قوة عربية مشتركة.. الفرص والتحديات

A general view shows Arab Foreign Ministers and delegation members attending the 143rd annual meeting at the League headquarters in Cairo, Egypt, 09 March 2015. Reports state Arab Foreign Ministers discussed issues that will be put on the agenda of the upcoming Arab Summit in Egypt end of March. Discussions took up developments in Syria, Libya and Yemen as well as anti-terrorism and security cooperation among member states.

مطلب صعب
تحديات
مؤشرات إيجابية

من بين مخرجات عديدة مهمة للقمة العربية الـ26 التي استضافها منتجع شرم الشيخ المصري قبل أيام برز مسعى لتشكيل قوة عسكرية عربية مشتركة، وهو المقترح الذي تبنى الدعوة له منذ أسابيع سبقت القمة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بغية التصدي لكافة صور الإرهاب وتشكيلاته استنادا إلى إطار قانوني متمثل في معاهدة الدفاع العربي المشترك والتعاون الاقتصادي.

ومعاهدة الدفاع العربي المشترك والتعاون الاقتصادي وقعت عام 1950 وأقرت إنشاء مجلس الدفاع المشترك للجامعة العربية بهدف تنسيق سياسة دفاعية مشتركة للجامعة تنطلق من اعتبار أي عدوان ضد أي دولة موقعة على البروتوكول عدوانا على باقي الدول الموقعة على البروتوكول، والتي كانت تضم وقتذاك مصر وسوريا والعراق ولبنان والأردن والسعودية.

مطلب صعب
تشي تجارب التاريخ وخبرات الأمم بأن تشكيل قوة عسكرية عربية مشتركة ليس بالسهولة التي يتخيلها كثيرون، فلطالما استعصى على تجمعات وأنظمة إقليمية شتى تشكيل قوة عسكرية موحدة رغم بلوغ مستوى التعاون السياسي والاندماج الاقتصادي في ما بينها مبلغا متقدما.

تشي تجارب التاريخ وخبرات الأمم بأن تشكيل قوة عسكرية عربية مشتركة ليس بالسهولة التي يتخيلها كثيرون، فلطالما استعصى على تجمعات وأنظمة إقليمية شتى تشكيل قوة عسكرية موحدة رغم بلوغ مستوى التعاون السياسي والاندماج الاقتصادي في ما بينها مبلغا متقدما

فلم يكن التقارب الاندماجي غير المسبوق بين دول الاتحاد الأوروبي الـ28 ليسفر عن تشكيل جيش أوروبي موحد أو قوة عسكرية موحدة تحت إشراف البرلمان الأوروبي رغم توقيع دول الاتحاد على معاهدة لشبونة عام 2007 التي وضعت بدورها أطرا سياسية ومؤسسية لهذا الأمر بتجديدها التأكيد على ضرورة تفعيل اتفاقية الدفاع الأوروبي المشترك وإنشاء ونشر قوات للردع السريع، فضلا عن إصلاح مؤسسات الاتحاد وتنشيط عملية صنع القرار فيه، لتحل تلك الاتفاقية بذلك محل الدستور الأوروبي الذي سبق ورفضته كل من فرنسا وهولندا عام 2005 بعد أن تم اعتمادها والتصديق عليها وباتت سارية المفعول في ديسمبر/كانون الأول 2008.

عربيا لا تزال تجربة قوات درع الجزيرة -التي أسستها دول مجلس التعاون الخليجي في نوفمبر/تشرين الثاني 1982 بعدما أقرتها القمة الخليجية في دورتها الثالثة بالعاصمة البحرينية المنامة بناء على توصية من وزراء الدفاع في حينها- تواجه عثرات شتى في ما يتصل بحجمها وطبيعة دورها وإمكانية استمرارها من عدمه.

فبعدما وقعت دول مجلس التعاون في ديسمبر/كانون الأول 2000 في المنامة معاهدة دفاع مشترك تلتزم فيها بالدفاع عن أي دولة من دول المجلس تتعرض لتهديد أو خطر خارجي اجتمع وزراء دفاع دول المجلس بمسقط في أكتوبر/تشرين الأول 2002 وأعلنوا عزم دولهم رفع تعداد هذه القوة إلى 22 ألف رجل.

