رئيس فرنسا المقبل

General view of the Elysee Palace, the President's official residence, is seen before a handover ceremony in Paris May 16, 2007. Socialist Francois Hollande will be sworn in as France's new president on May 15, 2012, an official at outgoing President Nicolas Sarkozy's office said on Monday May 7, 2012. Picture taken May 16, 2007. REUTERS/Jacky Naegelen (FRANCE - Tags: POLITICS ELECTIONS)

بعد عام ونيف سيقوم الفرنسيون بالتصويت لانتخاب رئيسهم الجديد. بطبيعة الحال، من المبكر جدا تقديم أي توقعات. وإذا كان "أسبوع واحد في السياسة يعد فترة طويلة"، كما ذكر رئيس الوزراء البريطاني السابق هارولد ويلسون، فسنة ستكون بمثابة دهر، ونظرا للمخاطر المتوقعة للنتائج بالنسبة لفرنسا وأوروبا، يجب أخذ أول تقييم للوضعية الراهنة بعين الاعتبار.

إن استطلاعات الرأي على اعتقاد أن الرئيس المقبل لفرنسا لن يكون فرانسوا هولاند أو ساركوزي، وهما اللذان تقلدا السلطة في الآونة الأخيرة. هولاند هو الرئيس الحالي، لكن أداءه كان مخيبا للآمال في جميع المجالات تقريبا، وخصوصا في مجال محاربة البطالة، بينما تلاشت فرص ساركوزي بسبب شخصيته المزعجة.

استطلاعات الرأي على اعتقاد أن الرئيس المقبل لفرنسا لن يكون فرانسوا هولاند أو ساركوزي، وهما اللذان تقلدا السلطة في الآونة الأخيرة. فهولاند كان مخيبا للآمال في جميع المجالات تقريبا، وخصوصا في مجال محاربة البطالة، بينما تلاشت فرص ساركوزي بسبب شخصيته المزعجة

ويمثل الرئيس الفرنسي في ظل الجمهورية الخامسة، بالمفهوم البريطاني، الملك ورئيس الوزراء في نفس الوقت؛ فهو يحمل القوى الرمزية والفعلية. وإذا فشل ساركوزي رغم كل شيء في تجسيد الجمهورية بكرامة، فقد فشل هولاند في المجالين معا، تجسيد الكرامة والعمل. بصريح العبارة، يمكننا القول إن الرجل الذي كان "قويا ومزعجا جدا" خلفه رئيس ذو قدرات "غير كافية"، ونتيجة لهذا التعاقب، تم التخلي عن الإصلاحات البنيوية اللازمة أو تم تنفيذها فقط بعد فوات الأوان.

وقد كان أثر ذلك على أوروبا سلبيا، ولم يكن هناك رئيس فرنسي من مستوى عال منذ انتهاء ولاية فرانسوا ميتران في عام 1995 والذي كان بمثابة مستشار ألماني، ونتج عن هذا الاختلال ضعف فرنسا، وبالتالي قوة ألمانيا، وتلك إحدى المشاكل السياسية الكبرى التي تواجه الاتحاد الأوروبي.

ومن الصعب ألا ننسب الاختلاف في ثروات البلدين إلى نوع القيادة التي شهداها. في ألمانيا، نجح الإصلاحي جيرهارد شرودر وخلفته أنجيلا ميركل الشجاعة. في فرنسا، على النقيض من ذلك، كانت قيادة جاك شيراك سلبية على الصعيد العالمي وتبعه ساركوزي النشط والمخيب للآمال في المنصب الرئاسي، وبعد ذلك قيادة هولاند المترددة والباهتة.

ويعتقد غالبية الناخبين الفرنسيين أن انتخابات العام المقبل ستكون عبارة عن فرصة أخيرة لاستعادة السيطرة على مصير دولتهم وإحياء نفوذها في أوروبا، واتخاذ اتجاه جديد. الخلاف -كما هو الحال في الولايات المتحدة– يدور حول الشكل الذي يجب أن يتخذه التغيير، حيث ظهر انقسام مثير للجدل بين الإصلاحيين والمتشددين، بين أولئك الذين يرغبون في إجراء تغييرات عميقة من داخل النظام، والراغبين في تغيير النظام من الخارج، وينتمون إلى اليمين المتطرف واليسار المتطرف على حد سواء.

