زعماء عرب بموسكو.. تدوير للمواقف أم احتواء لروسيا؟

epa04428133 Russian President Vladimir Putin (R) and King Abdullah II of Jordan (L) meet in the Kremlin in Moscow, Russia, 02 October 2014. The talks are expected to focus on bilateral cooperation and to exchange views on regional issues, including the situation in Syria, Libya and the Middle East settlement. EPA/SERGEI ILNITSKY/POOL

تزامن الزيارات
تغيير أم ثبات؟
نقاط تقاطع
الحصيلة في الميزان

تواصل الدبلوماسية الروسية تركيزها على سياسة قنوات الحوار المفتوحة مع البلدان العربية، واستطاعت أن تحقق نجاحا ملحوظا في الآونة الأخيرة، وإن كانت نتائجها مازالت أقل من الخروج بمقاربات قادرة على خلق فارق في معالجة الملفات الساخنة.

أثار تزامن زيارات ثلاثة من القادة العرب إلى موسكو، ملك الأردن عبد الله الثاني وولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد آل نهيان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، جدلا واسعا في وسائل الإعلام العربية، تداخلت فيه تحليلات وتكهنات متضاربة ومتباعدة، لكن يكاد يجمع عدد غير قليل منها على بروز تقاطعات في المواقف السياسية من شأنها أن تحدث فارقا في غير ملف، من الملفات الساخنة في بلدان عربية.

فهل حقا أن تلك الزيارات كانت قادرة على إطلاق مقاربات جديدة، تخرج الدبلوماسية الروسية عن سكة المواقف التقليدية، التي سارت عليها موسكو خلال السنوات الأربع الماضية، أو على العكس من ذلك جذب دول عربية محورية إلى صفها، بقبول دول بعينها للمقاربات الروسية السابقة، وانخراطها مع روسيا في عمل مشترك؟

تزامن الزيارات
تنطلق التحليلات والتكهنات المتفائلة من أن تزامن زيارة ثلاثة من القادة العرب يعد حدثا مهما بحد ذاته، ودليلا على اختراق حققته الدبلوماسية الروسية، من شأنه أن يعيد زخم الحضور الروسي إلى المنطقة، في استذكار لعهده الذهبي، خلال حقبة الاتحاد السوفياتي السابق والمد القومي والناصري في العديد من البلدان العربية.

يصل التفاؤل بأصحاب التحليلات والتكهنات المتفائلة إلى اعتبار أن زيارة القادة الثلاثة، وما سبقها من زيارات، ستقود إلى تحولات مفصلية في المواقف الروسية حيال الملفات العربية الساخنة، وفي المقدمة منها الصراعات في سوريا وليبيا واليمن

ويصل التفاؤل بأصحاب التحليلات والتكهنات المتفائلة إلى اعتبار أن زيارة القادة الثلاثة، وما سبقها من زيارات، ستقود إلى تحولات مفصلية في المواقف الروسية حيال الملفات العربية الساخنة، وفي المقدمة منها الصراعات في سوريا وليبيا واليمن، جنبا إلى جنب مع ارتقاء العلاقات الثنائية الروسية العربية، على قاعدة تطوير المصالح المشتركة وتوسيع نطاقها، بينما تتراجع مصداقية الولايات المتحدة في المنطقة، وباتت سياساتها تجاه الملفات العربية عاملا نابذا لحلفائها التقليديين.

في الضفة الأخرى، لا يجد بعض المحللين السياسيين إمكانية حصول تغيرات دراماتيكية في المواقف الروسية، وبالتالي يجب عدم المبالغة في الحديث عن تحولات وازنة، سواء في المواقف الروسية أو مواقف دول عربية، مثل الأردن والإمارات ومصر، تم التسليط عليها نظرا لتزامن زيارات قادتها إلى موسكو.

كنقطة معلومات، الهدف المباشر لزيارة كل من ملك الأردن، وولي عهد إمارة أبو ظبي، هو حضور المعرض الجوي الفضائي الدولي "ماكس 2015″، بينما كانت زيارة الرئيس المصري، مقررة سلفا منذ ثلاثة أشهر، الأمر الذي ينقض كل التحليلات والتكهنات التي تنطلق من حيثية تزامن زيارات عبد الله الثاني ومحمد آل نهيان والسيسي، دون أن يعني ذلك الانتقاص من أهمية المباحثات التي جرت بينهم وبين الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وعدد من كبار المسؤولين الروس، وما اشتملت عليه المباحثات والاتفاقيات الثنائية.

