أزمة سيناء بين الرئيس مرسي والفريق السيسي (ج1)

RAFAH, GAZA - OCTOBER 30: Egyptian security forces launch an operation after they hit some houses in Rafah near the border with southern Gaza Strip October 30, 2014. Egypt began setting up a buffer zone along the border with the Hamas-run territory to prevent militant infiltration and arms smuggling following a wave of deadly attacks after a suicide bombing in the Sinai Peninsula killed at least 30 soldiers.
غيتي إيميجز

المأساة التي يعيشها أهالي سيناء كبيرة، حيث القتل والتشريد وتدمير البيوت والممتلكات وتخريب المرافق العامة، وفرض حالة الطوارئ وحظر التجوال، وكلها أمور حولت حياتهم إلى جحيم.

كذلك الهجمات التي يتعرض لها جنود وضباط القوات المسلحة والشرطة، وإقدام الجماعات المسلحة على اختطاف بعضهم وقتلهم رميا بالرصاص أو ذبحهم كالخراف انتقاما لمقتل الأطفال والنساء والرجال والشيوخ كما يقولون.. كل هذه الأحداث تظهر أن ثمة قتالا بين الجيش وجزء من الشعب في سيناء، وهو قتال لا يلتزم بمعايير قيمية أو أخلاقية بل يرتكب فيه كلا الطرفين ما يمكن وصفها بجرائم الحرب.

إنها مشاهد إرهاب الدولة الذي بدأه السيسي بعد انقلابه على الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي، يواجهه إرهاب الجماعات المسلحة التي ترتكب كل يوم عمليات إرهابية تودي بأرواح جنود وضباط من الجيش والشرطة زج بهم السيسي في مغامرة غير محسوبة العواقب.

1

تعيش سيناء تحت رحمة إرهاب الدولة الذي بدأه السيسي بعد انقلابه على الرئيس المنتخب، يواجهه إرهاب الجماعات المسلحة التي ترتكب كل يوم عمليات إرهابية تودي بأرواح جنود وضباط من الجيش والشرطة زج بهم السيسي في مغامرة غير محسوبة العواقب

هذا الإرهاب المتبادل هو ما دفعني لكتابة هذه الدراسة، هادفا إلى تسليط الضوء على قضية سيناء بمقارنة سريعة بين رؤيتين وسياستين انتهجهما كل من الرئيس المنتخب الذي جاء بإرادة شعبية، فاعتمد منهج الحوار مع شعبه، ورفع المظالم وعمل على تحقيق العدالة والتنمية، وسلطة الفريق السيسي التي جاءت بانقلاب عسكري، وتسعى إلى تثبيته عبر أساليب القوة والقتل والقمع والاعتقال والمحاكمات الظالمة التي تساند الانقلاب بأحكام السجن أو الإعدام لآلاف المعارضين السلميين.

بعد تشكيل حكومة الدكتور هشام قنديل وأدائها اليمين الدستورية أمام الرئيس الدكتور محمد مرسي في الثاني من أغسطس/آب 2012 فجعنا بحادث مروع، ففي مساء يوم الأحد 5 أغسطس/آب الموافق 17 من رمضان وقع هجوم مسلح على حاجز أمني قرب معبر كرم أبي سالم أودى بحياة 16 جنديا أثناء تناولهم الإفطار.

تلقت الحكومة الخبر بانزعاج كبير، حيث لم يمض على تشكيلها إلا 72 ساعة فقط، ومنذ هذه اللحظة بدأ الرئيس مرسي ومعه الحكومة في اتخاذ العديد من الخطوات تجاه سيناء وتنميتها وأمنها.

فور وقوع الحادث عقد الرئيس مرسي اجتماعا حضره رئيس الحكومة الدكتور هشام قنديل ووزير الدفاع المشير محمد حسين طنطاوي، ووزير الداخلية اللواء أحمد جمال الدين، ومدير المخابرات العامة اللواء مراد موافي، ومدير المخابرات الحربية اللواء عبد الفتاح السيسي.

في هذا الاجتماع استمع الرئيس لتقدير الموقف من الحضور، والإجراءات التي يجب اتخاذها للكشف عن مرتكبي الحادث وتقديمهم إلى العدالة، وشدد على ضرورة تعاون كافة المؤسسات الأمنية مع بقية مؤسسات الدولة للتصدي لهذه الأعمال الإرهابية حتى تستطيع البلاد أن تنهض وتعالج مشكلاتها المزمنة التي تراكمت عبر عشرات السنين.

