القائمة العربية بإسرائيل: ائتلاف انتخابي وتأثير محدود

General view of the Knesset (Israeli Parliament) is seen during the vote to dissolve the Knesset on December 3, 2014 in Jerusalem. Israel is to hold a snap election on March 17, the parliament's spokesman said, following a crisis within Prime Minister Benjmain Netanyahu's fractious coalition government. AFP PHOTO / THOMAS COEX

السؤال المطروح
القائمة الموحدة
ائتلاف وتلاوين
تأثير يبقى محدوداً

انتهت تقريباً جميع الأحزاب "الإسرائيلية" من عملية الانتخابات الداخلية التي أجرتها لاختيار عدد من أعضائها المُفترض ترشيحهم ضمن مُمثليها على قوائم الانتخابات القادمة للكنيست العشرين.

وبالطبع فإن حال الأحزاب العربية التي تشارك في الانتخابات التشريعية "الإسرائيلية" جاء في المسار ذاته. فقد انتهت الأحزاب العربية من انتخاباتها الداخلية، وخَطَت خطوة إضافية هذه المرة بتشكيل القائمة العربية الموحدة لأول مرة في تاريخ المشاركة العربية الفلسطينية في انتخابات الكنيست داخل حدود عام 1948؛ فكيف نقرأ مسألة التوصل إلى تشكيل القائمة العربية الموحدة؟

السؤال المطروح
نبدأ القول بأن السؤال المطروح أمام قطاعات من الناس والجمهور في "إسرائيل" الآن لا يتعلق بكم سعر الشقة السكنية؟ وما هو سعر "جبن الكوتج"؟ وعلى هوامش الراحة والرفاه الاجتماعي فقط (على أهميتها بالنسبة للمجتمع "الإسرائيلي"، على حد تعبير بعض أقطاب "اليسار العمالي الصهيوني المُعارض")، بل سيكون على جوهر المرحلة القادمة من حياة ومستقبل "إسرائيل"، في ظل التنافس الحاد بين مكونات الخريطة السياسية "الإسرائيلية"، وفي ظل الاصطفاف المريع وغير المسبوق للقوى اليمينية واليمينية المتطرفة، والتي تُهدد  بجر "إسرائيل" والمنطقة إلى مغامرات سياسية كبرى، لن تكون عقباها حميدة على الجميع دون استثناء.

فقوى اليمين ترفع كل يوم مستوى خطابها اليميني، بينما تراوح بقية الأطراف في الخريطة الحزبية "الإسرائيلية" (اليسار الصهيوني، ويسار الوسط، وحتى يمين الوسط) مكانها من حيث الحضور والفعالية والتأثير، كما تُشير إلى ذلك استطلاعات الرأي المتواترة من حين إلى آخر، بالرغم من توصل حزب العمل وحزب تسيبي ليفني إلى بناء قائمة موحدة للانتخابات القادمة.

كما أن السؤال المطروح على المواطنين العرب داخل "إسرائيل" يَنبُعُ أيضاً من القلق المحيط بهم نتيجة ارتفاع مستويات سقوف التطرف داخل "إسرائيل" ضدهم، وضد وجودهم فوق أرض وطنهم التاريخي، وتزايد دعوات قوى اليمين المتطرف لمعاقبتهم واتخاذ سلسلة من التشريعات والقوانين التي تمس حقوقهم ووجودهم التاريخي، تحت عنوان "يهودية الدولة" و"الدولة القومية" وما إلى ذلك.

السؤال المطروح على المواطنين العرب داخل "إسرائيل" يَنبُعُ من القلق المحيط بهم نتيجة ارتفاع مستويات سقوف التطرف داخل "إسرائيل" ضدهم، وضد وجودهم فوق أرض وطنهم التاريخي، وتزايد دعوات قوى اليمين المُتطرف لمعاقبتهم واتخاذ سلسلة من التشريعات والقوانين التي تمس حقوقهم ووجودهم التاريخي

ومن هنا تأتي أهمية الحديث عن موضوع القائمة العربية الموحدة لانتخابات الكنيست العشرين، والتحسس العام للمخاطر الجارية بشأن أوضاع فلسطينيي الداخل في المرحلة القادمة، مع تعالي أصوات اليمين واليمين المتطرف في "إسرائيل".

