خمسون عاما

صور من مهرجان فتح بغزة لأول مرة منذ سيطرة حماس على القطاع
الجزيرة


خمسون عاما مرت على ولادة الحركة الوطنية الفلسطينية! خمسون عاما، موعد رسمي ليس هدفه تمجيد طرف على حساب الحقيقة التاريخية.

النضال الوطني الفلسطيني من أجل منع سقوط فلسطين للمشاريع الأوربية "القيامية" الألفية، ومن أجل استعادة حقوقنا الوطنية/القومية في فلسطين لم يتوقف منذ قيام بريطانيا بإلحاق الهزيمة بجيوش نابليون أولا ومن بعد ذلك بجيوش محمد علي في فلسطين منتصف القرن التاسع عشر.

القنصليات الأوربية، وفي مقدمتها قنصلية الإمبراطورية النمساوية، سجلت في وثائقها ومراسلاتها الرسمية إلى الإمبراطور في فيينا اندلاع اضطرابات واسعة النطاق في مدن فلسطين عقب نزول القوات البحرية البريطانية في سواحل جنوبي بلاد الشام، وانتشار أخبار خطط بريطانية لتحويل فلسطين إلى وطن يهودي، وهو ما وثقه العالم الكبير الأب جوزيف حجار في كتابه عن حركة محمد علي في الوثائق النمساوية الصادر ببيروت في سبعينيات القرن الماضي.

الحركة الوطنية الفلسطينية والنضال العسكري من أجل تحرير فلسطين، لم يتوقف منذ نجاح الصهاينة في اغتصابها عبر حرب عام 1948، التي جاءت ضمن صفقة تقاسم المنطقة بين أنظمة سايكس بيكو

نضال شعب فلسطين ضد خطط الغرب لتحويل البلاد إلى وطن يهودي لليهود، المستند إلى رؤى "قيامية" بدأ سنين طويلة قبل ولادة اليهودية الصهيونية السياسية، بل حتى قبل ولادة مؤسسها المزعوم هرتسل ومستشاره البروتستانتي الإنجليزي ومعلمه قسيس القنصلية البريطانية في فيينا.

شعب فلسطين أدرك منذ البدايات أن هذا المشروع أوروبي بامتياز، لكنه لم يفلح في الانطلاق قبل إجبار يهود غارقين حتى رؤوسهم في الهلوسات القيامية التي اجتاحت الغرب عقب الثورة الفرنسية، على تبنيه.

لكن ثمة من يود تزوير تاريخنا المعاصر ليبدأ به هو، وبه فقط، دافعا نضالات شعب فلسطين، ومعه كل العرب، إلى الخفاء ليرمي بها في غياهب النسيان.

الحركة الوطنية الفلسطينية والنضال العسكري المعاصر من أجل استعادة حقوقنا الوطنية/القومية في وطننا، أي تحرير فلسطين، لم يتوقف منذ نجاح الصهاينة في اغتصابها عبر حرب عام 1948، والتي جاءت ضمن صفقة تقاسم المنطقة بين أنظمة سايكس بيكو، وليس أي أمر آخر.

بعد ذلك، ورغم حجم الكارثة العظمى التي ألحقتها تلك الأنظمة بشعب فلسطين والضياع والتشرذم، لم تتوقف عملياته العسكرية ضد الغاصب، لم تكن منظمة، نفذها أفراد ومجموعات مناضلة ومجاهدة فعلا، مجهولة الاسم، وهم جميعهم الجندي المجهول حقا.

كانت العمليات العسكرية تنطلق من الأراضي الفلسطينية  التي أطلق عليها تسمية "الضفة الغربية"، بهدف طمس الهوية النضالية الفلسطينية وخلق أرضية تشرعن اغتصاب فلسطين – وهو ما تثبته كل الوثائق الرسمية ذات العلاقة.

في مرحلة لاحقة، انضم فلسطينيو "قطاع غزة" إلى النضال العسكري ضد المغتصِب الذي أمر به الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والذي ألحق بالعدو أفدح الخسائر، ما دفعه إلى الانضمام إلى كل من بريطانيا وفرنسا في عدوانها على مصر عبد الناصر في عام 1956.

إن كل حركة أو منظمة أو حزب يحترم نفسه، يغتنم مختلف المناسبات لتقويم وضعه ومسيرته ومآل القضايا التي نشأ من أجلها، لكننا، نحن الفلسطينيين وشعوب أمتنا، لا نعرف خلفية ما جرى في عام 1965 وما قبله

الفلسطينيون في سوريا أيضا شاركوا في النضال ضد اغتصاب وطنهم ضمن كتائب الفدائيين التي شكلها عبد الحميد السراج. كما وجدت تنظيمات فلسطينية أخرى كانت تنفذ عمليات عسكرية في الجزء المحتل من فلسطين (الانتداب).