في اليوم التالي لاستشهاد الجنود زار الرئيس مرسي سيناء، والتقى بضباط وجنود الكتيبة 101 حرس الحدود، وقدم لهم العزاء في زملائهم، وكرر -أثناء وجوده بينهم- أوامره لقيادة القوات المسلحة بسرعة القبض على مرتكبي الحادث الإجرامي، وتأمين القوات، وبسط الأمن على سيناء.

2

وفي يوم الثلاثاء 7 أغسطس/آب كان تشييع جنازة الجنود الشهداء من أمام النصب التذكاري لشهداء حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 بشارع النصر، وقد بدأت المراسم بالصلاة عليهم بمسجد آل رشدان، حيث أم الصلاة الدكتور هشام قنديل رئيس الوزراء.

وبعد الجنازة فوجئنا بأعداد من أنصار النظام المخلوع يتقدمهم علي مصيلحي وزير التموين الأسبق والقيادي في الحزب الوطني المنحل، والإعلاميين توفيق عكاشة ومصطفى بكري وشقيقه محمود، ومن يطلقون على أنفسهم اسم أبناء مبارك ومجموعة "إحنا آسفين يا ريس" يهتفون ضد الحكومة، ويتهمونها بقتل الجنود، مع أن الحكومة لم تتسلم عملها إلا منذ ثلاثة أيام فقط.

بل إن رئيس الحكومة لم يترأس أي اجتماع لحكومته بعد، حيث ترأس اجتماعها الأول الرئيس محمد مرسي مساء الخميس عقب أدائها اليمين، وكان من المقرر أن تعقد اجتماعها صباح الأربعاء 8 من أغسطس/آب، وهو أول اجتماع برئاسة الدكتور قنديل يعقد في مقر مجلس الوزراء بشارع القصر العيني.

وقد حاولت بعض هذه المجموعات الاعتداء على رئيس الوزراء وعلى بعض الوزراء والمسؤولين الذين شاركوا في الجنازة، وقذفوا سيارة رئيس الحكومة بالحجارة فألحقوا بها بعض الأضرار، وبعدها تحركت النعوش إلى شارع النصر، حيث كان ينتظرها هناك وزير الدفاع، ورئيس الأركان، وشيخ الأزهر، وعدد من المسؤولين، ورموز القوى السياسية والحزبية.

كان من المفترض أن يشارك الرئيس في تشييع الجنازة، وأثناء قدومه إلى المكان علم بما حدث مع رئيس الحكومة بالمسجد نتيجة إهمال الشرطة العسكرية التي كانت مسؤولة عن التأمين، الأمر الذي جعل الرئيس يغير اتجاهه ويذهب إلى مستشفى القبة العسكري لزيارة الجنود الذين أصيبوا في الحادث، وبعدها عاد لمكتبه بقصر الاتحادية مرة أخرى.

وفي يوم الأربعاء 8 أغسطس/آب عقد مجلس الدفاع الوطني اجتماعا برئاسة الرئيس مرسي، وحضور رئيس الحكومة، ورئيس مجلس الشورى، ووزير الدفاع، وبقية أعضاء المجلس، واستمع الرئيس لوجهة نظر أعضاء المجلس، وكيفية بسط الأمن على كل ربوع الوطن، ومعالجة الأوضاع في سيناء.

3

لعل القدر قد ساق هذا الحادث للرئيس مرسي ليبدأ حملة تطهير واسعة لمؤسسات الجيش والشرطة والمخابرات، حيث أعلنت رئاسة الجمهورية في الثامن من أغسطس/آب إقالة عدد من المسؤولين على رأسهم اللواء مراد موافي مدير المخابرات العامة، وتعيين اللواء رأفت شحاته بدلا منه.

تهدف خطة مرسي -ومنها مشروعات بملياري جنيه- لإحداث نهضة وتنمية حقيقية يشعر بها المواطن السيناوي، وإشراك المواطنين في القرارات المتعلقة بشؤونهم، وتلبية الاحتياجات الخاصة بهم، وفتح باب التملك لهم ولأسرهم حتى يشعروا بالانتماء لوطنهم

كما أعلنت إقالة قائد الحرس الجمهوري اللواء نجيب عبدالسلام، وتعيين اللواء محمد زكي بدلا منه، وإقالة قائد الأمن المركزي اللواء عماد الوكيل، وتعيين اللواء ماجد مصطفى كامل بدلا منه، وإقالة قائد الشرطة العسكرية اللواء حمدي بدين، وتعيين اللواء إبراهيم الدماطي بدلا منه، وإقالة اللواء محسن مراد مساعد وزير الداخلية ومدير أمن القاهرة، وتعيين اللواء أسامة الصغير بدلا منه، هذا إضافة إلى إقالة محافظ شمال سيناء اللواء عبد الوهاب مبروك، ومدير أمن المحافظة اللواء صالح المصري.

