تمديد قانون "داماتو" ومصير الاتفاق النووي

FILE - In this Nov. 23, 2014 file-pool photo, Secretary of State John Kerry talks with Iranian Foreign Minister Mohammad Javad Zarif in Vienna, Austria. Kerry plans to see Zarif this week amid Iranian complaints that it‘s not getting the sanctions relief it deserves under last year's landmark nuclear deal. (AP Photo/Ronald Zak, File-Pool)

في 4 أغسطس/آب 1996 وقّع الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون على قانون العقوبات على ليبيا وإيران المعروف بـ "داماتو" أو "ILSA" الذي أقره الكونغرس الأميركي بناء على مشروع قانون قدمه السيناتور الجمهوري المتطرف الفوتسي داماتو، بحجة تجفيف مصادر دعم "الإرهاب"، وكان يستهدف بالأساس قطاع الطاقة في البلدين.

قديم متجدد
وفي العام 2006، أجريت تعديلات عليه، حيث شطبت منه العقوبات على ليبيا، واقتصرت العقوبات على الجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ حيث اعتبر المشرعون الأميركيون أن الأسباب فيما يتعلق بإيران مازالت قائمة، ومنها ما سمي بمواصلة دعم "الإرهاب" في إشارة إلى دعم حركات المقاومة في فلسطين ولبنان. وبعد هذه التعديلات أصبح القانون يُعرف بقانون "إيسا" (ISA) أو داماتو، الذي كان يُفترض أن تنتهي صلاحيته نهاية سبتمبر/أيلول 2016 حسب نسخته المعدلة عام 2011.

ويفرض هذا القانون عقوبات على الشركات التي تتعامل مع إيران في مجال النفط والغاز وتزيد استثماراتها على 20 مليون دولار في العام. وتشمل العقوبات المنصوص عليها في القانون أنماطا مختلفة من العقوبات، وهو بالمجمل، يشكل سدا منيعا أمام الاستثمارات الأجنبية في مجال الطاقة في إيران.

بعد انتهاء صلاحية القانون، وافق مجلس النواب على تداوله، وتم تمديده في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بأغلبية ساحقة (419 صوتا) لمدة عشر سنوات أخرى، بينما كان يُمدد سابقا كل خمس سنوات، ثم تبناه مجلس الشيوخ أيضا بأغلبية مطلقة أول ديسمبر/كانون أول الجاري.

القائلون بأن تمديد هذا القانون لا يعد خرقا للاتفاق النووي، يرون أن هذا القانون يعود إلى عام 1996 ولا صلة له بالبرنامج النووي الإيراني، وأن الاتفاق النووي لا ينص على إلغاء قانون "داماتو"، وإنما إيقاف العمل ببعض أجزائه، وكذلك الأجزاء المهمة من قانون العقوبات الشاملة ضد إيران
كذلك ما يثير الدهشة، ويبعث شكوكا قد ترتقي إلى احتمال تواطؤ إدارة أوباما مع الكونغرس، هو تصويت جميع نواب حزب الرئيس لصالح التمديد، فهذا يعني أن الإدارة الأميركية إن لم تكن متواطئة، فإنها لم تبذل أدنى جهد لمنع ذلك.

آراء متضاربة
وجاء تمديد قانون "إيسا" بعد أكثر من عام على الاتفاق النووي الذي توصلت إليه إيران ومجموعة 1+5 الدولية في 14 يوليو/تموز 2015، وقد انقسمت آراء الخبراء والسلطات الأميركية والإيرانية حول ما إذا كان ذلك ينتهك الاتفاق النووي أم لا:

الرأي الأول، يؤكد على "نظرية عدم الخرق"، حيث يقول أصحابه إن هذا القانون يعود إلى عام 1996 ولا صلة له بالبرنامج النووي الإيراني. يستدل أصحاب هذا الرأي بأن الاتفاق النووي لا ينص على إلغاء قانون "داماتو"، وإنما المنصوص عليه في الاتفاق هو إيقاف العمل ببعض أجزاء هذا القانون، وكذلك الأجزاء المهمة من قانون العقوبات الشاملة ضد إيران (CISADA) لعام 2010. كما يقول أصحاب هذا الرأي إن الولايات المتحدة الأميركية لن تكون قد انتهكت الاتفاق النووي، إلا إذا حاولت أن تنهي إيقاف العمل بإلغاء تلك الأجزاء المهمة في قانون العقوبات.

