نتنياهو وخطاب المُنتصر

Israeli Prime Minister Benjamin Netanyahu gestures as he speaks before a joint meeting of Congress on Capitol Hill in Washington, Tuesday, March 3, 2015. In a speech that stirred political intrigue in two countries, Netanyahu told Congress that negotiations underway between Iran and the U.S. would "all but guarantee" that Tehran will get nuclear weapons, a step that the world must avoid at all costs. House Speaker John Boehner of Ohio, left, and Sen. Orrin Hatch, R-Utah, listen. (AP Photo/Andrew Harnik)

نتنياهو وارتفاع حظوظه
الإدارة الهشة
التأثير الأميركي هام.. ولكن
يهود الولايات المتحدة و"إسرائيل"

جاء خطاب رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو أمام الكونغرس الأميركي -في مبنى الكابيتول يوم الثالث من مارس/آذار 2015 الجاري- خطاباً استثمارياً بامتياز ولغاياتٍ مُتعددة، كانت منها جملة من الرسائل السياسية المُتعلقة بالملف النووي الإيراني، وغيره من المواضيع التي تتصدر الحديث اليومي في المجتمع "الإسرائيلي".

كما كانت منها الغايات الداخلية الصرفة في "إسرائيل" والتي لها علاقة بالانتخابات التشريعية للكنيست العشرين، المُقرر إجراؤها في السابع عشر من مارس/آذار الجاري، حيث يعتقد نتنياهو (كما كان قد صرح بذلك بعض مساعديه قبل وصوله لواشنطن) أن خطابه الثالث أمام مجلس الكونغرس قد وضعه عملياً في مصاف الزعيم الإنكليزي ونستون تشرتشل، وهو الزعيم الدولي الوحيد الذي دُعي ثلاث مرات لإلقاء خطابات في الكونغرس أمام قيادات ورؤساء عالميين في حينه.

وهو ما منحه (أي نتنياهو) -من وجهة نظره ونظر جمهوره وحزبه- جرعات عالية في تثبيت حضوره في المجتمع "الإسرائيلي" أمام خصومه السياسيين على أبواب الانتخابات، فكان خطابه خطاب المُنتصر أمام جمهور حزبه وأمام القاعدة اليمينية واليمينية المتطرفة الواسعة في الدولة العبرية الصهيونية.

نتنياهو وارتفاع حظوظه
بالفعل وكما تدل عليه المؤشرات الأولية المُستقاة من وسائل الإعلام العبرية الصادرة فجر اليوم التالي لخطاب نتنياهو في الكونغرس والتي تابعها كاتب هذه السطور فور صدورها على الشبكة العنكبوتية، فقد حقق الأخير دفعة جيدة نحو الأمام في مساعيه لكسب السباق في الشارع "الإسرائيلي" من أجل الفوز الساحق في الانتخابات التشريعية.

يعتقد نتنياهو (كما كان قد صرح بذلك بعض مساعديه قبل وصوله لواشنطن) أن خطابه الثالث أمام مجلس الكونغرس قد وضعه عملياً في مصاف الزعيم الإنكليزي ونستون تشرتشل، وهو الزعيم الدولي الوحيد الذي دُعي ثلاث مرات لإلقاء خطابات في الكونغرس

تلك الدفعة جاءت مع خطابه الأخير في الكونغرس الأميركي وحالة الاستقبال والحفاوة الكبيرة التي استُقبِلَ بها، وقد استحوذ على التصفيق الحار له أكثر من (25) مرة أثناء إلقائه خطابه الذي استغرق نحو أربعين دقيقة، وذلك بالرغم من مقاطعة (60) نائباً ديمقراطياً تغيبوا عن حضور الجلسة.

وقد تجاهل نتنياهو في خطابه مأزق المفاوضات المُعلّقة والمأزومة مع الفلسطينيين، وركز على الملف النووي الإيراني حين أشار في كلمته إلى "الاقتراب من إنجاز اتفاق نووي بين إيران والدول الست، وهو ما يعرض مصير إسرائيل للخطر"، معتبراً أن "الاتفاق الذي يجري التفاوض عليه بين إدارة الرئيس باراك أوباما وإيران هو اتفاق سيئ جداً، ونحن أفضل حالاً من دونه".