غير أن عجز القوة الخليجية عن القيام بالدور المنوط بها أثناء الغزو العراقي للكويت عام 1990- حيث كانت تتألف وقتها من لواء سعودي واحد وآخر مشترك مع الدول الأعضاء- جعل الأمير خالد بن سلطان يشرع في تفكيكها وإعادة كل وحدة لوطنها الأصلي.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2005 صرح وزير الشؤون الخارجية العماني يوسف بن علوي بأن قوة درع الجزيرة لم تعد لها حاجة بعد زوال نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وبعد هذا التصريح بنحو شهر اقترحت السعودية تفكيك القوات، وأن تشرف كل دولة على وحداتها المشاركة فيها بحيث يمكن استدعاؤها في حال الضرورة.

وما إن عادت السعودية في نوفمبر/تشرين الثاني 2006 لتقترح زيادة تعداد قوات درع الجزيرة لتصل إلى مائة ألف مقاتل وإنشاء نظام مشترك للقيادة والسيطرة حتى خرج الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي وقتها عبد الرحمن العطية بإعلان في مايو/أيار 2008 بشأن تمركز الوحدات المشاركة في قوات درع الجزيرة ببلدانها الأصلية.

وحينما استعانت مملكة البحرين بقوات درع الجزيرة في مارس/آذار 2011 لتأمين المنشآت الإستراتيجية فيها عقب احتجاجات قوى المعارضة الشيعية اندلع جدل كبير بشأن هذا التدخل على اعتبار أن تلك القوات تأسست للتحرك ضد أي عدوان خارجي وليس للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الخليجية.

وعندما استغاثت السلطات الشرعية في اليمن بمجلس التعاون الخليجي والمجتمع الدولي للتدخل بغية دعم الشرعية والحيلولة دون التوسع الحوثي في اليمن لم تكن استجابة دول مجلس التعاون الخليجي بالتدخل العسكري عبر قوات درع الجزيرة إنما قادت السعودية تحالفا عشريا يضم دولا عربية وغير عربية.

تحديات
ثمة تحديات عديدة تعرقل مساعي تشكيل قوة عربية مشتركة، من أبرزها:

– انهيار جيوش نظامية عتيدة بعدد من الدول العربية أو انزلاقها إلى أتون الحرب الأهلية والصراع على السلطة كسوريا والعراق وليبيا واليمن، أما الجيوش النظامية العربية التي سلمت من الانهيار أو الحرب الأهلية فإما أنها متواضعة التعداد والتسليح كجيوش بعض دول الخليج وتونس ولبنان أو أنها منغمسة في حروب ضارية ضد الإرهاب كالجيش المصري.

مما يعرقل تشكيل القوة المشتركة انهيار جيوش نظامية عتيدة بعدد من الدول العربية أو انزلاقها إلى أتون الحرب الأهلية والصراع على السلطة، أما الجيوش التي سلمت من الانهيار أو الحرب الأهلية فإما أنها متواضعة التعداد والتسليح كجيوش أو أنها منغمسة في حروب ضارية ضد الإرهاب

– غياب الإجماع أو التوافق العربيين حول الفكرة من أساسها، فمن جهة تفتقد اتفاقية الدفاع العربي المشترك -التي تتواتر الدعوات الآن لتفعيلها باعتبارها الأساس القانوني والمؤسسي الذي تبنى عليه القوة العربية المشتركة المزمعة- إلى الإجماع العربي، ذلك أن من وقع عليها عام 1950 كان ست دول عربية فقط هي مصر وسوريا والعراق ولبنان والأردن والسعودية، بينما يستوجب تحقيق مبدأ الدفاع العربي المشترك اتفاق كافة الدول العربية على التحديات التي تواجهها في المرحلة الحالية، وسبل وآليات التعاطي معها.

