المشهد السياسي التركي عشية الانتخابات المبكرة

Supporters of the Turkish Prime Minister Ahmet Davutoglu cheer and wave Turkish flags during an general election rally in Diyarbakir, Turkey, 29 October 2015. Turkey's general elections will be held on 01 November 2015.
وكالة الأنباء الأوروبية

وعود انتخابية
رهانات الأحزاب
استطلاعات الرأي

يبدو المشهد السياسي التركي غائما، يشوبه الترقب والحذر، عشية الانتخابات التشريعية المبكرة التي دعا إليها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، نظرا لإخفاق مفاوضات الأحزاب التركية في تشكيل حكومة ائتلافية.

وعود انتخابية
ومارست الأحزاب السياسية التركية الرئيسية الأربعة، المشاركة في البرلمان الحالي، قدرا مبالغا به من الدعاية السياسية الانتخابية، خلال الشهرين الماضيين، بغية كسب المزيد من الحضور في البرلمان المقبل الذي سيُحدد ملامح تركيا السياسية في المرحلة المقبلة.

وزادت حدة التنافس بين الأحزاب السياسية التركية، حيث عمّت وسائل الإعلام المختلفة والشوارع والساحات لافتات الترويج والدعاية الانتخابية، وكثف قادة الأحزاب مشاركاتهم في المهرجانات الشعبية في مختلف المدن، وصُوّرت الانتخابات المقبلة على أنها الأكثر أهمية وحساسية ومصيرية في تركيا، إضافة إلى إعطائهم أولوية كبيرة لوعود اقتصادية، بهدف الحصول على المزيد من أصوات الناخبين.

أظهرت دراسة لمركز الرصد الإعلامي التركي أن أبرز المواضيع التي ركزت عليها الوعود الانتخابية للأحزاب، تتمثل في الحد الأدنى للأجور والبطالة والنمو والتضخم والمتقاعدين والمسنين والشباب والأطفال والنساء والتعليم

وبينت دراسة لمركز الرصد الإعلامي (MTM) التركي، مدى انعكاسات الحراك السياسي والوعود الانتخابية في وسائل الإعلام قبل الانتخابات، وأظهرت أن أبرز المواضيع التي ركزت عليها الوعود الانتخابية للأحزاب تشمل الحد الأدنى للأجور والبطالة والنمو والتضخم والمتقاعدين والمسنين والشباب والأطفال والنساء والتعليم وحقوق الحيوان، لكن السباق الأكبر بين الأحزاب تمحور حول موضوع رفع الحد الأدنى للأجور.

وأشارت الدراسة إلى أن وعود حزب الشعب الجمهوري، التي أطلقها قبل انتخابات السابع من يونيو/حزيران الماضي بـ"رفع الحد الأدنى للأجور من تسعمئة ليرة تركية إلى 1500 ليرة" تركية استخدمتها الأحزاب الأخرى كأكبر ورقة رابحة، ضمن وعودها قبل الانتخابات المقبلة.

بالمقابل، استند البيان الانتخابي لـ حزب العدالة والتنمية الحاكم، على تذكير الناخب بالإنجازات التي حققها الحزب خلال الثلاث عشرة سنة الماضية من حكمه، إضافة إلى المشاريع قيد التنفيذ، وأخرى ينوي تنفيذها، مكررا عزمه متابعة تنفيذ مئة مشروع، في حال تمكنه من حكم تركيا منفردا لأربع سنوات قادمة، من بينها مشروع "الفاتح" التعليمي، ومشروع القمر الصناعي التركي "غوك تورك" (تم وضعه في مداره عام 2012) ومشروع المروحية المقاتلة التركية "أتاك" وسواها.

وذهب البرنامج الانتخابي لحزب الشعب الجمهوري إلى تصوير الحزب نفسه على أنه حامي حمى الديمقراطية والعلمانية في تركيا، وأن العلمانية هي الحل للمشكلة الكردية، بفصل الدين عن السياسة، ودعا إلى تعديل قانون المظاهرات، ورفع الحظر عن كافة المواقع الإلكترونية، بما فيها المواقع الإباحية، وإلى ضرورة تقييد صلاحيات جهاز الاستخبارات العامة، الذي افتعل معركة محاربة "التنظيم الموازي" (جماعة الداعية فتح الله غولن) وتولى إدارة عملية السلام مع الأكراد.

وركز برنامج حزب الشعب الجمهوري على الدعوة إلى إصلاح النظام السياسي في تركيا، من خلال ثلاثة محاور أساسية، أولها حظر حزب العدالة والتنمية، مستقبلا، وثانيها إلغاء حاجز الـ 10% المطلوب من الأحزاب، كي تتمكن من دخول البرلمان وفق نظام التصويت النسبي، وثالثها محاربة النظام الرئاسي.

