عودة سفير مصر إلى الصهاينة

• Egypt's newly appointed ambassador to Israel Atef Salem (L) talks with Israeli President Shimon Peres upon presenting his credentials on October 17, 2012 at the presidential compound in Jerusalem.

الاستفزاز المصري
التحالف العربي الصهيوني
لماذا أعادت مصر سفيرها؟

قررت القيادة السياسية المصرية إعادة السفير المصري الذي كان قد سحبه الرئيس المصري محمد مرسي إثر العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2012. إنه حازم خيرت السفير المصري السادس في الكيان الصهيوني. وقد رحب الكيان الصهيوني الآثم بالخطوة المصرية على لسان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي عبر عن فرحته وابتهاجه، وعلى ألسنة العديد من القادة السياسيين والعسكريين.

من المعروف أن مصر لم تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع الصهاينة، واكتفى مرسي في حينه بسحب السفير، ومن المعروف أن عملية سحب السفير تعني في العادة أن السفير سيعود، وها هو عاد، ليس على يد مرسي وإنما على يد السيسي.

الاستفزاز المصري
تأتي خطوة إعادة السفير المصري إلى الصهاينة عملا استفزازيا للفلسطينيين بخاصة المقاومة الفلسطينية، بل ضربة خنجر في ظهر المقاومة الفلسطينية. وهي تأتي في الوقت الذي تشارك فيه مصر بحصار الشعب الفلسطيني في غزة بشدة، وتمنع عن الناس الدواء والغذاء ومستلزمات الحياة اليومية.

خطوة مصر تعبّر عن تعاون مستمر مع الكيان الصهيوني، وهو التعاون الذي يتضمن خطوات تصعيدية لا تتوقف من أجل القضاء على المقاومة الفلسطينية وتعريض أمن الشعب الفلسطيني لخطر الاعتداءات الصهيونية التي لا تتوقف

خطوة مصر تعبر عن تعاون مستمر مع الكيان الصهيوني، وهو التعاون الذي يتضمن خطوات تصعيدية لا تتوقف من أجل القضاء على المقاومة الفلسطينية وتعريض أمن الشعب الفلسطيني لخطر الاعتداءات الصهيونية التي لا تتوقف، وبدل أن تفك الحصار عن غزة، أكدت مصر لإسرائيل وغيرها من الدول المعادية لفلسطين أنها على عهد التحالف العربي الإسرائيلي الذي يستهدف المقاومتين الفلسطينية واللبنانية.

سيقول بعضهم إن مصر لا تستفز الفلسطينيين لأن السلطة الفلسطينية في رام الله لا تحتج على الخطوة المصرية وربما تباركها. هذا الكلام خارج الإطار الفلسطيني، لأن السلطة الفلسطينية خارج الإطار الوطني الفلسطيني، وهي تسرح وتمرح مع الاحتلال الصهيوني، وارتضت لنفسها أن تمارس الاحتلال على الشعب الفلسطيني بالوكالة عن الصهاينة.

المناخ المصري العام على المستويين الشعبي والرسمي يعبر عن أجواء معادية للشعب الفلسطيني. حمّلت أوساط رسمية مصرية حركة حماس مسؤولية تجاه الأحداث التي تمت وتتم في شمال سيناء، وتم اتهام حماس بدعم الإرهاب في منطقة العريش وما حولها، وقد حمل الإعلام المصري هذا الاتهام غير الموثق ليقوم بحملات دعائية واسعة ضد الشعب الفلسطيني.

وقد صمتت مصر على المستوى السياسي عن هذه الحملات الإعلامية، الأمر الذي يشير إلى الرضا عما يجري وموافقته. وما الحصار المضروب على غزة إلا الدليل الأكبر على توجهات النظام السياسي المصري الانقلابي العدائية ضد الشعب الفلسطيني. لقد تمت تغذية الرأي العام المصري بكراهية الشعب الفلسطيني، ونمت لديه الأحقاد والبغضاء بسبب أكاذيب صنعها النظام ووسائل إعلامه. وربما يقصد الإعلاميون والسياسيون المصريون توليد ردة فعل سلبية من قبل الشعب الفلسطيني تجاه الشعب المصري.

لم يفلح المسؤولون المصريون ببعث الكراهية في نفوس الفلسطينيين للشعب المصري، الشعب المصري بالنسبة للشعب الفلسطيني شعب أصيل، وآلامه هي آلام الفلسطينيين، وأفراحه هي أفراحهم، وما يؤذي مصر يؤذي فلسطين، وما يصيبها من خير يصيب فلسطين. لكن الشعب الفلسطيني يدرك أن الشعب المصري يتعرض لحملات تضليل واسعة تؤثر على مزاجه حول مختلف القضايا العربية وعلى رأسها قضية فلسطين.

