الوجه الآخر للجوء السوري لأوروبا

A group of refugees and migrants who were walking north stand on the highway in southern Denmark on Wednesday, Sept. 9, 2015. The migrants have crossed the border from Germany, and after staying at a local school, they say they are now making their way to Sweden, to seek asylum. (Ernst van Norde/Polfoto via AP) DENMARK OUT
أسوشيتد برس

أيلان كردي
مصلحة ألمانية
تركيبة سوريا السكانية
مصلحة أم أخلاق؟

طغت أزمة اللاجئين السوريين إلى أوروبا على الصحافة العالمية بشكل كبير بعد أن هزت صورة الطفل السوري أيلان كردي على شواطئ مدينة بدروم التركية ضمير العالم، ليبدأ معها جدل إقليمي واسع حول مسؤولية دول المنطقة وشعوبها في استيعاب الأعداد المتزايدة من اللاجئين الفارين من جحيم الاقتتال في سوريا.

جدل لم يتوقف عند حدود المعاناة الإنسانية واحتياجات ملايين المهجرين خارج ديارهم والموت الجماعي للآلاف في رحلات الموت عبر البحر وعبر الحدود، بل تجاوزه للغايات السياسية للدول والحكومات التي قررت استقبال مئات الآلاف من اللاجئين السوريين بلا قيود أو شروط.

جدل يتجاوز السبب الرئيسي للأزمة ولا يحاول علاجه، أي إجرام النظام السوري بحق الشعب السوري، ويركز على النتائج وما أفرزته، جدل لا يحاول حل المشكلة في موطنها الأصلي بإنهاء معاناة الشعب السوري في سوريا نفسها، لكنه يضخم ويزيد من هول الصورة المأساوية للاجئين.

أوروبا التي استنفرت وجدت في صورة أيلان ضالتها لتضرب أكثر من عصفور بحجر؛ فهو كردي من منطقة عين العرب (كوباني)، هربت عائلته من جرائم داعش وليس النظام، وهو ما يتماشى مع الرواية والخط الأوروبي حول خطر داعش وضرورة إعادة تأهيل النظام

فهل هي مصادفة أن تتحول قضية اللاجئين السوريين فجأة لقضية عالمية تحظى باهتمام قادة دول العالم، خاصة في أوروبا، رغم تجاهلهم التام معاناة عمرها أربع سنوات ويزيد، حصدت خلالها مئات الآلاف من أرواح السوريين؟

أيلان كردي
هذا الطفل المسكين الذي قضى في البحر مع أمه وأخيه ليبقى والده وحيدا، تواجد في مكان غرقه مصور صحفي استطاع أن يلتقط صورة مؤلمة تدمي القلب وهو نائم على وجهه، لتطير الصورة في لحظات، وتصبح حديث الساعة.

صورة أيلان كردي لم تكن الصورة الأولى لأطفال سوريين ماتوا ويموتون كل يوم، فقد سبقتها صور لمئات الأطفال الذين ماتوا بالكيميائي في الغوطة، وعشرات الأطفال الغرقى على شواطئ ليبيا، بعضها صور أكثر إيلاما من صورة أيلان، لكنها لم تحرك عواطف ومشاعر من يتباكون اليوم.

أوروبا التي استنفرت وجدت في صورة أيلان كردي ضالتها لتضرب أكثر من عصفور بحجر:

– الطفل كردي من منطقة عين العرب (كوباني)، هربت عائلته من جرائم داعش (تنظيم الدولة) -وليس النظام- وهو ما يتماشى مع الرواية والخط الأوروبي حول خطر داعش وضرورة إعادة تأهيل النظام لمواجهة الإرهاب.

– الطفل كردي من عائلة كردية، وهذا أيضا يفيد في المعركة التضليلية الإعلامية عن الخطر الذي تواجهه الأقليات في سوريا، والادعاءات بأن سقوط النظام سيعرض الأقليات للخطر.

– التركيز على صورة مأساوية، وعلى أزمة تشمل ملايين اللاجئين، سيخففان من التركيز على جرائم النظام هناك والمستمرة بلا هوادة؛ تطهير عرقي وتدمير ممنهج لمناطق بعينها في ظل صمت دولي تام.

– تحسين صورة الدول والحكومات الأوروبية عربيا وإسلاميا، وهو ما نجحت فيه ألمانيا تحديدا ومستشارتها ميركل التي أصبحت لدى البعض المنقذ الحنون للاجئين لاستقبالها عدة آلاف بداية هذا الشهر، رغم أن دول المنطقة (تركيا ولبنان والأردن) تستقبل الملايين من اللاجئين دون هذه الضجة الإعلامية، رغم إقرارنا بفارق التعامل بين بعض هذه الدول وأوروبا.

