هل يتنازل رجال الأعمال عن بعض مكتسباتهم؟

An employee counts money in a bank in Cairo in this August 27, 2012 file photo. Financial aid from the Gulf is succeeding in buying Egypt's government time as it battles to prevent a currency collapse, though Cairo may not be able to afford much more delay in securing a loan from the International Monetary Fund. An agreement with the IMF on the $4.8 billion facility was expected to come last month, but talks were postponed because of political instability in Egypt. The delay was a trigger for a plunge in the Egyptian pound to record lows. To match EGYPT-CURRENCY/ REUTERS/Asmaa Waguih/Files (EGYPT - Tags: BUSINESS)
رويترز


كانت كلمة المكتسبات هي الكلمة السياسية الوحيدة الجديدة في خطابات نائب رئيس الجمهورية عمر سليمان بعد أن ترك منصب رئيس المخابرات العامة ليتولى هذا المنصب الذي ظل خاليا طيلة حكم مبارك.

كان عمر سليمان في حديثه إلى من التقاهم من الساسة! وإلى وسائل الإعلام على حد سواء يؤكد، لهؤلاء وهؤلاء على أهمية الحفاظ على مكتسبات المرحلة التي أوشكت أن تكون ماضية بعد أن حكم عليها الشعب بالانتهاء، وكان الرجل يريد أن ينبّه هؤلاء إلى ما لم ينتبه هو نفسه إليه إلا في تلك اللحظات، حين وجد أن بعض التمرينات والألعاب السياسية التي أدارها بكفاءة ودأب قد انتهت إلى سقوط النظام نفسه وبأكمله، لا إلى سقوط شخص هنا أو هناك على نحو ما تعود هو وأقرانه الأقل منه قدرة وذكاء ونفوذا وممارسة ومسؤولية.

فقد كان هؤلاء جميعا يديرون طرزا مختلفة من صراع المماليك العصري لإبعاد بعضهم البعض عن أذن الرجل الأول أو عن ثقته أو عن مناصبه وتكليفاته أو عن عطاياه، وكانوا بالطبع ينجحون أحيانا ويفشلون أحيانا أخرى، لكنهم لم يكونوا يتصورون، بل لم يتصورا للحظة واحدة، أن حصيلة تمريناتهم وألعابهم المستمرة ستؤدي إلى سقوط النظام كله فجأة على نحو ما حدث.

يؤمن رجال الأعمال المعاصرون أنهم أصحاب فضل كبير جدا في الانقلاب العسكري إن لم يكن هذا الفضل هو الفضل الأول، وهم معذورون في أن يعتقدوا مثل هذا الاعتقاد، فقد مولوا الانقلاب بالمال والبلطجية

يمكن لنا أن ننتقل بالكاميرا بسرعة ومهارة وتركيز (على نحو ما يُفعل في السينما) إلى اللحظة الراهنة، لنكتشف دون عناء أن رجال الأعمال الحاليين أصبحوا يواجهون اليوم نفس المصير الذي واجه رجال السياسة.

هذا إن صح أن هؤلاء رجال أعمال وإن صح أن هؤلاء كانوا رجال سياسة، ومع إنكارنا لأن يكون هذا صحيحا فلا بد أن نعترف بأنهم حصّلوا هذه المواقع من باب المكتسبات التي اختصوا بها ولم يحصل عليها غيرهم، وبالتالي فقد كان هؤلاء وأولئك -أبينا أم قبلنا- هم بالفعل أصحاب وشاغلو الكراسي المخصصة في تاريخ الصراع الاجتماعي والسياسي لرجال الأعمال ورجال السياسة.

وقد تطورت الأمور على نحو ما نعرف من صراع الثورة والثورة المضادة حتى وصلنا إلى ما نحن فيه الآن مع نشأة حالات جديدة من السيولة والالتباس المصاحب للسيولة.

يؤمن رجال الأعمال المعاصرون أنهم أصحاب فضل كبير جدا في الانقلاب العسكري إن لم يكن هذا الفضل هو الفضل الأول، وهم معذورون في أن يعتقدوا مثل هذا الاعتقاد، فقد مولوا الانقلاب بالمال والبلطجية (ولا نقول بالرجال رغم أن الكلمتين المال والرجال ألزم لبعضهما فلسفيا واجتماعيا، كما أنهما أفضل في إيقاعهما الموسيقي معا)، وهم يحدثون أنفسهم والمقربين منهم بالسؤال التقريري الذي يقول: ماذا كان يحتاجه الانقلاب كي يحدث إلا المال والبلطجة؟

هم يعترفون أن هناك غطاء أميركيا وتحركا عسكريا وتآمرا سياسيا، لكنهم يقولون إن هذه أدوات تغليف لا أدوات صناعة، وإن ورق التغليف ليس هو السلعة، وإن كان ضروريا وفارقا عند بيعها وتسليمها لمشتريها الذي ربما يكون في هذه الحالة هو قائد الانقلاب.