وتخضع هذه الأجواء السياسية لتطورين رئيسيين؛ من جهة، يبدو حزب هولاند الاشتراكي على حافة الانهيار السياسي، مثل الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة، ومن ناحية أخرى، تتمتع الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة وزعيمتها مارين لوبان بصعود ثابت. وتعطي استطلاعات الرأي الحزب ثلث الدعم الشعبي، وهي أعلى نسبة في البلاد، مما يرجح وصول لوبان إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية.

ولحسن الحظ، يبدو أن هناك حدودا لمستوى الدعم الذي يمكن أن تحصل عليه الجبهة الوطنية، فمهما كانت قوة لوبان الانتخابية في فرنسا أو دونالد ترامب في الولايات المتحدة، فإنهما سيفشلان بالتأكيد في سعيهما للحصول على أعلى منصب في بلديهما. وقد تكون الشعبوية في الارتفاع، والنخب غير شعبية. لكن ما لم يحدث شيء فظيع -مثل سلسلة من الهجمات الإرهابية المروعة- سيسود التعقل على ضفتي المحيط الأطلسي.

لحسن الحظ، يبدو أن هناك حدودا لمستوى الدعم الذي يمكن أن تحصل عليه الجبهة الوطنية، فمهما كانت قوة لوبان الانتخابية في فرنسا أو دونالد ترامب في الولايات المتحدة، فإنهما سيفشلان بالتأكيد في سعيهما للحصول على أعلى منصب في بلديهما

فكيف يبدو التعقل في فرنسا اليوم؟ بصرف النظر عن لوبان، هناك شخصيتان هما الأكثر شعبية في اليمين واليسار، وهما -على التوالي- أقدم وأصغر المرشحين المحتملين: آلان جوبيه، الذي شغل منصب رئيس الوزراء في عهد شيراك، وإيمانويل ماكرون وزير هولاند للاقتصاد والصناعة والشؤون الرقمية.

وقد كانت تصنيفات جوبيه في استطلاعات الرأي ثابتة بشكل ملحوظ، وكانت الاستطلاعات حول ماكرون عالية بشكل مدهش؛ فمن السهل أن نستنتج أن أغلبية كبيرة من الناخبين الفرنسيين سيرحبون بترشيح كليهما للحكم؛ الرجل الحكيم ذو الخبرة كرئيس وزميله الأصغر منه كرئيس وزراء. والواقع أن هذا الثنائي سيشكل فريقا هائلا عبر الأجيال وعبر الأحزاب وسيستطيع في النهاية تنفيذ الإصلاحات التي تشتد الحاجة إليها.

وللتأكد من ذلك، لن يكون تشكيل ائتلاف واسع على النمط الألماني في تلاؤم مع كيفية ممارسة السياسة في فرنسا، والتي اعتادت على الانقسام الصارم بين اليسار واليمين، وعلاوة على ذلك، رفض كلا الرجلين فكرة التحالف وتوحيد القوى. لكن في السياسة، كل شيء ممكن.

إن شباب إيمانويل ماكرون يشكل ضعفا، وهو يفتقر إلى الدعم من آلة الحزب. الشعبية ليست مرادفا للدعم السياسي الحقيقي، خاصة إذا كان طموحك هو الفوز بمنصب القيادة.

عوائق جوبيه مختلفة جدا؛ فهو أكثر مهارة في ممارسة السلطة مما هو في الحصول عليها. خجله الطبيعي يجعله يبدو بعيدا، مثل هيلاري كلينتون في الولايات المتحدة. لكن لديه أيضا ميزة فريدة من نوعها، فهو نظرا لتقدمه في السن -سيبلغ 72 سنة في العام المقبل- فهو ينوي الترشح لولاية واحدة فقط، وليس من الضروري أن يفكر في إعادة انتخابه. وبهذا تكون فرنسا قد وجدت بالفعل رئيسها المقبل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.