اللاسياسة الأميركية في سوريا

US Secretary of State John Kerry, left, and Russian Foreign Minister Sergey Lavrov share a word prior to the start of the Syria talks at a hotel in Vienna, Austria, Friday, Oct. 30, 2015. Kerry is acknowledging that progress will be difficult as he launches a marathon day of talks aimed at ending the Syrian War but is expressing some hope of headway. With 19 foreign ministers and other senior dignitaries attending, participants say the fact that the talks are happening despite deep divisions among key players are in themselves a sign of success. (Brendan Smialowski/Pool Photo via AP)


إن التدخل الروسي الجريء في الحرب الأهلية الدائرة في سوريا قد ينتهي إلى عواقب وخيمة على قيادات روسيا. ولكن في الشرق الأوسط، من الممكن أن يخسر الجميع في أيامنا هذه.

فكما قد تخسر روسيا نتيجة لتدخلها، ربما تخسر الولايات المتحدة بسبب عدم تدخلها أو بشكل أكثر تحديدا، بسبب فشلها في تصميم، ناهيك عن ملاحقة، سياسة متماسكة ذات أهداف محددة في التعامل مع سوريا.

وأيا كانت عواقبها، فإن السياسة الروسية في سوريا لا تعكس هدفا فحسب، بل وتعكس أيضا إستراتيجية حقيقية تسعى إلى تحقيق هذه السياسة الإستراتيجية التي عززها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخرا باستقبال الرئيس السوري بشار الأسد لإجراء محادثات ثنائية معه في موسكو.

والآن، بعد أن نجحت روسيا في دحر بعض أعداء الأسد على الأقل، قرر الكرملين أن الوقت قد حان لمناقشة أي ترتيبات سياسية مقبلة، أو ربما بشكل أكثر دقة، أن الوقت حان لإخبار الأسد ماذا سيحدث بعد ذلك.

كما قد تخسر روسيا نتيجة لتدخلها، ربما تخسر الولايات المتحدة بسبب عدم تدخلها أو بشكل أكثر تحديدا، بسبب فشلها في تصميم، ناهيك عن ملاحقة، سياسة متماسكة ذات أهداف محددة في التعامل مع سوريا

ولكن من المؤسف أن سياسة الرئيس الأميركي باراك أوباما تفتقر إلى نفس التماسك. من المؤكد أن الكثير من الانتقادات بأن السياسة الخارجية التي تنتهجها إدارته، على سبيل المثال، القرار بالبقاء بعيدا عن سوريا، تعكس الضعف أو التردد في اتخاذ القرار غير دقيقة. فمثل هذه الاتهامات لا تعكس الواقع بقدر ما لا يعكسه الميل إلى استخدام أوباما ككبش فداء لمشاكل العالم، والذي اشتد خلال الحملة الانتخابية الرئاسية الجارية في الولايات المتحدة.

ويُحسِن المنتقدون صنعا بأن يتذكروا أن المجتمع الدولي قبل عشر سنوات فقط كان يطالب الولايات المتحدة بتوخي المزيد من الحذر في اتخاذ القرار متى تتحرك بجرأة ومتى لا تفعل. وهذا هو ما فعله أوباما في سوريا على وجه التحديد: فقد تمهل لتقييم الخيارات وخلص إلى أن مصالح الولايات المتحدة لن يخدمها التدخل على الأرض في سوريا بقدر ما تخدمها، على سبيل المثال، الضربات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

ولكن، هناك فارق بين اختيار عدم التدخل والافتقار إلى أي إستراتيجية متماسكة على الإطلاق. فما يستحق عنه أوباما اللوم هو فشله في الإعراب بوضوح عن الأسباب التي دفعته إلى اختيار عدم التدخل وتحديد خطوات بديلة من الممكن أن تتخذها الولايات المتحدة للمساعدة في تخفيف الأزمة.

من المؤكد أن أحد الأسباب الرئيسية وراء هذا الفشل هو الافتقار إلى الإجماع ليس فقط بين أعضاء الحكومة -إذا سألت خمسة أعضاء في مجلس الشيوخ عن التصرف الواجب بشأن سوريا فربما تحصل على ستة أجوبة على الأقل- بل وأيضا داخل الإدارة. ولكن في نهاية المطاف، لابد أن يتحمل المسؤولية عن هذه الحال أوباما ذاته، فهو الرئيس الذي أظهر في مجالات أخرى قدرة مبهرة على التعرف على التعقيدات المحيطة بأي مشكلة ورسم مسار إلى الأمام.

