المفاوضات الفلسطينية الصهيونية بالسر والعلن

Palestinian President Mahmoud Abbas, right, jointed by Palestinian chief peace negotiator Saeb Erekat, signs an application to the U.N. agencies in the West Bank city of Ramallah, Tuesday, April 1, 2014. In a dramatic move that could derail eight months of U.S. peace efforts, President Abbas resumed a Palestinian bid for further U.N. recognition despite a promise to suspend such efforts during nine months of negotiations with Israel. Abbas signed "State of Palestine" applications for 15 U.N. agencies in a hastily convened ceremony after Israel calls off a promised prisoner release. (AP Photo/Majdi Mohammed)

المفاوضات لم تتوقف
هدف المفاوضات السرية
جدلية الأمن الفلسطيني

أفادت صحيفة هآرتس الصهيونية في عددها الصادر بتاريخ 30 مارس/آذار2016 عن تقدم فيما أسمته مفاوضات سرية بين السلطة الفلسطينية والصهاينة. وقالت إن مفاوضات أمنية تجري بين الطرفين بهدف إفساح المجال أمام السلطة الفلسطينية لممارسة نشاطاتها الأمنية في المناطق المصنفة "أ" وفق اتفاقية طابا أو ما تسمى أحيانا أوسلو2.

وقد تناقلت وسائل إعلام عالمية قبل ذلك هذا الموضوع، وقالت إنها مفاوضات تجري بالسر لمنح السلطة الفلسطينية صلاحيات أوسع في الحفاظ على ما يسمى بالأمن في المناطق الفلسطينية المكتظة بالسكان.

المفاوضات لم تتوقف
قالت السلطة الفلسطينية إنها أوقفت المفاوضات مع الصهاينة دون أن ترفض الاستمرار فيها لغاية وقف الاستيطان الصهيوني في الضفة الغربية. ورغم أن السلطة قالت هذا مرارا وتكرارا، لكن لم يظهر أن السلطة صمدت عند قولها لأن مفاوضات مباشرة بين مسؤولين فلسطينيين ومسؤولين صهاينة قد جرت في عدة أماكن منها القدس وعمان.

الصهاينة على دراية بما يجري لأن مسؤوليهم يخاطبونهم بلهجة واضحة ولا يخفون حقيقة ما يجري، وكذلك يفعل المفاوضون الذين يوجزون لشعبهم أهم المواضيع التي تم تناولها أو الاتفاق عليها أو الخلاف حولها. أما الفلسطيني فيعيش في الغالب في ظلام لأن المسؤول الفلسطيني لا يوجز، وإن أوجز كذب

التقى مسؤولون فلسطينيون مع صهاينة لدى حضرة الملك عبد الله في عمان، والتقى الطرفان أيضا في القدس، ناهيك عن لقاءات متكررة جرت بين مسؤولين أمنيين فلسطينيين ومسؤولين أمنيين صهاينة. وقد تواصلت المفاوضات غير المباشرة بين الطرفين عبر وسطاء مثل الولايات المتحدة والأردن ومصر.

من الناحية العملية، المفاوضات لم تتوقف وإن توقفت من الناحية الإعلامية، أي لم يعد هناك مفاوضات سياسية أمام العدسات التلفازية، وإنما مختبئة خلف الأكاذيب، وكان الشعب الفلسطيني -كالعادة- آخر من يعلم.

الصهاينة على دراية بما يجري لأن مسؤوليهم يخاطبونهم بلهجة واضحة ولا يخفون حقيقة ما يجري، وكذلك يفعل المفاوضون الذين يوجزون لشعبهم أهم المواضيع التي تم تناولها أو الاتفاق عليها أو الخلاف حولها. أما الفلسطيني فيعيش في الغالب في ظلام لأن المسؤول الفلسطيني لا يوجز، وإن أوجز كذب.

