روحاني وفرص نجاح جولة مفاوضات نووية جديدة

Helga Maria Schmid (C-L), Deputy Secretary General for Political Affairs of European External Action Service, High Representative of the Union for Foreign Affairs & Security Policy/Vice-President of the European Commission Catherine Ashton (C) and Mohammad Javad Zarif (C-R), Iranian Foreign Minister attend a meeting of the internal E3+3 meeting on Iran's nuclear program at United Nations headquarters in New York, New York, USA, 19 September 2014. One of the main sticking points has been how much Iran will have to cut back its uranium enrichment, a process that could be used to make nuclear weapons material.

الرهان على روحاني
إشارات للتغيير
اتفاق مرحلي جديد
معوقات الانفراج

بحلول موعد إجراء الجولة الجديدة من المفاوضات بين طهران والسداسية الدولية منتصف الشهر الجاري حول برنامج إيران النووي، تتفتق التوقعات بشأن إمكانية نجاح الرئيس الإيراني حسن روحاني في تحقيق اختراق خلال تلك الجولة يخوله إبرام اتفاق مع الدول الغربية، ينهي بدوره العقوبات المفروضة على بلاده ويطوي صفحة الأزمة النووية الإيرانية.

الرهان على روحاني
متعددة هي العوامل التي تدفع بالكثير من المراقبين -في داخل إيران وخارجها- إلى الرهان على روحاني في تحقيق انفراجة ناجزة خلال الجولة الحالية من المفاوضات النووية، ولعل أبرزها: علاقته المتوازنة مع المرشد، فضلا عما يحظى به من تأييد داخلي وقبول دولي.

هذا علاوة على تطلع روحاني -الإصلاحي المصمم على مواجهة ضغوط التيار المتشدد المتمثل بأغلبيته في قادة الحرس الثوري وآيات الله- إلى إنجاز اتفاق نووي مع الغرب، يعزز في نهاية المطاف سلطته ويمهد السبيل لإصلاحات اقتصادية وسياسية أوسع نطاقاً.

ويستند روحاني في ذلك إلى إستراتيجيته القائمة على الجمع بين الحُسنييْن: رفع كافة أنواع العقوبات عن كاهل إيران وتحسين علاقاتها بالغرب، مع الاحتفاظ في ذات الوقت بإمكانات علمية وفنية وقدرات نووية كامنة قابلة للتطوير، بعدما تتجاوز طهران أزمة الثقة المتأججة بينها وبين المجتمع الدولي.

هذا فضلا عن تطور إجرائي إيجابي مهم شمل عملية صنع القرار الخاص بالسياسة النووية الإيرانية في ظل قيادة روحاني، وتجلى في نقل شطر من الملف النووي من دائرة اختصاص "المجلس الأعلى للأمن القومي" إلى صلاحيات وزارة الخارجية، الأمر الذي من شأنه أن يتيح لروحاني ووزير خارجيته جواد ظريف حيزا أوسع من حرية الحركة في مواقفهما التفاوضية.

إشارات للتغيير
ثمة إشارات متنوعة أطلقها الرئيس روحاني خلال الآونة الأخيرة تشي بإمكانية حدوث تغيير إيجابي فيما يخص إستراتيجية إيران التفاوضية خلال الجولة الحالية من المفاوضات النووية. فخلال السنة ونصف السنة التي مرت على ولايته، حاول الرجل تقديم صورة مختلفة لإيران -بعد خمسة وثلاثين عاما من الثورة- عن تلك التي بدت عليها أيام سلفه نجاد.

حاول روحاني إظهار إيران باعتبارها بلدا قابلا للانفتاح على جواره والعالم أجمع، ومستعدا للالتزام بالقوانين الدولية، وأبدى استعداد بلاده للتوصل إلى اتفاق على أساس مبدأ "رابح/رابح" لكلا الطرفين، مشيرا إلى أن مكاسب طرف واحد لن تضمن ترسيخ وديمومة أي اتفاق

إذ حاول إظهارها باعتبارها بلدا قابلا للانفتاح على جواره والعالم أجمع، ومستعدا للالتزام بالقوانين الدولية، والتعامل مع التناقضات والخلافات الموروثة في الداخل بطريقة مؤسسية تحترم الحق في الاختلاف.

