضع لهذه القوانين.

وبالتالي فإن أغلب الأراضي أصبحت وفقا لمنطوق هذه القوانين أملاك غائبين، إذ إن هؤلاء كانوا في الفترة المشار إليها في القانون رعايا الأردن التي كانت تُعد في حينه دولة عدو، ومكثوا "داخل أي جزء ممَّا يسمى بأرض إسرائيل خارج حدود إسرائيل".

وفقا للمادة (1) من قانون أملاك الغائبين لعام 1950م، وبغية التعاطي مع هذا الواقع الإشكالي، نصت المادة (3) من قانون أنظمة القضاء والإدارة الإسرائيلي لعام 1970م، على "أن القانون لا يسري على سكان شرقي القدس الذين "مكثوا داخل منطقة السريان وكانوا مقيمين فيها يوم بدأ نفاذ أمر فرض القضاء".

بكلمات أخرى،السكان الذي مكثوا جسديًّا في القدس الشرقية يوم الضمّ لا يعتبرون غائبين بالنسبة لعقاراتهم في القدس الشرقية فقط. إلا أن المادة (3) من القانون، لم توفّر حلاًّ للسكان الفلسطينيّين الذين أقاموا خارج مناطق نفوذ بلدية القدس في حينه، ولكن كانت بملكيتهم أراض أو أملاك أخرى داخل مناطق نفوذ بلدية القدس، وبالتالي تحوّل عمليا كل فلسطيني كان يقطن خارج مناطق نفوذ بلدية القدس إلى غائب وبهذا فقد سمح قانون أملاك الغائبين بمصادرة أملاكهم الموجودة في القدس.

تشير مخططات الاحتلال إلى أن 12% من مساحة القدس الشرقية يسمح بالبناء عليها للفلسطينيين في حين خصص 42% منها لبناء المستوطنات، وبالتالي كان لا بد من غطاء قانوني يعطي إسرائيل الحق في استخدام هذه الأراضي

نهب العقارات
وبموجب ضم القدس وتطبيق القوانين الإسرائيلية عليها، فقد استخدمت هذه القوانين وسيلة يمكن من خلالها للاحتلال الإسرائيلي السيطرة على أكبر قدر من العقارات المقدسية، ومن أهم القوانين التي استخدمها بالنظر إلى الدراسات القانونية التي صدرت بالخصوص:

أنظمة الطوارئ لعام 1945، قانون الغابات لعام 1962، قانون أراضي الموات لسنة 1921، قانون الأراضي لسنة 1969، قانون الاستملاك للمنفعة العامة لعام 1943، قانون أملاك الغائبين لعام 1950، قانون استرجاع اليهود لعقاراتهم في البلدة القديمة، قوانين العقود لعام 1973 وقانون المبيعات لسنة 1971، قانون أساس "أراضي إسرائيل" لعام 1960، قانون الاستيطان الزراعي لسنة 1967، قانون التنظيم والبناء لعام 1965.

منظومة القوانين الإسرائيلية استخدمت وسيلة للسيطرة على عقارات المقدسين وأراضيهم ومنعهم من البناء، حيث تشير مخططات الاحتلال إلى أن 12% من مساحة القدس الشرقية يسمح بالبناء عليها للفلسطينيين في حين خصص 42% منها لبناء المستوطنات، وبالتالي كان لا بد من غطاء قانوني يعطي إسرائيل الحق في استخدام هذه الأراضي وهي تحاول تقليص عدد الفلسطينيين في المدينة.

لقد شكلت منظومة القوانين أعلاه وسيلة للسيطرة على العقارات وخاصة في البلدة القديمة وسلوان، حيث إن الاحتلال عندما عجز عن شراء عقار أو وضع اليد عليه كتملك للمصلحة العامة لجأ إلى وسائل قانونية تمكنه من وضع اليد على العقارات. وساندت المحاكم الإسرائيلية ذلك حيث شكلت غطاء بقراراتها لإعطاء غلاف قانوني للسيطرة على العقارات وطرد المقدسيين وكأن القضية قانونية وليست مرتبطة بأي أبعاد سياسية.

ولكن على الرغم من ضم إسرائيل للقدس وتطبيق القانون الإسرائيلي عليها، فإن ذلك لا يغير من حقيقة كون القدس مدينة محتلة شأنها شأن باقي الأراضي الفلسطينية المحتلة نتيجة لحرب يونيو/ حزيران عام 1967م، وطالما أن الحديث عن أرض محتلة فإنه يتعين خضوعها لقانون الاحتلال الحربي، الذي تحكمه قاعدتان:

1. عدم جواز ضم إقليم العدو خلال الحرب.

2. أنه يتحدد نطاق الاحتلال الحربي بأقاليم العدو الذي انسحب منها فقط بعد هزيمته العسكرية.

ويترتب على هاتين القاعدتين أنه لا يجوز لسلطات الاحتلال تغيير القوانين السائدة في الأقاليم أو الاعتداء على حقوق الأهالي وممتلكاتهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.