أردوغان والفرصة الثانية

Turkish President Tayyip Erdogan shakes hands with his supporters after voting at a polling station in Istanbul, Turkey November 1, 2015. Turks began voting on Sunday amid worsening security and economic worries in a snap parliamentary election that could profoundly impact the divided country's trajectory and that of President Tayyip Erdogan. The parliamentary poll is the second in five months, after the ruling AK Party founded by Erdogan failed to retain its single-party majority in June. REUTERS/Murad Sezer
رويترز


تكشف نتائج الانتخابات العامة التي شهدتها تركيا مؤخرا (اقترع الناخبون مرتين في الأشهر الخمسة الماضية) عن مفاهيم ومدركات مهمة تتعلق بطبيعة الديمقراطية في البلاد وأفضليات مواطنيها.

كانت أولى الانتخابات البرلمانية التي شهدتها تركيا هذا العام في يونيو/حزيران الماضي بمثابة استفتاء -في نظر كثيرين- على الجهود التي بذلها الرئيس رجب طيب أردوغان لتعزيز سلطات وصلاحيات منصبه. وكانت النتيجة واضحة، فقد حصل حزب أردوغان (العدالة والتنمية) على 41% فقط من الأصوات، الأمر الذي كلفه الأغلبية التي كان يتمتع بها منذ وصوله إلى السلطة عام 2002.

ولكن في نوفمبر/تشرين الثاني، وبعد مفاوضات جرت بعدما أسفرت نتائج انتخابات يونيو/حزيران عن برلمان معلق، أدلى الأتراك بأصواتهم مرة أخرى، وجاءت النتائج مختلفة تماما. فهذه المرة كانت النظرة المهيمنة للانتخابات تعتبرها استفتاء على استمرار حكم الحزب الواحد، وقد فاز حزب العدالة والتنمية بنحو 49% من الأصوات، فزوده هذا الفوز بأغلبية مريحة.

تشهد نتائج التصويت على عدم فاعلية المعارضة البرلمانية التركية التي فشلت مرة أخرى في إحداث أي تأثير في شعبية حزب العدالة والتنمية، وكأنها خرجت لكي تدحض النظرية التي تزعم أن الناخبين يسأمون من الحكومات التي تبقى في السلطة فترة طويلة

في الفترة التي سبقت الانتخابات الأخيرة، أكد أردوغان وحزب العدالة والتنمية على أهمية فوز الحزب بالأغلبية البرلمانية من أجل الاستقرار السياسي في تركيا. وردت المعارضة بحجة مفادها أن الحكومة الائتلافية قادرة على مقاومة الاستقطاب السياسي العميق في البلاد، بينما تساعد في إنشاء ضوابط وتوازنات أكثر قوة. وقد أثبت وعد الاستقرار كونه الرسالة الأكثر صدى بين الناس.

الواقع أن عدم الاستقرار السياسي في أعقاب الانتخابات غير الحاسمة في يونيو تفاقم بفِعل الانحدار الحاد في الأمن الداخلي والإقليمي، فكانت جولة جديدة من العنف من قِبل حزب العمال الكردستاني الانفصالي والهجمات التي شنها تنظيم الدولة الإسلامية، بما في ذلك تفجيرات أنقرة التي قتلت أكثر من مئة شخص، سببا في تكوين الخلفية التي عززت رسالة حزب العدالة والتنمية.

وتشهد نتائج التصويت على عدم فاعلية المعارضة البرلمانية التركية التي فشلت مرة أخرى في إحداث أي تأثير في شعبية حزب العدالة والتنمية، وكأنها خرجت لكي تدحض النظرية التي تزعم أن الناخبين يسأمون ببساطة من الحكومات التي تبقى في السلطة فترة طويلة.

ولكن بدلا من ذلك، حقق حزب العدالة والتنمية فوزا ساحقا -وهو إنجاز كبير بعد 13 عاما من الحكم المتواصل- من خلال اقتناص الناخبين من منافسيه، فقد حصل الحزب على قرابة خمسة ملايين صوت أكثر من الأصوات التي حصل عليها في انتخابات يونيو، وهو ما يعادل زيادة بنسبة 20% في شعبيته.

كما خسر اثنان من أحزاب المعارضة وهما حزب الحركة القومية المحافظ وحزب الشعوب الديمقراطي الذي تهيمن عليه أغلبية كردية، ثلاثة ملايين صوت، في حين حافظ حزب الشعب الجمهوري الذي ينتمي إلى يسار الوسط على أرضه، فحل في المركز الثاني بنحو 25% من الأصوات.

