مسارات 2015 السورية

يؤكد ناشطون أن النظام استهدف جميع منشآته التي سيطرت عليها المعارضة المسلحة في دير الزور

على الرغم من أن عام 2015 سيبدأ بمبادرة سياسية للحل، فإن مؤشرات عديدة تؤكد أن مسار الحل السياسي ما زال بعيدا عن النضج، بسبب عدم جاهزية الأطراف لتقديم تنازلات في هذه المرحلة، وتمسكها بتفسيرها للعملية السياسية ونتائجها، مما ينتج اختلافا في توقعات كل طرف وتقديراته.

فبينما يذهب النظام إلى موسكو ليشهد توقيع صك استسلام من قبل المعارضة نتيجة نفاد جهودها، تذهب المعارضة وهي تتوقع تفكيك النظام لنفسه وتسليمه السلطة لها باعتبار ذلك حقا لازما.

وإضافة لذلك؛ فإن الأطراف الخارجية المنخرطة في الصراع ما زالت لم تتوصل إلى رؤية موحدة للحل في سوريا، كما أن محفزات الحل ليست موجودة، خاصة أن الراعي الأساسي للمفاوضات (روسيا) يحبذ أن يتم بحث مسألة الإرهاب ويُحيّد موضوع مصير بشار الأسد، بل وإعادة تعويمه ضمن هيكلية جديدة تمنحه الشرعية والسلطة، وإعادة إنتاج سلطة أجهزة القمع (الجيش والأمن) بوصفها أجهزة مقدسة.

ماذا يعني ذلك؟ يعني أن الأزمة السورية سيتم وضعها في موقف اختباري جديد وقاس نظراً لعدم نضج الظروف المناسبة للحل، ونظرا لعدم قدرة الرعاة على وضع تصورات متماسكة للحل وآليات قادرة على إنجازه، وبالتالي فإن التسرع في طرح مثل هذه المبادرات ستكون أضراره أكبر من منافعه وفوائده، وباختصار هي محاولة لإضافة انتكاسة جديدة في مسار الأزمة أو لبناء جدار إضافي في بنيتها.

وهذا يعني أيضاً أن تصريفات هذه الانتكاسة في الحل ستنعكس بدرجة كبيرة على الأرض، وخاصة لدى شعور الأطراف بأن هذا الحل صار بعيدا، وأنه من الأفضل اللجوء إلى وسائل ومقاربات أخرى لأن الحرب حتماً ستكون مديدة، والمعروف في تاريخ النزاعات أن جولات التفاوض الفاشلة غالبا ما تكون لها نتائج سلبيّة على الأرض، وقد تجاوزت الخبرة الدبلوماسية هذا الدرس، وهو ما يعمق الشكوك في الحراك الروسي في ظل هذه المعطيات والظروف.
الأزمة السورية سيتم وضعها في موقف اختباري جديد وقاس نظراً لعدم نضج الظروف المناسبة للحل، ونظرا لعدم قدرة الرعاة على وضع تصورات متماسكة للحل وآليات قادرة على إنجازه، وبالتالي فإن التسرع في طرح مثل هذه المبادرات ستكون أضراره أكبر من منافعه وفوائده، وباختصار هي محاولة لإضافة انتكاسة جديدة في مسار الأزمة

وعلى ذلك؛ فإن انعكاسات هذه الانتكاسة على المعارضة يتوقع أن تترجم على شكل زيادة ابتعاد الأطر السياسية للمعارضة -بمختلف تصنيفاتها وتوصيفاتها- عن القوة الفاعلة على الأرض، بما يعنيه ذلك من تحطيم لقنوات التواصل وآليات التنسيق، رغم أنها تعاني من مشاكل كثيرة في الوقت الراهن.

ومن المتوقع أن ينسحب هذا التفكك على القوى العاملة على الأرض ويعمل على زيادة حدة الاستقطاب والفرز بينها، حسب قربها ومواقفها من المعارضة السياسية المنخرطة في مفاوضات موسكو، والتقدير في هذه الحالة أنّه سيصار إلى تقوية الأطراف الأكثر تشددا (جبهة النصرة) بدرجة كبيرة على حساب الفصائل والتشكيلات المعتدلة.