وأصدر الرئيس مرسي قرارا جمهوريا بتعيين السفير محمد فتحي رفاعة الطهطاوي رئيسا لديوان رئيس الجمهورية بدلا من اللواء عبد المؤمن فودة أحد مساعدي زكريا عزمي رئيس ديوان مبارك الذي عينه المشير طنطاوي قبل تسلم الرئيس مرسي السلطة بأسبوعين فقط!

وفي عصر الجمعة العاشر من أغسطس/آب قام الرئيس مرسي بزيارته الثانية لسيناء، وتناول الإفطار مع الجنود والضباط في معسكرهم برفح لتشجيعهم ورفع معنوياتهم، وكان برفقته وزير الدفاع، ورئيس الأركان، ووزير الداخلية.

وفي يوم الأحد 12 أغسطس/آب أصدر الرئيس مرسي إعلانا دستوريا ألغى بموجبه ما سمي الإعلان الدستوري المكمل الذي أصدره المجلس العسكري في 17 يونيو/حزيران 2012 قبل إجراء المرحلة الثانية من الانتخابات الرئاسية، وبعد علمهم باحتمالية فوز الدكتور مرسي استبقوا مجيئه بهذا الإعلان الذي كان من بين مواده: حل مجلس الشعب المنتخب استنادا لقرار المحكمة الدستورية ببطلان انتخابات المقاعد الفردية التي تمثل ثلث أعضاء المجلس، ونقل سلطة التشريع للمجلس العسكري، وتشكيل مجلس الدفاع الوطني بأغلبية كبيرة للعسكريين.

وأقال الرئيس وزير الدفاع ورئيس الأركان، ومعظم قيادات المجلس العسكري، وأصدر قرارا بترقية اللواء عبد الفتاح السيسي لرتبة الفريق، وتعيينه وزيرا للدفاع، وترقية اللواء صدقي صبحي لرتبة الفريق، وتعيينه رئيسا لأركان القوات المسلحة.

وبدأ الرئيس مرسي منذ هذا التاريخ بتنفيذ برنامجه الخاص بتنمية ونهضة سيناء، حيث كانت سيناء على رأس برنامج نهضة مصر الذي خاض به الرئيس الانتخابات، وحظي بقبول أغلبية المصريين.

وجه الرئيس مرسي الحكومة لإعطاء الأولوية لسيناء، وبدأت حكومة الدكتور هشام قنديل العمل في سيناء على عدة مسارات:

الأول: إحداث نهضة وتنمية حقيقية يشعر بها المواطن السيناوي، وإشراك المواطنين في القرارات المتعلقة بشؤونهم، وتلبية الاحتياجات الخاصة بهم، وفتح باب التملك لهم ولأسرهم حتى يشعروا بالانتماء لوطنهم.

والثاني: العمل على بسط الأمن، وتماسك الجبهة الداخلية بسيناء باعتبارها بوابة مصر الشرقية التي عبر منها كل الغزاة على مدار التاريخ، ورأب الصدع الموجود بين بعض المواطنين وقوات الشرطة والجيش، وتعاون سلطات الجيش والشرطة مع المواطنين لمكافحة عصابات تهريب السلاح والمخدرات والبشر.

والثالث: تنفيذ الخطة الدعوية والدينية والثقافية والاجتماعية التي وضعها الرئيس في برنامجه، وكذا الحكومة، بهدف إعادة بناء وجدان المواطن السيناوي، ودمجه في وطنه الكبير بعد شعوره بالاغتراب والتهميش لعشرات السنين، والتأكيد على اهتمام الدولة بحقوقهم التي حرموا منها، والتأكيد أيضا على أن برنامج الرئيس ينظر إلى أهل سيناء على أنهم الأولى بالرعاية والتنمية التي أهملتها الحكومات المتعاقبة كثيرا، وباعتبارهم حراس الوطن مع جيشه على حدوده الشرقية.

