إسرائيل.. دولة ترتكز على كذبة

epa03559716 An Iron Dome rocket defence system deployed in Haifa, northern Israel, 28 January 2013. A Israeli Defence Forces (IDF) spokesperson confirmed that two Iron Dome batteries are newly stationed in Haifa as part of a rotating routine. EPA/OLIVER WEIKEN

سرد موجز
ذريعة الأمن
حجج وأعذار

قبل وصول اليهود الأوروبيين الذين يعرفون القليل أو حتى لا يعرفون شيئا عن اليهود الذين سكنوا فلسطين -والعكس صحيح- كان بالكاد يوجد 5% من اليهود في خطوط العرض تلك. أما القدس القديمة، التي تبلغ مساحتها ما يقرب من كيلومتر مربع فقط، فقد كان يسكنها أربع مجموعات: المسلمون والآراميون واليهود والمسيحيون، وقد كانوا يعيشون ويتعايشون كإخوة.

المشكلة بدأت حينما تأهب الصهاينة العلمانيون للزج بعدد من اليهود بالقوة وبطرق "إرهابية"، حيث أرادوا لهم أن يكونوا في فلسطين.

أما الزعم بطرد اليهود من قبل الرومان فهو اختلاق لا يظهر في أي من كتب التاريخ. إنها قُصيصة مدبرة من الصهاينة للبحث عن أي شيء يسند تاريخهم القائم على العهد القديم، الذي وكما يعلم الجميع، لا يمتد لأكثر من أربعة آلاف عام (ق. م)، فيما تؤكد المعطيات العلمية أن الوجود البشري في كنعان (فلسطين الحالية) يعود تاريخه للعصور الحجرية القديمة، أي قبل خمسين ألف عام (ق. م) مزاعم اليهودية بالتواجد القديم إذ ليست سوى حجج زائفة لاغتصاب أراضي الغير.

وبالعودة لحادثة "الطرد" الشهيرة، فهذه خرافة موجودة بالوعي -أو اللاوعي- الجمعي لكثير من اليهود الإسرائيليين، إذ علموهم وربوهم على ذلك.

إن حادثة "الطرد" الشهيرة، خرافة موجودة بالوعي -أو اللاوعي- الجمعي لكثير من اليهود الإسرائيليين، إذ علموهم وربوهم على ذلك

لقد كان البحث عن أرض لليهود الأوروبيين، هدف للصهاينة -كما يظهر في كتاب ثيودور هرتزل- وكانت لديهم مخططات في الأرجنتين وبلدان أخرى، لكنهم اختاروا فلسطين، على وجه التحديد، كي يبحثوا -وأشدد على ذلك- عما يدعم اختلاقهم لإسرائيل. وهذا ليس كلام العرب الفلسطينيين فقط، بل أيضا مؤرخين إسرائيليين مشهورين، مثل شلومو ساند الذي قال إن "دولة إسرائيل قائمة على كذبة".

لا أحد ينكر أن لليهود الحق في أن تكون لهم أرض كوطن قومي، وطالما اعتبرنا ذلك، فعلينا اعتباره حقا للشعوب الأخرى أيضا ومن بينها الشعب الفلسطيني. لكن ثمة مشكلة بالوسائل التي يستخدمها الصهاينة لتحقيق مبتغاهم.

سرد موجز
علينا ألا ننسى أنه ما بين ديسمبر/كانون الأول 2008 ويناير/كانون الثاني 2009، وخلال أسبوع واحد فقط، قتل الجيش الإسرائيلي 1400 فلسطيني متكومين في غزة، ضمن ما أطلق عليه "عملية الرصاص المصبوب"، مستخدما قنابل من الفوسفور الأبيض. الآن، وتحت اسم "الجرف الصامد"، تجاوز الرقم السابق إذ وصل العدد لأكثر من 1900 قتيل فلسطيني ونحو عشرة آلاف جريح.

وتحت اسم آخر: "سلام الجليل"، في يونيو/حزيران 1982، اجتاحوا وحاصروا مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين في بيروت، لبنان، وبالتآمر مع كتيبة لبنانية، ذبحوا خلال ثلاثة أيام 3500 فلسطيني.

وفي هذا الصدد، فهناك فيلم إسرائيلي بعنوان "فالس في بشير"، يتحدث عن قضية الشعور بالذنب لدى بعض الجنود الإسرائيليين السابقين بسبب الفظائع التي أجبروا على ارتكابها. هذا، دون الأخذ بعين الاعتبار الأموات اليوميين. وحينها علينا التوقف عن العد، لأن الأرقام التي بدأت دون كلل أو ملل منذ عقود لا تتوقف عن الازدياد.

