تحديات مؤتمر السعودية لتوحيد المعارضة السورية

FILE - In this Wednesday, Sept. 30, 2015, file photo, president of the Syrian National Coalition Khaled Khoja, right, is joined by Syrian National Coalition Special Representative to the U.S. and the United Nations Najib Ghadbian as he speaks to reporters during a news conference, at U.N. headquarters. Saudi Arabia will be hosting the Syrian opposition and some insurgent groups next week as preparations come underway for peace talks between President Bashar Assad government and his opponents by the beginning of next year to try end Syria's deadly civil war. (AP Photo/Mary Altaffer, File)

خلافات التمثيل
عقدة الأسد
توحيد السياسي والعسكري

على مدار السنوات الأربع الماضية فشلت جميع الجهود الإقليمية والدولية في توحيد المعارضات السورية المبعثرة في معارضة تستقيم على هدف موحد، وشكل الخلاف حول طبيعة الحل السياسي للأزمة أحد أهم أسباب الشقاق في صفوف المعارضة.

ثم كانت المنافسة على تمثيل الشارع السوري نقطة خلاف أخرى لتأتي الاصطفافات الإقليمية والدولية لتزيد الهوة بين القوى السياسية والعسكرية السورية.

لكن التطورات المتسارعة التي طرأت على الساحة السورية خلال العام الجاري، وهي نجاح فصائل المعارضة في تحقيق إنجازات عسكرية مهمة بفعل التنسيق السعودي القطري التركي دخول روسيا على خط المجابهة العسكرية في سوريا، وانتقال خطر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من الداخل العراقي والسوري إلى الساحتين الإقليمية والدولية دفعت المجتمع الدولي إلى التفكير جديا بإيجاد حل للأزمة السورية، وإن كان هذا الحل لا يلبي مطالب المعارضة السورية وداعميها الإقليميين.

ليست مهمة الرياض إنشاء كيان سياسي واحد لقوى المعارضة السورية، فهذا الأمر مستحيل بسبب واقع المعارضة السورية وطبيعة المرحلة، ما تريده الرياض هو الاتفاق على مرجعية سياسية عسكرية للحل في سوريا تعكس مطالب المعارضة الفاعلة بشقيها السياسي والعسكري

ضمن هذا المناخ يأتي مؤتمر توحيد المعارضة السورية المقرر عقده في السعودية، وهو عمل يتطلب جهدا نوعيا، فالمهمة التي تنتظر صناع القرار في الرياض ليست بالسهلة في ظل التباينات الموجودة بين قوى المعارضة السياسية من جهة، والاستقطابات الإقليمية والدولية من جهة ثانية.

ولهذا السبب تأخر تحديد موعد المؤتمر حتى تتم عملية التنسيق لضمان نجاحه، لأن فشله قد يؤثر على الدور السياسي الإقليمي الذي تمثله السعودية، وسيؤدي إلى نقل هذا الملف إلى الأمم المتحدة، وهو ما ترفضه الرياض والدوحة وأنقرة على السواء لعدم ثقتهم في الموقف الأميركي ومن ثم الأوروبي بعيد أحداث باريس.

خلافات التمثيل
ليست مهمة الرياض إنشاء كيان سياسي واحد لقوى المعارضة السورية، فهذا الأمر مستحيل بسبب واقع المعارضة السورية وطبيعة المرحلة، ما تريده الرياض هو الاتفاق على مرجعية سياسية عسكرية للحل في سوريا تعكس مطالب المعارضة الفاعلة بشقيها السياسي والعسكري، بحيث تكون هذه المرجعية الأساس المتين للحل في مواجهة الصيغة الرخوة التي خرج بها اجتماعا فيينا الأول والثاني اللذان كانا أقرب إلى الرؤية الروسية الإيرانية.

خطة السعودية تقوم على جمع وتوحيد القوى الفاعلة القادرة على إحداث الفرق، وتعكس في نفس الوقت مكونات الشعب السوري، ولذلك تم توجيه الدعوة لكيانين سياسيين فقط هما الائتلاف وهيئة التنسيق، فيما دعي الآخرون بصفاتهم الشخصية: وهم شخصيات معارضة، وشخصيات دينية، ورجال أعمال، ونشطاء في المجتمع المدني.

وعلى الصعيد العسكري، دعي الجيش الحر، وتجمع فاستقم كما أمرت، وجبهة الأصالة والتنمية، وفصيل ثوار الشام، والجبهة الشامية، وكتائب نور الدين زنكي، وفيلق الرحمن، وفيلق الشام، والاتحاد الإسلامي لأجناد الشام، وجيش الإسلام، وأحرار الشام، وسيف الشام، وثوار سوريا وغيرهم.

ومن الطبيعي -وفقا لذلك- أن يتم استبعاد القوى التي تصف نفسها بالمعارضة، وهي: جبهة التغيير والتحرير، وحزب الشعب، وحزب التضامن، وحزب التنمية، وحزب الشباب الوطني للعدالة والتنمية، والتجمع الأهلي الديمقراطي للكرد السوريين، وتيار سلام ومجد سوريا.

