الموجة الجهادية الرابعة

Militant Islamist fighters take part in a military parade along the streets of northern Raqqa province in this June 30, 2014, file photo. Islamic State has set up departments to handle "war spoils," including slaves, and the exploitation of natural resources such as oil, creating the trappings of government that enable it to manage large swaths of Syria and Iraq and other areas. REUTERS/Stringer/Files

لقد أصبحت لغة العضلات منتشرة بشكل متزايد في الجدل القائم عن كيفية مكافحة تهديد الإرهاب الجهادي. إن مقدمي البرامج الحوارية التلفزيونية يطلقون تكهنات عن موعد تخليص الرقة في سوريا والموصل في العراق من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية مما يوحي بأن تحرير تلك المدن سوف يؤذن على أقل تقدير ببداية النهاية للمشكلة.

وفي ديسمبر/كانون أول الماضي ذهب المرشح الرئاسي للانتخابات الأميركية عن الحزب الجمهوري تيد كروز بعيدا جدا بآرائه لدرجة أنه استحضر شبح الضربات النووية حيث قال "أنا لا أعرف ما إذا كانت الرمال ستتوهج في الظلام ولكننا سوف نكتشف ذلك".

يجب أن نعترف بالأسباب الحقيقية للتهديد الجهادي، المتمثلة في الصراعات وفشل الدول من غرب أفريقيا عبر الشرق الأوسط الأوسع إلى جنوب آسيا. إن الجهادية لم تخلق أزمات اليوم؛ بل إن عوامل من قبيل سوء الإدارة وفشل الدول هي التي أعطت الجهادية الفرصة لتنتعش

إن مثل هذه التعليقات الرنانة والسطحية تستخف بشدة التحدي، وكما أشار التقرير الأخير لمجموعة الأزمات الدولية فإن التهديد الجهادي الذي نواجهه هو الرابع في سلسلة من الموجات المحفوفة بالمخاطر على نحو متزايد، ولو أردنا تجنب خلق موجة خامسة أكثر قوة فمن الضروري أن نتعلم من الأخطاء التي قمنا بارتكابها في سعينا لمواجهة الموجات الثلاث السابقة.

لقد حصلت الموجة الجهادية الأولى عندما عاد المقاتلون المتطوعون من الحرب ضد الاحتلال السوفياتي لأفغانستان لأوطانهم وبدأوا بمهاجمة الأنظمة التي اعتبروها غير إسلامية، وقد أدى ذلك إلى الموجة الجهادية الثانية الأكثر فتكا بكثير؛ حيث شنت القاعدة هجمات مروعة ضد "العدو البعيد" سعيا لجذب القوى الغربية إلى مواجهة عنيفة وحرب صريحة. لقد شكلت الهجمات على الولايات المتحدة الأميركية في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 ذروة تلك الموجة.

لقد نجح الهجوم العالمي المضاد للإرهاب والذي جاء لاحقا لذلك بشكل عام في القضاء على قدرة القاعدة على شن هجمات واسعة النطاق؛ ولكن غزو العراق سنة 2003 خلق الظروف لموجة جهادية ثالثة أشعلت فتيل حرب طائفية شرسة بين السنة والشيعة وسمحت للقاعدة باستغلال الفوضى الموجودة في بلد يتفكك على نحو متزايد.

في نهاية المطاف تمكنت ما يطلق عليه الصحوات السنية من كسر ظهر القاعدة في العراق، وساهم الربيع العربي الذي انطلق سنة 2011 في إعادة توجيه التنمية السياسية في المنطقة، ولكن الفشل في بناء حكومة شاملة في العراق مع القمع العنيف للمحتجين في سوريا أعطى قادة المجاهدين الذين صقلتهم المعارك فرصة لإطلاق موجة رابعة.

إن هذه الموجة هي الأخطر على الإطلاق؛ فقد انضم عشرات الآلاف من المجندين لجهود بناء الخلافة في الهلال الخصيب، وفي الوقت نفسه توسع تنظيم الدولة الإسلامية في العديد من مناطق النزاع الأخرى وجند أو ألهم الإرهابيين ضمن المجتمعات الغربية كما يتبين من الهجمات في باريس وبروكسل وسان بيرناردينو.

