أسطورة إبطاء أوباما لبرنامج إيران النووي

U.S. Secretary of State John Kerry, left, waits with Iranian Foreign Minister Mohammad Javad Zarif before a meeting in Geneva, Switzerland Wednesday, Jan. 14, 2015. Zarif said on Wednesday that his meeting with Kerry was important to see if progress could be made in narrowing differences on his country's disputed nuclear program. (AP Photo/Rick Wilking, Pool)

إبطاء أو تسريع برنامج إيران النووي!
تنازلات أميركية غير مسبوقة وغير مبررة

دخلت كل من إيران والولايات المتحدة خلال الأيام القليلة الماضية في دوامة التصريحات والتصريحات المضادة بشأن ضرورة التوصل إلى اتفاق نووي شامل قريبا.

وقال الرئيس الأميركي باراك أوباما "إن تمديد المهلة التي تنتهي في مارس/آذار للتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران لن يكون مفيدا إذا لم توافق إيران على إطار عمل أساسي يضمن للقوى العالمية أنها لا تنفذ برنامجا لإنتاج الأسلحة النووية".

أمّا المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي فأعلن استعداده لقبول الاتفاق النووي، مشترطا ألا يكون الاتفاق سيئا" (بالمعيار الإيراني)، وقال: "الأميركيون يكررون دائما أن عدم التوصل إلى اتفاق أفضل من التوصل إلى اتفاق سيئ، ونحن نتفق معهم على هذه المقولة…، عدم الاتفاق أفضل من الاتفاق الذي يتعارض مع مصالح الشعب الإيراني".

في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2013، قامت الولايات المتحدة وإيران بالتوصل إلى اتفاق إطار مبدئي عرف باسم (JPOA) أو اتفاق جنيف، على أن يتم بدء تطبيقه في يناير/كانون الثاني 2014 للتوصل إلى اتفاق شامل خلال ستة أشهر.

ولكن سرعان ما انتهت الأشهر دون التوصل إلى اتفاق شامل، فتم التمديد حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2014، ومرة ثانية حتى يوليو/تموز 2015. واعتمادا على المعلومات المتاحة الآن، فقد تبين أن هذا الاتفاق المبدئي كان مفيدا جدا لإيران وسيئا للغاية بالنسبة للعرب والمنطقة، لناحية الامتيازات المجانية التي قدمها لنظام الملالي، ولناحية انعكاساته الخطيرة على منطقة الشرق الأوسط.

أهم ما في تصريحات المرشد الأعلى لإيران هو أنه وضع أوباما في زاوية حرجة، فقد سبق لكيري أن قال بضرورة عدم تمديد مهلة الاتفاق ولكنها كانت دائما تمدد بسبب المراوغة الإيرانية. ولطالما واجه أوباما من يتهمه بالتهاون والتقاعس بالمراهنة على إعطاء إيران اتفاقا لا تستطيع رفضه.

ما جرى هو أن إيران أخذت بالفعل الاتفاق الذي لا يمكن رفضه واستغلته واستخدمته، وتطالب الآن بما يشبه الاستسلام الأميركي التام وإلا فإنها مستعدّة لمغادرة طاولة المفاوضات وعدم توقيع أي اتفاق شامل

لكن ما جرى هو أن إيران أخذت بالفعل الاتفاق الذي لا يمكن رفضه واستغلته واستخدمته، وتطالب الآن بما يشبه الاستسلام الأميركي التام وإلا فإنها مستعدّة لمغادرة طاولة المفاوضات وعدم توقيع أي اتفاق شامل.

بمعنى آخر، فإن خامنئي يقول لأوباما "إذا كنتم تهددوننا بأخذ أي اتفاق فإننا مستعدون لمواجهة عقوبة تركه"، وعندما يتحدث خامنئي بهذا المعنى فهو يعلم علم اليقين أن وضع إيران -وبفضل أوباما وبفضل اتفاق جنيف (JPOA)- أفضل بكثير الآن من وضعها عندما دخلت المفاوضات.

إبطاء أو تسريع برنامج إيران النووي!
الاتفاق الأولي (JPOA) لم يمنع -على عكس ما يروج له أوباما وإدارته دوما- نظام الملالي من مواصلة التقدم في برنامجه النووي، ليصبح بذلك أقرب من أي وقت مضى إلى امتلاك قنبلة نووية إذا أراد المضي في هذا المسار حتى النهاية. وقد تمخّضت عن اتفاق الإطار المبدئي -الذي توصل إليه أوباما وفريقه المفاوض- كارثة تجعلنا نقول إن السيئ قد حصل بالفعل، ومن أهم معالمه الواضحة حتى الآن بعد أكثر من سنة على وضعه وتنفيذه: 

1- عدم إيقاف تخصيب اليورانيوم:

  • الاتفاق نص على ألا تزيد إيران مخزونها من اليورانيوم المنخفض التخصيب بنسبة 3.5%، وأن تحوّل أي كميات جديدة منتجة منه إلى "أوكسايد". عمليا سمح هذا النص لإيران بأن تنتج ما تريده من اليورانيوم المنخفض التخصيب بنسبة 3.5% باستخدام آلاف أجهزة الطرد المركزي الموجودة عند توقيع الاتفاق، وذلك دون أي قيود على الكمية ولمدة تزيد على السنة حتى الآن.