ووعد الحزب بتخصيص مساعدات مالية لعشرة ملايين مواطن تركي، فضلا عن رواتب للعاطلين عن العمل، وتعديل قانون التأمين الصحي ليشمل كل المواطنين، دون اقتطاعات شهرية من الدخول والرواتب.

غير أن الأهم هو أن حزب الشعب الجمهوري يحاول على الدوام ترويج نفسه، بوصفه حزب المعارضة الأوحد، الذي يمكن أن يكون بمثابة المُعادل أو الموازن لحزب العدالة والتنمية، وطالب الأتراك بانتخابه، من أجل تنفيذ هذه المهمة.

ولم يوفر حزب الحركة القومية مناسبة في حملته الانتخابية، إلا وهاجم فيها حزب العدالة والتنمية، ووجه إليه انتقادات لاذعة، بل واتهمه بالقاتل، ووصف مسؤوليه باللصوص.

ووعد "الحركة القومية" ناخبيه بالقيام بالعديد من الإصلاحات السياسية، لزيادة مساحة الحريات، إضافة إلى إصلاحات في بعض مؤسسات الدولة، ولم يبخل بوعوده الاقتصادية، حيث وعد برفع الحد الأدنى للأجور إلى 1400 ليرة، مع دفع 1400 ليرة مرتين كل عام تضاف إلى مرتبات المتقاعدين، إضافة إلى تقديم قرض قيمته عشرة آلاف ليرة، بدون فوائد، للشباب المقبلين على الزواج، و250 ليرة شهرية دعم نقدي للأسر التي تسكن في منازل مستأجرة.

قدمت ثمانية استطلاعات رأي، جرت قبيل أيام قليلة من موعد الانتخابات، نتائج غير حاسمة، حيث توقعت معظمها أن حزب العدالة والتنمية، ستكون نسبته ما بين 39% كحد أدنى، و44% كحد أقصى. وهو اختلاف هام جدا ستكون له إرهاصاته وتأثيراته على حكومة ما بعد الانتخابات

وبدأ حزب الشعوب الديمقراطي برنامجه الانتخابي بمهاجمة الحزب الحاكم، متهما إياه بالانفراد بالسلطة، وعدم السماح للأطراف الأخرى بالمشاركة في نظام الحكم، ودعا إلى إدارة البلاد عن طريق إدخال الشعب في تنظيمات وتجييشه للوصول إلى حكم شعبي ديمقراطي!

وركز الحزب في دفاعه عن الديمقراطية على مسألة الحكم الذاتي، معتبرا إياها جزءا لا يتجزأ من الديمقراطية، ودعا إلى أن يدير الشعب نفسه بنفسه، والابتعاد عن الحكم المركزي، مع تقسيم تركيا إلى مناطق إقليمية يتم حكم كل منطقة بقوانين مختلفة تناسب الشعوب، وإلى اختيار رئيس لكل منطقة من قِبَل الشعب أيضا.

والملاحظ أن كل الأحزاب السياسية ركزت على إقناع المواطن بقدرتها على إيجاد حلول مناسبة للقضاء على حالة الانقسام وعدم الاستقرار التي طرأت على الساحة في الفترة الأخيرة بأسرع وقت وبأقل الخسائر الممكنة.

رهانات الأحزاب
راهن حزب العدالة والتنمية على هذه الانتخابات المبكرة، كي يتمكن من تشكيل حكومة جديدة بشكل منفرد، دون الحاجة إلى أي تحالفات سياسية مع الأحزاب الأخرى، حيث صرح رئيس الوزراء ورئيس الحزب، أحمد داود أوغلو، بالقول، إن "هدف حزب العدالة والتنمية هو الفوز بالانتخابات بأغلبية برلمانية، تؤهلنا لتشكيل الحكومة دون تحالفات مع الأحزاب الأخرى".

وقدم حزب العدالة والتنمية نفسه على أنه هو صاحب الحل السحري للخلاص من حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، وذلك في إطار سعيه للعودة إلى مرحلة انفراده بالحكم، وهذا ما جعل مسؤوليه وأنصاره ينشطون في مختلف المجالات والمناسبات. بالمقابل حاولت الأحزاب السياسية الأخرى أن تفعل كل ما بوسعها لتفادي تمكن حزب العدالة والتنمية من الفوز بمفرده في الانتخابات المُقبلة، وهذا أمرٌ طبيعي في الحياة السياسية.

وتجلى ذلك في استناد حزب العدالة والتنمية في خطابه الانتخابي إلى تذكير وتنبيه الأتراك إلى فداحة ما ستشهده البلاد من أزمات وصعوبات، فيما لو خرجت من الاستقرار السياسي، الذي يعني هيمنة حزب العدالة وانفراده بالسلطة.