كما أن هؤلاء الخبراء كانوا يرون أن هذا القانون يمثل انتهاكا للاتفاق النووي في حال وقع عليه الرئيس الأميركي، لأنه حينئذ سيتعارض مع التزام الإدارة الأميركية حسب الفقرة الـ 26 من الاتفاق.
كما أن امتناع الرئيس أوباما عن التوقيع على هذا القانون يأتي في سياق تهربه من مسؤولية خرق الاتفاق النووي، لكن ذلك لا يغير من طبيعة القانون شيئا، حيث بدون التوقيع أيضا أصبح "إيسا" قانونا نافذا، فحسب الدستور الأميركي إذا امتنع الرئيس الأميركي عن التوقيع على قانون سنه الكونغرس يدخل بعد عشرة أيام (ليست منها عطلة الأحد) حيز التنفيذ.

وفق هذا الرأي، فإن البيان الذي أصدره جون كيري خلال الأيام الماضية، والذي أوقف بموجبه ما يتعارض من هذا القانون مع الاتفاق النووي، وفق الصلاحية الممنوحة له حسب الاتفاق النووي، حال دون وقوع خرق للاتفاق.

الرأي الثاني، يؤكد على "نظرية الخرق"، ويستشهد أصحابه بما ورد في الاتفاق النووي وملحقاته، حيث تعهدت الولايات المتحدة الأميركية في الفقرة الـ 26 للاتفاق بتجنب إعادة أو فرض العقوبات. إذ جاء في تلك الفقرة: "الإدارة الأميركية في إطار صلاحيات الرئيس والكونغرس تتجنب وضع عقوبات جديدة وردت في الملحق الثاني للاتفاق، كما أن الإدارة الأميركية حسب صلاحيات الرئيس والكونغرس تمتنع عن فرض عقوبات متعلقة بالبرنامج النووي".

إذن، فأصحاب هذا الرأي على قناعة بأن تمديد قانون "إيسا" يتعارض بشكل واضح مع هذا الالتزام الأميركي المنصوص عليه في الاتفاق النووي.

وسط هذا الجدل، تتبنى إيران رسميا هذا الرأي القائل بوقوع انتهاك للاتفاق النووي، فقبل تمديد القانون، اعتبر قائد الثورة الإسلامية آية الله العظمى السيد علي الخامنئي، تمديده انتهاكا واضحا للاتفاق النووي، مؤكدا أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية سترد على ذلك. ومن جانب آخر، أكد الرئيس روحاني أن هذا التمديد يخرق الاتفاق النووي.

لجأت الإدارة الأميركية إلى تفسيرات فنية لتبرير تمديد قانون داماتو، والتأكيد أنها لا ترى تعارضا بينه وبين الاتفاق النووي، ومع ذلك ومهما صاغت هذه الإدارة من مبررات، لا يمكن التسليم بأن هذا القانون يتوافق على الأقل مع روح الاتفاق النووي، ومبدئي الثقة وحسن النوايا لضمان مستقبل ناجح للاتفاق
ومن جانب آخر، لجأت الإدارة الأميركية إلى تفسيرات فنية تبرر تمديد قانون داماتو، ولا ترى تعارضا بينه وبين الاتفاق النووي، مع ذلك، مهما صاغت هذه الإدارة من مبررات، لا يمكن التسليم بأن هذا القانون يتوافق على الأقل مع روح الاتفاق النووي، ومبدئي الثقة وحسن النوايا لضمان مستقبل ناجح للاتفاق.