كما يُتوقع أن يكون الجيش الحر أكثر المكونات تأثراً، بل إنّه قد يصبح أثرا بعد عين، وهو ما من شأنه التأثير على جبهات يملك فيها الجيش الحر أفضلية، كجبهة الجنوب التي تعدّ -حسب أغلب المؤشرات- الجبهة التي باتت تشكل الخطر الداهم على نظام الأسد في سنة 2015.

وفي المقابل، فإن بنية النظام لن تسلم من شظايا هذه التحولات، وخاصة أنّها باتت تفتقر إلى حالة التماسك التي تميّزت بها طوال مرحلة الصراع الماضية، وثمة مؤشرات عديدة على بروز خطوط نزاعات عديدة من المتوقع أن تتعمّق في قلب بنية النظام، بسبب الاختلاف في مقاربة الحرب والتعاطي معها، وخاصة مع بروز توجّهات تطالب بمحاسبة المسؤولين عن الخسائر الكبيرة في بيئة النظام وظهور حالات للالتحاق بجبهات القتال.

والأهم من كل ذلك ظهور توجّهات جديدة تقول بضرورة الانفكاك عن الحالة السورية واللجوء إلى الساحل وترك سوريا ومصائبها، وخاصة في ظل ظهور محفّزات تدعم هذا التوجه عبر الاكتشافات الكبيرة للنفط والغاز في الساحل، مقابل الوصول إلى قناعة بعدم جدوى الحرب في البر السوري وتالياً افتقاد مبرر الخسائر البشرية الكبيرة في بيئة النظام.

وعلى ذلك؛ يُتوقع في 2015 أن تزداد حالة التشظي بدرجة كبيرة في الميدان وحصول نوع من الفوضى وخاصة في الأرياف التي يُتوقع أن تشهد خروجا نهائيا من سيطرة نظام الأسد، وما قد يتبع ذلك من خروج بعض المدن الريفية من تحت سلطة الأسد (مثل درعا والقنيطرة وإدلب ودير الزور)، والتحاق الحسكة بسلطة الأكراد، وتحول بعض المدن (مثل دمشق وحلب وحمص) إلى حرب على أبنية وحارات بين أطراف عديدة، وذلك مقدمة لتحديد خطوط القتال.

وهذه المرحلة يُتوقع أن تعقب إنجاز المعارضة المسلحة سيطرتها على الريف وتراجع قوات الأسد وتحصّنها في مدن دمشق وحلب وحمص، وستكون هذه المرحلة أقسى مراحل الحرب السورية وأكثرها ضراراً لناحية آثارها التدميرية، مع تحوّل الريف إلى فضاء مهمل ومشتّت.

ضمن هذا السياق الفوضوي المتوقع، لن يكون بعيدا حصول صراعات طائفية خارج حالة الصراع بين العلويين والسنة، إذ ثمة مؤشرات عديدة ظهرت في 2014 عن تبلور سياق لصراع درزي/سني بشكل أوضح عبر جملة من الصدامات المتفرقة. وكانت قد جرت محاولات عديدة لضبط الصراع بين الطرفين وخاصة في السويداء ودرعا، وقرى ريف دمشق القريبة من السفح الشرقي لجبل الشيخ والقريبة من القنيطرة.

في الغالب، سيزداد في سنة 2015 تهميش القضيّة السورية على المستوييْن الإعلامي والسياسي، كما أنّ جهود الأطراف ستتركز في المرحلة المقبلة على أهداف أقل، من نوع حصر تمدّد داعش ومنع انزياح المخاطر إلى الدول المجاورة. وسيستمر النزوح السوري بدرجة أكبر بسبب حدّة الفوضى وعدم توفّر الخدمات والشروط الاقتصادية المناسبة

ومع ازدياد درجة التسلح لدى المجتمعات المحلية في هذه المناطق، وزيادة نسبة التوتر في ظل الفوضى الضاربة والتحريض الذي تمارسه أجهزة مخابرات الأسد لتخفيف الضغط عن العاصمة دمشق؛ فإنّه يُتوقع أن يتشكل مناخ وبيئة جاذبة للصراع، وخاصة مع توفر إمكانية حدوث صراعات موضعية في نقاط التماس الكثيرة، مع قابلية توسعها لتشمل مناطق أخرى، وانعدام إمكانية ضبطها والسيطرة عليها في ظل عدم توفر آليات -حتى على المستوى العشائري- لاحتواء النزاعات.

