أقل ما يمكننا تقديمه من أجل سوريا

A general view taken on April 6, 2015 shows destruction in Yarmuk Palestinian refugee camp in the Syrian capital, Damascus. Around 2,000 people have been evacuated from the Yarmuk Palestinian refugee camp in Damascus after the Islamic State group seized large parts of it, a Palestinian official told AFP. AFP PHOTO / STR
غيتي إيميجز


على مدى السنوات الأربع الأخيرة، كانت سوريا مسرحا لمعاناة رهيبة وقدر هائل من الوحشية، ولكن الهجوم الأخير الذي شنه مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية (
داعش) على مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في دمشق كان صادما ومروّعا.

فالاستيلاء على المخيم يجعل ثمانية عشر ألف لاجئ عُرضة لخطر الذبح، وعدم القدرة على الوصول إلى الغذاء والماء والخدمات الحيوية. والظروف هناك -وفقا لتقرير كريستوفر جونيس المتحدث باسم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى- "غير إنسانية على الإطلاق". ويذكرنا الهجوم مرة أخرى بأن العذاب الذي تعيشه سوريا لن ينتهي إلا من خلال العمل الدولي المنسق.

عندما اندلعت الاحتجاجات ضد نظام الرئيس بشار الأسد الاستبدادي عام 2011، لم يكن أحد ليتخيل وقوع الكارثة التي تُلِمّ بسوريا الآن، فقد حصدت الحرب أرواح أكثر من 200 ألف إنسان ودمرت النسيج الاجتماعي والاقتصادي في سوريا.

الواقع أن المسؤولية عن فشلنا الجماعي وتقاعسنا عن العمل لا تقتصر على الدبلوماسيين وصناع السياسات الدوليين، بل إننا نشترك جميعا في هذه المسؤولية. ورغم هذا فإن كثيرين أصبحوا فاقدي الحس وغير مبالين

وقد أدى الصراع إلى فظائع ارتكبتها الأطراف كافة، بما في ذلك عمليات الإعدام الجماعية والاختطاف، والتعذيب، واستخدام الأسلحة الكيميائية، والقصف ببراميل البارود. وقد فر نحو 12 مليون شخص من مساكنهم، وكثيرون غادروا البلاد بالكامل، الأمر الذي يفرض عبئا ثقيلا على الدول المجاورة مثل لبنان والأردن. والآن لم يعد أكثر من ثلاثة ملايين طفل قادرين على الذهاب إلى المدرسة.

كان المجتمع الدولي غير قادر وإلى حد ما غير راغب في وقف الحرب أو إنهاء معاناة سوريا، وكان لي أنا والأمين العام السابق لمنظمة الأمم المتحدة كوفي أنان خبرة مباشرة بهذه الأزمة. فقد حاول كل منا حمل المتقاتلين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات وإنهاء القتل، وكان الفشل نصيبنا.

ومن ناحية أخرى، استغرق العالم وقتا طويلا للغاية قبل أن ينتبه إلى الخطر العالمي الذي يفرضه تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وسوف يتطلب الأمر ما يزيد كثيرا على حملة القصف المستمرة لإنهاء الفظائع التي ترتكبها هذه الجماعة في سوريا والعراق. وهناك حاجة ماسة إلى حل شامل للصراع. ولكن هذا لن يتسنى إلا إذا عمل اللاعبون الإقليميون الرئيسيون -إيران، والأردن، وقطر، والمملكة العربية السعودية، وتركيا- مع المجتمع الدولي من أجل توليد الإرادة السياسية اللازمة للتحرك. ولكن من المؤسف أن قِلّة من الدلائل تشير إلى أن مثل هذا التعاون قد يحدث في أي وقت قريب.

الواقع أن المسؤولية عن فشلنا الجماعي وتقاعسنا عن العمل لا تقتصر على الدبلوماسيين وصناع السياسات الدوليين، بل إننا نشترك جميعا في هذه المسؤولية. ورغم هذا فإن كثيرين أصبحوا فاقدي الحس وغير مبالين. ومن الأهمية بمكان، مهما كان الموقف في سوريا قاتما ومزعجا، أن نمتنع عن تجاهل الأمر أو السعي إلى قلب الصفحة ببساطة.

ويتجلى هذا بأكبر قدر من الوضوح في المشهد الرهيب لآلاف من اللاجئين السوريين المكدسين على متن قوارب متهالكة، في محاولة لعبور البحر الأبيض المتوسط. في العام الماضي، خسر نحو 4000 رجل وامرأة وطفل حياتهم في هذه المحاولة المحفوفة بالمخاطر للعبور، ولكن هذا لم يمنع آخرين بالآلاف من المخاطرة بالقيام بنفس الرحلة ووضع أرواحهم بين أيدي تجار البشر والعصابات الإجرامية.

ما يعجز المرء عن تصديقه هو أن استجابة الاتحاد الأوروبي لغرق الناس كانت خفض الميزانية المخصصة لوحدة الاستجابة البحرية المكلفة بمراقبة معابر اللاجئين، وهذا لا يشكل تحديا واضحا للأخلاق فحسب، بل إنه سلوك هدّام أيضا

وما يعجز المرء عن تصديقه هو أن استجابة الاتحاد الأوروبي لغرق الناس في البحر الأبيض المتوسط كانت خفض الميزانية المخصصة لوحدة الاستجابة البحرية المكلفة بمراقبة معابر اللاجئين وإنقاذ الناجين من السفن الغارقة. وهذا لا يشكل تحديا واضحا للأخلاق فحسب، بل إنه سلوك هدّام أيضا.

لقد أسفر التركيز الحالي على أمن الحدود عن سياسات منقوصة وغير منسقة ورديئة التصميم تجبر المهاجرين على اللجوء إلى قنوات غير شرعية وخطيرة. وبرغم هذا، يبدو أن خوف الحكومات الوطنية في مختلف أنحاء الاتحاد الأوروبي من المشاعر المناهضة للمهاجرين بين ناخبيها -أو تقييدها بسبب هذه المشاعر- أشد من أن يسمح لها بإظهار المشاعر الإنسانية المشتركة مع اللاجئين.

في صراع بهذا القدر من المرارة والطول والتعقيد مثل الحرب في سوريا، من السهل للغاية أن نستسلم لليأس حتى إن بعض المذيعين الدوليين وجدوا أن أعداد مشاهديهم تنخفض كثيرا عندما يخوضون في الصراعات. ومن الصعب أن يشعر المواطنون العاديون بالأمل عندما تعجز الحكومات والمؤسسات الدولية عن وقف الحرب وترفض حماية اللاجئين.

ذات يوم، قال الكاتب الفرنسي الجزائري المولد ألبير كامو "في مثل هذا العالم من الصراع والضحايا والجلادين، تصبح مهمة المفكرين العقلاء من البشر أن يمتنعوا تماما عن الوقوف في صف الجلادين". وبهذه الروح أدعو الناس في مختلف أنحاء العالم إلى الضغط على حكوماتهم لحملها على تنفيذ السياسات اللازمة لحماية وإيواء لاجئي الحرب السورية.

إن رعاية أولئك الذين نزحوا بسبب الصراع هو أقل ما يمكننا تقديمه لهم. ومن أجل مصلحة العالم أجمع، لا ينبغي لنا أبدا أن ننسى الشعب السوري.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.