4

وفي 3 سبتمبر/أيلول 2012 أي بعد تشكيل حكومة الدكتور هشام قنديل بشهر واحد خصصت الحكومة مليارا و650 ألف جنيه لمشروعات تنمية سيناء، وقام الرئيس مرسي بزيادتها بعد ذلك إلى ملياري جنيه.

ووضعت الحكومة خطة لتوفير 9500 فرصة عمل بسيناء، وصدر قرار من الرئيس مرسي بإنشاء جهاز لتنمية سيناء، ومنحه من الصلاحيات ما يعينه على أداء المهام المنوطة به، واعتمدت الحكومة لائحته التنفيذية لينطلق في عمله.

وخرج رئيس الحكومة في مؤتمر صحفي بعد بداية عمل الحكومة بأسابيع ليقول إننا نخطط لعمل عدد من المشروعات الخاصة بتنمية سيناء، منها مشروعات للمياه والصرف الصحي، والمدارس، والوحدات الصحية، ورصف الطرق.

وقال سيتم تنفيذ بعض المشروعات كل شهر حتى يشعر المواطن السيناوي بأننا نعمل لصالحه.

وأضاف إننا نعد تخطيطا لما سيتم عمله في الأعوام القادمة، سواء المشروعات التي ستنفذها الحكومة، أو تلك التي سيتم طرحها على القطاع الخاص.

وضعت الحكومة بعهد مرسي خطة لتوفير 9500 فرصة عمل بسيناء، وصدر قرار من الرئيس مرسي بإنشاء جهاز لتنمية سيناء، ومنحه من الصلاحيات ما يعينه على أداء المهام المنوطة به، واعتمدت الحكومة لائحته التنفيذية لينطلق في عمله

وبدأت الحكومة في تنفيذ منطقة صناعية على مساحة أربعمئة ألف فدان، إضافة إلى توفير مساحة أربعمئة ألف فدان أخرى ضمن خطة الرئيس لاستصلاح مليون فدان، وقررت الحكومة تمليك مئتي ألف فدان منها للشباب السيناوي، ومئتي ألف لشركات الاستثمار الزراعي.

وشرعت الحكومة في وضع مخطط عام للتنمية السياحية في منطقة الطور ورأس محمد على مساحة قدرها 150 مليون متر مربع، وبدأت الحكومة في تنشيط دراسة إنشاء الجسر الرابط بين مصر والمملكة العربية السعودية، ودراسة إنشاء مطار مدينة رأس سدر بنظام "بي أو تي" (B.OT) لتشجيع الاستثمار، وإقامة ثلاث مناطق حرة في سيناء، إضافة إلى منطقة صناعية تضم مصانع للجبس والرمل الزجاجي والتعدين.

وقامت الحكومة بتذليل العقبات التي كانت تعترض أحد المشروعات في منطقة بير العبد، وهو مشروع الشركة المصرية للأملاح والمعادن (أميسال) برأسمال قدره 1800 مليون جنيه (مليار وثمانمئة مليون جنيه) لإنتاج بيكربونات الصوديوم بطاقة خمسمئة ألف طن سنويا، تلك الصناعة المهمة التي تخدم حوالي مئة صناعة أخرى، أهمها صناعات الزجاج، والمنظفات الصناعية، والصناعات الغذائية، ويوفر المشروع 13 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة لأبناء سيناء.

كان المشروع قد وقع اتفاق إنشائه قبل فوز الرئيس مرسي بشهر واحد، لكنه كان مجرد حبر على ورق، فجاءت حكومة قنديل لتخصص له الأرض وتدفع العمل به لإدراكها أهميته، حيث يفترض أن يغني مصر عن استيراد هذه المادة المهمة للصناعة، (تستورد مصر سنويا ثلاثمئة ألف طن، والإنتاج الحالي للمصانع المصرية القائمة هو تسعون ألف طن، في حين أن الإنتاج المتوقع للمصنع هو خمسمئة ألف طن) إضافة إلى تشجيعه على قيام صناعات أخرى مستفيدة من إنتاجه.

وكان من المقرر أن يبدأ المشروع عمله في 2015 ليؤدي إلى تحول مصر من مستورد لهذا المنتج إلى مصدر، لكن الانقلاب المشؤوم جاء ليعطل العمل في هذا المشروع وعشرات المشاريع الأخرى التي بدأت في عهد الرئيس مرسي!
يتبع…

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.