وراهن كل من حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية، على تصعيد المواجهة مع حزب العدالة والتنمية في كافة الملفات والقضايا، الداخلية والخارجية، حيث ركز حزب الشعب الجمهوري على السياسة الخارجية التركية، التي اعتبرها بأنها مجرد سياسة أيديولوجية لحزب العدالة والتنمية، أوقعت تركيا في جميع مشكلاتها الإستراتيجية الإقليمية الراهنة، من خلال غض النظر عن الحركات الإسلامية "المتطرفة" التي باتت قوية وحاضرة في الداخل التركي، ووعد بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.

أما حزب الشعوب الديمقراطي فراهن على تقديم نفسه، بصفته حزبا يتمتع بالمسؤولية السياسية عن كل تركيا، وأنه ليس حزبا للأكراد فحسب، وإبعاد أية شُبهة انفصالية عن نفسه. وبالتزامن مع ذلك، حرص على الضغط على حزب العمال الكردستاني لوقف عملياته العسكرية، لتحقيق نوع من الاستقرار الأمني لمناطق ومدن جنوب شرقي البلاد، التي تعدّ خزان الحزب ومصدر ثقله الانتخابي.

استطلاعات الرأي
وقدمت ثمانية استطلاعات رأي، جرت قبيل أيام قليلة من موعد الانتخابات، نتائج غير حاسمة، حيث توقعت معظمها أن حزب العدالة والتنمية، ستكون نسبته ما بين 39% كحد أدنى، و44% كحد أقصى. وهو اختلاف هام جدا ستكون له إرهاصاته وتأثيراته على حكومة ما بعد الانتخابات، وعلى المشهد السياسي التركي وتوازنات القوى.

اللافت أن هناك كتلة كبيرة من الشعب الجمهوري، تتراوح بين 14% و18% ما زالت مترددة، ولم تحسم قرارها النهائي في التصويت لحزب بعينه، وهي نسبة كبيرة، ويمكنها أن تقلب مجريات الأمور، وستسعى جميع الأحزاب التركية للاستفادة منها بأكبر قدر ممكن

وتوقعت معظم الاستطلاعات احتفاظ حزب الشعب الجمهوري بأصوات مؤيديه، أي أنه سيحصل على نفس النسبة التي حصل عليها في الانتخابات السابقة. بالمقابل، ترجح تلك الاستطلاعات أن يخسر حزب الحركة القومية بعض أصوات ناخبيه، وأن حزب الشعوب الديموقراطي ذا الغالبية الكردية سيتمكن من عبور نسبة 10% الضرورية للتمثيل في البرلمان.

غير أن اللافت هو أن هناك كتلة كبيرة من الشعب الجمهوري، تتراوح بين 14% و18% ما زالت مترددة، ولم تحسم قرارها النهائي في التصويت لحزب بعينه، وهي نسبة كبيرة، ويمكنها أن تقلب مجريات الأمور، وهي ما ستسعى جميع الأحزاب التركية، للاستفادة منها بأكبر قدر ممكن.

ولا شك في أن كل حزب يراهن على كتلة انتخابية معينة، وخاصة على دعم ناخبي الأحزاب الصغيرة التي لا تستطيع عبور حاجز العشرة في المائة لدخول البرلمان، لأن الدستور التركي ينص على أن أي حزب يحصل على 276 مقعدا في البرلمان، سيتمكن من تشكيل حكومة دون حاجته إلى تحالفات مع الأحزاب الأخرى، لذلك فإن أي صوت إضافي، سيشكل قيمة كبيرة، قد تؤثر على مستقبل البلاد، وعلى التغيرات المقبلة، داخل تركيا وخارجها.

وطبقا للأرقام الرسمية التي أعلنتها الهيئة العامة للانتخابات، فإن الانتخابات المقبلة، في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني، سيخوضها عشرون حزبا سياسيا، إضافة إلى أكثر من 150 مرشحا مستقلا.

ومن بين هذه الأحزاب: حزب العدالة والتنمية، حزب الشعب الجمهوري، حزب الحركة القومية، حزب الشعوب الديمقراطي، حزب السعادة، حزب تركيا المستقلة، حزب الاتحاد الكبير، الحزب الديمقراطي، حزب اليسار الديمقراطي، الحزب الشيوعي، حزب الملة، حزب الوطن، حزب التحرير الشعبية، حزب الحق والحريات، حزب الطريق القويم، الحزب الديمقراطي الليبرالي.

ويبقى التساؤل حول ماذا ستجلب نتائج الانتخابات المبكرة، وهل ستفضي نتائجها إلى نفس الخيار الائتلافي، أم أنها ستحسم لصالح خيار يخرج البلاد من حالة عدم الاستقرار السياسي، وينهي حالة الانقسام الحاد، ويجنبها الذهاب من جديد إلى انتخابات مبكرة، ستكون -إن حدثت- ثالث انتخابات نيابية في أقل من عام؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.