تركيا ورهانات المستقبل الصعبة

Turkish Parliament convenes to vote on a motion in Ankara, Turkey, in this October 2, 2014 file photo. Turkish President Tayyip Erdogan's hopes of assuming greater powers suffered a major setback on Sunday when the ruling AK Party he founded failed to win an outright majority in a parliamentary election for the first time. Erdogan, Turkey's most popular modern leader but also its most divisive, had hoped a crushing victory for the AKP would allow it to change the constitution and create a more powerful U.S.-style presidency. To do that, it would have needed to win two-thirds of the seats in parliament. REUTERS/Umit Bektas/Files
رويترز

حسم الرئيس رجب طيب أردوغان الجدل، باختصاره المرحلة الانتقالية التي كانت تعيشها تركيا في مرحلة فقدان التوازن، والتي أعقبت انتخابات السابع من يونيو/حزيران الماضي، وفقدت فيها الحكومة قاعدة التمثيل المستقل لحزب رئيسي أو التوافق مع حزب حليف يمكن أن يشتركا في الخطة الحكومية، وهو ما يعتبر مشكلة سياسية في أي دولة تعتمد التمثيل البرلماني الديمقراطي، قد تقود إلى أزمة دستورية.

وعليه فإن استخدام أردوغان لحقه الدستوري ودعوته للانتخابات المبكرة -دون استخدام الخيار الأخير وهو تكليف حزب الشعب الجمهوري بجمع فرقاء المعارضة، لجولة جديدة من البحث في تحالفات للنقيضين- يُنظر إليه على أنه يقلل من مرحلة الصراع المحتوم، الذي كان سيسبق أي انتخابات قادمة، بمرحلة انتقالية هشة شُكّلت فيها حكومة، أو أعلن الحزب المعارض عجزه عنها، للتباين الشرس بين المعارضين وإن اتفقوا على إسقاط حزب العدالة.

واستغلت المعارضة هذا القرار الدستوري كما هو متوقع، لكنّه موقف لا يغيّر كثيرا من حسابات المشهد الصعبة والدقيقة أمام الفرقاء السياسيين في تركيا، ولأول مرة تنعكس مرآة التحالف الإيراني والعربي والدولي المناهض لتركيا العدالة بهذا المستوى، في الحديث المباشر في إعلام العدالة. والمقصود إيمان الفريق الإسلامي والوطني في تركيا، بشراسة الحرب السياسية عليهم وتداخلاتها الإقليمية الصعبة.

تعتمد رهانات المعارضة على حصاد انتخابي جديد، وهي قراءة مرتبكة تعتمد على أن فشل جولة الانتخابات الأولى سيدفع الناخب لموقف سلبي من حزب العدالة، وقد يدفعه لجولة تأديبية له بإسقاطه من المرتبة الأولى

واستمرار هذه الحملة يؤشر على بقاء هذا الرهان لإسقاط العدالة قائما، وأن أحزاب المعارضة الرئيسية التي عاشت تجارب صراع قديمة -خاصة الشعب والحركة القومية- لم تتحول عن موقفها من إسقاط العدالة وصناعة موقف سياسي وطني يواجه أزمة مصيرية خطيرة لكل تركيا، رغم انكشاف مشروع التحالف الموسمي مع حزب الشعوب الديمقراطي لأكراد تركيا.

وعليه فإن رهانات المعارضة تعتمد على حصاد انتخابي جديد -خلافا للقراءة الأولية التي يرصدها المراقب المحايد- وهي قراءة مرتبكة تعتمد على أن فشل جولة الانتخابات الأولى، سيدفع الناخب لموقف سلبي من حزب العدالة، وقد يدفعه لجولة تأديبية له بإسقاطه من المرتبة الأولى. وتراهن المعارضة المتصارعة بينها أيديولوجيا وسياسيا على عدة عناصر لتحقيق رؤيتها:

1- حيوية الإعلام المعارض المرتبط بجزء منه بما يسمّى الكيان الموازي، وقدراته على توتير الناخب التركي ضد العدالة، بين القضايا الإقليمية والاقتصادية المحلية.

2- الحملة الإعلامية الغربية والأميركية الشرسة ضد حزب العدالة وخاصة مع حساباتها الإقليمية بين داعش (تنظيم الدولة الإسلامية) والدولة الكردية المنفصلة، وهو ذات الخط الذي تعتمده إيران والنظام السوري.

3- مجمل الحراك المسلح وخاصة ذي العلاقة بجناح صالح مسلم المرعي من إيران، والذي اقترب الغرب منه كثيرا، ونقل صدى هذا الواقع المسلح المضطرب معه ومع داعش لتحميل العدالة مسؤوليته، في حين حقق حزب العدالة دورة استقرار تاريخية مع أكراد تركيا، نسفتها مغامرة حزب الشعوب والمعارضة، والتي انتقدها مسعود بارزاني الذي يعاني من حملة كردية داخلية عليه بذات الحسابات.

4- تسعى المعارضة أيضا لاستخدام فوضى داعش واستهدافها الجديد لتركيا، إضافة إلى التحريض على اللاجئين السوريين، كملف ضجيج إعلامي يُحمّل أردوغان المسؤولية عنه، وبالتالي يقال للناخب التركي إن هذا من تبعة اختيارك للعدالة.