    صحيح أنها ستحول الكمية الزائدة إلى "أوكسايد"، ولكنها عملية يمكن عكسها بسهولة خلال أسابيع في أسوأ الأحوال، وخلال أقل من أسبوع في أفضلها! وهذا يعني أنه أصبح لديها الآن ما يكفي لصنع قنبلة على الأقل.

  • صحيح أن النص قال بعدم جواز تركيب إيران المزيد من أجهزة الطرد، لكنه لم يمنعها من تطوير أجهزة جديدة! حتى إنها اختبرت خلال عام 2014 أجهزة طرد من الجيل الجديد (IR-8) تتيح لها التخصيب بسرعات عالية جدا مقارنة بالأجهزة الموجودة حاليا.
  • الأسوأ من كل هذا، أن الاتفاق شرّع لإيران عملا غير شرعي. إذ بموجب نص الاتفاق، أصبح قيامها بالتخصيب الذاتي حقا لها (يُتّفَقُ فيما بعد على مداه وحجمه)، مما أدى عمليا إلى نسف ستة قرارات سابقة صادرة عن مجلس الأمن تطالب إيران بإيقاف التخصيب بشكل تام!

2- عدم إيقاف تطوير "أراك":
النص قال بالتزام إيران بعدم إجراء أي تقدم في نشاطاتها "في أراك". وقد وضع هذا النص عمدا، مما يعني أنه يمكن للإيرانيين إجراء ما يريدونه من نشاطات تتعلق بأراك على ألا يكون العمل عليها قد تم داخل موقع المنشأة نفسها! وهذا ما قام به الإيرانيون بالفعل، إذ سمح لهم بشكل غير مباشر بالقيام بما يريدونه فيما يتعلق بتطوير المفاعل على ألا يكون قد تم في المنشأة!

3- عدم فرض قيود على برنامج إيران الصاروخي:
من المعروف أنّ امتلاك برنامج نووي عسكري يتطلّب إتقان ثلاثة أمور أساسية هي: تخصيب اليورانيوم بنسب عالية ذاتيا، والقدرة على صناعة رأس نووي، وإنتاج وسائل تحمل هذا الرأس أي الصاروخ القادر على حمله.

الاتفاق شرّع لإيران عملا غير شرعي. إذ بموجب نص الاتفاق، أصبح قيامها بالتخصيب الذاتي حقا لها (يُتّفَقُ فيما بعد على مداه وحجمه)، مما أدى عمليا إلى نسف ستة قرارات سابقة صادرة عن مجلس الأمن تطالب إيران بإيقاف التخصيب بشكل تام

وقد سمح الاتفاق لإيران بتطوير قدراتها الصاروخية خلال هذه الفترة بشكل غير محدود، بالرغم من وجود قرارات لمجلس الأمن تفرض إيقافها. لقد استغلت إيران هذا الأمر تماما. وبحلول يناير/كانون الثاني 2015، كانت قد اختبرت صاروخا جديدا عابرا للقارات يتجاوز مداه المسافة بين إيران وأوروبا وذلك تحت غطاء إطلاق أقمار اصطناعية.

4- دور الوكالة الذرية:
أصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في نوفمبر/تشرين الثاني 2014 بيانا يقول إن إيران لم تبدد بشكل تام الشكوك في أنها ربما عملت على تصميم قنبلة نووية!

5- كسر الحصار الاقتصادي على إيران:
نص الاتفاق على تخفيف محدود ومؤقت للعقوبات وبشكل يمكن عكسه لاحقا. عمليا، ما إن تم الإعلان عن الاتفاق المبدئي حتى انهار الحاجز النفسي لمعظم العقوبات، الكثير من الدول أرسلت وفودها على وجه السرعة لإيران لترتيب صفقات اقتصادية، ووضعوا خططا للشروع في مشاريع صناعية كبرى، كل هذا قبل بدء تطبيق الاتفاق المبدئي في يناير/كانون الثاني 2014.