إضافة لذلك، سعى نتنياهو لاستغلال خطابه انتخابياً بشكلٍ ملموس، فدغدغ مشاعر "الإسرائيليين" وخصوصاً أوساط اليمين واليمين المتطرف وجماعات الاستيطان، ودعاة التصعيد بشأن الملف النووي الإيراني، فارتفع مستوى حظوظه الانتخابية.

الرئيس الأميركي باراك أوباما تجاهل الاستماع المُباشر لخطاب نتنياهو ومشاهدته، لكنه عقب عليه بعد إبلاغه مضمونه بقوله "إن نتنياهو لم يقدم بديلاً قابلاً للتطبيق بشأن الموضوع الإيراني، ونحن لم نتوصل إلى اتفاق بعد، لكن إذا نجحنا فسيكون ذلك أفضل اتفاق مُمكن مع إيران لمنعها من امتلاك سلاح نووي".

وبالطبع فإن كلام أوباما جاء لمحاولة تنفيس وتبهيت وتفريغ خطاب نتنياهو والحفاوة التي استقبل بها في الكونغرس، ولمحاولة منعه من تثمير خطابه في الداخل "الإسرائيلي".

الإدارة الهشة
لكن ومهما قيل، فقد بانت الإدارة الأميركية أمام خطاب نتنياهو إدارة هشة تقود إمبراطورية عظمى، كما ظهر أن هناك سياسيين أميركيين يتفنون في كسب ود منظمة "إيباك" واليهود في الولايات المتحدة في سياق التنافسات الداخلية بين الجمهوريين والديمقراطيين.

فالجمهوريون هم من وقف وراء دعوة نتنياهو لإلقاء خطابه أمام الكونغرس، فجاء يتلو عليهم مزاميره وهم يهبونه بركاتهم ويرحبون به أيما ترحيب، وكأنه ملك الملوك في دولة لها تفرّد على البشرية جمعاء.

إن الكونغرس الأميركي لم يُصفق لرؤساء الولايات المتحدة كما صفق لنتنياهو، فبان الارتباط التاريخي الإستراتيجي بين الأصل والتابع، بين الأساس والأداة، كما بان هذا التداخل الهائل في دور "إسرائيل" في إطار المجال الإستراتيجي لسياسات الولايات المتحدة في المنطقة الحيوية من الخريطة الدولية.

فما تقدمه "إسرائيل" في المنطقة أكبر بكثير مما تقدمه أية دولة في العالم للإستراتيجية الأميركية على مستوى المعمورة بأسرها، بالرغم من تنظير البعض من الفلسطينيين والعرب بانتفاء الدور الوظيفي للدولة العبرية بالمنطقة منذ انطلاقة عملية التسوية نهاية عام 1991.

بانت الإدارة الأميركية أمام خطاب نتنياهو إدارة هشة تقود إمبراطورية عظمى، كما ظهر أن هناك سياسيين أميركيين يتفنون في كسب ود منظمة "إيباك" واليهود في الولايات المتحدة في سياق التنافسات الداخلية بين الجمهوريين والديمقراطيين

وهنا نشير إلى أنه ليس ثمة أدنى شك في مستوى التدهور الحاصل في العلاقة بين حكومة تل أبيب والبيت الأبيض، ومستوى التدخل والرغبة الأميركية لدى إدارة الرئيس باراك أوباما في إبعاد بنيامين نتنياهو عن الحكم، حيث ترغب إدارة أوباما في فوز تحالف المعسكر الصهيوني (حزب العمل بقيادة إسحق هيرتزوغ، وحزب الحركة بقيادة تسيبي ليفني) وتشكيل حكومة بقيادة هذا المعسكر.

وذلك على خلفية التوترات التي كرّسها نتنياهو في علاقاته مع الإدارة الأميركية وعموم دول الاتحاد الأوروبي بشأن العديد من الملفات السياسية، ومنها ما له علاقة بخطة وزير الخارجية جون كيري ومساعيه طوال العامين الماضيين لإحياء العملية السياسية التفاوضية بين الطرفين الفلسطيني الرسمي و"الإسرائيلي".