وعلى المستوييْن الدولي والإقليمي، يُتوقع أن تتجه الأطراف الخارجية -نتيجة ظروف كل منها على حدة- إلى حالة من إدارة الصراع والتقليل من درجة انخراطها التسليحي والمالي، وخاصة في ظل تراجع أسعار النفط.

فأميركياً، يُتوقع أن تعمل إدارة باراك أوباما على تعديل توجّهاتها بحيث تتراجع عن هدف إسقاط الأسد بشكل علني وواضح، تطبيقاً لموقفها الداعي إلى رحيله عن السلطة، لكنها لن تسعى إلى إعادة تأهيله لاعتبارات مرتبطة بعلاقاتها الإقليمية وترتيباتها في المنطقة. ونتيجة لذلك، سيتعزز توّجهها إلى احتسابه زعيما مليشياوياً، وعلى ضوء ذلك تتم إعادة تعريف الحدث السوري على أنّه حرب أهلية.

ويُتوقع أيضاً أن تأخذ روسيا خطاً أكثر استقلالية عن إيران في تعاطيها مع الحدث السوري، ذلك أنّ فتح علاقاتها مع الأطراف السورية المعارضة بشقيها الداخلي والخارجي، وتنسيقها مع تركيا وبعض الأطراف العربية، سيعدّل منظورها للحدث، لكنها بالتأكيد لن تتخلى عن موقفها الداعم للنظام، مع توقع أن تحصل تغييرات في تعريفها للنظام وللحل ولإدارة الصراع.

لن تكون إيران بعيدة عن هذه التأثيرات، فالخطر الداعشي سيتحول إلى مصدر تهديد داخلي بدأت نذره تظهر في الجغرافيا الإيرانية، وباتت الدوائر الإيرانية على قناعة بأن هزيمة داعش ميدانيا في العراق -إن حصلت- فهي لن تعني هزيمة نهائية للتنظيم الذي لديه من الطاقة والقدرة ما يجعله يتحول إلى أنماط صراعية جديدة ضد أهداف إيران في أكثر من مكان.

كما أن فكرة مقاومة النفوذ والتمدد الإيراني صارت مشروعاً مترسخا في المشرق ويمكن أن تُنتج بدائل لداعش، مما يعني أن جزءا كبيرا من الجهود الإيرانية سيتم صرفها في العراق باعتباره خط الدفاع الأول عن القلب الإيراني، بالإضافة إلى استنزافها المتوقع في اليمن.

وكل ذلك من شأنه تخفيف نسبة الدعم العسكري والمالي المقدم إلى حليفها السوري، وقد لوحظ مدى الصعوبات التي واجهت النظام في الحصول على القرض الائتماني الأخير من إيران، لدرجة أوحت بأنّه قد يكون الأخير بنفس مستوى الدعم.

وقد تتحول إيران أكثر إلى دعم قطاعات محددة في الداخل السوري بدلا من الدعم الشامل الذي قدّمته في مراحل سابقة، والذي تتعذر إعادة إنتاجه جرّاء تبدّل الظّروف بشكل كلّي.

في الغالب، سيزداد في سنة 2015 تهميش القضيّة السورية على المستوييْن الإعلامي والسياسي، كما أنّ جهود الأطراف ستتركز في المرحلة المقبلة على أهداف أقل، من نوع حصر تمدّد داعش ومنع انزياح المخاطر إلى الدول المجاورة. وسيستمر النزوح السوري بدرجة أكبر نتيجة ازدياد حدة الفوضى وعدم توفر الخدمات والشروط الاقتصادية المناسبة.

وإجمالا؛ فإن حظوظ التداعيات والتأزم والتشظّي والفوضى تبدو متوافرة في الواقع السوري مع بداية سنة 2015، ووحده الحل هو الذي يفتقر إلى الأرضية المناسبة والأفق.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.