وبحلول أبريل/نيسان 2014، أشارت تقارير اقتصادية إلى أن إيران تتعافى ببطء لكن بثبات، وقال صندوق النقد الدولي إن الاقتصاد الإيراني في مرحلة نمو. وفي يناير/كانون الثاني 2015، قال البنك الدولي إن إيران ستسجل نموا رغم انخفاض أسعار النفط بشكل هائل! وقد لوحظ أن العلاقات التجارية لإيران مع عدد من الدول قد تحسنت بشكل ملحوظ. وقد أشار البعض إلى أن واشنطن كانت حرفيا تدفع الأموال المخصصة (700 مليون دولار شهريا) لإيران لمواصلة المفاوضات.

تنازلات أميركية غير مسبوقة وغير مبررة
ولأن الكارثة قد حصلت فعلا ولأن أوباما يسعى إلى اتفاق بأي ثمن، فقد أشارت معلومات أكدها دينيس روس إلى أن واشنطن قدمت تنازلات غير مسبوقة إلى إيران -مع نهاية فترة الاتفاق المبدئي في نوفمبر/تشرين الثاني 2014- من أجل إقناعها بالتوصل إلى اتفاق شامل يحقق لأوباما مراده في تسجيل سابقة التصالح التاريخية مع طهران، وتضمنت:

  • التراجع عن مطلب إقفال أو تفكيك مفاعل أراك للمياه الثقيلة الذي يمكنه إنتاج بلوتونيوم للاستخدامات العسكرية، وكذلك التراجع عن إقفال منشأة فوردو، وهما منشأتان يرى كثيرون أن لا ضرورة لهما في أي برنامج نووي سلمي، ما لم يكن الغرض الأساسي هو الحصول على قنبلة نووية.
  • التراجع عن مطلب تخفيض عدد أجهزة الطرد المركزي إلى أربعة آلاف، وهو الحد الأعلى الذي يجب أن يسمح لإيران بامتلاكه إذا كان الهدف مراقبتها بشكل جيد، ومنعها من اختصار الفترة الزمنية اللازمة لإنتاج قنبلة نووية. وسرعان ما أشارت تقارير إلى أن واشنطن عرضت الإبقاء أولا على خمسة آلاف ثم عرضت الإبقاء على عشرة آلاف!
  • تحديد الاتفاق زمنيا، مما يعني أنه بغض النظر عمّا يأتي في مضمون أي اتفاق، فإن العمل به سينتهي خلال فترة معينة وبعدها تصبح إيران رسميا في حل كامل منه، ويعترف بشرعية مسارها النووي الكبير وما ينجم عنه. وقد أشار البعض إلى أن فترة الاتفاق المقترحة تصل إلى حوالي عشر سنوات.
المفاوضات النووية بدأت بمعادلة أن تقدِّم إيران برنامجها النووي مقابل أن تنفتح أميركا عليها وتتيح لها الانفتاح على العالم، لكن المعادلة أصبحت اليوم هي أن تقبل إيران جهود أوباما للانفتاح عليها مقابل أن يقبل أوباما قدرات إيران النووية!

وعليه، فإننا إذا ما عدنا بالذاكرة قليلا إلى الوراء، سنلاحظ:

  • أن المفاوضات بدأت وأميركا في موقع القوة مقابل إيران في موقع الضعف، لكن ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم تتصرّف أميركا في المفاوضات على أنها الطرف الضعيف وإيران بوصفها الطرف القوي! ولو أن المفاوضات توقفت اليوم أو انتهت بعدم التوصل إلى اتفاق شامل، لجاز القول إن إيران في موقع أفضل مما كانت عليه عندما بدأت المفاوضات بكثير.
  • أن المفاوضات -التي بدأت بهدف إيقاف برنامج إيران النووي وحرمانها من قدرتها على إنتاج الأسلحة النووية- تحولت كما نراها اليوم إلى هدف آخر، حيث تسعى واشنطن إلى التعايش مع قدرات إيران.
  • أن المفاوضات بدأت بمعادلة أن تقدِّم إيران برنامجها النووي مقابل أن تنفتح الولايات المتحدة عليها وأن تتيح لها الانفتاح على العالم، لكن المعادلة أصبحت اليوم هي أن تقبل إيران جهود أوباما للانفتاح عليها مقابل أن يقبل أوباما قدرات إيران النووية!
  • أن أوباما ترك الفرصة لإيران -خلال عملية التفاوض- لتتمدد إقليميا على حساب الجميع، لا بل إن أوباما تفادى عمدا فعل أي شيء من شأنه أن يُفهم منه أنه تحدٍّ لإيران، على الرغم من أن المفاوضات محصورة في الملف النووي فقط!

 وعليه وكما أصبح واضحا؛ فإن اتفاق جنيف المبدئي (JPOA) لم يجمّد أو يبطئ برنامج إيران النووي كما ادّعى أوباما، وإنما يمكن القول إنه سرّعه في كثير من النواحي!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.