لقد عاقب الناخبون حزب الحركة القومية بشدة بسبب العراقيل التي وضعها في أعقاب انتخابات يونيو، عندما رفض كل عروض الانضمام إلى الحكومة الائتلافية. وبحصوله على 12% من الأصوات الشعبية مقارنة بنحو 16% في يونيو، خسر الحزب قرابة نصف مقاعده في البرلمان. أما حزب الشعوب الديمقراطي فكان معوقا بسبب عجزه عن النأي بنفسه عن حزب العمال الكردستاني الذي ينظر إليه قسم كبير من الناخبين باعتباره مسؤولا عن تصاعد أعمال العنف الداخلي.

الواقع أن حزب الشعوب الديمقراطي بدا كأنه معرض لخطر الفشل في الحصول على 10% من الأصوات، وهي النسبة التي يحتاج إليها لدخول البرلمان، وهي النتيجة التي كانت ستزود حزب العدالة والتنمية بأغلبية كبيرة بالقدر الكافي لتعديل الدستور بمفرده. ولكن في النهاية حصل حزب الشعوب الديمقراطي على 10.7% من الأصوات، وذلك بعد حصوله على 13% في انتخابات يونيو، الأمر الذي منع أردوغان من تأمين البرلمان الممتثل الذي كان يحتاج إليه لترسيخ نظام الرئاسة التنفيذية.

هناك فخ رئيسي يتعين على الحكومة الجديدة أن تتجنب الانزلاق إليه، وهو فخ العودة إلى النمط الأبوي الغليظ في الحكم، إذ ينبغي لحزب العدالة أن يطمئن إلى الأغلبية الكبيرة التي حصل عليها فيبدأ في النظر إلى وجهات نظر الأقلية -بل وحتى المعارضة- السلمية بشكل أكثر تقبلا

ومع ذلك فقد حصلت الحكومة التركية الجديدة على تفويض واسع بالقدر الكافي لمعالجة التحديات السياسية الأكثر صعوبة التي تواجه البلاد، وأبرزها عملية السلام مع الأكراد.

فقبيل الانتخابات علقت الحكومة جهودا سابقة في هذا الصدد مع عودة حزب العمال الكردستاني إلى العنف، في حين تبنت قيادة حزب العدالة والتنمية خطابا قوميا متزايد الحِدة. ولكن مع انتهاء الانتخابات، هناك أمل في استئناف الحكومة الجديدة للمفاوضات، وإذا نجحت فستخلف أثرا كبيرا ليس فقط على الصعيد المحلي، بل وأيضا على المعركة المستمرة ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

كما ستساعد أغلبية حزب العدالة والتنمية على تمكينه من الاستمرار في إعادة تقويم سياسة البلاد الخارجية، فقد أدت السياسات التي انتهجتها تركيا في أعقاب الربيع العربي إلى فقدانها نفوذها وأصدقاءها في المنطقة، ولكن في الآونة الأخيرة بدأت البلاد في تكييف نهجها مع الواقع على الأرض.

على سبيل المثال، رفعت تركيا اعتراضاتها على حصول الرئيس السوري بشار الأسد على دور في المفاوضات الرامية إلى إنهاء الحرب الأهلية في سوريا. وعلى نحو مماثل، كان الالتزام الجديد من قِبل تركيا بمكافحة تنظيم الدولة سببا في إزالة نقطة احتكاك رئيسية مع شركائها في الغرب.

وأخيرا، هناك فخ رئيسي يتعين على الحكومة الجديدة أن تتجنب الانزلاق إليه، وهو فخ العودة إلى النمط الأبوي الغليظ في الحكم، إذ ينبغي لحزب العدالة والتنمية أن يطمئن إلى الأغلبية الكبيرة التي حصل عليها فيبدأ في النظر إلى وجهات نظر الأقلية -بل وحتى المعارضة- السلمية بشكل أكثر تقبلا، وعلى النحو الذي يليق بدولة تتفاوض على الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

الواقع أن الدرس المستفاد من الجولتين الانتخابيتين الأخيرتين واضح، إذ يريد الناخبون الأتراك حكومة قوية ومستقرة، ولكن ليست تلك التي تسحق معارضيها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.