إيران ومؤتمر فيينا.. هل من تغيير حقيقي؟

A handout photograph made avaiable by the US Department of State showing US Secretary of State John Kerry (C-R) sitting with his fellow Foreign Ministers at the Hotel Imperial in Vienna, Austria, 30 October 2015, prior to a group discussion about ways to stop the fighting in Syria. UN Syria envoy Staffan de Mistura said on 30 October 2015 that the peace negotiations in Vienna could offer a 'light at the end of the tunnel' in the war. Among the countries attending are Saudi Arabia, Turkey, Jordan, Egypt, the United Arab Emirates, Qatar, Iraq and Lebanon Germany, USA, Russia, Britain, France, Italy. EPA/US DEPARTMENT OF STATE / HANDDOUT
وكالة الأنباء الأوروبية

الفشل في إنجاز المهمة
اجتماع فيينا
مغادرة المواقع

في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2015 أصدر المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران آية الله علي خامنئي أمرا حظر بموجبه على حكومة الرئيس حسن روحاني إجراء أي تفاوض مباشر مع حكومة الولايات المتحدة الأميركية بخصوص مستقبل سوريا.

الحظر الذي أعلنه المرشد تم تفسيره آنذاك في سياق الحد من تحركات حكومة الرئيس روحاني نحو التطبيع في علاقاتها مع واشنطن.

بعد أقل من شهر تتم دعوة طهران للمشاركة في مؤتمر فيينا والذي عُقد في الثلاثين من نفس الشهر، بهدف مناقشة آفاق الحل في الأزمة السورية وذلك بمشاركة حوالي سبعة عشر وفدا. هذه المشاركة لا تعد ظاهريا خروجا على الحظر الذي فرضه المرشد الأعلى لكنها تطرح أسئلة حول الديناميكيات في سياسة إيران نحو الملف السوري، وكذلك تبدل مواقف الغرب من طهران، هذه الديناميكية والمشاركة في مؤتمر فيينا هي موضوع البحث في هذه المقالة.

الفشل في إنجاز المهمة
ثمة اعتقاد سائد أن توقيع الاتفاق النووي بين إيران والمجموعة 5+1 (الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وفرنسا وبريطانيا والصين بالإضافة إلى ألمانيا)، قد فتح فصلا جديدا في علاقات إيران مع المجتمع الدولي لا سيما مع الولايات المتحدة الأميركية والغرب بشكل عام، وأن هذا الاتفاق يساعد إيران في إحداث اختراقات في جدار العزلة السياسية المفروضة عليها لأكثر من ثلاثة عقود. في هذا السياق يجري الربط بين دعوة إيران للمشاركة في مؤتمر فيينا وبين الاتفاق النووي.

مع نجاح إيران على صعيد الملف النووي، كان هناك عدم نجاح سياسي متراكم في سوريا حيث لم تتمكن هي وحلفاؤها من وقف التراجع العسكري للنظام السوري وخسارته أراضي كثيرة. ونتيجة هذا الفشل الإيراني دفعت روسيا إلى الحضور العسكري في سوريا

مع النجاح الإيراني على صعيد الملف النووي، كان هناك عدم نجاح سياسي متراكم في سوريا حيث لم تتمكن هي ولا حلفاؤها من وقف التراجع العسكري للنظام السوري وخسارته أراضي كثيرة خرجت عن سيطرة النظام. نتيجة هذا الفشل الإيراني دفعت روسيا إلى الحضور العسكري في سوريا بعد الحضور السياسي والدبلوماسي.

وهذا بالضرورة لا ينفي وجود دوافع أخرى مثل الأزمة في العلاقة بين واشنطن وموسكو، وكذلك القلق الروسي من حالة الإقصاء السياسي التي عانت منها منذ احتلال العراق في العام 2003 مرورا بالحملة على ليبيا في إطار حركة الربيع العربي، وكذلك الدور الغربي في أوكرانيا.

يبدو أن الفشل الإيراني في تحقيق المهمة في سوريا أتى بروسيا وقوتها العسكرية لتحدث تغييرا في قواعد اللعبة السياسية المتعلقة في سوريا بشكل أساسي، مثل هذا الفشل لم يعنِ لروسيا إنهاء تحالفها مع إيران حول سوريا بل على العكس الدفع إلى إشراكها في الجهد الدولي ومن ذلك دعوتها لحضور اجتماع فيينا.