التحالف العربي الصهيوني
الحمد لله أن انتهى زمن المزايدات العربية واستعمال فلسطين أداة للكذب والدجل والتضليل. كانت الأنظمة العربية تستعمل قضية فلسطين سابقا لتبرير وجودها ولكسب شرعية عربية، وطالما وعدت هذه الأنظمة العرب بالتحرير، وجميعها انكفأت مهزومة أمام إسرائيل.

لقد أثبت الزمن كذب الأنظمة العربية وزيف تصريحات مسؤوليها، وظهرت الحقيقة المُرة، وهي أن أغلب الأنظمة العربية كانت وما زالت تتودد لإسرائيل من تحت الطاولة، وهي الآن تتحالف معها من أجل مواجهة المقاومة العربية، ومن أجل محاربة إيران. لم يعد بمقدور الأنظمة العربية الكذب على الشعوب العربية، أو المتاجرة بالقضية الفلسطينية، وهي لا تخفي علاقاتها الطيبة مع الصهاينة، ولا تتوارى عن التنسيق الأمني والإستراتيجي مع الصهاينة بخاصة فيما يتعلق بإيران.

فإذا كانت إيران تحرص على الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني، فإن فلسطينيين وأنظمة عربية عدة تناصب إيران العداء والبغضاء، ولديها الاستعداد لتقديم مختلف الخدمات الأمنية والعسكرية لشن حرب عليها. هؤلاء الذين أطلقوا أرجلهم دائما هاربين أمام جيش الصهاينة، أصبحت لديهم قوة الآن لتهديد إيران.

لم تعلن مصر عن سبب إعادة سفيرها إلى الصهاينة، ولا توجد أحداث مميزة يمكن أن نفسر وفقها الرغبة المصرية المفاجئة، إنما هناك احتمالات أذكر منها استعداد أميركا لاستئناف المساعدات العسكرية لمصر

الشعب الفلسطيني بات يدرك جيدا وبعمق أن لا خير من الأنظمة العربية لقضية فلسطين، وأنه إذا أراد أن يستعيد ولو جزء بسيطا من حقوقه الوطنية الثابتة فإن عليه أن يعتمد على نفسه دون انتظار أحد.

فالمصريون دائما يمتنون علينا بأن أبناءهم قتلوا في حروب ضد الصهاينة دفاعا عن فلسطين، شهداء مصر هم شهداؤنا، ونحن نُكبر أبناء مصر ونترحم على كل الذين سقطوا في ميادين المعارك دفاعا عن الأمة، لكن نحن بحاجة إلى البحث بالحروب التي خاضتها مصر لنتأكد من أن الحكومة المصرية كانت فعلا تقاتل من أجل فلسطين.

ودون الخوض في المسألة، لا بد من التأكيد أن الشعب الفلسطيني لا يريد تحرير وطنه بدماء الآخرين، ولا يريد من الأنظمة العربية قتال الصهاينة بالنيابة عنه. لدى الشعب الفلسطيني من الشباب والشابات من يكفي للدفاع الذاتي، ولكن المطلوب أن تكف الأنظمة العربية يدها عن شعب فلسطين. كفانا التآمر العربي على القضية الفلسطينية، وكل ما نطلبه ألا تتدخلوا بشؤوننا، فأشقاؤنا الشعوب العربية وليس الأنظمة العربية. لقد أساءت الأنظمة العربية كثيرا للقضية الفلسطينية، وكان من الوارد جدا أن يكون الشعب الفلسطيني بوضع أفضل بكثير بغياب التدخلات العربية.

لماذا أعادت مصر سفيرها؟
لم تعلن مصر عن سبب إعادة سفيرها إلى الصهاينة، ولا توجد أحداث مميزة يمكن أن نفسر وفقها الرغبة المصرية المفاجئة، إنما هناك احتمالات أذكر منها استعداد أميركا لاستئناف المساعدات العسكرية لمصر. واضح أن الصهاينة لم يعارضوا قرار الأميركيين باستئناف هذه المساعدات، وربما جندت إسرائيل بعض الصهاينة في الولايات المتحدة للدفع باتجاه تزويد مصر ببعض الأسلحة بخاصة أن مصر لم تعد دولة معادية. وربما ضغطت الإدارة الأميركية على مصر لإعادة سفيرها كثمن لاستئناف شحنات الأسلحة.

ومن المحتمل أن مصر أعادت السفير تعبيرا عن امتنانها لإسرائيل التي سمحت للجيش المصري بالتحرك بحرية في سيناء لمواجهة التنظيمات الإسلامية. من المعروف أن اتفاقية كامب ديفيد تمنع الجيش المصري من العمل داخل سيناء أو بعد الكيلومتر 58 شرق قناة السويس. لكن الجيش المصري دخل المناطق المحظورة بآليات عسكرية متطورة، ووجد الطيران المصري حرية في العمل العسكري فوق سيناء.