ومن جهة أخرى، ما برحت دول عربية كعمان والجزائر وليبيا وسوريا والعراق تتحفظ على المبدأ، فعلاوة على معارضة تلك الدول تدخل قوات عربية في ليبيا أو اليمن -معتبرة إياه عسكرة للخلافات السياسية وباعثا للإرهاب والفوضى والحروب الأهلية- ما زالت تتخوف من تداعيات تشكيل قوة عربية مشتركة.

ففي حين تتمسك دولة مثل الجزائر بمبدئها الثابت في سياستها الخارجية والقائم على رفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام إرادة الشعوب وانتهاج الحلول السلمية والدبلوماسية والابتعاد عن لغة السلاح مهما كانت طبيعتها، ولا سيما أن العقيدة القتالية للجيش الجزائري ترفض التدخل في أي عمل عسكري خارج تراب البلاد تتوجس دول عربية أخرى خيفة من الغايات الخفية لتشكيل تلك القوات وإمكانية إساءة استخدامها من قبل بعض الدول العربية ذات الثقل.

– هناك اتفاقيات دفاع مشترك وقعتها دول عربية مع دول غير عربية على شاكلة تلك التي وقعتها دول الخليج مع أميركا وفرنسا وبريطانيا، أو التي أبرمتها سوريا مع إيران عام 2006، ولا تزال تلك الاتفاقات تشكل حجر الزاوية للأمن الوطني لهذه الدول.

مؤشرات إيجابية
لم تحل التحديات التي تعرقل جهود تشكيل قوة عربية مشتركة دون بروز بشارات إيجابية في هذا الصدد، من أهمها:

– عاصفة الحزم: رغم الإخفاقات التي حالفت محاولات العرب تعزيز التعاون العسكري في ما بينهم لم يضن التاريخ عليهم ببعض التجارب اللحظية الناجحة التي يمكن الاهتداء بها مستقبلا سواء خلال الحروب التي دارت رحاها بينهم وبين إسرائيل أو إبان عملية تحرير الكويت عام 1991، ثم تدخل قوات درع الجزيرة بالبحرين عام 2011، وصولا إلى التجربة الأبرز المتمثلة في قيام قوات عربية تقودها السعودية بتوجيه ضربات موجعة ضد معاقل الحوثيين في اليمن من خلال عملية "عاصفة الحزم" هذه الأيام.

فقد شاركت 185 طائرة مقاتلة بالعملية، بينها مائة من السعودية وثلاثون من الإمارات و15 من الكويت ومثلها من البحرين، بينما شاركت قطر بعشر طائرات، والأردن بست طائرات، وكذلك المغرب بست طائرات، والسودان بثلاث طائرات، كما أبدت مصر والأردن والسودان وتونس وجيبوتي استعدادها للمشاركة بالعملية البرية إذا تم المرور إلى هذا الخيار.

مرونة: وقد حرصت مصر على تيسير عملية تشكيل القوات العسكرية العربية المشتركة عبر طرق شتى، أبرزها: التأكيد على أن المشاركة في القوة المقترحة ستكون اختيارية، وسيأتي شكل وحجم المساهمة فيها على حسب إمكانات كل دولة، إذ تم الإعلان أنه سيتم توزيع الأدوار على الدول العربية المشاركة في تلك القوات بحيث تعتمد على مشاركة عسكرية من الدول التي تمتلك جيوشا ومعدات، فيما ستتلقى دعما لوجستيا من الدول الأخرى.

وقد روعي أيضا أنه إذا ما وجدت صعوبة في العمل تحت مظلة الدول العربية فإن الدول المشاركة ستشكل الشرعية مثلما حدث في الائتلاف الدولي لمواجهة داعش.

وكان مسؤولون مصريون قد سبق وأعلنوا أنه في حال لم يحظ الاقتراح المصري بموافقة القمة العربية فستشكل تلك القوات بمن حضر ووافق.