وفى مسعى منه لطمأنة المجتمع الدولي بشأن طموحات بلاده النووية، أكد روحاني (خلال اجتماع لمجلس الوزراء في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي) أن إيران -فضلا عن احترامها لجميع القوانين والمواثيق الدولية التي تحظر امتلاك السلاح النووي- ملتزمة بفتوى قائد الثورة الإسلامية التي تحرم هذا الأمر، والتي تعتبرها طهران أعلى ضمان لعدم انحراف برنامجها النووي عن مقاصده السلمية.

ومن ثم أبدى روحاني استعداد بلاده للتوصل إلى اتفاق على أساس مبدأ "رابح/رابح" لكلا الطرفين، مشيرا إلى أن مكاسب طرف واحد لن تضمن ترسيخ وديمومة أي اتفاق.

وفى إشارة إلى نيته الالتفاف على تعنت التيار المتشدد من خلال الرهان على مستوى من التأييد الشعبي لأية مرونة يبديها خلال الجولة الراهنة من المفاوضات النووية، اقترح روحاني تنظيم استفتاء حول المسائل المصيرية التي تمسّ مستقبل البلاد بعد تصويت ثلثيْ أعضاء البرلمان على طرح الاستفتاء، إعمالا لنص المادة 59 من الدستور الإيراني الذي وُضع عام 1979، والتي لم يعمل بها حتى الآن ولو مرة واحدة.

وهو الأمر الذي بمقدوره أن يتيح للحكومة الالتفاف على مجلس الشورى الذي يراقب عملها ويصادق على المعاهدات والاتفاقات التي تبرمها.

وربما اكتشف روحاني أن مواجهة معارضيه من التيار المحافظ -الذي نصب نفسه أميناً على إرث الثورة، ولا يزال نفوذه ممتدا داخل مجلس الشورى والحرس الثوري وسائر المؤسسات التي لا تخضع للسلطة المباشرة للرئيس المنتخب- لن تتأتى إلا من خلال الاستقواء بالشعب، لا سيما بعد أن أضحى المزاج العام في إيران أكثر مرونة وليبرالية مما تبدو عليه الأصوات المتشددة والمحافظة.

وفي كلمته خلال ملتقى اقتصاد إيران بداية يناير/كانون الثاني الجاري، نبه روحاني إلى أهمية المرونة في التعاطي مع العالم من أجل إنهاء عزلة إيران وتحريرها من براثن العقوبات، مفندا الادعاءات التي مفادها أن الاستثمارات الخارجية تشكل تهديداً للبلاد، بينما يرى هو أنه لن يمكنها تحقيق نموّ مستدام وهي في عزلة.

اتفاق مرحلي جديد
في إيحاء منه بإمكانية الموافقة خلال الجولة الثانية عشرة من المفاوضات على تقليص عدد أجهزة الطرد المركزي وتخفيض نسبة تخصيب اليورانيوم مقابل إنهاء العقوبات على بلاده، شدد روحاني على أن مبادئ الإيرانيين ليست منصبة في أجهزة الطرد المركزي المُستخدمة لتخصيب اليورانيوم، وإنما تتعلّق بقلوبهم وإرادتهم.

انطلاقا من الموقف المتشدد الذي تبديه القوى المؤثرة في إيران استنادا لاعتبارات اقتصادية وسياسية وأمنية، يبدو الرهان على إدراك اتفاق نهائي يكفل إنهاء أو تجميد البرنامج النووي الإيراني كلية نظيرَ التعليق الكلي للعقوبات أمرا مستبعدا

وذهب أبعد من ذلك حينما أكد أن إبداء مزيد من الشفافية وتخفيض مستوى التخصيب بنسبة معيّنة ليست إيران في حاجة إليها لا يعني التفريط في المبادئ.

وهي الإشارات التي يُفهم منها ميل روحاني إلى التوصل لاتفاق مرحلي جديد مع الدول الست على غرار ذلك الذي تم في نوفمبر/تشرين الثاني 2013، والذي قضى بتعليق فرض عقوبات جديدة على طهران، فضلا عن الإفراج عن بعض الأرصدة الإيرانية المجمدة في الخارج، مقابل تخفيض طهران لمستوى تخصيب اليورانيوم من نسبة 20% إلى نسبة 5% فقط.

