غزة.. الحرب الفاضحة

Israeli Merkava thanks lined up in a staging area inside southern Israel near to the Gaza Strip border, 03 August 2014. Israeli ground troops began withdrawing from the Gaza Strip as Israel wrapped up operations to destroy tunnels, but airstrikes continued. The Palestinian death toll rose to at least 1,719 since 08 July, including about 400 children, the Gaza Health Ministry said. At least 9,000 have been wounded, and rights groups have estimated that more than 10,000 houses were destroyed or badly damaged by Israel.
وكالة الأنباء الأوروبية

تعرضت غزة لعدة حروب، لكنها لم تتعرض لحرب ضروس وبتواطؤ عربي ودولي كالحرب التي تشن منذ 8 يوليو/تموز الماضي وذهب ضحيتها حتى الآن آلاف القتلى والجرحى جلهم من النساء والأطفال. كما دُمرت أغلب البنى التحتية لقطاع غزة بما جعل بقية السكان بلا مأوى ولا حاجات أساسية من ماء وكهرباء ودواء.

اللافت في الحرب الحالية التي أطلقت عليها إسرائيل اسم "الجرف الصامد"، أنها أول حرب على الإطلاق بين الكيان الصهيوني وبين طرف عربي -دولة كان أو منظمة- منذ عام 1948، تشهد تخاذلا عربيا وصل لدى البعض حد التواطؤ والمشاركة بشكل غير مباشر.

اللافت في الحرب الحالية أنها أول حرب على الإطلاق بين الكيان الصهيوني وبين طرف عربي منذ عام 1948، تشهد تخاذلا عربيا وصل لدى البعض حد التواطؤ والمشاركة غير المباشرة

الموقف الرسمي العربي بتجلياته المتعددة -الدبلوماسية والإعلامية- غض الطرف عن مآس إنسانية ارتكبت خلال شهر رمضان المبارك وأثناء عيد الفطر، بينما تحركت شعوب العالم الإنسانية بمظاهرات واحتجاجات واعتصامات، رفضا واحتجاجا على البربرية الإسرائيلية في تعاملها مع المدنيين العزّل في قطاع غزة.

تساءلنا وتساءل كل العرب والمسلمين: لماذا تراجع الموقف المصري الرسمي من القضية الفلسطينية؟ وكيف تغلق مصر -الشقيقة الكبرى للأمة العربية- المنفذ الإنساني الوحيد الذي يربط قطاع غزة بها؟ ولماذا صمت الرئيس عبد الفتاح السيسي طويلا دون أن يعبّر عن موقف مصر من العدوان الإسرائيلي؟

يرى الكثير من المحللين والمتابعين لمجريات الأمور في المنطقة، أن الرئيس السيسي فوّت فرصة تاريخية لبيان قدراته القيادية وكسب الرأي العام الدولي والوطني من خلال تقدير جيد للموقف في غزة، ولعله وبموقف بسيط لا يكلف مصر أي تبعات، كان سيكسب الشارع المصري، وربما حتى معارضيه من الذين ساءهم انقلابه على الشرعية.

فأمام قضية فلسطين والحروب مع الكيان الغاصب يكون لموقف القادة دلالات، إما أن تفضي إلى تعزيز حبهم ومكانتهم لدى شعوبهم، أو تنتهي بالإطاحة بهم ولو بعد حين، خاصة في مواقف واضحة كالتي اتخذها السيسي والتي أظهرته كأنه جزء من عملية "الجرف" من خلال إحكام الحصار على غزة وشعبها.

ولأن السيسي اختار أن يكون في صف المحاصِرين والساكتين على مجازر إسرائيل بحق الفلسطينيين، فإنه فضح ونسف كل المبررات التي يقول إنها أتت به إلى سدة الحكم.

مواقف أخرى متناقضة لبعض دول الخليج العربي جعلتها أمام مأزق جماهيري، ربما غير معبّر عنه علانية، لكنه حديث الهمس بين كل شرائح المجتمع، فأن يتجاهل الإعلام في بعض دول الخليج الحرب على غزة ويتعامل معها كقضية ثانوية، فهذا لعمري قمة "الغفلة" التي أنست القائمين على هذا الإعلام أن الإنسان في أي مكان في العالم، ما عاد يستقي أخباره من إعلام محدد في ظل الفضاءات المفتوحة.