بشكل عام، وفي ظل هذه الآراء المتضاربة، إن لم نسلم بواحد من هذين الرأيين، فعلى أقل التقدير أصبح موضوع خرق الاتفاق النووي أمرا فيه نوع من الالتباس، ويعود ذلك إلى الثغرات الفنية في الاتفاق نفسه التي تشكل مدخلا لتهرب أميركي من التزاماته.

احتمالات الرد الإيراني
خلال الفترة المتبقية من ولاية أوباما وكذلك في ولاية ترمب، نستعرض احتمالات الرد الإيراني في سيناريوهين، قد يتم العمل بهما معا وبشكل متزامن.

1ـ سيناريو "التريث الحذر"
يُتوقع أن تتبعه الجمهورية الإسلامية الإيرانية خلال الفترة المتبقية من ولاية أوباما، إلى أن يتسلم الرئيس الأميركي الجديد مهامه في يناير/كانون الثاني القادم، لذلك وفي ظل التفسيرات المتباينة لتمديد القانون، يُستبعد أن ترد إيران خلال هذه الفترة بالعودة إلى مرحلة ما قبل الاتفاق النووي، واستئناف أنشطتها النووية كما كانت قبل الاتفاق. حيث لا تحبذ طهران أن تتحمل هي مسؤولية إجهاض الاتفاق. كما أن من شأن الرد الإيراني في آخر أيام أوباما أن يشجع العدو اللدود للاتفاق دونالد ترمب على تنفيذ وعوده الانتخابية بهذا الخصوص، ويصعد ضد طهران في ظل الأوضاع الإقليمية المضطربة.

ربما جاءت في سياق هذا التريث نتائج الاجتماع الأخير للجنة مراقبة تنفيذ الاتفاق النووي برئاسة الرئيس روحاني لمناقشة تمديد "داماتو" وآليات الرد عليه، حيث أكدت اللجنة أنها ترصد بدقة الخطوات المستقبلية للإدارة الأميركية، وأنها ستتخذ قراراتها بما يتناسب مع تلك الخطوات.

خلال فترة التريث هذه، ستسعى الدبلوماسية الإيرانية إلى متابعة الانتهاكات الأميركية مع شركاء الاتفاق النووي من روسيا والصين والأوروبيين، لحثهم على الرد جماعيا على الانتهاكات الأميركية لهذا الاتفاق الدولي متعدد الأطراف بدلا من رد منفرد.

 
حتى الآن، لم يصدر من شركاء هذا الاتفاق، انتقاد يُذكر لتمديد قانون داماتو، وعلى الأرجح، لن تتجاوز ردودهم إزاء الانتهاكات الأميركية في الفترة المتبقية من ولاية أوباما دعوات وتصريحات تطالب باحترام الاتفاق، فعلى سبيل المثال، فإن روسيا التي فتحت حسابات جديدة في العلاقة مع "أميركا ترمب"، يُستبعد أن تضع نفسها في موقف محرج قبل أن تجرب سياسات الإدارة الأميركية المقبلة تجاه موسكو، فكلما تتخذ العلاقات الأميركية الروسية خلال المرحلة المقبلة مسارا "تحسينيا"، ربما تتقلص احتمالات وقوف روسيا بجانب إيران.

2ـ سيناريو "المقابلة بالمثل"
على أساس هذا السيناريو، ترتبط مستويات الردود الإيرانية بسلوك الإدارة الأميركية القادمة تجاه الاتفاق النووي، عبر ثلاث حالات:

أ: في الوهلة الأولى، إذا انتهج ترمب نهجا تصعيديا مع طهران فيما يتعلق بالاتفاق النووي، قد تلجأ الأخيرة إلى نمطين من الخطوات:

الأول، الإعلان عن "خطوات مع تأجيل التنفيذ"، حيث يُتوقع أن يقوم مجلس الشورى الإيراني بدراسة مشروع قانون، يدعو لاستئناف الأنشطة النووية وإعادة الأمور إلى ما قبل الاتفاق النووي، وفي حال تم إقرار هذا القانون، يُستبعد أن يدخل حيز التنفيذ إلا في حال قيام الإدارة الأميركية القادمة بإلغاء الاتفاق من جانبها.