تجري مفاوضات متكررة وأغلب ما نعرفه عنها كفلسطينيين أنها بناءة، وأن المفاوض الفلسطيني يتمتع بمهنية عالية ويدهش العدو بقدراته الفائقة التي أنجزت فشلا متواصلا. الإسرائيليون الآن يعرفون عن المفاوضات السرية عبر وسائل إعلامهم والتي يتم تغذيتها بالمعلومات من المستويين الأمني والسياسي، لكن الشعب الفلسطيني يحصل على معلوماته من الإعلام الصهيوني.

هدف المفاوضات السرية
حسب معلوماتي، يجادل الجانب الفلسطيني بخاصة الأمني أن الصهاينة يستفزون أبناء الشعب الفلسطيني عندما يدخلون التجمعات السكانية الفلسطينية، وهم يستفزون بذلك الجمهور ويؤلبونهم على القيام بأعمال ضد الجيش الصهيوني. والسلطة الفلسطينية تشعر بالحرج أمام الناس عندما تدخل القوات الصهيونية المناطق الواقعة تحت النفوذ الأمني الفلسطيني، وتتوارى عن كلام الناس الذين لا يتركون صفة "خيانية" إلا ألصقوها بالسلطة.

أي أن دخول القوات الصهيونية إلى مناطق أمن السلطة يؤدي إلى نتيجتين لا تخدمان الصهاينة ولا السلطة الفلسطينية وهما: استفزاز الناس فيقرر بعضهم استعمال الحجارة والسكاكين، وربما يقرر آخرون استعمال السلاح، وتجريح السلطة بالمزيد والاستهزاء بها مما يؤثر على هيبتها أمام الجمهور الفلسطيني. النتيجتان تلحقان ضررا كبيرا بإسرائيل من زاوية تأجيج الحراك الفلسطيني ضد الصهاينة، ومن ناحية إضعاف السلطة، وإضعاف قدرتها على خدمة الأمن الصهيوني.

جدلية السلطة الفلسطينية قوية والاستنتاج المترتب عليها صحيح؛ ولهذا نصحت الأجهزة الأمنية الفلسطينية قادة الجيش الصهيوني ألا يدخلوا المناطق المصنفة "أ"، أو على الأقل المدن الرئيسية الكبرى في الضفة الغربية، ويبدو أن الجيش الصهيوني قد استساغ الفكرة دون أن يقفز إليها فورا، فالصهاينة -كالعادة- يدرسون أولا باستفاضة ما يطرح عليهم إذا كان وفق معاييرهم المنطقية، ولذا رأوا أن يجربوا الأمر أولا لغايتين وهما تلمس صحة الافتراض الفلسطيني وقدرة الأجهزة الأمنية على احتواء الحراك الفلسطيني، وجر السلطة إلى مفاوضات سرية لا يبقيها الصهاينة سرا.

يجادل الجانب الفلسطيني والأمني خاصة، أن الصهاينة يستفزون الفلسطينيين عندما يدخلون التجمعات السكانية الفلسطينية، ويؤلبون الجمهور على القيام بأعمال ضد الجيش الصهيوني. والسلطة الفلسطينية تشعر بالحرج أمام الناس عندما تدخل القوات الصهيونية المناطق الواقعة تحت النفوذ الأمني الفلسطيني

التقدير الفلسطيني والصهيوني أن غياب الجيش الصهيوني عن المشهد في التجمعات الفلسطينية الكبرى يقلل بصورة جذرية من نقاط الاحتكاك بين الفلسطينيين والصهاينة، وبالتالي ينخفض عدد عمليات السكاكين والحجارة التي يمكن أن ينفذها فلسطينيون. وفي المقابل، وجود قوات أمن فلسطينية في التجمعات السكانية لا يشكل استفزازا للشباب الفلسطيني ولا نقاط مواجهة؛ أي أن مستوى الحراك الفلسطيني ضد الصهاينة سينخفض دون أن تكون هناك مواجهات بين الجمهور والأمن الفلسطيني.