تلك المشاركة لا تعني بالضرورة تقوية للتحالف بقدر ما تعني المحافظة على شكل من التحالف يجعل إيران ورقة سياسية في خريطة السياسة الروسية الخارجية في منطقة الشرق الأوسط. في هذا الصعيد يجب التذكير أنه -وخلال الخمس عشرة سنة الماضية- خسرت روسيا سياسيا واقتصاديا حلفاءها التقليديين من العراق مرورا بليبيا إلى سوريا، وهذا يجعلها حريصة على إبقاء شكل من التعاون مع إيران لاسيما بعد الاتفاق النووي والخشية من ذهاب إيران إلى المربع الأميركي والغربي.

من جانب آخر تدرك روسيا قوة الجبهة الأخرى (التركية السعودية القطرية) التي تٌصر على مغادرة بشار الأسد للسلطة في سوريا، ومن هنا كان الحرص على حضور إيران ومعها مصر لاجتماعات فيينا لإظهار أن هناك وجهة نظر أخرى من لاعبين إقليميين يشتركون فيها مع روسيا.

لم يكن الحضور الروسي ومعه الإيراني بعيدا عن الرغبة الأميركية والأوروبية في ضمان عدم تفرد خطاب الدول التي تنادي بإبعاد الأسد على أجندة المؤتمر، وكأن المقصود حضور إيران وروسيا للضغط على المحور التركي السعودي القطري لتقديم نوع من التنازلات حول مستقبل الأسد من حيث التوقيت والمرحلة الانتقالية في سوريا.

اجتماع فيينا
من الضروري فهم العوامل التي دفعت باللاعبين المعنيين بالملف السوري نحو عقد الاجتماع، مثل هذه العوامل يمكن أن تساعد في فهم أعمق لحضور إيران ومدى تأثيره على مآلات ملف الأزمة السورية.

لقد ظهر واضحا النقاش الجدي الذي تزايد من تبعات اللجوء السوري إلى أوروبا بشكل خاص ومسألة اللجوء السوري بشكل عام، حيث يقدر عدد اللاجئين داخل وخارج سوريا بحوالي 13 مليونا. الأمر الآخر هو تزايد حدة التدخل العسكري الإيراني في سوريا والخشية من إحداث تغييرات ذات طابع مذهبي أو طائفي.

لم يكن الحضور الروسي ومعه الإيراني بعيدا عن الرغبة الغربية في ضمان عدم تفرد خطاب الدول التي تنادي بإبعاد الأسد على أجندة المؤتمر، وكأن المقصود حضور إيران وروسيا للضغط على المحور التركي السعودي القطري لتقديم نوع من التنازلات حول مستقبل الأسد

غير بعيد عن ذلك الفشل المتزايد للمجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية وتمدده في العراق وسوريا. ثم التدخل العسكري الروسي الذي استند وفق التصريحات الروسية والسورية إلى طلب رسمي من الحكومة السورية.

بالطبع لا يمكن تجاهل حالة المعارضة السورية السياسية والعسكرية وحالة الانقسام والفشل في الخروج بصوت موحد، وهو الأمر الذي تسعى روسيا بشكل أساسي للبناء عليه من خلال إصرارها على بقاء الرئيس الأسد ضمن ما يعرف بإستراتيجية غياب البديل والخشية من انهيار الدولة والمؤسسات وتكرار السيناريو العراقي أو الليبي وحتى اليمني.

بناء على ما تقدم فاجتماع فيينا إنما جاء كنتيجة لحالة الاحباط التي ألمت بدول إقليمية فاعلة في الأزمة السورية وحالة تخلي المجتمع الدولي عن القضية السورية وكذلك الضغوط الإقليمية على واشنطن للعب دور أكثر حيوية في الملف السوري. يضاف إلى ذلك حالة "التخلي وغسل اليدين" التي كانت تعتمدها قوى غربية، والتمترس خلف مقولة أن ما يحدث في جانبه الكبير إنما هو نزاع مذهبي وطائفي ولا يمكن أن يأتي الحل من الخارج.