تمديد قانون داماتو يمثل بداية لمرحلة صعبة تضع علامات استفهام كبيرة على مستقبل الاتفاق النووي، مما يعني أن التشاؤم حول مستقبل الاتفاق يبقى سيد الموقف، وهو ما يمثل أكبر هدية قدمتها إدارة أوباما لترمب الذي سيجد -حين يستلم السلطة- أن الاتفاق يحتضر أمام عينيه الضيقتين دون أن يتحمل هو أكبر قدر من المسؤولية
الثاني، الإعلان عن "خطوات تنفيذية جزئية" لا تمس جوهر الاتفاق، ولا ترتقي إلى مستوى خرق الاتفاق من جانبها، كتلك الخطوة التي أقدم عليها الرئيس روحاني، بإيعازه إلى رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بإعداد خطة لتصميم وإنتاج محركات نووية ووقود نووي للنقل البحري ردا على تمديد قانون "إيسا".

ب: الحالة الثانية، إذا التفت إدارة ترمب على الاتفاق النووي دون الإعلان عن موته من خلال فرض عقوبات جديدة على طهران بذرائع غير نووية، أو تفعيل بعض العقوبات التي أوقفت بموجب الاتفاق، يُتوقع أن تقابل هذه الخطوة بمثلها في إيران، إذ تتبع الأخيرة السياسة نفسها، وتقدم على الالتفاف على الاتفاق النووي من خلال استئناف جزء من أنشطتها النووية.

في هذا السياق، من المرجح أن يطالب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب بإعادة النظر في الاتفاق النووي، وعلى الأرجح سترفض طهران هذا الطلب، وهنا يُتوقع أن يُقدم ترمب إلى خطوة "الالتفاف على الاتفاق" دون إلغائه، والنتيجة إنهاء الاتفاق فعليا، دون اللجوء إلى خيار الإلغاء الذي يُفترض أن يثير حفيظة واحتجاج حلفاء واشنطن الأوروبيين.

ج: الحالة الثالثة، إذا أقدم ترمب على إلغاء الاتفاق النووي من جانب واحد، ستواجه الحكومة الإيرانية هذه الخطوة بخطوة مماثلة، من خلال إعلان إنهاء العمل بهذا الاتفاق والعودة إلى مرحلة ما قبل يوليو/تموز 2015، أي قبل التوقيع على الاتفاق، واستئناف كافة أنشطتها النووية.

عموما، نتائج هذا السيناريو في حالاته الثلاث تفتح الباب على مصراعيه أمام سيناريوهات خطيرة، أولها فرض عقوبات أشد من قبل، قد تصل إلى الخيار العسكري الذي تدفع صوبه الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، وربما دول إقليمية أخرى.

خلاصة القول، أن تمديد قانون داماتو يمثل بداية لمرحلة صعبة تضع علامات استفهام كبيرة على مستقبل الاتفاق النووي، وبذلك قد دخل الاتفاق في نفق مظلم لا يلوح نور في نهايته، مما يعني أن التشاؤم حول مستقبل الاتفاق سيد الموقف، وهذا قد يكون أكبر هدية قدمتها إدارة أوباما لدونالد ترمب العدو اللدود للاتفاق الذي سيجد حين استلامه المهام رسميا، أن الاتفاق يحتضر أمام عينيه الضيقتين دون أن يتحمل هو أكبر قدر من المسؤولية.

كما لابد من التأكيد أن وصول الاتفاق النووي إلى هذه الحالة، يُعد -بحد ذاته- ضربة للدبلوماسية التي كان يتشدق بها الرئيس باراك أوباما. ومن ناحية أخرى، على الأرجح فإن هذا القانون والخطوات الأميركية التصعيدية المقبلة سوف تترك بصماتها على التجاذبات السياسية الداخلية في إيران، حيث سيوظفها منافسو الرئيس روحاني في الانتخابات الرئاسية القادمة المزمع عقدها في 19 مايو/أيار 2017.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.