إن التعامل مع التهديد سيتطلب معركة أيديولوجية نشطة ضد قوى التعصب والكراهية بحيث نبني على التاريخ الإسلامي القائم على الانفتاح والتسامح، ولكن النضال الأيديولوجي وحده لن يكون كافيا.

يجب أن نعترف كذلك بالأصول والأسباب الحقيقية للتهديد الجهادي، المتمثلة في الصراعات وفشل الدول من غرب أفريقيا عبر الشرق الأوسط الأوسع إلى جنوب آسيا. إن الجهادية لم تخلق أزمات اليوم؛ بل على العكس من ذلك فإن عوامل من قبيل سوء الإدارة وفشل الدول هي التي أعطت الجهادية الفرصة لتنتعش.

إن التعامل مع هذه الأسباب الجوهرية ستكون مهمة صعبة قد تستغرق عقودا من الزمن، فجزء كبير من المنطقة دخل القرن الحادي والعشرين في حالة يرثى لها، وفي معظم الأماكن زادت الأمور سوءا.

إن محاولة التصدي للتحدي الجهادي عن طريق القمع كما تفعل مصر اليوم قد يؤدي لتفاقم المشكلة، كما أن سجن الإسلاميين عادة ما يعني إعطاءهم البيئة المثالية للتجنيد والتلقين والتدريب، وعوضا عن ذلك يجب خلق فرص للقوى الإسلامية الديمقراطية للعمل

إن محاولة التصدي للتحدي الجهادي عن طريق القمع كما تفعل مصر اليوم قد يؤدي لتفاقم المشكلة، كما أن سجن الإسلاميين عادة ما يعني إعطاءهم البيئة المثالية للتجنيد والتلقين والتدريب، وعوضا عن ذلك يجب خلق فرص للقوى الإسلامية الديمقراطية للعمل.

على الرغم من حجم التحدي فإن الغرب يفتقد لسياسة واضحة تتعلق بماهية الشيء الذي يضغط من أجله وكيفية الحصول عليه. ومن الواضح أنه يتوجب استخدام القوة العسكرية، ولكن استعادة الرقة أو الموصل هي في واقع الأمر أسهل المهام التي تواجهنا، فكم من مرة تمكنت القوات الغربية من استعادة إقليم هيلمند في أفغانستان، أو إقليم الأنبار في العراق.. ولكن ما هي النتيجة؟

إن الأصعب من ذلك بكثير -والأهم من ذلك بكثير- هو التحقق من إنشاء هياكل شرعية للحكم الشامل في الأماكن التي يتم فيها طرد تنظيم الدولة الإسلامية تتعامل مع مشاعر الاضطهاد بين السنة العرب، بالإضافة إلى معالجة الضرر الذي لحق بقطاعات كبيرة من السكان والذي عزز مشاعر الغضب في طول المنطقة وعرضها.

بدون وضع مثل هذه الإستراتيجة فإن استعادة الرقة والموصل ستكون فقط مقدمة لموجة جهادية خامسة أكثر عنفا؛ حيث سيسعى الملتزمون بتلك الموجة من ذوي الخبرة والتجربة لأن يصوروا تلك الموجة على أنها الملحمة الأخيرة في المعركة مع "الصليبيين" في الغرب. وعليه لم يكن من المصادفة أن يطلق تنظيم الدولة الإسلامية على مجلته الدعائية الماكرة اسم "دابق" وهو اسم المكان الذي يتنبأ أن تقع فيه النسخة الإسلامية لمعركة هرمجدون.

يجب أن لا نقدم لأعدائنا ما يريدون على طبق من فضة، بل يتوجب علينا عوضا عن ذلك أن نشن عليهم حربا أيديولوجية ونتعامل معهم كإرهابيين ونعالج الظروف التي سمحت لهم بالازدهار.
يسعى الجهاديون للتصعيد من أجل دفعنا لمواجهة شاملة؛ إذا كنا قد تعلمنا شيئا واحدا منذ سنة 2001 فهو أن لا نقع في الفخ الذي ينصبونه لنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.