وموقف المعارضة اليوم يُسند بقرار ضمني دولي وإقليمي إيراني وجناح عربي قلق من معادلة حزب العدالة في حرب داعش الدولية وقلبها لصالح الثورة السورية عبر المناطق الآمنة، خاصة في ظل صعوبات إيران الكبيرة في العراق واليمن.

وعليه، فإن نجاح العدالة في الانتخابات القادمة يعزز قدراته لتحقيق هذه المعادلة على الأرض، ويقوى حسابات تركيا الإستراتيجية التي كان المطلوب منها غربيا إسناد قواعدها لواشنطن وفقا لخطة المواجهة مع داعش التي تنفذها إيران على الأرض، وليس تحويل مسار المعركة لصالح تركيا أمام داعش والانفصاليين الأكراد.

ولسنا نقلل من صناعة هذه الثقافة الإعلامية، وتأثيراتها على الناخب التركي، وقرار تصويته، لكننا نعرض بالمقابل إلى ما راقبه الناخب التركي خلال هذه الفترة وبالتالي فهم رسالة أخرى قد تغيّر مجرى التصويت السابق لصالح العدالة وليس لإسقاطه:

1- كان خروج أحمد داود أوغلو في خطابه التلفزيوني مرتبا وهادئا وهو يخاطب الناخب التركي بأنه سعى لتكوين التحالف الحكومي لكن المعارضة اعتذرت دون أن يهاجمها، وكان الإعلام يرصد حجم الخلافات التي تفصل المعارضة عن بعضها البعض فضلا عن العدالة.

2- نجح حزب العدالة في تغيير لغته، كما أن أردوغان تجنب ذكر النظام الرئاسي، وكذلك حزب العدالة سحب هذا الخيار من منصته، وكأنما أضحى قرارا مجمدا، وبقي تعزيز رسائل مكافحة الفساد وتنقية الحزب، وتحقيق مصالحة أو تحالف انتخابي بين أجنحته.

3- اضطربت مؤشرات الاقتصاد التركي منذ تراجع حزب العدالة، وكان ذلك كافيا لتذكير الناخب بمسيرة الاستقرار والتنمية التي حققتها العدالة، وأن المقابل له من تحالف أحزاب متصارعة صعب أن يحقق هذا الدور.

القراءة الأولية لحصاد خسارة العدالة ستكون حاضرة أمام الناخب التركي الذي يدرك أن هذا التوقيت الدقيق لا مساحة فيه لرهان كارثي رأى دلائل مقدماته، لا تدفعه قدرات ونجاحات حزب العدالة فقط، ولكن أيضا غياب موقف وقدرات المسؤولية الوطنية للمعارضة الرئيسية

4- انكشاف موقف التحالف السابق بين حزب الشعوب وحزبي الحركة القومية وحزب الشعب الجمهوري في اتحاد الحملات الانتخابية، وتوجيه الكتل التصويتية لهدف إسقاط العدالة دون وجود أي قاعدة توافق لمشروع وطني وسياسي بديل، وهذا يعني أن الناخب التركي في توجيه المعارضة كان يُستخدم ككتلة تخريب لمشروع العدالة لا كتلة بناء بديل وطني.

5- قضية شرق تركيا ذي الغالبية الكردية قضية عميقة ومزدوجة بين الأناضوليين والكرد الأتراك.

ورغم أن لوم العدالة على ما يعتبرونه تسامحا مع الأكراد لدى شريحة من الناخبين المحافظين، وأن وضع حزب العدالة الوطني وجناحه الكردي الذي نجح في تحقيق توازن سابقا في واقع صعب، لتأثيرات الحرب بين تركيا وحزب العمال، والتي اشتعلت بعد استخدام الجناح المتطرف في "بي كاي كاي" لحزب الشعوب الكردي، ليكون أداة لإسقاط مشروع السلام وحصار موقف أوجلان وجناحه؛ فإن تأملات الناخب التركي والكردي عميقة الوجدان، تَشعر بأن فتح باب الصراع لحرب دموية في جغرافية تركيا -وهو خيار سيتعزز بإسقاط العدالة- هو مستقبل مظلم لكلا القوميتين في تركيا، وأن عودة مشروع السلام هو الخيار الإستراتيجي للأمن القومي والسلم الأهلي عبر مطلقه وهو حزب العدالة.

وعليه فإن القراءة الأولية لهذا الحصاد ستكون حاضرة أمام الناخب التركي الذي يدرك تماما أن هذا التوقيت الدقيق لا مساحة فيه لرهان كارثي رأى دلائل مقدماته، لا تدفعه قدرات ونجاحات حزب العدالة فقط، ولكن أيضا غياب موقف وقدرات المسؤولية الوطنية للمعارضة الرئيسية.

وعليه فإن حزب العدالة بثوب مُصحّح هو الخيار الأفضل لإنسان تركيا، بدل فتح وطنه كمسرح صراع لا تخوضه المعارضة فحسب بل أطراف الخارج من قبعة سام إلى نفط الخليج وعمائم الولي الفقيه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.