بل إن رجال الأعمال يؤمنون بأنهم أصحاب الفضل الكامل في الضجيج الإعلامي الذي أحاط بالانقلاب من كل مكان وزمان: قبله وبعده، وعلى يمينه وعلى يساره، وهم يجاهرون بأن ما يسمى قنوات الفلول أو قنوات الثورة المضادة ليست إلا شيئا من ممتلكاتهم ومقتنياتهم بل من صناعتهم، فهم أصحاب هذه القنوات وراسمو سياستها وممولوها وموجودوها والمدافعون عنها بفرق الأمن الخاصة التي استقدموها من هنا وهناك، حتى أنهم باتوا يمثلون أكثر من دولة داخل الدولة.

يرى رجال الأعمال أنهم لم يأخذوا حقهم من الانقلاب بعد، فعلى حين كان من مكتسباتهم فيما قبل ثورة يناير أن أصبح ربع أعضاء الوزراء من رجال الأعمال بكل وضوح وصراحة، فإنهم لا يجدون هذا الوضع اليوم، ومن ثم فإنهم يرون أن مكتسبات نهاية عصر مبارك باتت تتبخر بسرعة من بين أيدهم.

يرى رجال الأعمال أيضا أن سيطرتهم على البرلمانين الأخيرين في عصر مبارك (2005 و2010) قد ذهبت أدراج الرياح، فليس هناك برلمان يتخذون من مناصبه ولجانه سندا لهم عند نقاشهم مع وزير أو مدير، فيظهرون بمظهر من مظاهر القوة التمثيلية وكأنهم وكلاء عن الشعب على نحو ما توحي به عضوية البرلمان أو ما تقتضيه، وإنما هم يواجهون الآن حقيقة واحدة ثقيلة على نفوسهم بالطبع، وهي أن السلطة الحكومية انحصرت الآن في السلطة التنفيذية فقط، وأن هذه أصبحت في النهائية في يد أقرب إلى أن تكون يد شخص واحد فقط لا يسمح وقته لا بسماعهم ولا بتدليلهم، فضلا عن أنه لم يتعود السماع ولا التدليل وإن كان يفرط كثيرا في الحديث عن الحب والحنان.

يرى رجال الأعمال ثالثا أن أعين الشعب والشباب قد تفتحت، وأن الألسنة قد انطلقت في نقد كثير من المكتسبات التي يعيشون على وجودها ويبنون ثروتهم منها، وليس دعم الطاقة في المصانع الكثيفة إلا المثل البارز لهذه المكتسبات وإن كان قد طغى في تمثيله لامتيازاتهم بعد أن سلكت الحكومة السلوك الأخرق برفع بعض الدعم من وقود الفقراء دون أن ترفع الدعم عن طاقة المليارديرات.

يسأل رجال الأعمال أنفسهم الآن: ما الخطة القادمة؟ هل نمضي مرة أخرى وراء هذا الملياردير صاحب المليشيات والعلاقات الوثيقة بالمخابرات الوطنية والمخابرات "الصديقة"، لنجد أنفسنا نمول ونمول ثم نخسر بعض المكتسبات

وهكذا أدرك كثير من الناس صدق الحقيقة المرة التي كان كاتب هذه السطور أول من تحدث عنها بوضوح وصراحة في لقاء فضائياتي مبكر مع ابراهيم عيسى عقب تشكيل عصام شرف لوزارة الثورة أو الوزارة التي حسبت على الثورة. ومن الطريف أنني في ذلك الأسبوع تلقيت حديثين أكدا على أن هذه الحقيقة كان من الممكن لها أن تظل غائبة عن الشعب والمسؤولين التنفيذيين تماما في ظل حالة التعتيم (أو الكلفتة) المختبئة الماهرة التي صاغتها حكومات مبارك مبكرا في الأرقام والتحويلات والموازنات. وتمادت كل الوزارات في تنفيذها لمصلحة رجال الأعمال دون وازع من ضمير أو عقل أو جماهير.

يسأل رجال الأعمال أنفسهم الآن: ما هي الخطة القادمة؟ هل نمضي مرة أخرى وراء هذا الملياردير صاحب المليشيات والعلاقات الوثيقة بالمخابرات الوطنية والمخابرات "الصديقة" لنجد أنفسنا نمول ونمول ثم نخسر بعض المكتسبات، مع أننا لم نخسرها كلها بعد لكننا نحس أنه لا بد لنا أن نخسرها لأن بقاءها أصبح يهدد وجود الرجل الكبير في الكرسي الكبير!

ويسأل رجال الأعمال أنفسهم ومستشاريهم بطريقة مبسطة بكثير من التعبيرات الأنيقة أو المتأنقة فيقولون: هل يمكن لنا أن نحد من قدرة أي "فرانكشتاين" بعد أن صنعناه بأموالنا وبلطجتنا، هل يمكن لنا أن نجعل أي "فرانكشتاين" طوع أمرنا وهو يرى نفسه أقوى منا جميعا بالمنصب والسلاح والعلاقات الخارجية؟

ما هو السبيل إلى تعديل وجهة نظره فيما يتعلق بسلطته وسطوته؟ ومن منا يملك أن يعلق الجرس في رقبة القط؟

هل أصبح الانتظار من حقنا أم أنه ترف سيؤدي إلى ضياع رقابنا وثرواتنا من باب أولى؟ أم أن أي "فرانكشتاين" لن يستطيع أن يمارس الألعاب الناصرية التي أصبحت طوق نجاته الوحيد؟ ومن ثم تأتي موجة جديدة لا نعرف طولها ولا مصدرها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.