الأمازيغية بالمغرب.. حصيلة عقد

مظاهر من الحياة والثقافة الأمازيغية في المغرب

لغة جديدة لمدرسة معطوبة
إعلام تعددي
اختلاف وائتلاف

يمكن تأطير الاهتمام بالقضية الأمازيغية في المغرب بشكل رسمي ومتصل بوصفها قضية تتبناها الدولة من خلال ربطها بمرحلة تولي الحكم من طرف الملك محمد السادس الذي افتتح عهده بتبني مبادرات ذات طبيعة قانونية واجتماعية وحقوقية الهدف منها التأكيد على التميز في إطار الاستمرارية.

ويتمثل الحدث الأبرز فيما يتعلق بالأمازيغية خلال السنوات العشر الأخيرة في التعديل الدستوري لعام 2011 في إطار الربيع العربي الذي امتد للمغرب فيما سمي بحركة 20 فبراير، حيث تم الاعتراف دستوريا باللغة الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية.

وقد سبق هذا الاعتراف نقاش حاد بين مختلف الفرقاء بما في ذلك هيئات المجتمع المدني والأحزاب والمهتمين بالموضوع من الباحثين والمثقفين؛ إذ وجد بين الأحزاب من ضَمَّن مذكراته للإصلاحات الدستورية مطلب الترسيم بشكل صريح وواضح، كحزب الأصالة والمعاصرة، وحزب الحركة الشعبية، وحزب التقدم والاشتراكية.

يشير التقرير الإستراتيجي المغربي لسنة 2006-2010 إلى أن التعليم اعتبر المدخل الأساسي الأول لإدماج الأمازيغية في منظومة الدولة، لذلك فمنذ سنة 2003 شرعت المدارس المغربية في إدراج الأمازيغية في المناهج الدراسية بغاية تعميمها بالنسبة لكافة المستويات

في المقابل دعت أحزاب أخرى لاعتماد الضمانات القانونية التي توفر الحماية اللازمة للغة الأمازيغية، مع الاكتفاء بالتنصيص دستوريا على كونها لغة وطنية وليست لغة رسمية، مع الإبقاء على اللغة العربية باعتبارها اللغة الرسمية المعتمدة في الإدارات والمؤسسات والشركات ومختلف المصالح والمعاملات.

وقد كان على رأس الأحزاب التي تبنت هذا الموقف الأخير حزب الاستقلال، وحزب العدالة والتنمية. والخلفية التي تحكمت في وجهة النظر هذه هي التخوف من تعرض المغرب على المدى البعيد إلى نوع من الصراع على أساس لغوي، بالإضافة إلى أن كل المغاربة تبنوا اللغة العربية تاريخيا منذ دخول الإسلام بوصفها لغتهم جميعا بلا استثناء.

وعلى الرغم من هذا الترسيم الذي اعتمد في ظروف سياسية خاصة، فإنه وبعد أربع سنوات، ما زال هناك نقاش قائم حول صيغة الترسيم. إذ يرى البعض بأن حديث الدستور حول أن "تظل العربية اللغة الرسمية للدولة.. وتعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة"، معناه أنهما يجب أن يكونا معا على قدم المساواة.

وعلى العكس من ذلك فإن البعض الآخر يذهب إلى أن صيغة الاعتراف هذه، تسمح للتأويل أن يذهب إلى أن الأولوية يجب أن تعطى للغة العربية في جميع المجالات، لتأتي بعدها الأمازيغية في درجة ثانية. وحجة الطرف الأخير هي أن اللغة العربية ليست لغة فئة مغربية دون فئة أخرى، كما أن الأمازيغية التي يتحدث عنها الدستور هي اللغة "المُمَعْيَرَة" أو "المُوَحَّدة" التي لم تنتقل بعد من مختبر المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية إلى المجتمع الذي يعتمد الأمازيغية المتعددة بتعبيراتها الثلاثة: تمازيغت وتاريفت وتاشلحيت.

ويظل الموضوع الذي يحظى بأكبر قدر ممكن من النقاش إلى اليوم، هو تفعيل هذا الطابع الرسمي عبر وضع قانون تنظيمي يحدد كيفية إدماجها في الحياة العامة. ويمكن القول من خلال المقترحات التي تقدمت بها بعض الأحزاب أن هناك رغبة لدى البعض في اعتماد ثنائية لغوية حادة، بدليل حديث هذه الأحزاب عن "المساواة بين اللغتين الرسميتين ومنع أي تمييز بينهما، واعتبار أي تنقيص أو احتقار للغة الأمازيغية، يمثل شكلا من أشكال التمييز العنصري أو العرقي المعاقب عليه جنائيا".

واضح من خلال هذا النوع من التصريحات غير العلمية، مدى تبني بعض الأحزاب للتصورات الأبعد ما تكون عن الواقعية، إذ كيف يمكن المساواة المطلقة بين لغة موجودة فعليا هي اللغة العربية، ولغة ما زالت حبيسة المختبر؟ أضف إلى ذلك لهجة الترهيب المقترحة في هذه المادة القانونية التي يمكن أن تتخذ سندا لمنع أي نقد علمي للسياسات اللغوية التي قد تعتمد من طرف الدولة.