فانطلاقا من الموقف المتشدد الذي تبديه القوى المؤثرة في إيران استنادا لاعتبارات اقتصادية وسياسية وأمنية، يبدو الرهان على إدراك اتفاق نهائي يكفل إنهاء أو تجميد البرنامج النووي الإيراني كلية نظيرَ التعليق الكلي للعقوبات أمرا مستبعدا، خصوصا مع تمسك كل طرف بمواقفه.

فإيران تتشبث بمطلب إنهاء كافة صور العقوبات الدولية والأحادية المفروضة عليها بشكل فوري وشامل، بينما يصر المجتمع الدولي بدوره على تجميد طهران أولا لكافة أنشطتها النووية بشكل تام، ثم اتخاذ إجراءات بناء ثقة تجاه الغرب قد تمتد عشرين عاما، بينما يتم رفع العقوبات بشكل كامل ونهائي.

وربما يجنح المفاوض الإيراني -خلال الجولة الجديدة من المفاوضات- للمطالبة بتعليق كافة أشكال العقوبات، مقابل إبداء مزيد من التعاون فيما يخص إجراءات الرقابة والتفتيش والتحقق من قبل الخبراء الدوليين، فضلا عن تخفيض وتيرة الأنشطة النووية الإيرانية فقط وليس تجميدها كلية، وهو العرض الذي قد يقابله المجتمع الدولي -إذا ما ارتضاه- بتخفيض جزئي ومتدرج بنفس الوتيرة للعقوبات، أملا في بلوغ اتفاق نهائي ولو بعد حين.

وبناء عليه، ستبقى فرص التوصل لاتفاق مرحلي جديد أكبر بكثير من احتمالات إدراك اتفاق نهائي. ذلك أن هامش حرية الحركة أو التفويض الممنوح للمفاوض الإيراني لن يسمح له بالذهاب أبعد من ذلك، كما أن أطرافا إقليمية مؤثرة -كإسرائيل ودول الجوار الإيراني- لن تسمح للمفاوضين الغربيين بالتجاوب مع المطالب الإيرانية.

ولعل الولي الفقيه يراهن على أن يدفع الوضعُ الإقليمي المعقدُ والنظامُ الدولي المرتبكُ المفاوضَ الغربي لتمرير اتفاق نووي مرحلي جديد تراه الجماعة الدولية -رغم تواضعه- إنجازا أفضل من فشل المفاوضات ووضع الغرب في موقف صعب، في ضوء الافتقار إلى أية خيارات بديلة ناجزة يمكن اللجوء إليها في الوقت الحالي لحمل طهران على إبداء مزيد من المرونة والانصياع للإرادة الدولية.


معوقات الانفراج

لم تحلْ الآمال المعقودة على مرونة روحاني -خلال الجولة الجديدة من المفاوضات النووية- دون بروز معوقات عديدة من شأنها أن تعرقل التوصل إلى اتفاق نهائي مع الغرب، لعل أهمها:

1- التمسك بالحلم النووي: فبينما تعهد روحاني بالتمسك بثوابت سياسة بلاده النووية، وبألاّ تتوقف أجهزة الطرد المركزي عن العمل، أكد علي أكبر ولايتي (مستشار مرشد الثورة للشؤون الدولية) أن إيران ستتابع العمل من أجل امتلاك التكنولوجيا النووية السلمية، ولن تتراجع عن حقوقها في هذا الصدد، لأن المرشد لن يسمح بأي تنازلات خلال المفاوضات النووية، امتثالا لإرادة الشعب وحفاظاً على استقلال البلاد.

2- تشدد المرشد: فرغم الدعم الحذر الذي يبديه خامنئي للمحادثات النووية مع الغرب توخيا منه لتقليص عزلة طهران وثني الغرب عن الضغط عليها بشأن قضايا أخرى كسوريا والتدخل في عدد من الدول العربية، فإنه لا يرغب في تمكين روحاني من إبداء مزيد من المرونة، لا سيما أن خامنئي لا يبدو مستعدا لتقديم أية تنازلات لإنجاح المفاوضات استنادا منه إلى عدم قناعته بجدواها، إذ لم يتردد في إبداء خيبة أمله بشأن "خطة العمل المشتركة" المؤقتة الموقعة في جنيف خلال نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ولا حتى تشاؤمه الكبير بشأن الوصول لاتفاق نهائي.