لكن الوصول إلى مرجعية ثابتة وموحدة دونه عقبات كبيرة لا بد من تذليلها، وأهم هذه العقبات مسألة التمثيل التي شكلت على مدار السنوات السابقة نقطة تنافر بين الائتلاف وهيئة التنسيق، حيث ترفض الهيئة استئثار الائتلاف بعملية التمثيل وتطالب بحصة مساوية له، وهي المشكلة التي حالت دون تلاقي الطرفين خلال السنوات السابقة.

وقد طلب رئيس الهيئة حسن عبد العظيم أن تكون حصة الهيئة في مؤتمر السعودية مساوية لحصة الائتلاف، لكن منظمي المؤتمر أعطوا الائتلاف الحصة الكبرى فيه، ليس لأن الائتلاف يعكس رؤية السعودية وحلفائها للحل السوري فحسب، بل أيضا لأنه هو أكثر كيانات المعارضة تمثيلا للشعب السوري، ولأنه حاصل على اعتراف دولي واسع.

خطة السعودية تقوم على جمع وتوحيد القوى الفاعلة القادرة على إحداث الفرق، وتعكس في نفس الوقت مكونات الشعب السوري، ولذلك تم توجيه الدعوة لكيانين سياسيين فقط، هما الائتلاف وهيئة التنسيق، فيما دعي الآخرون بصفاتهم الشخصية، وهم: شخصيات معارضة، وشخصيات دينية، ورجال أعمال، ونشطاء في المجتمع المدني

ويبدو أن الرياض تتجه نحو حل معقول لهذه المشكلة التي قد تؤثر سلبا على المؤتمر، فهيئة التنسيق لها وزن لا يستهان به وحاصلة أيضا على دعم إقليمي ودولي، وحل هذه العقدة سيكون توجيه الدعوة لشخصيات مقربة من الهيئة مثل ممثلين عن "إعلان القاهرة 2″، فضلا عن اعتماد آلية التصويت على أساس الأسماء وليس على أساس الكيانات، وبذلك تحقق الرياض هدفين معا، هما: حضور واسع لمكونات هيئة التنسيق وشركائها تحت مسميات مختلفة، مع الحفاظ على مكانة الائتلاف أكبر فصيل في المعارضة والممثل الأوسع للشعب السوري.

والحقيقة أن هذه القسمة تعكس جدية الرياض في إنجاح المؤتمر، كما تعكس التوازنات الإقليمية الدولية بين السعودية وحلفائها المخالفين لها في الشأن السوري، كمصر والأردن والإمارات والولايات المتحدة.

عقدة الأسد
العقبة الثانية التي تواجهها السعودية هي اتفاق المعارضة على رؤية موحدة للحل السياسي ودور الأسد، فالسعودية لن تسمح بحضور أي شخصية أو جسم سياسي يكون سقفه أقل من سقف مطالبها، خصوصا في ما يتعلق بمصير الأسد، وهو الأمر الذي أكده مسؤول دبلوماسي سعودي خلال اجتماعه بالقيادة السياسية للائتلاف الشهر الماضي.

ومن شأن هذه الصيغة أن تحمي المعارضة من أي اختراقات جانبية لقوى تسم نفسها بالمعارضة، وهي في الواقع تابعة للنظام، غير أن التوصل إلى رؤية سياسية موحدة ليس بالأمر السهل على الرغم من التقارب الكبير بين وثائق الفصيلين الأكبرين: الائتلاف، وهيئة التنسيق.

بالنسبة للائتلاف، فقد أكدت وثيقة المبادئ الأساسية التي أطلقها منتصف فبراير/شباط الماضي على أن هدف المفاوضات الأساسي هو تنفيذ بيان جنيف وفقا لأحكام المادتين الـ16 والـ17 من قرار مجلس الأمن رقم 2118 الصادر عام 2013 بالموافقة المتبادلة، بدءا بتشكيل هيئة حكم انتقالية تمارس كامل السلطات والصلاحيات التنفيذية، بما فيها سلطات وصلاحيات رئيس الجمهورية على وزارات وهيئات ومؤسسات الدولة، ومن ضمنها المؤسستان العسكرية والأمنية.

هذه الرؤية بدت متطابقة مع خريطة الطريق التي خرج بها "إعلان القاهرة 2" في يونيو/حزيران الماضي، وكانت هيئة التنسيق المكون الرئيسي له، ودعا الإعلان إلى تكوين هيئة الحكم الانتقالي التي تنقل لها جميع الصلاحيات التشريعية والتنفيذية بناء على وثيقة جنيف، وتنبثق عنها المؤسسات التالية: المجلس الوطني الانتقالي، ومجلس القضاء الأعلى، وحكومة المرحلة الانتقالية، والمجلس الوطني العسكري الانتقالي، والهيئة المستقلة العليا للإنصاف والعدالة والمصالحة.