حالة الإحباط فرضت نوعا من الضغوط السياسية على مختلف اللاعبين للخروج من مربع عدم نجاح جهودهم والإخفاق الكبير الذي منيت به الجهود السابقة إلى مربع آخر قد يأتي بحل سياسي يخفف من حدة التوتر الإقليمي والخشية من توسع ظاهرة التطرف والصراع المذهبي التي يجري الترويج لها منذ العام 2003.

إيران ليس بعيدة عن حالة الإحباط تلك ولا حالة الإخفاق. وربما يزيد ذلك من الضغوط عليها باعتبار أن دورها في سوريا زادت تكلفته المادية والبشرية. هذه التكلفة من شأنها أن تثير أسئلة في المشهد السياسي الداخلي الإيراني. ومن هنا يجري الاستعداد لتلك الاحتمالات عبر مستوى من الشفافية نجده في الكشف عن أعداد القادة العسكريين الذين يقتلون في سوريا، ومحاولة إضفاء بُعد مذهبي على الحضور الإيراني.

في نفس السياق فإن الحكومة الإيرانية تقدم مشاركتها في مؤتمر فيينا كنجاح دبلوماسي وسياسي لمواجهة أي شكوك داخلية، ومع زيادة إصرار إيران على مواقفها بشأن مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد فإن الحكومة الإيرانية تسعى إلى تحقيق انتصارات داخل المجتمع الإيراني.

ومع تسارع التطورات المتعلقة بسوريا فإن حكومة الرئيس حسن روحاني تسعى إلى الموازنة بين دعوة المرشد إلى عدم مناقشة مستقبل سوريا مع واشنطن وبين المؤتمرات المتعلقة بالقضية السورية مثل مؤتمر فيينا. إن تصلب مواقف حكومة روحاني يبدو أقرب إلى رؤية المرشد في عدم إعطاء واشنطن أي صفقة في سوريا ما لم تحصل إيران على ثمن حقيقي سواء كان اقتصاديا أو سياسيا.

يبدو أن وصف حضور إيران لمؤتمر فيينا الثاني على أنه تنازل من الولايات المتحدة والغرب، استنادا إلى التغيير الأميركي والأوروبي من إيران في ما يتعلق بالملف النووي الإيراني، فيه مستوى من التبسيط، فمثل هذه القراءة ربما تحتاج إلى مراجعة

مغادرة المواقع
يبدو أن وصف حضور إيران لمؤتمر فيينا الثاني على أنه تنازل من الولايات المتحدة والغرب، استنادا إلى التغيير الأميركي والأوروبي من إيران في ما يتعلق بالملف النووي الإيراني، فيه مستوى من التبسيط، فمثل هذه القراءة ربما تحتاج إلى مراجعة.

ما يبدو من محاولة لانخراط إيران في الجهد الدبلوماسي ما هو إلا نوع من استنفاد قدراتها الدبلوماسية واختبار مدى تماسك النظام أمام الحضور في المشهد الدولي واللعب سياسيا وفق شروط اللعبة الدولية.

لقد ظهر واضحا أن السنوات الطويلة التي بقيت فيها إيران بعيدة عن فضاءات الدبلوماسية الإقليمية كانت تعود على إيران بالنفع من حيث تعميق الجهل خارج إيران حول ديناميكيات مؤسسة الحكم وتفاعلاتها في ما يتعلق بعملية صنع القرار حول القضايا المتفاعلة في منطقة الشرق الأوسط، وفي ذات الوقت نجحت إيران بالاستمرار في الاستخدام الفاعل لأدوات القوة الناعمة والتي بقيت تثير حفيظة دول إقليمية وغير إقليمية من تطوير تلك الأدوات إلى حد التأثير في التطورات السياسية في حالات متعددة مثل لبنان والعراق واليمن.

ما يجري منذ توقيع الاتفاق النووي يبدو كمحاولة غربية لدفع إيران إلى مغادرة الابتعاد عن حالة الثورة إلى حالة الدولة، وإنهاء سنوات طويلة من التفرد بموقع المتفرج على الدبلوماسية وانتقادها المستمر للمنخرطين في الدبلوماسية من دول المنطقة.

مثل هذه الإستراتيجية الغربية تسعى إلى اختبار مدى قوة النظام في ظل هذا الانخراط وتماسك مؤسساته العسكرية والأمنية، وعلاقة مؤسسة الحكم بالرأي العام وقدرته على إدارة العلاقة مع الخصوم الداخليين والخارجيين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.