يضاف إلى ذلك تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية في عام 1964 بصفتها الكيان الفلسطيني المستقل. وهنا لابد من التذكير بأن ذلك تم بمبادرة من رئيسها الأول الراحل أحمد الشقيري، وليس بناء على توصية من مؤتمر القمة العربي الأول الذي دعا إليه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بهدف وضع خطط لمنع إسرائيل من تحويل مياه الأردن لسقاية مستعمراتها في صحراء النقب، وهو مشروع بريطاني الأصل وضعه صندوق استكشاف فلسطين في مطلع القرن الماضي.

مؤتمر القمة العربي الأول كلف أحمد الشقيري بإجراء استشارات فقط، لكنه تجاوز القرار وعمل على تأسيس المنظمة التي فرضت فرضا على معظم الأنظمة العربية عندئذ.

ما يعنينا هنا هو ذكر حقائق كانت معروفة ومتداولة، ثم جاءت التطورات لتدفع بها في أنفاق الظلام بهدف تمجيد طرف على حساب القضية والتاريخ.

في الوقت نفسه، فإننا لا نبتغي تجاهل الدور الريادي الذي مارسته حركة فتح عند انطلاقها عسكريا في عام 1965، والذي وصل ذروته عام 1968 في معركة الكرامة الخالدة.

بعد ذلك بدأت الحركة الوطنية الفلسطينية مسيرة الانحدار، توجتها قيادتها بالانسحاب من الأردن عام 1970/1971 وتحولها -وإن على نحو تدريجي لكن بشكل ثابت- من تنظيم جماهيري إلى أجهزة ومكاتب وبيروقراطية. أما النهاية المأساوية فمعروفة ونعيش تداعياتها بكل تفاصيلها.

إن كل حركة أو منظمة أو حزب يحترم نفسه، يغتنم مختلف المناسبات لتقويم وضعه ومسيرته ومآل القضايا التي يقول إنه نشأ من أجلها، لكننا، نحن الشعب الفلسطيني وشعوب أمتنا، لا نعرف خلفية ما جرى في عام 1965 وقبل ذلك.

خمسون عاما ولا نعرف الخلفيات الحقيقية لقيادات ظهرت فجأة في الساحة الفلسطينية، صحيح أنه كتب الكثير عن ذلك، لكن دون وثائق رسمية.

من المعلوم أن الاعتراف بأي أخطاء يعني بالضرورة محاسبة المسؤولين عنها، ولذلك لا نجد في أدبيات حركة فتح أي إشارة إلى السلبيات الكثيرة التي غرقت فيها وأوصلتها ونحن وقضيتنا معها إلى الوضعية الحالية

خمسون عاما مرت ولا نعرف إلى الآن من مول قيام الحركة، ولا علاقاتها بالأطراف العربية التي سهلت بدور في قيامها. خمسون عاما مرت ولا نعرف من أمدها بالسلاح واللوجستيات التي مكنتها من الانتشار بهذه القوة.

إضافة إلى ما سبق، لم نسمع بأي مراجعة حقيقية لفكر الحركة الوطنية الفلسطينية وأسباب تخليها عن الكفاح من أجل تحرير فلسطين واستبدال دولة فلسطين الديمقراطية بالكيان الصهيوني. لم نسمع بأي تقويم لمسار الحركة العسكري منذ ولادته انطلاقا من الأراضي الفلسطينية الواقعة غرب نهر الأردن.

ومن المعلوم أن أي اعتراف بأي أخطاء يعني بالضرورة محاسبة المسؤولين عنها، ولذلك فإننا لا نجد في أدبيات الحركة، ونحن نعني تحديدا حركة فتح أي إشارة إلى السلبيات الكثيرة التي غرقت بها وأوصلتها ونحن وقضيتنا معها إلى وضعيتها الحالية.

كل ما نجده في تلك الأدبيات لوم الثلاثي التقليدي، أي ليبيا والعراق وسوريا، جنبا إلى جنب مع الانتصارات الوهمية، تتصدرها اجتياح عام 1982 واتفاقيات أوسلو، والتي هي في حقيقتها مجموعة من الهزائم المؤلمة.

نحن لا ننكر أبدا الدور السلبي بل وحتى التخريبي الذي مارسته -ولا تزال- كثير من الأنظمة والزعامات العربية في الساحة الفلسطينية – ابتداء من إغراقها بالأموال دون حساب ودون رقيب في المقام الأول. ولا ننفي إطلاقا محاولات العديد من الأنظمة العربية فرض هيمنتها على الساحة الفلسطينية بهدف استخدامها إما ورقة في تفاوضها لتصفية القضية الفلسطينية أو في حروبها مع بعضها البعض. لكن سياسات القيادة الفلسطينية هي التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه من حال لا يسر صديقا ولا يغيظ عدوا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.