دعم القمة العربية: أعطى إقرار القمة العربية الـ26 لمشروع القرار المصري بإنشاء قوة عربية موحدة -والذي وافق عليه وزراء خارجية الدول العربية خلال اجتماعهم التحضيري- زخما لمساعي تشكيل القوة العربية المشتركة، فقد كلفت القمة رئاسة دورتها الحالية متمثلة في الرئيس السيسي بالبدء في الخطوات الخاصة بتشكيل القوة المشتركة وعرض نتائج أعمالها في غضون ثلاثة أشهر على اجتماع خاص لمجلس الدفاع العربي المشترك لإقراره.

لعل الترحيب الأميركي بذلك التحول في الإستراتيجية العربية غير الموجه ضد إسرائيل إنما يعود إلى رغبة واشنطن في التخلي عن سياسة التورط المباشر في صراعات إقليمية لنصرة حلفائها وجنوحها للاعتماد على وكلاء إقليميين للقيام بدور شرطي المنطقة نيابة عنها

وأوضح الأمين العام أن فريقا رفيع المستوى تحت إشراف رؤساء أركان القوات المسلحة للدول الراغبة في المشاركة سيدعى إلى اجتماع خلال شهر لدراسة كل جوانب الموضوع واقتراح الإجراءات التنفيذية وآليات العمل، مشيرا إلى أن الاتصالات بدأت بالفعل للدعوة إلى ذلك الاجتماع.

تطمين العالم: حسنا فعل الرئيس السيسي حينما سعى إلى تطمين القوى الإقليمية والدولية بشأن القوة العربية المشتركة المزمع تشكيلها، إذا أكد السيسي خلال مباحثاته مع زعيم الأغلبية في البرلمان الألماني فولكر كاودر في قصر الاتحادية الرئاسي عقب القمة العربية مباشرة أن هذه القوة ليست موجهة ضد أي طرف، والهدف من إنشائها هو المساهمة في تحقيق الاستقرار المنشود والحفاظ على وحدة الأمة العربية وصون مقدراتها، إلى جانب تحقيق آمال وطموحات شعوبها، ولا سيما أن المنطقة تمر بمرحلة شديدة الاضطراب والاستقطاب.

– تعديل ميثاق الجامعة: تزامن انعقاد القمة العربية الأخيرة مع مرور سبعين عاما على تأسيس الجامعة العربية، وفي هذا السياق تقدم اجتماع وزراء الخارجية بطلب تعديل لميثاق الجامعة إلى القمة تمهيدا لإقرار التعديلات المقترحة، خاصة تلك المتعلقة بمشروع النظام الأساسي لمجلس السلم والأمن العربي، والتي تؤكد أن إنشاء مجلس السلم والأمن العربي كأحد أجهزة الجامعة يأتي لتحقيق أهداف تدعيم السلم والأمن والاستقرار في الدول الأعضاء إضافة إلى تنسيق جهود مكافحة الإرهاب الدولي بكل أشكاله وجوانبه، وهو ما من شأنه أن يمهد الأجواء القانونية والسياسية والمؤسسية لتأسيس وتفعيل القوة العربية المشتركة.

– دعم أميركي: فقد أكد وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر أثناء زيارة قاعدة "فورت درم" العسكرية بولاية نيويورك دعم بلاده خطط العرب لإنشاء قوة عسكرية مشتركة للتصدي للتهديدات الأمنية المتزايدة في الشرق الأوسط، وأن البنتاغون سيتعاون في المجالات التي تتوافق فيها المصالح الأميركية مع المصالح العربية، ولا سيما أن عددا من المشاركين العرب لديهم بالفعل شراكات أمنية ثنائية مع الولايات المتحدة.

ولعل الترحيب الأميركي بذلك التحول في الإستراتيجية العربية غير الموجه ضد إسرائيل إنما يعود إلى رغبة واشنطن في التخلي عن سياسة التورط المباشر في صراعات إقليمية لنصرة حلفائها وجنوحها للاعتماد على وكلاء إقليميين للقيام بدور شرطي المنطقة نيابة عنها وتحت قيادتها وتوجيهها ضمن إستراتيجية القيادة من الخلف.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.