خامنئي لا يثق في العوائد المنتظرة من التنازل عن مواصلة تطوير البرنامج النووي لبلاده، موقناً بأن تنازلا كهذا قد يثير التيارات المتشددة في الداخل ويهدد أركان نظام ولاية الفقيه، في الوقت الذي لن يضمن إنهاء العقوبات كلية وسريعا

ولعل خامنئي لا يثق في العوائد المنتظرة من التنازل عن مواصلة تطوير البرنامج النووي لبلاده، موقناً بأن تنازلا كهذا قد يثير التيارات المتشددة في الداخل ويهدد أركان نظام ولاية الفقيه، في الوقت الذي لن يضمن إنهاء العقوبات كلية وسريعا.

ومن ثم لم يتورع عن تأكيد أنه لا يمكن لأي اتفاق نووي أن يلغي العقوبات المفروضة على إيران، حيث سيكون هناك دائماً -حسبما صرح به مسؤولون أميركيون- شيء ما يحول دون رفع العقوبات بشكل كامل وفوري، خصوصا مع وجود إدارة أميركية ديمقراطية عاجزة عن كبح جماح كونغرس جمهوري يتوق إلى فرض عقوبات جديدة على إيران.

وتأسيسا على ذلك، يعتقد خامنئي أن رفع العقوبات عن بلاده لن يتحقق إلا من خلال دعم قدراتها النووية، بما يتيح زيادة نفوذها بوصفها قوة إقليمية وعالمية، وليس من خلال التنازلات التي تهوي بإيران إلى غياهب التمزق والفوضى على غرار ما جرى مع الاتحاد السوفياتي السابق وليبيا معمر القذافي.

ومن ثم، لم يتورع خامنئي عن استجلاب 190 ألف جهاز طرد مركزي بما يتيح لبلاده الحصول على قدرات تفوق بعشرات المرات أضعاف قدرات التخصيب الموجودة بحوزتها، كما أعلن قبل أيام أن بلاده ترفض أي شروط لرفع العقوبات المفروضة عليها إذا كانت تمس كرامتها.

وربما لا يكترث خامنئي كثيرا باقتراح روحاني إجراء استفتاء، حيث تقتضي خصوصية النظام السياسي الإيراني أن يعود القول الفصل في أمر المفاوضات النووية إلى المرشد، بغض النظر عن نتيجة أية استفتاءات شعبية ستظل نتائجها بلا معنى طالما استعصى الأخذ بها إذا خالفت إرادة المرشد، ولعل هذا يفسر تجميد المادة المتعلقة بالاستفتاء في الدستور منذ وضعه.

3- تربص المتشددين: لا تزال الديناميات الداخلية في إيران تشكل عقبة رئيسية أمام إنجاز اتفاق شامل وطويل الأمد بشأن البرنامج النووي الإيراني. حيث يرفض الأصوليون -المهيمنون على مفاصل السلطة كالبرلمان والإعلام وقوات الجيش والشرطة وغيرها- أي توجه من قبل روحاني لإبداء مرونة خلال المفاوضات النووية، متذرعين بأن هذه التنازلات ستهدد مصالحهم ونفوذهم، وستنال من الثورة وتقوض ركائز نظام ولاية الفقيه.

وربما يطمع خصوم روحاني في استثمار اهتزاز شعبيته إثر تبدد وعوده فيما يخص العائد الاقتصادي من المفاوضات النووية، فضلا عن إساءته إدارة الدعم الحكومي المُقدم للفقراء؛ في الوقت الذي تعلن فيه الحكومة نيتها رفع أسعار البنزين وبعض السلع الأساسية.

هذا علاوة على إخفاق روحاني في إنهاء الإقامة الجبرية المفروضة على زعماء "الحركة الخضراء"، ووقف الانتهاكات المتواصلة لحقوق الإنسان وحرية التعبير، والتي لم تسلم منها حتى صحيفة "أسمان" الموالية لروحاني، والتي أغلقت في فبراير/شباط 2014 بعد أسبوع فقط من صدورها.

وما برح التيار المتشدد يسعى بمباركة خامنئي لمحاصرة روحاني داخليا بغية تكبيل يديه خلال المفاوضات النووية، متيقنا من أن ولع روحاني بالاحتفاظ بشرعيته الداخلية ربما يفوق هرولته لبلوغ نجاح قد لا يتسنى تحقيقه أو جني ثماره على صعيد المفاوضات النووية مع الغرب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.