دروس حلب الواقعية

A general view shows damage in the Old City of Aleppo, Syria December 13, 2016. REUTERS/Omar Sanadiki SEARCH "ALEPPO HERITAGE" FOR THIS STORY. SEARCH "WIDER IMAGE" FOR ALL STORIES.

لا يمكن اعتبار سقوط حلب تحت رحمة قوات الرئيس السوري بشار الأسد نهاية بداية ولا بداية نهاية الحرب الأهلية في سوريا التي استمرت خمس سنوات ونصف سنة، وهي حرب بالنيابة إقليمية وعالمية إلى حد ما. سيتم خوض المعركة الكبرى القادمة في محافظة إدلب، لكن السؤال الوحيد هو متى؟ وحتى بعد ذلك، سوف تستمر الحرب في التفاقم في أجزاء مختلفة من بلد منقسم.

رغم ذلك، حان الوقت للتقييم والتركيز على ما تم تعلمه، إذا كنا تعلمنا شيئا من هذه الحرب. هناك أمور قليلة في التاريخ لا يمكن تجنبها، وما يحدث في سوريا هو نتيجة لما اختارت الحكومات والجماعات والأفراد القيام به وما اختاروا عدم القيام به. وفي الواقع، أثبت عدم القيام بأي شيء في سوريا أنه مترابط مثله مثل اتخاذ خطوات جدية.

يكتب علماء العلاقات الدولية -في كثير من الأحيان- عن فوائد القوة العسكرية المحدودة، لكن سوريا تُظهر أن القوة العسكرية يمكن أن تكون فاصلة، وخاصة عند تطبيقها بجرعات كبيرة دون اهتمام يذكر بعدد المدنيين الذين قُتلوا أو شُردوا

لقد اتضح هذا الأمر عندما لم تنفذ الولايات المتحدة تهديدها بجعل حكومة بشار الأسد تدفع ثمن استخدامها للأسلحة الكيميائية. كانت فرصة ضائعة ليس فقط للتخفيف من حدة الصراع، ولكن أيضا للتأكيد على مبدأ أن أي حكومة تستخدم أسلحة الدمار الشامل سوف تندم على قيامها بذلك. التنفيذ -قبل كل شيء- أمر أساسي لفعالية الردع في المستقبل.

إن الاستفادة من دروس إضافية يتطلب العودة إلى عام 2011، عندما واجه المحتجون المسالمون المناهضون للحكومة القوة المُدمرة، مما أجبر الرئيس الأميركي باراك أوباما وآخرين على مطالبة الأسد بالتنحي. هنا أيضا، لم تُتخذ أي إجراءات لتطبيق الخطاب القوي. إن ظهور مثل هذه الفجوة الواسعة بين الوسائل والنتائج دائما يؤدي إلى فشل أي سياسة.

هذا هو الحال، خصوصا عندما يكون الهدف هو تغيير النظام، وعندما يمثل النظام الحالي أقلية كبيرة من السكان المنقسمين. وتؤدي هذه الظروف إلى صراعات حسب مبدأ "الفائز يحصل على كل شيء والخاسر يفقد كل شيء"، وليس من المستغرب أن يخوض أولئك الذين خسروا الكثير المعركة بشراسة كبيرة.

يكتب علماء العلاقات الدولية -في كثير من الأحيان- عن فوائد القوة العسكرية المحدودة، لكن سوريا تُظهر أن القوة العسكرية يمكن أن تكون فاصلة، وخاصة عند تطبيقها بجرعات كبيرة دون اهتمام يذكر بعدد المدنيين الذين قُتلوا أو شُردوا. لقد أظهرت حكومات روسيا وإيران والأسد مدى نتائج الاستخدام العشوائي للقوة العسكرية.

من ضحايا النزاع في سوريا مصطلح "المجتمع الدولي". في الحقيقة، لم يقم المجتمع الدولي بأي اقتراح فعّال أو عمل لإنهاء هذه الحرب. ومع أكثر من 500.000 قتيل وعشرة ملايين من النازحين في سوريا، تتم أيضا مهاجمة التبجح بفكرة "مسؤولية الحماية" (R2P).

تمت المصادقة على هذه الفكرة بالإجماع من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2005 (وذلك ردا على الإبادة الجماعية التي حدثت في رواندا قبل عشر سنوات)، واستندت فكرة "مسؤولية الحماية" على نظرية أن الحكومات ملزمة بحماية مواطنيها من الأذى الجسدي. وعندما تكون غير قادرة أو غير راغبة في القيام بذلك -وفقا لالتزام مسؤولية الحماية- تكون الحكومات الأخرى ملزمة بالتدخل لحماية أولئك الذين يتعرضون للأذى.

سوف تظل حكومة الأسد مسيطرة على جزء كبير من سوريا، لكن ليس كل البلاد. وستبقى مختلف المجموعات السنية الإرهابية والمتمردين السنة الأقل تشددا، والقوات المفوضة مثل حزب الله، والجيش التركي، والقوات الكردية السورية، وغيرها تتنافس على السيطرة على مناطق معينة

لقد فشلت حكومة سوريا في تحقيق مبدأ "مسؤولية الحماية"، والتدخل الدولي الذي حدث لم تكن غايته حماية أرواح الأبرياء أو إضعاف قبضة الحكومة على السلطة. وبدلا من ذلك، تم رسمه لضمان فوز الحكومة.. وقد تحقق ذلك بالفعل.

لقد عمل المجتمع الدولي بشكل أفضل قليلا عندما تعلق الأمر بالاستجابة لأزمة اللاجئين الهائلة الناجمة عن الحرب. وأوضح رفض كثير من البلدان فتح حدودها لعدد هائل من طالبي اللجوء أن أفضل سياسة للاجئين هي التي تمنع الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال من أن يصبحوا لاجئين في المقام الأول.

بالفعل، فشلت الجهود الدبلوماسية في إنقاذ حلب وسكانها، ولن يكون بإمكانها وضع حد للحرب. لكن قد يكون باستطاعة الدبلوماسيين الموهوبين والملتزمين القيام بذلك، فالدبلوماسية تعكس الحقائق ولا تخلقها. ولن تنجح الجهود الدبلوماسية في وضع حد للقتال أو بلوغ نتيجة سياسية معينة إلا إذا سمح التوازن العسكري بذلك.

مستقبلا، سوف تظل حكومة الأسد مسيطرة على جزء كبير من سوريا، لكن ليس كل البلاد. وستبقى مختلف المجموعات السنية الإرهابية والمتمردين السنة الأقل تشددا، والقوات المفوضة مثل حزب الله، والجيش التركي، والقوات الكردية السورية، وغيرها تتنافس على السيطرة على مناطق معينة.

أما الغرباء -مثل الولايات المتحدة- فيُستحسن أن يقبلوا هذا الواقع في المستقبل القريب، ويركزوا طاقاتهم على تحقيق الاستقرار في المناطق المحررة من الدولة الإسلامية، وحماية السكان المدنيين، وتطوير العلاقات السياسية والعسكرية مع الجماعات السنية غير الإرهابية، وتدعيم وقف إطلاق النار المحلي لتفادي صراعات أخرى مثل كارثة حلب.

ينبغي تحقيق هدف الانتقال إلى حكومة مختلفة وأكثر شمولية، لكن هذا اقتراح طويل الأجل. لذا يجب أن تؤخذ العبرة من السنوات الخمس الماضية، وهي: يجب على أولئك الذين تدخلوا في سوريا بإرادة ووسائل محدودة رسم أهداف محدودة إن أرادوا اٍنجاز ولو كمية ضئيلة من الخير.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.