وقد ظهرت الصعوبات التي تواجهها الإدارة في سوريا في مرحلة مبكرة، مع الافتراض بأن الأسد سوف يُخلَع في غضون أسابيع من اندلاع الصراع. وكان ذلك سوء تقدير أشبه بما وقع فيه سلفه جورج دبليو بوش، الذي قرر غزو العراق استنادا إلى افتراضات خاطئة، ليس فقط أن صدام حسين يمتلك أسلحة الدمار الشامل، بل وأيضا -هو الأمر الأكثر أهمية- أن العراق في مرحلة ما بعد صدام سرعان ما يتحول إلى ديمقراطية مستقرة.

وبمجرد أن تبين أن الأسد لن يسقط من دون قتال شرس، اختصرت إدارة أوباما جهودها لتأمين رحيله في فضحه علنا، وهو التكتيك الذي كان سجله مشكوكا فيه عندما يتعلق الأمر بالحكام المستبدين.

ومن الواضح أن فرض الحظر الأحمق تكتيكيا على مشاركة الأسد في أي ضربة موجهة إلى تنظيم الدولة الإسلامية بقيادة الولايات المتحدة -ناهيك عن توجيه الدعوة إلى فصائل المعارضة لعقد انتخابات مؤقتة- مجرد استعراض بالشعارات لا علاقة له بصنع السياسات الحقيقية.

من المؤكد أن الأزمة السورية شديدة التعقيد حتى أن مجرد محاولة فهمها يتجاوز صبر الشعب الأميركي. ولكن إذا كان هناك أي رئيس أميركي على الإطلاق يمتلك القدرة على شرح التعقيدات، فهو أوباما. ويتعين عليه عندما ينتهي من شرحها أن يحدد مسارا واضحا ثم يتبعه إلى النهاية

من المؤكد أن الأزمة السورية شديدة التعقيد، حتى أن مجرد محاولة فهمها يتجاوز صبر الشعب الأميركي. ولكن إذا كان هناك أي رئيس أميركي على الإطلاق يمتلك القدرة على شرح التعقيدات، فهو أوباما. ويتعين عليه عندما ينتهي من شرحها أن يحدد مسارا واضحا إلى الأمام، ثم يتبعه إلى النهاية.

فبادئ ذي بدء، من الممكن أن يتعهد أوباما بالعمل مع كل البلدان -الحلفاء وغير ذلك- التي لديها مصلحة في حل الأزمة السورية. وأيا كانت الخلافات بينها فإن المصلحة المشتركة بين هذه البلدان في جلب السلام والاستقرار إلى سوريا من شأنها أن توفر أرضية مشتركة كافية لبناء سياسة متماسكة.

ورغم أن الرأي الذي تتبناه الولايات المتحدة بأن الأسد لا ينبغي أن يبقى في السلطة ربما يكون مقنعا من الناحية الأخلاقية، فإن السياسة الرسمية التي تنتهجها أميركا في التعامل مع سوريا لابد أن تترك هذا القرار للشعب السوري. وبدلا من محاولة فرض قيادة سورية جديدة، يتعين على الولايات المتحدة أن تستضيف اجتماعا مع ممثلين مختارين من الداخل لمساعدتهم في صياغة دستور واتخاذ غير ذلك من الترتيبات السياسية.

وأخيرا، ينبغي لأوباما أن يَعِد بمواصلة العمل مع الكيانات ذات التوجهات المماثلة لتفكيك وتدمير تنظيم الدولة الإسلامية. فما دام مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية يعملون على زعزعة استقرار الشرق الأوسط فلن تكون سوريا آمنة أبدا.

لقد اتخذت روسيا القرار بالتدخل عسكريا في الحرب الأهلية في سوريا، في حين قرر أوباما أن الولايات المتحدة لن تتنافس مع الكرملين بنشر قواتها. ولكن الولايات المتحدة لا تحتاج إلى قوات برية لإحداث الفارق في سوريا، بل هي في احتياج إلى سياسة متماسكة تسعى إلى تحقيق أهداف ملموسة ومدروسة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.