بنك مشع ينتظر الترحيب

ASTANA, KAZAKHSTAN, AUGUST 10: A view of the left bank from a high- rise of the capital city on Aug. 10, 2013, in Astana, Kazakhstan. The city, has been built rapidly since the capital was moved here from Almaty in 1998.
غيتي إيميجز

كان أحد الأشياء العديدة التي تعلمها دول العالم من ملحمة إيران النووية أن قادتها ارتكبوا خطأ وقت تفاوضهم على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية في ستينيات القرن العشرين، عندما لم يفعلوا أي شيء لتقييد عمليات تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجة البلوتونيوم.

ومن الواضح أن هذا الإخفاق كان نابعا من الاعتقاد -الذي أثبت عدم صحته منذ فترة طويلة، وفي حالة اليورانيوم بكل تأكيد- بأن الدول الوحيدة التي من المحتمل أن تمتلك هذه القدرة الفنية تمتلك أسلحة نووية بالفعل، أو (كما في حالة ألمانيا) ملتزمة تماما بعدم الحصول عليها أبدا.

ونتيجة لهذا، فإن أي بلد عضو يستطيع أن يسوق الحجة لصالح "حقه غير القابل للتصرف" بموجب معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية بمتابعة أي مرحلة من دورة الوقود النووي. وبرغم أن أي حق من هذا القبيل يمتد فقط إلى الأنشطة "ذات الأغراض السلمية"، فإن الثغرة هائلة.

يتسع البنك الكازاخستاني الذي من المقرر أن يبدأ عمله عام 2017 لتخزين نحو تسعين طنا من اليورانيوم منخفض التخصيب، مما يكفي لإعادة تزويد ثلاثة مفاعلات تقليدية تعمل بالماء الخفيف لإنتاج الطاقة بالوقود

الواقع أن أي دولة مقتدرة فنيا -وهناك العشرات منها الآن- تستطيع أن تبني منشآت تخصيب اليورانيوم بغرض رسمي يتلخص في إنتاج الوقود لتوليد الطاقة النووية أو المفاعلات البحثية، ولكنها برغم ذلك قادرة على إنتاج الوقود النووي الأعلى درجة اللازم لتصنيع الأسلحة النووية.

ولم يطلق على مثل هذه المرافق وصف "أدوات بدء القنبلة" من فراغ، وليس من المستغرب أن يتسبب تقدم إيران على هذا المسار -سواء كان ذلك مصمما بشكل متعمد لحصولها على قدرة كامنة على تصنيع الأسلحة النووية في وقت لاحق أو لم يكن- في إفزاع المجتمع الدولي. ولهذا السبب كانت الضغوط هائلة لإنتاج الاتفاق المطروح على الطاولة الآن، والذي يحد بشكل كبير من قدرة التخصيب لدى إيران.

ورغم أن الدعوة إلى إعادة التفاوض على معاهدة منع الانتشار النووي ذاتها لإغلاق الثغرة تبدو قضية خاسرة، فهناك طرق أخرى لمعالجة خطر الانتشار هذا. والواقع أن واحدة من الإستراتيجيات الأكثر أهمية، والتي طالما نادى بها كثيرون، تتلخص في نقل رسالة واضحة إلى البلدان التي تعتمد على الطاقة النووية، أو التي تخطط لتطويرها، أنها لا تحتاج إلى امتلاك برنامج خاص بها لتخصيب اليورانيوم لضمان أمن الإمدادات التي تحتاج إليها من الوقود.

كانت التخوفات بشأن أمن إمدادات الوقود المبرر الرئيسي المعلن دائما لتبرير اكتساب القدرة على التخصيب -وهو المبرر الذي يؤكد منتقدوها أنه كان مصطنعا ببساطة لإخفاء أجندة الأسلحة النووية السرية. وسواء كانت هذه هي الحال حقا أو لم تكن، فإن كل منتجي الطاقة النووية حاليا أو في المستقبل يحق لهم أن يشعروا بالقلق بشأن الحصول على إمداد مضمون تماما من الوقود، وذلك نظرا للعواقب الاقتصادية والاجتماعية الهائلة التي قد تواجهها في حال انقطعت الإمدادات.

