المقاومة الأخيرة ضد الشعبوية

Leader of the French party National Front (FN) Marine Le Pen (2-L) speaks to media as she attends a meeting to honor the victims of the terrorist attacks and to show unity, in Beaucaire, Southern France, 11 January 2015. Three days of terror that ended on 10 January saw 17 people killed in attacks that began with gunmen invading French satirical magazine Charlie Hebdo and continued with the shooting of a policewoman and the siege of a Jewish supermarket.

في وقت سابق، ومباشرة بعد إعادة توحيد ألمانيا في عام 1990، كان العديد من الفرنسيين يخشون ألمانيا، ورغم أن الأدوار قد انعكست اليوم؛ فإن الألمان لا يخشون فرنسا بالقدر ذاته.

بعد استفتاء البريكست في يونيو/حزيران الماضي في المملكة المتحدة، وفوز دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة أوائل الشهرالماضي، من الممكن أن تقع فرنسا أيضا ضحية للقوات الشعبوية المدمرة، إذا اختار الناخبون مارين لوبان عن الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة رئيسة قادمة لفرنسا.

قد يُسعد الألمان أن وسائل الإعلام الأميركية اعتبرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل "محامية الغرب الليبرالي الأخيرة"، وأن ألمانيا بمثابة جزيرة من الاستقرار في محيط من الفوضى. ويمكن وصف ألمانيا كأفضل تلميذ في الصف، ولو أنها تعودت على ذلك؛ والآن تشعر وكأنها التلميذ الوحيد الذي يحضُر على الإطلاق.

لا شيء سيزعزع استقرار ألمانيا مثل رئاسة لوبان التي لن يؤدي فوزها إلى التخلي عن ألمانيا فحسب، بل أيضا إلى التخلي عن القيم والمبادئ والمعايير التي مكنت ألمانيا من التصالح مع نفسها ومع جيرانها، بدءا من فرنسا، وسيتسبب ذلك في فك المحور الفرنسي الألماني الذي يدور حوله الاتحاد الأوروبي

ومع خروج الولايات المتحدة، فقد تبقى عدد قليل من التلاميذ النجباء. وعلى الرغم من تراجع ترمب عن بعض وعوده الأساسية، فمن غير المرجح أن يتخلى عن نهج "أميركا أولا". ونتيجة لذلك، قد تكون الولايات المتحدة على وشك الانفصال بشكل حاسم عن نهج الشمولية والمشاركة العالمية التي ميزت السبعين سنة الماضية.

الوضع ليس أفضل في أوروبا. فبولندا تسير على خطى المجر المتعصبة. النمسا، جارة أخرى لألمانيا، كانت على وشك انتخاب نوربرت هوفر كرئيس، واليميني المتطرف عن حزب الحرية القومي. أما البريطانيون فهم في طريقهم للخروج من الاتحاد الأوروبي البتة.

لكن لا شيء سيزعزع استقرار ألمانيا مثل رئاسة مارين لوبان في فرنسا. إن فوز لوبان لن يؤدي إلى التخلي عن ألمانيا فحسب، بل أيضا إلى التخلي عن القيم والمبادئ والمعايير التي مكنت ألمانيا من التصالح مع نفسها ومع جيرانها، بدءا من فرنسا، وسيتسبب ذلك في فك المحور الفرنسي الألماني الذي يدور حوله الاتحاد الأوروبي.

ما هو مطلوب الآن هو العكس تماما: إعادة الدفء للعلاقات الفرنسية الألمانية. والحقيقة أن ألمانيا وفرنسا لم تكونا متحالفتين بما فيه الكفاية لفترة من الوقت؛ ليس لأن ألمانيا أصبحت قوية جدا، كما بدا في فترة ما بعد التوحيد، بل لأن فرنسا أصبحت ضعيفة للغاية، تاركة ألمانيا تتولى الأمور في معالجة أزمات لا تعد ولا تحصى في أوروبا في السنوات الأخيرة.

الآن، يُنظر إلى ألمانيا كقوة مهيمنة في أوروبا. ولذلك سلم الرئيس الأميركي باراك أوباما السيدة أنجيلا ميركل شعلة الديمقراطية بعد فوز ترمب، خلال جولته الرسمية النهائية في أوروبا.