تغيير أم ثبات؟
بصرف النظر عن طبيعة الزيارات الثلاث، من حيث المهمة والتوقيت، إذا ما دققنا في جدول أعمال تلك الزيارات، وربطناها بموقع الأردن ودولة الإمارات العربية المتحدة ومصر من الأزمات الساخنة، والقدرة على التأثير في مجرياتها أو في مواقف أطراف رئيسية في الصراع، لا يوجد ما يزكي الاعتقاد بأن المباحثات التي تخللتها تخطت حاجز تبادل وجهات النظر حول الأزمات المحتدمة في المنطقة.

ويلاحظ أن التغطية الإعلامية الروسية الرسمية توخت نسبيا وضع الزيارات والمباحثات في حجمها وسياقها، بتقديم بحث العلاقات الثنائية على ما سواها، وتناول الجانب السياسي من زاوية "تبادل الآراء في بعض القضايا الدولية" مع التركيز على الملفات الإقليمية الساخنة، وبالأخص ملفات سوريا والعراق واليمن وليبيا.

ورغم المكسب السياسي الدعائي الذي حازت عليه موسكو من أبداء القاهرة تأييدها لإنشاء "تحالف ضد الإرهاب" بمشاركة نظام الرئيس الأسد، فإن هذا المكسب غير قابل للصرف، حتى وإن كانت هناك دول عربية أخرى تؤيده من تحت الطاولة، فالدبلوماسية الروسية تدرك تماما أن مصر، أو أي بلد من البلدان التي تؤيد مثل هذا المقترح، لا تمتلك مفاتيح لحل الأزمة السورية أو اليمنية أو الليبية أو العراقية، ولا حتى التأثير في مجرياتها بعيدا عن مواقف القوى الإقليمية المحورية، مثل تركيا والسعودية وإيران، ناهيك عن مواقف الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبا الغربية، لاسيما فرنسا وألمانيا وبريطانيا.

وبالعودة إلى تصريحات روسية سابقة، فإن شرط نجاح إقامة "تحالف دولي وإقليمي جديد لمكافحة الإرهاب" يتمثل في مشاركة تركيا والمملكة السعودية، وعلى قاعدة قبولهما بنظام الرئيس الأسد كشريك، بالإضافة إلى ألا يكون التحالف الجديد تحت قيادة الولايات المتحدة، وإلا فلن يتغير من واقع الأمر شيء، ومن المستبعد تحقيق هذين الشرطين.

نقاط تقاطع
مرة ثانية، لا يخفى وجود تقاطعات ملموسة بين مواقف موسكو ومصر والأردن والإمارات إزاء الملف السوري، وملفات أخرى ساخنة في المنطقة، فحكومات البلدان الثلاثة مواقفها متراخية -بدرجات متفاوتة- نحو الأزمة السورية، ولا تمانع في أن يكون للرئيس الأسد شخصيا دور في المرحلة الانتقالية، وفقا لبيان "جنيف1".

في الضفة الأخرى، لا يجد البعض إمكانية حصول تغيرات دراماتيكية في المواقف الروسية، وبالتالي يجب عدم المبالغة في الحديث عن تحولات وازنة، سواء في المواقف الروسية أو مواقف دول عربية، مثل الأردن والإمارات ومصر، تم التركيز عليها لتزامن زيارات قادتها إلى موسكو

وكشف الرئيس الأسد، في مقابلة تلفزيونية مؤخرا، أن الجهات العسكرية والأمنية المختصة في النظامين السوري والمصري، تقوم بالتنسيق والتعاون المشترك. كما أن حكومات مصر والأردن والإمارات تدعم حكومة برلمان طبرق وقوات حفتر، وتؤيد حكومة العبادي، ورحبت بالاتفاق بين مجموعة (5+1) وإيران، وتأخذ مواقف متشددة من جماعة "الإخوان المسلمين"، وهي كلها نقاط تتقاطع مع المواقف الروسية، وتستفيد منها موسكو.

بيد أن مواقف البلدان الثلاثة تظل ضمن دائرتي تأثير تحالفات دولية وإقليمية، تجعلها معنية بضبط إيقاع سياساتها على الصعيد العملي، وفي نهاية المطاف، وليس من قبيل المبالغة، هي لا تستطيع أن تحلِّق خارج سرب التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأميركية دوليا، ولا خارج سرب التحالف الذي تقوده المملكة السعودية إقليميا، دون إغفال وزن تركيا الكبير في المعادلة الإجمالية.

وفي الحقيقة، وبإقرار محللين روس، فإن زيارة ولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، إلى موسكو في يونيو/حزيران الماضي كانت أهم، وما يمكن أن يقال عن احتمالات تغيير في المواقف قيل في الاجتماع الثلاثي بين وزراء خارجية الولايات المتحدة وروسيا والسعودية الذي استضافته العاصمة القطرية "الدوحة" بداية الشهر الجاري، فمحصلة نتائج اللقاء الثلاثي أكدت أن لا تغيير في مواقف أي من أطرافه.