لغة جديدة لمدرسة معطوبة
يشير التقرير الإستراتيجي المغربي لسنة 2006-2010 إلى أن التعليم اعتبر المدخل الأساسي الأول لإدماج الأمازيغية في منظومة الدولة، لذلك فمنذ سنة 2003 شرعت المدارس المغربية في إدراج الأمازيغية في المناهج الدراسية بغاية تعميمها بالنسبة لكافة المستويات بما فيها الإعدادي والثانوي في أفق 2010-2011.

وهذا ما أوضحته الرؤية الإستراتيجية لإصلاح التعليم 2015-2030 التي تحدثت عن اعتماد هندسة لغوية جديدة، ترتكز على التعددية اللغوية وعلى التناوب اللغوي، والتي تتوخى استفادة المتعلمين بفرص متكافئة من ثلاث لغات في التعليم الأولي والابتدائي؛ هي العربية كلغة أساسية، والأمازيغية كلغة إلزامية، والفرنسية كلغة الانفتاح، بالإضافة إلى الإنجليزية والإسبانية في الإعدادي والثانوي.

يعتبر الإعلام من المجالات التي تحققت فيها مجموعة من المكتسبات بالنسبة للأمازيغية، وتعتبر عملية إطلاق قناة فضائية أمازيغية سنة 2010 الحدث الأبرز على هذا المستوى، وهي مبادرة جاءت من المسؤولين عن قطاع الإعلام وليس من الفاعلين الأمازيغيين

وإذا كان ولوج الأمازيغية للتعليم قد بدأ سنة 2003 بمؤسسات مدرسية لم يتجاوز عددها 317 مؤسسة، فإنه إلى حدود الموسم الدراسي 2011/2012 بلغ العدد 4000 مؤسسة. بإضافة معدل سنوي متوسط يناهز 460 مؤسسة كل سنة منذ انطلاق عملية الولوج.

وما تجب الإشارة إليه بالنسبة لهذه العشرية الأخيرة هو أن عملية الإدماج مازالت تعرف بعض التعثر، يرجع ذلك أولا للمشاكل البنيوية التي يعرفها قطاع التعليم، بالإضافة إلى اعتماد حرف "تيفيناغ" الذي يجد التلاميذ صعوبة في الإلمام به على مستوى الشكل والنطق، بدل الحرف العربي الذي كتبت به كل الأمازيغيات تاريخيا.

وتجدر الإشارة إلى أن المغرب هو البلد الوحيد الذي يلزم التلاميذ بالإلمام بثلاث أبجديات مختلفة، مما يشكل عائقا لعملية التعليم بكاملها. ومن بين العوامل الموضوعية لهذا التعثر اعتماد أمازيغية مُمَعْيَرَة، بدل اعتماد الأمازيغيات الجهوية؛ أي لغات الأم التي بنت عليها الحركة الأمازيغية مطالبها في بداياتها الأولى، خاصة وأن هناك أصواتا تحتج على محاولة فرض أمازيغية جهة بعينها، تحت مسمى الأمازيغية المُمَعْيَرة، على حساب الأمازيغيات الأخرى.

وقد أثار إنهاء تكليف بعض مدرسي اللغة الأمازيغية وتوجيههم لتدريس مواد أخرى برسم الدخول المدرسي لسنة 2014/2015، رد فعل بعض الجمعيات الأمازيغية التي اعتبرته تراجعا عن المكتسبات، الشيء الذي نفاه وزير التربية مؤكدا أن وزارته تسير في اتجاه تطبيق توصيات المجلس الأعلى للتعليم، وتدريب أساتذة جدد لتدريس المادة، مما سيرفع من عدد أقسام الأمازيغية. وكل هذه المعطيات تؤكد حسب تعبير الوزير أنه "ليس هناك أي تغير في التوجه والسياسة العامة بخصوص الأمازيغية".

إعلام تعددي
يعتبر الإعلام من المجالات التي تحققت فيها مجموعة من المكتسبات بالنسبة للأمازيغية، وتعتبر عملية إطلاق قناة فضائية أمازيغية سنة 2010 الحدث الأبرز على هذا المستوى، وهي مبادرة جاءت من المسؤولين عن قطاع الإعلام وليس من الفاعلين الأمازيغيين.

وارتباطا بالإعلام كذلك، تعتبر دفاتر التحملات المتعلقة بالمجال السمعي البصري، والتي تم تبنيها سنة 2012 من بين الأحداث المهمة. وسعت هذه الدفاتر لتعزيز حضور الأمازيغية بمختلف القنوات المرئية والمسموعة العمومية وتشجيع الإبداع والإنتاج السينمائي بالأمازيغية.

وينص دفتر التحملات الخاص بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية أن الشركة تبث برامجها باللغتين العربية والأمازيغية، وباللسان الحساني واللهجات والتعبيرات الشفوية المغربية المتنوعة، مع الاستعمال السليم والمبسط للغة العربية والأمازيغية في مختلف البرامج.