هناك من يقول إن مصر أعادت سفيرها لأن الصهاينة يحترمون وقف إطلاق النار على غزة الذي تم التوصل إليه عقب الحرب عام 2014. فإذا كانت مصر حريصة على قطاع غزة فإنه من الأولى أن ترفع الحصار عنه. ثم إن الصهاينة لم يحترموا الاتفاق حول الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين والذي تم برعاية مصر.

الصهاينة لم يفرجوا حتى الآن عن الدفعة الرابعة من الأسرى، ومصر لم تفعل شيئا دفاعا عن وقارها وهيبتها. فالأولى أن تضغط من أجل الإفراج عن الذين تم الاتفاق على تسريحهم. ثم منذ متى يحترم الصهاينة وقف إطلاق النار؟ قام الصهاينة منذ أيام بالإغارة بطيرانهم الحربي الأميركي على غزة، ولم نر احتجاجات رسمية عربية.

ما دعا السيسي الآن لإعادة سفيره إلى الصهاينة هو التقارب الصهيوني مع بعض دول الخليج. فقد بات من المعلن التنسيق ضد إيران والتي باتت العدو الأول للعديد من الأنظمة العربية، وهي عدوة إسرائيل أيضا. ويبدو أن الشعار الآن قد أصبح "يا دول المنطقة اتحدوا ضد إيران". علما بأن الصهاينة هم الذين يملكون القنابل النووية، وهم الذين تآمروا دائما مع الأميركيين من أجل أن يبقى النفط في القبضة الغربية.

هناك من يقول إن مصر أعادت سفيرها لأن الصهاينة يحترمون وقف إطلاق النار على غزة الذي تم التوصل إليه عقب الحرب عام 2014. فإذا كانت مصر حريصة على قطاع غزة فالأولى أن ترفع الحصار عنه. ثم إن الصهاينة لم يحترموا الاتفاق

فمن المحتمل أن الصهاينة قد طرحوا ضرورة الضغط على مصر من أجل إعادة السفير كإجراء يطمئن الصهاينة بأن بعض الدول الخليجية جادة في تنسيقها الأمني والعسكري ضد إيران وحزب الله. ومصر قابلة للاستجابة للضغوط بسبب حاجتها الماسة للمال. مصر استجابت للمشاركة في الحرب على اليمن، واستجابت للحصار على غزة، واستجابت في السابق لمحاربة صدام حسين وفتح قناة السويس أمام المدمرات الأميركية لقاء شطب بعض مديونيتها، ومن الممكن أن تستجيب لمختلف الضغوط من أجل حل مشاكلها المالية والاقتصادية.

قال بعض المتفائلين في الوضع المصري إن السيسي سيكون عبد الناصر الجديد، وإنه سيرفع لواء القومية العربية، وسيعيد للعرب وحدة موقفهم وبعض كرامتهم. وها هو السيسي نراه الآن على أرض الواقع. من ناحية المبدأ، لا يجوز للعرب أن يعترفوا بالكيان الصهيوني لما في ذلك من خذلان للشعب الفلسطيني ودعم للعدوان والاحتلال. طبعا الفلسطينيون لا يطالبون أحدا بخوض حروب دفاعا عنهم أو من أجل تحرير وطنهم، لكن الفلسطينيين لا يتوقعون تهالكا عربيا من أجل كسب رضا الصهاينة ومودتهم.

المفروض أن للعرب موقفا مساندا من الناحية النظرية للفلسطينيين، وأن يوجهوا جهودهم الدبلوماسية والسياسية ضد الصهاينة لكي يعترفوا بالحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني، لكن للأسف تقوم الأنظمة العربية وبعض الفلسطينيين بتقديم الكثير من الخدمات بخاصة في المجال الأمني للصهاينة، وهم يعملون بدأب ومثابرة على تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني. واضح أن الأنظمة ومعها السلطة الفلسطينية يرون في إقامة العلاقات مع الصهاينة مكسبا كبيرا وحظوة يتمتعون بها، وكأنهم كانوا ينتظرون ساعة اللقاء.

تأتي هذه الخطوة التطبيعية والاعترافية المهمة في الوقت الذي تقوم فيه مصر بالتعاون مع الصهاينة وعدد من الأنظمة العربية والدول الغربية بحصار قطاع غزة بصورة مشددة. مصر تطْبق على قطاع غزة بقوة، وهي تمنع عن أهل غزة الحركة والنشاط، وتحول بينهم وبين المواد الغذائية والطبية، وأهل غزة يذوقون مُرّ العذاب بسبب الإجراءات المصرية. وبسبب ثقل وتعسف الإجراءات المصرية أخذت دول غربية تضغط على النظام المصري من أجل تخفيف عذابات الناس في غزة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.