القراءة والكتابة واللاجئون

صورة مؤثرة للاجئ السوري الذي يبيع أقلام الحبر في شوارع بيروت برفقة طفلته ريم
الصحافة الأميركية


قبل أيام فقط تم تصوير عبد القادر وهو يحمل ابنته عديلة البالغة أربع سنوات على كتفه ويقف عند تقاطع خطر في بيروت وهو يحاول بيع أقلام حبر لإطعام عائلته. لقد انتشرت صورة معاناة عائلة هذا اللاجئ السوري -والتي نشرها عبر تويتر النرويجي جيسور سيموراسون- كالنار في الهشيم.

وخلال يوم أو يومين تم جمع مبلغ 100 ألف جنيه إسترليني (154 ألف دولار) لمساعدة عبد القادر وعديلة وأختها ريم البالغة تسع سنوات. وعندما سئل: ماذا سيصنع بالنقود؟ قال عبد القادر إنه سيستخدمها في تعليم أطفاله وأصدقائهم.

إن قصة عبد القادر وأطفاله تسلط الضوء على حقيقة واضحة وإن كانت مغفلة، وهي أن آلاف المنفيين السوريين لا يريدون على الإطلاق التطفل على أوروبا، بل يريدون بشدة العودة إلى وطنهم حالما يصبح آمنا. إن اليأس المطلق هو الذي يدفعهم للانطلاق في رحلات تهدد حياتهم.

قصة عبد القادر وأطفاله تسلط الضوء على حقيقة واضحة وإن كانت مغفلة، وهي أن الآلاف المنفيين السوريين لا يريدون على الإطلاق التطفل على أوروبا، بل يريدون بشدة العودة إلى وطنهم حالما يصبح آمنا

وهم ليسوا وحدهم، فهناك عدد مذهل من الأطفال يصل إلى ثلاثين مليونا من النازحين حول العالم، علما بأن ثلثي هؤلاء موجودون في أجزاء أخرى من بلادهم، والبقية أجبروا على الهرب من بلدانهم.

إن بعض اللاجئين هم ضحايا الكوارث الطبيعية، فعلى سبيل المثال هناك مليون طفل أصبحوا بدون مأوى مؤخرا بسبب زلزال نيبال، وهناك آخرون نزحوا بسبب التغير المناخي، ولكن السبب الرئيسي لارتفاع أعداد اللاجئين هو الصراع العنيف. وقبل خمس سنوات أدت الحروب والصراعات إلى نزوح قرابة خمسة آلاف طفل يوميا، وحاليا يزيد هذا الرقم عن أكثر من عشرين ألفا.

وبالإضافة إلى أفغانستان منذ سبعينيات القرن الماضي، والصومال منذ الثمانينيات، وجمهورية الكونغو الديمقراطية منذ التسعينيات، والآن سوريا، شهد العام الماضي فقط لاجئين يفرون من جمهورية أفريقيا الوسطى وجنوب السودان والعراق وليبيا واليمن وبوروندي. ونظرا لأن معدل الوقت الذي يقضيه اللاجئ بعيدا عن وطنه هو عشر سنوات، فإن ملايين الأطفال اللاجئين يمكن أن يمضوا معظم سنوات طفولتهم بدون تعليم.

إن ذلك السيناريو -الحياة في الشوارع حيث يعلق بعض الأطفال في ظروف العمل بالسخرة بينما يتم الاتجار بآخرين لغايات البغاء أو يتم إجبارهم على زيجات لا يريدونها، وجميعهم معرضون لأن يتم استغلال معاناتهم من قبل المتطرفين- سيناريو غير مقبول بالمرة لدرجة أنه يجبرنا على التحرك. وبينما يأتي الطعام والدواء والمأوى في المقام الأول، يجب أن يكون التعليم على قمة الأولويات.

لقد اكتشفت ذلك قبل بضعة أسابيع عندما زرت مركزا للاجئين في بيروت حيث ناشدتني الأمهات من أجل إرسال أطفالهم إلى المدرسة، حيث أدركن أنه إذا كانت التغذية والرعاية الصحية حيويتين من أجل البقاء فإن التعليم -الذي يمكّن الشباب من الاستعداد والتخطيط للمستقبل- هو الذي يعطيهم الأمل.