صحيح أن سوق الوقود النووي التجارية كانت تعمل على ما يرام حتى الآن؛ فلم يضطر أي مفاعل نووي لإنتاج الطاقة إلى التوقف بسبب انقطاع في إمدادات الوقود، ولكن حالات قطع المدد من موارد أخرى للطاقة (وأبرزها قطع روسيا إمدادات الغاز الطبيعي عن أوكرانيا، وبالتالي أوروبا الغربية) كانت سببا في إثارة مخاوف مشروعة بشأن إمكانية حدوث أمر كهذا مع الوقود النووي.

وبرغم أن القضية كانت محل مناقشة طويلة، فلم نر حتى الآن أكثر من بعض التقدم المتواضع في وضع ترتيبات ضمان إمدادات الوقود الكفيلة بمعالجة هذا التخوف. والواقع أن روسيا -بدعم من الهيئة الدولية للطاقة الذرية- تحتفظ باحتياطي كبير من اليورانيوم منخفض التخصيب في مركزها الدولي في أنجارسك. ولكن في البيئة الأمنية الحالية، كان هناك عزوف دولي مفهوم عن الاعتماد على هذا الاحتياطي، وقد اقترحت المملكة المتحدة ضمان الإمدادات بنفسها، وإن كانت لم تجتذب حتى الآن قدرا كبيرا من الاهتمام.

والآن، في تطور جديد مهم ستقوم كازاخستان بإنشاء بنك دولي رئيسي جديد للوقود، تعتزم تشغيله بالنيابة عن الهيئة الدولية للطاقة الذرية. وينبغي لهذا المرفق الجديد أن يزيل إلى الأبد العذر الرئيسي الذي يقدم دائما لبناء وصيانة قدرة التخصيب محليا.

يحظى بنك كازاخستان للوقود بدعم دولي واسع النطاق ورفيع المستوى، وكانت السمعة الطيبة التي تتمتع بها البلاد بمثابة عامل مساعد، فقد تخلت كازاخستان -التي كانت موقعا للتجارب النووية سابقا- عن الأسلحة النووية التي كانت على أرضها طواعية عندما سنحت لها الفرصة

يتسع البنك الكازاخستاني -الذي من المقرر أن يبدأ عمله عام 2017- لتخزين نحو تسعين طنا من اليورانيوم منخفض التخصيب، وهو ما يكفي لإعادة تزويد ثلاثة مفاعلات تقليدية تعمل بالماء الخفيف لإنتاج الطاقة بالوقود. ورغم أن كازاخستان سوف تتولى تشغيل وإدارة البنك ماديا، فإن اليورانيوم سوف يكون مملوكا للهيئة الدولية للطاقة الذرية وتحت سيطرتها، وسوف يتاح للدول التي لا تمتلك الأسلحة النووية، إذا لم تتمكن لأي سبب من تأمين اليورانيوم منخفض التخصيب التي تحتاج إليه من السوق التجارية.

شريطة امتثال الدولة التي تطلب التزود بالوقود لاتفاقية ضمانات عدم الانتشار الشاملة مع الهيئة الدولية للطاقة الذرية، فإنها تستطيع سحب الوقود اللازم من البنك ونقله إلى مرفق لتصنيع الوقود لصنع مجمعات وقود لمفاعلاتها.

الواقع أن بنك كازاخستان للوقود يحظى بدعم دولي واسع النطاق ورفيع المستوى، وكانت السمعة الطيبة التي تتمتع بها البلاد بمثابة عامل مساعد. فقد تخلت كازاخستان الدولة التي كانت موقعا للتجارب النووية سابقا، عن الأسلحة النووية التي كانت على أرضها طواعية عندما سنحت لها الفرصة مع تفكك الاتحاد السوفياتي، وكانت من أقوى المدافعين عن الحد من الأسلحة النووية ونزع السلاح وأكثرهم مثابرة منذ ذلك الوقت.

وقد تم تمويل البنك بمساهمات تطوعية، بما في ذلك خمسون مليون دولار من مبادرة التهديد النووي، وهي منظمة غير حكومية تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها، و49 مليون دولار من حكومة الولايات المتحدة، ونحو 25 مليون دولار من الاتحاد الأوروبي، وعشرة مليارات دولار من كل من الكويت والإمارات العربية المتحدة، وخمسة مليارات دولار من النرويج.

بعيدا عن الاتفاق الإيراني، كانت الأنباء الطيبة بشأن الأسلحة النووية نادرة في السنوات الأخيرة، ويمثل بنك كازاخستان الجديد للوقود خطوة بالغة الأهمية نحو عالَم خال من الأسلحة النووية، ويستحق كل من عمل على إنشائه العرفان بالجميل من قِبَل العالم أجمع.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.