الغرب تحركه مصالحه أولا وقبل أي شيء، وهذا لا ينفي وجود منظومة أخلاقية إنسانية حقيقية لدى الشعوب الأوروبية التي خرجت في أكثر من مكان مرحبة باللاجئين السوريين.

مصلحة ألمانية
الكرم الألماني الفجائي، وفتح أبواب الهجرة بهذا الشكل غير المسبوق، أثار العديد من التساؤلات حول أسبابه الحقيقية ومصلحة ألمانيا من ذلك، خاصة أن تكلفة استيعاب هذه الأعداد الكبيرة ستزيد على عشرة مليارات يورو، بحسب صحيفة "فرانكفورت تسايتونغ".

لا شك أن لألمانيا دوافع أخرى لاستقبال اللاجئين -إضافة إلى ما سبق أعلاه، وإضافة إلى الدافع الإنساني المحض- منها مصلحة سكانية واقتصادية يحلها مئات الآلاف من اللاجئين من أصحاب المهن والحرف والمهرة من حملة الشهادات.

وبينما تتخوف دول جوار ألمانيا -خاصة هنغاريا- من موجة اللاجئين الحالية وتداعياتها المستقبلية، حتى أن رئيس حكومتها فيكتور أوربان وصف الوضع الحالي بأنه "موجة جديدة من عصر الهجرات"، تستعد ألمانيا لاستقبال نحو ثمانمئة ألف لاجئ ومهاجر العام الجاري، مما يزيد على العدد الذي استقبلته العام الماضي بأربعة أضعاف.

لا شك أن لألمانيا دوافع متعددة لاستقبال اللاجئين، فإضافة إلى الدافع الإنساني المحض هناك مصلحة سكانية واقتصادية يحلها مئات الآلاف من اللاجئين من أصحاب المهن والحرف والمهرة من حملة الشهادات

موقع روسيا اليوم يرجع أحد الأسباب "لمحاولة ضخ دماء جديدة في مجتمع يعاني من حالة شيخوخة مزمنة، لم تفلح معها إجراءات الحكومة في الحد منها بتشجيع زيادة النسل ورفع معدل الولادات"، مقدما إحصائيات محددة تثبت ما ذهب إليه، منها "انخفاض عدد السكان، وانخفاض عدد المواليد، وسط تقديرات بأن عدد سكان ألمانيا الذي بلغ 80.8 مليون نسمة عام 2013، مرشح للتراجع إلى 67.6 مليونا عام 2020".

يعترض البعض على فرضية شيخوخة المجتمع الألماني والحاجة لضخ دماء جديدة من منطلق أن ألمانيا كانت ستختار من يدخل من حيث الفئات العمرية أو المؤهلات والمهارات، وهو ما لم يحدث، حيث فتحت الأبواب على مصراعيها لاستقبال الجميع دون تمييز.

وفي هذه الجزئية تحديدا ترد المنظمات الاقتصادية في ألمانيا بترحيبها بتصريح ميركل بأن ألمانيا ستتغير مع هجرة السوريين إليها، لأنها بحاجة إلى مليون ونصف مليون عامل في المجالات الزراعية والصناعية والخدمات، وأن هجرة السوريين إليها بنسبة مليون لاجئ سيؤمن ثلاثمئة ألف فرصة لسد عجز البطالة في ألمانيا، مع التوقع بأنه خلال خمس سنوات سيؤمن اللاجئون السوريون سبعمئة ألف فرصة عمل في ألمانيا براتب تبلغ قيمته ألف يورو في الشهر، أي نصف ما يتقاضاه العامل الألماني والمجنسون الأتراك وغيرهم.

تركيبة سوريا السكانية
ما قاله بشار الأسد في خطابه الأخير الذي بثه تلفزيون النظام بتاريخ 26/7/2015 أسس لمرحلة جديدة لتغيير التركيبة السكانية لسوريا بحدودها المعروفة، حيث قال "جميع من معي بغض النظر عن جنسياتهم هم سوريون، سواء كانوا إيرانيين أو لبنانيين أو أفغانيين". مضيفا "أن سوريا غير مقسمة رغم وجود مناطق في غير سيطرتنا، وأن سوريا لمن يدافع عنها أيا كانت جنسيته".

من هذا المنطلق يمكن فهم بعض الإجراءات الميدانية والإصرار على إفراغ بعض المناطق من سكانها الأصليين، كما حدث في حمص في مايو/أيار 2014، وما يجري حاليا لتكرار ذلك في الزبداني، ناهيك عن إزالة مناطق بكاملها من الوجود عبر قصف متواصل يشكل إبادة تامة لها كما الحال في دوما.