لكن وسائل الاتصال العالمية لا تقرع جرس الإنذار إلا حين يموت جنديان إسرائيليان أو ثلاثة، حتى لو كان كل شيء على ما هو عليه منذ عقود، وسط الاحتلال (الذي يمارسه الإسرائيليون) لأرض ليست لهم.

ذريعة الأمن
حين كان إغناسيو لولا، رئيسا للبرازيل، قال "مما يثير الفضول، أن الأمم المتحدة تمكنت من إنشاء إسرائيل منذ عقود، لكنها حتى اليوم لا تستطيع إنشاء دولة فلسطين". وهكذا لم تتغير الأحوال منذ زمن.

في أحد الحوارات التي أجراها الصحفي إغناسيو رامونيت مع الفلسطيني مصطفى البرغوثي في صحيفة لوموند الدبلوماسية، أشار الأخير للتالي "لا معنى للحديث عن الأمن من أجل طرف واحد، فيما يُحرم الطرف الآخر من أية ضمانات.. الأمن هو أيضا الضمان الاجتماعي، ضمان العمل، ضمان الممتلكات، وضمان التنقل.. إلخ.

حين يتراجع الإسرائيليون، ولن يفعلوا، إلى الحدود المرسومة بطريقة قانونية، ويَدَعون الفلسطينيين للعيش بسلام، مع بناء دولتهم الخاصة، حينها فقط يمكنهم الشكوى من هجوم ما

بالنسبة للفلسطينيين، فقد تم استبعادهم وحرمانهم من كل هذه الضمانات.. المطلوب من الاحتلال هو أن يضمن أمن من احتله. إنه أمر سوريالي. ففي بلد محتل، يقاوم أبناؤه ضد المحتلين، اختلطت الأمور بطريقة ما تُفهم على أن الضحايا هم المعتدون، وأن المعتدين هم الضحايا. الخلط بدأ في عقول الإسرائيليين في بادئ الأمر ثم شيئا فشيئا امتد لباقي العالم.

حجج وأعذار
مع هذا فإن الصهاينة يجولون ويصولون بنفس الحجج -أو المعاذير- عن "الأمن"، دون أن يتمكنوا من شرح معنى اغتصاب أراضي الآخرين ومعنى ارتكابهم إبادات جماعية، ويصرون على قصة المحرقة، متناسين أن قتل اليهود في المعسكرات النازية هو مسألة تتعلق بألمانيا هتلر، وأن الفلسطينيين، ليس لهم أي ذنب إطلاقا في ذلك.

هناك عبارة دينية تقول "من يكذب يسرق ومن يسرق يكذب". مع الصهاينة يكتمل هذا المبدأ: فهم يكذبون ويختلقون القصص كي يسرقوا الأراضي، وبما أنهم لا يستطيعون دعم الأكاذيب فإنهم يكملونها بالقتل، كما فعلوا وما زالوا يفعلون منذ أن فتح مناحيم بيغن باب الإرهاب في الشرق الأوسط، حين نسف فندق الملك دواود عام 1946، متسببا بمقتل تسعين شخصا.

في النهاية، فإن طريقة الإسرائيليين (خصوصا اليمين الإسرائيلي المتطرف) لا تتغير أبدا، واليوم فالناس في غزة يعانون وجودها المجنون، يقاومونه ما استطاعوا.

لهذا السبب أردد دوما، ومنذ زمن أقول: ليس للإسرائيليين سلطة عرقية ولا أخلاقية تجعلهم يشتكون من ردود أفعال الفلسطينيين أمام العدوان بعد نحو 66 عاما من الاحتلال العسكري، بل ليس عسكريا فقط، بل هدما للبيوت، وطردا لشعوب بأكملها، وقتلا للآلاف من أجل المستوطنين اليهود.

فقط حين يتراجع الإسرائيليون -ولن يفعلوا ذلك لأن المخطط هو السيطرة على كل شيء، وإن أمكن إبادة جميع الفلسطينيين- إلى الحدود المرسومة بطريقة قانونية، ويَدَعون الفلسطينيين للعيش بسلام، مع بناء دولتهم الخاصة، حينها فقط يمكنهم الشكوى من هجوم ما.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.