حرب غزة فضحت جامعة الدول العربية بالكامل، ووضعت أمينها العام في موقف لا يحسد عليه سجّلَه التاريخ بشكل لا يمكن محوُه أبدا، وزاد من سقوط هيبة وسطوة الجامعة في عيون وعقول وقلوب أبناء الأمة العربية
لقد فضحت بعض دول الخليج العربي نفسها، كما أن الإدارة السياسية المصرية اعتبرها الكثير من المتابعين "مشاركة" في الحرب على غزة، رغبة منها في الانتقام من "الإخوان المسلمين"، حيث ضاقت ذرعا بحماس وتحديها لإسرائيل وتسببها بين الحين والآخر لإحراجات لهم من خلال مواجهاتها مع جيش الاحتلال، ولذا فهم يؤيدون ضمنا محاولات إسرائيل للقضاء على الحركة واجتثاث قياداتها.
 
لكن ومع مرور الوقت وزيادة حجم الخسائر المدنية ويقظة العالم من حولنا لهول المآسي الإنسانية في غزة، وصمود مقاتلي الفصائل الفلسطينية فيها وتكبيدهم الجيش الإسرائيلي خسائر جسيمة في الأرواح، يبدو أن قيادات خليجية بدأت تراجع حساباتها، ليس حبا في حماس بالطبع، ولكن تخوفا من مواقف شعبية لا تساير تلك المواقف.

حرب غزة فضحت جامعة الدول العربية بالكامل، وفضحت رئاستها الحالية، وأسقطت كل المنظمات الإنسانية المرتبطة بها، كما وضعت أمينها العام في موقف لا يحسد عليه سجَّله التاريخ بشكل لا يمكن محوُه أبدا، وزاد من سقوط هيبة وسطوة الجامعة في عيون وعقول وقلوب أبناء الأمة العربية في كل مكان.

الفضائح التي تسببت بها حرب غزة الحالية كثيرة، فالولايات المتحدة بدت ولأول مرة في تاريخها، وفي سجل علاقتها بالمنطقة، وكأنها بلا رئيس ولا وزارة خارجية، دولة عظمى خاوية من الموقف، هزيلة في اتخاذ القرارات، حتى ترك الحبل على غاربه لبعض وسائل الإعلام في تخيل مواقف للرئيس باراك أوباما ونسج قصص وحوارات له مع نتنياهو أو سواه، بينما شهدت العلاقة بين واشنطن وتل أبيب تدهورا واضحا بسبب العجرفة الإسرائيلية أولا واستخفافها بكل القوانين الدولية ثانيا، بما جعل من أكبر دول العالم إمكانية ودعما لإسرائيل، بلا هيبة ولا قدرة على التحكم والتأثير في القرارات الإسرائيلية المتخبطة أصلا.

ومع كل ذلك فموقف الولايات المتحدة الثابت هو "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وأنه لا يمكن لأي دولة أن تقف موقف المتفرج على قصفها بالصواريخ من قبل منظمة إرهابية، وتعرض مدنييها للخطر جراء ذلك".

من أهم الفضائح التي أفرزتها هذه الحرب وما زالت، ضعف جيش الاحتلال بكل ما يملكه من آلة عسكرية وتقنية عملاقة، أمام إرادة المقاتلين الفلسطينيين الذين أثبتوا أن تبجح إسرائيل بجيشها مجرد غرور لا أكثر

فضحت حرب غزة الأمم المتحدة كمنظمة وكأمين عام ومنظمات مرتبطة بها، وفضحت الإدارة الفرنسية التي تعتبر دعم إسرائيل ومعاداة العرب الضمانة الرئيسية لفوزها في الانتخابات عام 2017، خاصة بعد الفوز الساحق لليمين المتطرف في الانتخابات البلدية الفرنسية والبرلمان الأوروبي، لذا فقد قالت فرنسا بوضوح "نؤكد على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها بكل الأشكال". ألمانيا من جانبها حذرت "من مخاطر العنف التي يمكن أن تسببها الصواريخ التي تطلق من قطاع غزة"، مؤكدة "حق إسرائيل في حماية مواطنيها من قصف الصواريخ".

وفي الوقت الذي شهدنا تراجعا وضعفا في المسيرات والاحتجاجات في المنطقة العربية، خرجت مسيرات في دول عديدة في العالم منددة بالعدوان، شاركت فيها حتى المنظمات اليهودية المناهضة للصهيونية وإسرائيل. وكانت هناك مظاهرات في الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وألمانيا ودول أميركا اللاتينية رُفعت فيها شعارات مناصرة لأبناء قطاع غزة الذي يتعرض لعدوان بربري غاشم.

لقد فضحت حرب غزة الجميع، وأسقط الشعب الفلسطيني المحاصر والأعزل، ورقة التوت التي تتستر بها الكثير من الأنظمة العربية. لكن من أهم الفضائح التي أفرزتها هذه الحرب وما زالت، هي ضعف جيش الاحتلال الإسرائيلي بكل ما يملكه من آلة عسكرية وتقنية عملاقة، أمام إرادة المقاتلين الفلسطينيين الذين أثبتوا أن تبجح إسرائيل بجيشها مجرد غرور لا أكثر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.