وعلى الرغم من التقارب بين الوثيقتين فإن تصريحات هيئة التنسيق خلال الأشهر القليلة الماضية أثارت تساؤلات عن حقيقة موقف الهيئة، فقد أعلن حسن عبد العظيم نهاية سبتمبر/أيلول الماضي أن "وجود الأسد في الفترة الانتقالية ولو بشكل رمزي ضروري لحماية تماسك الجيش السوري الذي يخوض حربا ضد داعش، فضلا عن تصريحه بأن أي وجود روسي عسكري في سوريا بالتنسيق مع التحالف المناهض للإرهاب سيكون دعما لجهود مكافحة الإرهاب، كما سيعزز الحل السياسي للأزمة السورية، إضافة إلى تبنيه موقف النظام في إعطاء الأولوية لمحاربة الإرهاب "الأولوية الآن لمحاربة داعش، ولا بديل للحل السياسي للأزمة السورية لأن الحل المسلح لم ينتج سوى الدمار".

هذه المواقف تتعارض بشكل واضح مع موقف الائتلاف الذي يؤكد على عدم وجود أي دور للأسد في المرحلة الانتقالية، وعند هذه النقطة تكمن المهمة الصعبة للرياض، فلا هي بصدد التشبث بموقفها الرافض لأي دور للأسد في المرحلة الانتقالية بعدما قبل المجتمع الدولي بدور ما له في هذه المرحلة، ولا هي بصدد تقديم تنازل في هذه النقطة يمكن أن يفهم على أنه نوع من إعطاء الشرعية له.

في حال نجحت الرياض في مواجهة التحديات والعقبات فإن مرحلة ما بعد المؤتمر مع اقتراب إطلاق مفاوضات جنيف3 ستكون هي الاختبار الحقيقي لمنجزات مؤتمر السعودية في ظل محاولات إقليمية ودولية لإفشاله، خصوصا من النظام وإيران اللذين يرعبهما نجاح المؤتمر السعودي

ولعل تصريحات الجبير خلال الشهرين الماضيين تعكس هذه القضية، ففي 28 سبتمبر/أيلول الماضي أعلن في مقابلة على "قناة الحرة" أن لا مكان للأسد في المرحلة الانتقالية، وفي 2 أكتوبر/تشرين الأول الماضي جدد نفس الموقف أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكن في 13 أكتوبر/تشرين الأول الماضي أعلن خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الفرنسي أن لا دور للأسد في مستقبل سوريا، من دون أن يشير إلى المرحلة الانتقالية، وهو موقف أعاد تأكيده مؤخرا في 27 من الشهر الماضي في مؤتمر صحفي مع نظيره النمساوي "لا دور للأسد في مستقبل سوريا".

وهناك فرق كبير بين صيغة لا دور للأسد خلال المرحلة الانتقالية وصيغة لا دور للأسد في مستقبل سوريا، وهو فرق تنقسم حوله مختلف القوى السياسية للمعارضة أيضا، ومن دون تخطي هذه الإشكالية لن تنجح عملية التوحيد.

توحيد السياسي والعسكري
التحدي الثالث الذي يواجه السعودية هو كيفية توحيد المستويين السياسي والعسكري معا بحيث يشكلان وجهين لعملة واحدة، خصوصا في ظل عدم رضا الفصائل العسكرية بأداء القوى السياسية، وتواجه الرياض تحديين رئيسيين:

1- توحيد القوى العسكرية ضمن كتلة واحدة ولها هدف واحد بدلا من التعامل معها كقوى منفصلة، فالمطلوب أن تقبل الفصائل التنازل عن مشاريعها الخاصة لصالح المشروع العام.

وهذه العملية ليست باليسيرة مع وجود تباينات في توجهات القوى العسكرية وتنوع داعميها الإقليميين وإن كانوا متفقين على الهدف الرئيسي في إسقاط النظام، وهو هدف لم يدفعهم إلى التوحد طوال السنوات الماضية باستثناء تجربة "جيش الفتح" في إدلب نتيجة التفاهم السعودي القطري التركي.

2- ربط العسكري بالسياسي بعدما طالبت الفصائل العسكرية بأن تحضر المؤتمر في وفد واحد كمقابل للقوى السياسية، وتحاول السعودية التوصل إلى اتفاق موحد بين المستويين حول الحل السوري، خصوصا مع بدء المرحلة الانتقالية التي تتطلب وقفا لإطلاق النار والالتزام به، وهذه النقطة يعول النظام وداعموه على فشلها، حيث من الصعوبة بمكان أن تتفق كل هذه القوى العسكرية على متطلبات التسوية السياسية.

وفي حال نجحت الرياض في مواجهة هذه التحديات والعقبات فإن مرحلة ما بعد المؤتمر مع اقتراب إطلاق مفاوضات جنيف3 ستكون هي الاختبار الحقيقي لمنجزات مؤتمر السعودية في ظل محاولات إقليمية ودولية لإفشاله، خصوصا من النظام وإيران اللذين يرعبهما نجاح المؤتمر السعودي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.