ومن المعروف أن هناك إشكالية تاريخية في المشاركة العربية في الانتخابات البرلمانية "الإسرائيلية"، فهناك أطراف عربية فلسطينية تشارك تاريخياً في الانتخابات البرلمانية "الإسرائيلية"، اعتقادا منها بضرورة استثمار منبر الكنيست كمنبر مُتاح في سياق مواجهة السياسات "الإسرائيلية"، ومن أجل حقوق المواطنين العرب والدفاع عن مصالحهم اليومية.

وهناك أطراف حزبية وشعبية عربية فلسطينية داخل "إسرائيل" ترفض المشاركة فيها من حيث المبدأ، انطلاقا من موقف إسلامي ووطني وقومي، وانطلاقا من تقديرها أن تلك الانتخابات "ليست انتخابات دولتهم ووطنهم وبالتالي لا تخصهم، وأنها تعطي لإسرائيل صورة لا تستحقها عن الديمقراطية المصطنعة أمام العالم بأسره".

وعلى رأس تلك القوى التي تقاطع الانتخابات: الحركة الإسلامية (الشمالية) بقيادة الشيخ رائد صلاح ومقرها مدينة أم الفحم، وحركة أبناء البلد، وحركة كفاح، فضلاً عن وجود قطاعات مستقلة وغير منتمية تنظيمياً وحزبياً من الناس لا تقبل المشاركة في تلك الانتخابات.

القائمة الموحدة
الجديد هنا، نجاح المساعي التي بُذلت من قبل مختلف الأطراف العربية داخل "إسرائيل" -التي تشارك في الانتخابات- في توحيد الجهد العربي هذه المرة على أبواب الانتخابات العشرين للكنيست، في مواجهة اصطفافات قوى اليمين واليمين المتطرف، من خلال حث المواطنين العرب على الاقتراع والمشاركة في العملية الانتخابية، ورفع مستوى المشاركة العربية لمن يحق لهم التصويت في العملية الانتخابية، لتتجاوز نسبة المشاركة العربية المُعتادة التي بلغت في أوجها نحو (55%) كمتوسط للمشاركة العربية في الجولات الانتخابية الأخيرة للكنيست التاسع عشر والتي سبقتها.

فلأول مرة، استطاعت الأحزاب العربية التوصل إلى قائمة موحدة تضم (17) اسما (من بينهم مرشح يهودي)، موزعة بالتناوب بين مكونات القائمة العربية الموحدة التي تم تشكيلها من: أولاً مجموعة الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة (حداش) بقيادة الحزب الشيوعي الإسرائيلي/راكاح، وهي في حقيقتها مجموعة حزبية مُختلطة (يهودية + عربية) ويغلب عليها وجود العنصر العربي في إطارها التنظيمي.

ثانياً حزب التجمع الوطني الديمقراطي بقيادة جمال زحالقة وحنين زعبي، وثالثاً الحركة الإسلامية (الجناح الجنوبي)، ورابعاً الحركة العربية للتغيير (يغلب عليها الطابع الليبرالي) ويرأسها الدكتور أحمد الطيبي.

وكلها قررت الدخول بقائمة مشتركة يرأسها المرشح الأول من مجموعة (حزب راكاح) أيمن عودة (من مدينة حيفا). حيث انسحب في لحظات التفاوض الأخيرة (الحزب الديمقراطي العربي) -الذي أسسه عبد الوهاب الدراوشة ويرأسه حالياً طلب الصانع- مُتهماً نظراءه بأنهم توحدوا بطريقة انتهازية.

والسبب الحقيقي على ما يبدو يَكمُنُ وراء ترتيب الأسماء في القائمة، ومسألة عدد المرشحين العرب من منطقة النقب التي ينتمي إليها النائب طلب الصانع، حيث تمر تلك المنطقة داخل حدود عام 1948 بوضعٍ استثنائي، في ظل المشروع "الإسرائيلي" الصهيوني المتواصل لتهويد كامل منطقة النقب وبعثرة سكانه ومواطنيه.

ائتلاف وتلاوين
إذن، فإن القائمة العربية الموحدة ليست سوى ائتلاف لقوى مُختلفة التلاوين والمشارب الفكرية الأيديولوجية، ومُتنوعة بين إسلامية وعلمانية وتقليدية (ومن ضمنها مُرشح يهودي من حزب راكاح) مع خليط من الليبراليين، وقد وحّد أطرَافها الخطرُ الداهم المتمثل في القرار "الإسرائيلي" المدروس والمحبوك برفع نسبة عدد الأصوات اللازمة للحصول على مقعد (نسبة الحسم) من 2% إلى 3.25%.