لكن ميركل لا تستطيع حمل هذه الشعلة لوحدها؛ يجب أن تقف فرنسا جنبا إلى جنب مع ألمانيا كما فعلت سابقا. ولكي يحدث ذلك، يجب أن تكون فرنسا صلبة قوية وواثقة من نفسها مثل ألمانيا. ويجب أن تجدد نفسها، مسترشدة بقيمها الخاصة الطويلة الأمد، القيم التي لا تشاركها لوبن وجبهتها الوطنية.

فرنسا ليست بحاجة لتتوافق مع القوة الاقتصادية لألمانيا. ما يمكن تقديمه في الوقت الحاضر ليس أقل أهمية. وبالنظر إلى مواجهة أوروبا لمجموعة من التهديدات الخارجية مثل الاضطرابات في الشرق الأوسط والمغامرة الروسية، والتحديات الداخلية، مثل الإرهاب الداخلي، لا يمكن للأمن والدفاع أن يأخذا المقعد الخلفي للسياسة الاقتصادية. وفي هذه المجالات لدى فرنسا مزايا حقيقية نسبيا.

نظرا للمخاطر التي تواجه أوروبا، ناهيك عن نزعات ترمب الانعزالية، فإن العلاقة الفرنسية الألمانية ستحوز مزيدا من الأهمية الإقليمية والعالمية. ومع قيادة لوبان ستعاني هذه العلاقة بشكل مؤكد، مما سيقود الأحداث في اتجاه خطير.

نظرا للمخاطر التي تواجه أوروبا، ناهيك عن نزعات ترمب الانعزالية، فإن العلاقة الفرنسية الألمانية ستحوز مزيدا من الأهمية الإقليمية والعالمية. ومع قيادة لوبان ستعاني هذه العلاقة بشكل مؤكد، مما سيقود الأحداث في اتجاه خطير

ومن المؤكد أن نظام التصويت من جولتين في فرنسا، والذي يضمن حصول الرئيس على دعم أغلبية الناخبين، يجعل من غير المحتمل أن تفوز المرشحة المتطرفة لوبان بمنصب الرئيس. (على النقيض من ذلك، في الولايات المتحدة، حصل ترمب على أكثر من مليوني صوت أقل من منافسته، وخسر جورج دبليو بوش التصويت الشعبي لصالح آل غور في عام 2000 بأكثر من نصف مليون).

لكن نظرا للاضطرابات الانتخابية التي حدثت في الآونة الأخيرة، لن يطمئن الألمان حتى بعد أن يتم فرز الأصوات. على كل حال، إذا ما تمكنت لوبان من النجاح في نظام الانتخابات بفرنسا، فإنها ستكسب ولاية قوية وحقيقية لتنفيذ السياسات التي ستتنكر لكل تعاون مع ألمانيا ما بعد الحرب، كما سترفض الاتحاد الأوروبي.

بالطبع، لدى ألمانيا تحديات سياسية خاصة ينبغي التغلب عليها، في ظل الانتخابات الاتحادية المقررة في أكتوبر/تشرين أول المقبل. كما أخذت الانتخابات الأخيرة منحى شعبويا بشكل مثير للشكوك، وخاصة في ما يتعلق بقضية اللاجئين مع فوز حزب بديل ألمانيا، الجبهة الوطنية الألمانية مؤخرا في بعض المناطق.

ولكي تظل ألمانيا دعامة للاستقرار كما كانت عليه في السنوات الأخيرة، عليها تجنب الذهاب أبعد في هذا المسار، وبدلا من ذلك عليها تسليم ولاية رابعة لميركل. لحسن الحظ، لا يزال هذا السيناريو محتملا، وإن كان غير مضمون.

على أي حال، سيتم تحديد المسار السياسي الفرنسي قبل الألماني. ولضمان مستقبل آمن ومزدهر، يجب على الناخبين الفرنسيين تأييد مرشح يتحلى بالسلطة والحكمة والخبرة، والذي سيكون على استعداد وقادر على إجراء الإصلاحات اللازمة على وجه السرعة دون إحداث ما يفاقم الانقسامات الاجتماعية، وهو شخص مختلف تماما عن مارين لوبان. وبالقيام بذلك، سيثبت الفرنسيون أن الموجة الحالية من الشعبوية اليمينية تمكن مقاومتها، وسيعطون المشروع الأوروبي فرصة حقيقية للنجاح المستمر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.