لكن رغم جهود الوكالات الدولية فإن هؤلاء الأطفال الضعفاء سيفقدون فرصتهم ما لم يتم اتخاد إجراء جذري الآن. إن الأطفال اللاجئين يخسرون لأنهم يستفيدون بشكل رئيسي من المساعدة الإنسانية التي تحتفظ بتركيز قصير المدى على المأوى والطعام، بالإضافة الى المساعدة التنموية التي تعتبر بطبيعتها طويلة المدى. إن 2% فقط من المساعدة الإنسانية الحالية تذهب لصالح المدارس، ووكالات التنمية تصارع من أجل التعامل مع حالات الطوارئ.

ومن أجل التعامل مع ذلك هناك خطط حالية لصندوق إنساني لتوفير أموال من أجل إبقاء المدارس مفتوحة خلال حالات الطوارئ أو بناء مدارس جديدة في مخيمات اللاجئين والمستوطنات. إن الامتحان الحقيقي لمثل هذا الصندوق هو في بلدان مثل الأردن ولبنان وتركيا حيث وصلت الخدمات هناك إلى نقطة الانهيار، وهناك مليونا طفل -معظمهم بدون دراسة- يقبعون في أكواخ وخيم ومخيمات بائسة.

يوجد في تركيا 621 ألف طفل لاجئ من السوريين، وتحتاج الى سعة مدرسية إضافية لنحو 400 ألف، ولبنان لديه 510 آلاف طفل لاجئ وبدون أي مكان لثلاثمائة ألف، والأردن لديه 350 ألف طفل لاجئ وينقصه 90 ألف مقعد.

الأموال ليست ضخمة مقارنة بحجم المشكلة، ففي مقابل ما يزيد عن 500 دولار في السنة أو 10 دولارات لكل طفل في الأسبوع، يمكننا أن نوفر مقاعد مدرسية تسمح للآباء والأطفال بأن يعملوا ما يفضلون عمله وهو تلقي التعليم

لقد وضع الائتلاف العالمي لقطاع الأعمال من أجل التعليم والمؤسسة الخيرية "ذير وورلد" في الأسبوع الماضي الخطوط العريضة من أجل إحراز تقدم يمكن تطبيقه فورا وبتكلفة مناسبة. إن الخطة بسيطة وتتمثل في نظام الفترتين في المدارس الحالية، حيث يتوجه الطلاب المحليون إلى المدارس في النصف الأول من اليوم والأطفال اللاجئون في النصف الثاني، علما بأن الخطة يمكن أن تتحقق من عدم فقدان مليون طفل لاجئ لفرصتهم في التعليم.

خلال العام الماضي وبفضل الجهات المانحة من أنحاء العالم ووزير تعليم مجتهد هو إلياس بوصعب، تم إلحاق 106 آلاف طفل لاجئ في لبنان بالمدارس تحت نظام الفترتين، وابتداء من الفصل الدراسي الجديد في الخريف فإنه يفترض أن يزيد العدد الإجمالي إلى 140 ألفا.

لكن التمويل لهذا العام ينقصه 30 مليون دولار بحيث لا يمكن استيعاب 60 ألف طالب، كما يوجد 300 ألف طفل في لبنان وحده لم تلبَّ احتياجاتهم التعليمية.

عادة في حالات الطوارئ لا توجد هناك تسهيلات أو مبان أو موظفون من أجل إبقاء الأطفال في المدارس، ولكن ما ينقصنا في الأردن ولبنان وتركيا ليس الفصول المدرسية ولا المدرسين المدربين فهناك الكثير منهم محليا وبين اللاجئين السوريين البالغين، وإنما تنقصنا الأموال من أجل أن ندفع لهم.

إن الأموال ليست ضخمة مقارنة بحجم المشكلة، ففي مقابل ما يزيد عن 500 دولار في السنة أو 10 دولارات لكل طفل في الأسبوع، يمكننا أن نوفر مقاعد مدرسية تسمح للآباء والأطفال بأن يعملوا ما يفضلون عمله وهو تلقي التعليم في المنطقة.

في وقت لاحق من هذا الشهر في نيويورك سأطلب من المجتمع الدولي -الجهات المانحة القديمة والجهات المانحة المحتملة على حد سواء- إضافة مبلغ 250 مليون دولار إلى مبلغ المائة مليون دولار الذي جمعناه بالفعل للبنان. ومع وجود أب لاجئ معدم راغب في تقديم كل ما يملك من أجل مساعدة الأطفال على الذهاب إلى المدرسة، فمن المؤكد أن 10 دولارات في الأسبوع ليست بالمبلغ الكبير بالنسبة للمجتمع الدولي من أجل الإبقاء على طفل لاجئ بعيدا عن الشوارع.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.