ويبدو أن تصريح مدير المخابرات الفلسطينية منذ فترة حول قيام السلطة الفلسطينية بإحباط حوالي 200 عملية ضد الصهاينة لم يكن عبثا، خاصة أن عباس أكد على اطلاعه على الأمر، ورأى فيه عملا يحمي الفلسطينيين.

شكل التصريح رسالة للصهاينة بأن الفلسطينيين ليسوا راغبين بتوسيع الحراك الفلسطيني ضدهم، وأن لديهم الاستعداد لمواجهة مخططات الشباب والشابات ضد الجيش. وقد وجد هذا التصريح ترحيبا كبيرا في الأوساط الصهيونية بخاصة الإعلامية، والعديد من الصهاينة أشادوا بجهود السلطة الفلسطينية المتعلقة بتكبيل الفلسطينيين ومنع نضالهم ضد الصهاينة. كان هذا التصريح بمثابة تطمين للإسرائيليين أو رسالة مفادها أن الجانب الفلسطيني يعي دوره ومسؤولياته ولا ضرورة للتشكيك في دور السلطة في قمع الحراك الفلسطيني.

بناء على هذه الجدلية عملت السلطة الفلسطينية على إقناع الصهاينة بضرورة اللقاء لكي يتم التفاهم على احترام مكانة السلطة الفلسطينية الأمنية حتى لا تبقى أضحوكة أمام شعبها، وافقت إسرائيل في النهاية على إجراء مفاوضات حول هذا الأمر، وربما دخلت الجهود الأميركية على الخط لتليين المواقف.

ومن الواضح -حسب الإعلام الصهيوني- أن إسرائيل وافقت من حيث المبدأ على احترام الدور الأمني للسلطة الفلسطينية على أن يتم اختبار السلطة أولا زمانيا ومكانيا؛ أي أنها وافقت على إعطاء دور أمني للسلطة في أماكن محددة من المنطقة "أ" ولمدة محدودة محكوم مداها بقدرة السلطة على محاصرة الحراك الفلسطيني.

ووفق ما تردد، عادت إسرائيل إلى معادلتها المعروفة مسبقا واقترحت اختبار السلطة في رام الله وأريحا أولا؛ أي أن تمتنع إسرائيل عن دخول المدينتين وتمتنع عن اعتقال الناس فيهما كمرحلة اختبارية.. ولكن يبدو أن السلطة ما زالت تطالب ببسط مسؤولياتها الأمنية على كل مناطق "أ" أو على الأقل على المدن الكبرى فيها. وربما لدى السلطة من يعي خديعة غزة وأريحا أولا عام 1993 والتي كان بمثابة تضليل دفع ثمنه الشعب الفلسطيني.

جدلية الأمن الفلسطيني
الدفاع عن الأمن الصهيوني دفاع عن أمن الفلسطينيين وحياة أطفالهم.. هكذا تقول الجدلية الفلسطينية السلطوية والتي ترددت على ألسنة مسؤولين وناطقين رسميين باسم السلطة. ولكن كيف يكون هذا؟

ببساطة، إذا امتنع الفلسطينيون عن قتال إسرائيل ومواجهتها فإن إسرائيل لن تمتلك مبررا لقتل الفلسطينيين أو اعتقالهم أو هدم بيوتهم؛ أي أن ما يدفع إسرائيل إلى معاقبة الفلسطينيين هو مقاومتهم للاحتلال، وليس لأن القمع من سمات الاحتلال الأساسية. فالنصيحة الرسمية للشعب تقول بضرورة عدم المقاومة ومناشدة الناس ألا يشجعوا أبناءهم على قتال الصهاينة. اللوم -وفق هذه الجدلية- يقع على الناس والشباب وليس على الاحتلال الذي هو بالتعريف إرهاب.. الاحتلال إرهاب بالتعريف لأنه يستخدم القوة المسلحة لإخضاع الناس وتحقيق مكاسب سياسية.