القائمة العربية الموحدة ليست سوى ائتلاف لقوى مُختلفة التلاوين والمشارب الفكرية الأيديولوجية، ومُتنوعة بين إسلامية وعلمانية وتقليدية مع خليط من الليبراليين، وقد وحّد أطرَافها الخطرُ الداهم المتمثل في القرار "الإسرائيلي" المدروس والمحبوك برفع نسبة عدد الأصوات اللازمة للحصول على مقعد (نسبة الحسم) من 2% إلى 3.25%

وهو ما يجعل الأحزاب العربية والأحزاب الصغيرة في وضعٍ حرج، ويضعها على ميزان الهبوط والخروج من اللعبة الانتخابية.

وبالتالي يُتوقع أن تنخفض أعداد القوائم التي ستخوض الانتخابات في "إسرائيل" بشكلٍ عام إلى نصف ما كانت عليه أعدادها تقريباً في الانتخابات الماضية للكنيست التاسع عشر حيث تجاوزت الثلاثين قائمة، بينما في الانتخابات الحالية يتوقع لها ألا تتجاوز سبع عشرة قائمة، الأمر الذي سيعني أن هناك أصواتاً محروقة ومُشتتة أقل بكثير مما سيزيد المعادل الرقمي لنسبة الحسم ويشكل خطراً أكبر على الأحزاب الصغيرة.

إن تلك الحالة المُلونة سياسياً وأيديولوجياً في إطار القائمة الموحدة أثارت اهتمام المراقبين والمتابعين الذين يعتقدون أن حالة من النضج السياسي تكمن خلفها، وأن الضرورة استدعتها على ضوء رفع نسبة الحسم، بينما يرى آخرون أن قواعد وكوادر الأحزاب المؤتلفة في القائمة غير راضين عنها تماماً لأسباب مختلفة، وهو ما قد يُعرض عملية التصويت من قبل جمهور تلك الأحزاب لخروقات و"تشطيبات" في القائمة عند بدء الانتخابات التشريعية في مارس/آذار القادم.

ونشير هنا أيضا إلى أن صوتاً خافتاً يتردد صداه ويتوقع له أن يرتفع أكثر فأكثر من داخل حزب راكاح ومن بين الأعضاء العرب تحديدا، بات ينادي بإعادة النظر في موضوع حل الدولتين، ويرى ضرورة تبني حل الدولة الواحدة على كامل أرض فلسطين لكل من يعيش فوق ترابها، وبالتالي لا يرى في مُنجز القائمة الموحدة مُنجزاً يُعتَدُّ به.

تأثير يبقى محدوداً
ويُقدر لتلك القائمة المُتفق عليها -حالَ التزام جمهور أحزابها وقواها بالتصويت لها- أن تُعطي نتائجها بصعود ما بين (14-16) عضواً إلى مقاعد الكنيست. وهو أمر قد يعطيها موقعاً متميزاً كــ"بيضة قبان" في أحسن الأحوال في الائتلاف الحكومي القادم.

فالقائلون بأن كتلة عربية كبيرة في الكنيست ستمنع استصدار أو إقرار التشريعات العنصرية التي تمس مكانة المواطنين العرب أصحاب الوطن الأصليين، يجانبون الحقيقة، وعليهم أن يوضحوا كيف ستكون إضافة ثلاثة أو أربعة أعضاء كنيست من المواطنين العرب الفلسطينيين قادرة على منع تشريع "قانون القومية" على سبيل المثال أو منع بناء المستعمرات. 

وهنا، يُلحظ أن العديد من المراقبين "الإسرائيليين" يرون أن "ذهاب العرب الفلسطينيين داخل حدود عام 1948 إلى الانتخابات الإسرائيلية في قائمة موحدة، هو إنجاز بحد ذاته يشهد بنضجهم السياسي، وهو أيضا شهادة تقدير للديمقراطية الإسرائيلية، ولكنهم مهما حققوا من إنجازات فإن الأحزاب الصهيونية لن تدعوهم إلى الائتلاف الحكومي معها، ولن تستند إلى دعمهم في سياساتها، وهكذا سيبقى تأثيرهم في السياسة الإسرائيلية محدودا جداً".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.