لكن في المحصلة نلاحظ إهمال اللغة العربية ذاتها لصالح الدارجة، كما نلاحظ عدم احترام النسبة المخصصة للحسانية أو اللسان الصحراوي. وما يجب تسجيله بالنسبة لهذه المسألة هو أن النقاش الدائر حقوقيا يعطي الانطباع أننا في المغرب إزاء ثنائية لغوية (العربية في مواجهة الأمازيغية)، وهو ما لا يعكس الواقع كما أنه قد يفضي، بالنسبة للأمازيغية، إلى الوقوع في منطق "الگيتو" أو العزلة.

اختلاف وائتلاف
على الصعيد السياسي يلاحظ المتتبع أن الأحزاب المغربية في علاقتها بالأمازيغية قبل عملية الترسيم، كانت تتميز إما بالوقوف على مسافة منها أو بالاهتمام بها موسميا أو جعلها قضية مركزية في مشروعها المجتمعي. وقد ظلت آثار هذه المواقف قائمة إلى غاية مرحلة ما قبل تبني دستور 2011 الذي نص على الترسيم، وهو ما جعل الأحزاب تغير مواقفها، بحيث أصبحت متقاربة.

وقد عملت بعض الأحزاب على رفع الغموض عن مواقفها السابقة، كحزب الاستقلال الذي أوضح أنه لم يكن يوما ضد الأمازيغية، بل هو ضد كل الحساسيات التي تريد أن توظفها لضرب الوحدة الوطنية وضرب تماسك المجتمع المغربي.

يلاحظ المتتبع أن الأحزاب المغربية في علاقتها بالأمازيغية قبل عملية الترسيم، كانت تتميز إما بالوقوف على مسافة منها أو بالاهتمام بها موسميا أو جعلها قضية مركزية في مشروعها المجتمعي. وقد ظلت آثار هذه المواقف قائمة إلى غاية مرحلة ما قبل تبني دستور 2011 الذي نص على الترسيم

والتأكيد على الوحدة ناتج عن بعض الاختيارات المرتبطة بهذه القضية والتي قد تمس باستقرار المغرب، وهو ما كشفت عنه بعض وثائق ويكيليكس. لذا فكل الأحزاب الأخرى تؤكد على الوحدة بصيغ مختلفة، من قبيل حديثها عن الأمازيغية بوصفها إرثا مشتركا لكل المغاربة أو من خلال الحديث عن التعدد في إطار الوحدة أو الحديث عن تنوع المغرب في ظل الثوابت الدينية والتاريخية للوطن الواحد.

وإذا كانت بعض الأحزاب تتحاشى الحديث عن الأمازيغية بعدم التطرق إليها في برامجها الانتخابية، بحجة أن الموضوع أصبح محسوما بعد الترسيم، فإن أغلب الأحزاب أصحبت ترفع مطالب متشابهة، مثل التعجيل بإصدار القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، وتعميم تدريسها وتطوير حضورها في المشهد السمعي البصري، واستعمالها في الفضاءات والخدمات العمومية. وهي مطالب تبدو مستبعدة التحقيق راهنا، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الوضع الذي تعاني منه اللغة العربية التي تعتبر اللغة الرسمية الأولى، في مواجهة اللغة الفرنسية التي تسيطر على أغلب وظائفها.

ومن ضمن المطالب التي تثير النقاش سنويا ما تسميه الفعاليات الأمازيغية بـ"السنة الأمازيغية"، والتي هي في الحقيقة سنة فلاحية من بقايا التواجد الروماني في المنطقة. وقد انتقل هذا المطلب في السنوات الأخيرة إلى بعض الأحزاب مثل حزب الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال.

ومن ضمن مطالب بعض الأحزاب (الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية) كذلك الدعوة لرفع الحظر عن الأسماء الأمازيغية. ويظهر جليا أن هذا الموضوع مرة أخرى هو أداة انتخابية لا غير، كما أنه موضوع للتجييش أكثر مما هو موضوع حقيقي. فالأغلبية العظمى من الناطقين بالأمازيغيات يحملون تاريخيا أسماء عربية، وبعض الأسماء التي لا يسمح بتسجيلها، لعدم شيوعها، هي حالات معزولة تخضع لتقدير موظف مكتب الحالة المدنية. وقد أعطى الملك توجيهاته لإزالة هذه العراقيل الإدارية وإتاحة الفرصة لتسمية الأبناء بهذا النوع من الأسماء التي لم يألف المغاربة إطلاقها على أبنائهم.

هذه بعض المعطيات المتعلقة بما تحقق بالنسبة لهذه القضية التي لم تعد لغوية وثقافية محضة، بل انفتحت على أبعاد سياسية متعددة، إلى درجة يمكن القول معها إن البعد السياسي أصبح يتحكم في الاختيارات الثقافية واللغوية ويرهنها.

وإذا ما استحضرنا تحليلات بعض الخبراء الموضحة لاهتمام بعض الجهات الخارجية بالقضية ومحاولة تسخيرها لمصالحها الإستراتيجية، يتبين لنا ضرورة إخضاع كل ما له علاقة بهذه القضية للتحليل والتفكيك من خلال تبني رؤية تنطلق من الوقائع لتبني المآلات وتترقبها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.