لكن الاعتقاد السائد بأن الحرب في اليمن قد غيرت من أولويات دول مجلس التعاون الخليجي، وفي المقدمة منها المملكة العربية السعودية، جعل دولة مثل مصر تتخذ المواقف التي أعرب عنها السيسي في موسكو خلال زيارته الأخيرة.

الحصيلة في الميزان
في الحسابات الروسية حضور زعيمين عربيين افتتاح معرض "ماكس 2015" يعوض مقاطعة كثير من القادة الغربيين، وعدد غير قليل من الشركات الأوروبية والأميركية للمعرض المهم لروسيا الراغبة في إظهار قوتها العسكرية.

ويمكن لموسكو أن تستفيد من الزيارة في سياق التسويق لسياستها على أنها سياسة واقعية وموضوعية تجاه أطراف الصراعات المحتدمة في بعض البلدان العربية، وأنها تقف على مسافة واحدة بين بلدان الخليج العربي وإيران، وترغب بعلاقات متوازنة مع الطرفين، لا تكون على حساب أي منهما بالضرورة.. إلخ.

كما أن موسكو ستستفيد من الزيارات لإثبات أنها غير معزولة سياسيا، بل وأنها قادرة على التحرك واستقطاب حلفاء جدد لها في المنطقة، تعيد من خلال التحالف ترتيب حضور قوي ونشط في المنطقة، إلى جانب التعاون الثنائي في مجالي الاستثمار والطاقة، بما فيها عقود تشييد محطات كهروذرية، هي الأولى من نوعها.

بالمقابل، ربما حازت زيارة السيسي على أضواء الإعلام، أكثر من زيارتي عبد الله الثاني ومحمد آل نهيان، في التصريحات الصحفية والتحليلات المتعلقة بعودة زخم الحضور الروسي في المنطقة، نظرا للدور المفترض الذي يمكن أن تضطلع به مصر، وحاجة نظام السيسي لدعم الكرملين، فروسيا سارعت منذ البداية إلى دعم الانقلاب على الرئيس محمد مرسي، وعلى خلاف المواقف الدولية -ولو لفظيا- لم تقم بإدانة أحكام الإعدام بحق المعارضين للانقلاب.

نتائج الزيارات بين موسكو وأطراف عربية مازالت أقل من الخروج بمقاربات قادرة على خلق فارق في معالجة الملفات الساخنة، ذات الاهتمام المشترك، وعلى قاعدة المصالح المتبادلة. وقد تكون الزيارة الأهم التي تنتظرها موسكو هي زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز

لكن سقف ما يمكن أن تحصل عليه مصر عمليا يبقى محدودا، بالقياس إلى ما تعول عليه، فمصر تعاني مشكلات معقدة وصعبة تحد من إمكانية لعب دور كبير في المحور الذي يرغب بوتين في إنشائه للوقوف في وجه تنظيم "الدولة الإسلامية".

ولهذا فإن إطار الحديث لن يخرج عن تبادل الآراء ووجهات النظر، يبالغ نظام السيسي في البناء عليه من الاعتقاد بأن موسكو ترغب في لعب دور عالمي أكبر يعيد أجواء الحرب الباردة، ما يعني إمكانية اللعب على حبل العلاقات مع واشنطن والبلدان الغربية من جهة وموسكو من جهة أخرى.

باستثناء ذلك، موسكو ليست قادرة على مساعدة القاهرة اقتصاديا، نظرا للأزمة التي تمر بها بسبب تراجع النفط والعقوبات الغربية ومشكلات الاقتصاد الروسي الهيكلية، وخلافا لما صرح به مصدر في وزارة الخارجية المصرية بخصوص موضوع سعي القاهرة إلى الانضمام إلى مجموعة "بريكس"، وتشكيل منطقة للتجارة الحرة مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، أكدت موسكو غير مرة أن الحديث عن انضمام مصر إلى "بريكس" سابق لأوانه، وأن تشكيل منطقة للتجارة الحرة سيخضع لدراسة من قبل خبراء.

في المحصلة، ما سبق يعني أن الزيارات الثلاث ونتائجها، دون الانتقاص من أهميتها، وضعت في سياق توظيف أكبر مما تحتمله.

صحيح أن روسيا استطاعت تحقيق نجاحات على صعيد إيجاد قنوات حوار مفتوحة مع العديد من البلدان العربية على نحو ملحوظ في الآونة الأخيرة، لجهة الزيارات المتبادلة والرفيعة المستوى، غير أن نتائجها مازالت أقل من الخروج بمقاربات قادرة على خلق فارق في معالجة الملفات الساخنة، ذات الاهتمام المشترك، وعلى قاعدة المصالح المتبادلة. وقد تكون الزيارة الأهم التي تنتظرها موسكو هي زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.