المتابع للشأن السوري بدقة يعلم علم اليقين كيف تم تحويل العاصمة دمشق إلى مدينة شبه إيرانية، أو بعبارة أخرى "شيعية"، والحديث ليس عن مناطق بعينها كحي السيدة زينب، بل تعداه للمسجد الأموي على سبيل المثال، كذلك هي الحال مع مدينة حمص التي تم إحلال إيرانيين وعراقيين شيعة محل سكانها الأصليين.

لكن ما علاقة ذلك بأزمة اللاجئين السوريين؟
بحسب إحصائيات المكتب المركزي للإحصاء عام 2010 لعدد السكان المسجلين في الأحوال المدنية، وبعد زيادة عدد السكان المتوقع خلال عامين، فإن عدد سكان سوريا عام 2012 هو 25 مليون ونصف المليون مواطن.

يشكل السنة منهم قرابة 80% من السكان (85% مع الأكراد) بينما يشكل العلويون قرابة 10% حسب آخر إحصاءات علمية (آخر إحصاء سكاني رسمي عام 1985 يضع نسبتهم في حدود 11.4%).

مع نزوح وتهجير قرابة خمسة ملايين سوري خارج حدود سوريا، أغلبيتهم الساحقة -إن لم يكن جميعهم- من المسلمين السنة، إضافة إلى مقتل واختفاء ما يزيد على نصف مليون آخرين في السنوات الأربع الأخيرة؛ يعني أن عدد سكان سوريا بحدودها المعروفة تناقص لما يقرب من عشرين مليون نسمة.

اللاجئون السوريون لهم كل الحق أن ينشدوا مأمنا لهم، وهذا حق فردي مكفول، لكن من المهم معرفة الأسباب والدوافع الحقيقية وراء الكرم الظاهري للأوروبيين الذين لو أرادوا فعلا حل مشكلة اللاجئين لعملوا على أن يغادر شخص واحد سوريا مقابل بقاء الملايين في وطنهم

واذا أخذنا في الاعتبار عملية الإحلال "الشيعي" من عراقيين وإيرانيين وأفغان لرفع عددهم داخل سوريا، باعتبارهم سوريين لوقوفهم بجانب النظام كما أعلن بشار الأسد، فإن الحديث هنا هو عن زيادة نسبة العلويين والشيعة في سوريا بشكل كبير جدا سيفرض واقعا جديدا عند انتهاء الأزمة، ولا أستغرب إن وجدنا أنفسنا أمام نسبة "شيعية/علوية" في سوريا تتجاوز 30% خلال فترة وجيزة جدا.

هذه الخلخلة الديموغرافية والسكانية عززها فتح أوروبا على مصراعيها لاستقبال اللاجئين السوريين، الذين يشكل السنة أغلبيتهم الساحقة.

مصلحة أم أخلاق؟
من المتوقع أن تتصاعد أعداد اللاجئين لأوروبا هربا من الواقع المأساوي في سوريا، لكن المحصلة أن أهداف ومصالح تختلف منطلقاتها تماما تجمع بين أوروبا والنظام في سوريا، محصلتها النهائية تغيير خارطة المنطقة السكانية.

اللاجئون السوريون لهم كل الحق أن ينشدوا مأمنا لهم، وهذا حق فردي مكفول، لكن من المهم معرفة الأسباب والدوافع الحقيقية وراء هذا الكرم الظاهري للأوروبيين، حيث لو أراد الغرب حل مشكلة اللاجئين لعملوا على أن يغادر شخص واحد سوريا مقابل بقاء الملايين في وطنهم.

لو أراد الغرب حل مشكلة اللاجئين لأنهى بشار ونظامه ومنذ سنوات لا أن يمد له ويغطي على جرائمه ويتغاضى عنها، ومن ثم يتباكى على ضحاياه ويتجمل عليهم باستقبالهم بعد أن أسهم بصمته وتآمره في تدمير وطنهم.

مرة أخرى، لا خلاف أن هناك منظومة أخلاقية إنسانية راقية جدا لدى الشعوب الأوروبية يفتقدها للأسف الكثير من العرب، منظومة تسمح وتستوعب اللاجئين وتكرمهم وتحسن وفادتهم.

هل استقبلوهم لسواد عيونهم ورأفة بهم؟ من حقنا أن نتشكك ونتساءل عن الدوافع الحقيقية وراء ذلك، وعن نية الغرب في حل مشكلة سوريا وليس المتاجرة باللاجئين ومعاناتهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.