كما أن الاعتراضات التي أثارها عدد من النواب الديمقراطيين الأميركيين على دعوة الجمهوريين لنتنياهو، جاءت أيضاَ في سياق شعورهم الواضح بأن الدعوة استثمارية أيضاً من قبل الجمهوريين لأغراض داخلية، وأن نتنياهو كان يبتغي من وراء الخطاب دواعي استثمارية انتخابية داخلية في "إسرائيل" أيضاً.

وبالتالي فإن الافتراق الحاصل هو افتراق تكتيكي خلافي حول عناوين سياسية وليس خلافا جوهريا بين إدارة أميركية وحكومة "إسرائيلية".

التأثير الأميركي هام.. ولكن
لكن في المقابل، علينا أن نقول إن عامل التأثير الأميركي هام ويجب إدراكه، وإدراك دوره في التأثير على مسارات صناعة الرأي العام في "إسرائيل"، وبالتالي في التأثير على النتائج المُتوقعة للانتخابات البرلمانية القادمة، مع أن البعض يذهب للقول والتقدير بأن المناخ العام في "إسرائيل" لا يسمح بوجود تأثير أميركي كبير ومُؤثر على المزاج اليميني الذي يكتسح الشارع في "الدولة العبرية الإسرائيلية".

علينا أن نقول إن عامل التأثير الأميركي هام ويجب إدراكه، وإدراك دوره في التأثير على مسارات صناعة الرأي العام في "إسرائيل"، وبالتالي في التأثير على النتائج المُتوقعة للانتخابات البرلمانية القادمة، مع أن البعض يرى أن المناخ العام في "إسرائيل" لا يسمح بوجود تأثير أميركي كبير ومُؤثر

فالثابت الوحيد والمحسوم هو أن التأثير الأميركي في الانتخابات "الإسرائيلية" -في ظل ضعف حضور البدائل السياسية في المجتمع "الإسرائيلي" الذي يزداد تطرفاً وانزياحاً مستمراً نحو الاتجاهات اليمينية- يبقى محدوداً، وأن التزام أميركا بمصالح "إسرائيل" وأمنها هو التزام ثابت بغض النظر عمّن يحكم الولايات المتحدة و"إسرائيل".

ومن جانب آخر، فإن الوقائع اليومية والتصريحات الأخيرة لعدد من النواب الديمقراطيين في الولايات المتحدة، تشير لوجود حالة حرج وغليان كبير في صفوفهم، وحتى في صفوف بعض زعامات الجالية اليهودية الذين يتفقون جميعهم في التحذير من أن تتحول "إسرائيل" إلى موضوع خلافي في الولايات المتحدة.

وحتى الديمقراطيون المتعاطفون جداً مع "إسرائيل" يعانون من حرج اضطرارهم للاختيار بين دعم موقف ورغبة الرئيس باراك أوباما ودعمهم التام لموقفه بشأن الملف النووي الإيراني، والتردد في دعم بنيامين نتنياهو ومواقفه المختلفة إزاء الموضوع الإيراني والموضوع التفاوضي مع الفلسطينيين.

يهود الولايات المتحدة و"إسرائيل"
وفي السياق إياه، تجدر الإشارة إلى أن أعداد المواطنين اليهود في الولايات المتحدة تبلغ نحو خمسة ملايين ونصف مليون مواطن، ومع تأييدهم للدولة "الإسرائيلية" فهم مُندمجون بشكل كبير في مجتمعاتهم الأصلية على امتداد الولايات المختلفة في عموم الولايات المتحدة.

ولنلحظ أيضاً البحث الذي أعده أكاديميون من معهد "هيبرو يونيون كوليج" وجامعة "كاليفورنيا ديفيس" في الولايات المتحدة الأميركية قبل عدة أعوام، والذي شَمِل أكثر من (1700) شاب من مواطني الولايات المتحدة من اليهود حتى سن الخامسة والثلاثين، فقد بيّن تراجع الشعور بالانتماء وبأهمية "إسرائيل" لديهم.

وقد عدّ المشرفون على البحث الهبوط المتواصل في نسبة الشعور بالانتماء إلى "إسرائيل" لدى الأجيال الشابة من يهود الولايات المتحدة مؤشراً على تزايد الاختلاط وتفكك الغيتو اليهودي من جهة، وتراجع حدة خطاب الجمهور اليهودي المؤيد والداعم لـ"إسرائيل" في الولايات المتحدة الأميركية من جهة ثانية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.