يمكن لأمة أن تتحرر مجانا أو بسواعد آخرين، وإذا كان الشعب الفلسطيني يبحث عن تحرير من خلال الغير مثل الضغط الأميركي على الصهاينة، أو استئجار مقاتلين من دول أخرى فإنه لن يتحرر أبدا، لا مفر إذن من التضحيات، ولكنها ثمن الحرية والتحرير

وتضيف جدلية السلطة بأن أعمالها بما فيها تفتيش حقائب التلاميذ المدرسية إنما تهدف إلى الحفاظ على حياة هؤلاء الأطفال بمنعهم من استخدام السكاكين أو أي أداة قتالية ضد الصهاينة، بمعنى آخر، المقاومة مرفوضة من قبل السلطة الفلسطينية لأنها تؤدي إلى رد فعل صهيوني يذهب ضحيته بعض الفلسطينيين وربما تؤدي إلى هدم بيوت واقتلاع أشجار. وبالتالي فإن على الفلسطينيين أن يهدأوا وألا يستفزوا الاحتلال، وليطمئن الاحتلال بعد ذلك إلى شعب فلسطيني متعايش مع الاحتلال.

الواقع أنها جدلية ضد التاريخ، فالمنطق واضح والتاريخ واضح وضوح الشمس فيما يتعلق برد فعل الأمة التي تعاني من احتلال غاشم. المتوقع أن يثور الشعب الواقع تحت الاحتلال ويواجه التحدي بهدف نيل الحرية والاستقلال، ويتضمن ذلك التضحية بالنفس والمال والجهد والشجر والحجر.

الشعوب تقدم أغلى ما عندها من أجل الحرية والتحرير، وعادة تبتلى الأمة التي تقع تحت الاحتلال بخسائر كبيرة جدا مقارنة بالخسائر التي يتكبدها الاحتلال؛ وذلك بسبب نقص المعدات والإمكانات العسكرية.. الاحتلال يتفوق عادة عسكريا على الأمة الواقعة تحت الاحتلال، وبطشه أكبر وأقسى؛ لكن هذه الخسائر هي ثمن الحرية، وإذا كانت الأمة تبخل بالتضحيات فعليها ألا تنتظر آخرين يقاتلون من أجل حريتها ويقدمون النصر لها على طبق من دمائهم.

لا يمكن لأمة أن تتحرر مجانا أو بسواعد آخرين، وإذا كان الشعب الفلسطيني يبحث عن تحرير من خلال الغير مثل الضغط الأميركي على الصهاينة، أو استئجار مقاتلين من دول أخرى فإنه لن يتحرر أبدا، لا مفر من التضحيات، وكل من يقول إنه يحاول الحفاظ على دماء الشعب الفلسطيني بالتنسيق مع الاحتلال مضلل ومخالف للمنطق التاريخي، ومخالف لمنطق الحرية. واضح أن السلطة تعمل على قمع المقاومين والقضاء على المقاومة، لكنها تحاول تغليف مهامها تجاه الأمن الصهيوني بإظهار الحرص على دماء الفلسطينيين.

لو كانت السلطة حريصة فعلا على الدماء وعلى التحرير لعملت بجد نحو توجيه الشباب وفق خطة مدروسة نحو مواجهة الاحتلال. لو تم توجيه الشباب الفلسطيني نحو المقاومة لما مني الشعب بالقدر الكبير من الخسائر التي مني بها منذ أكتوبر/تشرين أول2015.

التوجيه يؤدي إلى رفع مستوى الأداء الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، وهذا يؤدي إلى رفع مستوى خسائر العدو وتخفيض مستوى خسائر الشعب. ونحن جميعا نعي تماما أن هدف السلطة هو الالتزام بالأمن الصهيوني ولو كان على حساب الأمن الفلسطيني، وننصحها ألا تذرف الدموع علينا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.