هل تتجه أفغانستان نحو إعلان حالة الطوارئ؟

Afghan election workers carry out of a ballot box from a truck at the warehouse of the Independent Elections Commission in Kandahar, Afghanistan, Monday, April 7, 2014. (AP Photo/Allauddin Khan)
أسوشيتد برس


حقائق في جولة الإعادة

السيناريوهات المحتملة

بعد الانتهاء من الجولة الثانية للرئاسيات الأفغانية، احتد النزاع بين المرشحين المتنافسين على منصب الرئاسة، وسط دعوات للتصعيد واتهامات من حملة المرشح عبد الله عبد الله لحملة أشرف غني أحمد زاي بتزوير أكثر من مليون صوت، وللأمين العام للمفوضية المستقلة بالتزوير لصالح الأخير.

ونتيجة لتلك التطورات وما صاحبها من تصعيد في المواقف بشكل بات مقلقا للشعب الأفغاني، يتساءل الجميع عن النتائج المحتملة لهذا الصراع، وعن سيناريوهاته المستقبلية.

حقائق في جولة الإعادة
وقبل التوقف عند السيناريوهات المحتملة، أود الإشارة إلى بعض الحقائق في الجولة الثانية لهذه الانتخابات:

أ- مما لا شك فيه أن حملتي المرشحين مارستا التزوير على أوسع نطاق في الجولة الثانية، وقد تكون إحداهما فاقت الأخرى في ذلك، أو مارست التزوير بشيء من الذكاء، وعن طريق شراء الذمم بالمال، لكن الأخرى أيضا لم تقصّر. والسبب في ذلك أن الظروف لم تكن تحت سيطرة جهة واحدة، بل كانت الولايات الأفغانية المختلفة موزعة بين نفوذ الطرفين، كما أن القوات الأمنية كانت مقسمة بينهما كذلك، ومن هنا لا يصح أن يتهم أحدهما الآخر بالتزوير ويبرئ نفسه منه.

مما لا شك فيه أن حملتي المرشحين مارستا التزوير على أوسع نطاق في الجولة الثانية، وقد تكون إحدهما فاقت الأخرى في ذلك، أو مارست التزوير بشيء من الذكاء، لكن الأخرى أيضا لم تقصّر

ب- خاض الطرفان الجولة الثانية على أساس العصبية العرقية، وكان من مساوئ ذلك أنها ساهمت في تقسيم المجتمع على أساس عرقي. وكان من الواضح أن أحد الطرفين يمثل العرقية البشتونية بالإضافة إلى العرق الأوزبكي، مع استقطاب بعض الشخصيات من الطاجيك ومن عرقيات أخرى. وكان الطرف الآخر يمثل العرقية الطاجيكية بالإضافة إلى عرقية الهزارة -الشيعة في الغالب- مع استمالة بعض البشتون إلى صفه، وخاصة على مستوى الشخصيات دون عامة الناس. وهذا الاستقطاب العرقي في المجتمع هو أسوأ ما في هذه الجولة.

ج- لم تحاول حركة طالبان عرقلة عملية التصويت، ومن أهم ما تميزت به الانتخابات في هذه الجولة التعامل السلمي للحركة في كثير من المناطق وخاصة تلك التي يقطنها البشتون، فلم تحاول منع الناس من الإدلاء بأصواتهم، بل شجعت السكان على المشاركة في الانتخابات في بعض المناطق وفق بعض التقارير الصحفية.

ومن الواضح أن أغلب أصوات سكان هذه المناطق كانت لصالح أشرف غني أحمد زاي، وهذا يدل على أن حركة طالبان تتوقع أنها تستطيع أن تتعامل معه في حال وصوله إلى السلطة، وأنها لن تجد عائقا في التحاور معه، ولا تحتفظ له بمواقف سلبية سابقة ضد الحركة، مثل تلك التي تحتفظ بها للجهة التي يمثلها منافسه عبد الله عبد الله منذ العام 2001 وما بعده.

د- التدخل الأجنبي في الانتخابات: يقول المطلعون على خفايا الشأن الأفغاني إن الانتخابات الحالية -مثل سائر الشؤون الأفغانية- كانت مرتعا للجهات الأجنبية، وإن أحد الطرفين كان محل تأييد وثقة من دول إيران والهند وباكستان في الجولة الأولى، وكان الطرف الآخر تؤيده أميركا والمملكة العربية السعودية، وقد لعبت الأخيرة دورا أساسيا في تمويل حملة أشرف غني أحمد زاي في هذه الجولة.

ويرى مطلعون أن لمواقف الطرفين السعودي والأميركي من الربيع العربي وما يحدث في مصر وسوريا وموقفهما من تنظيم "الدولة الإسلامية"، دخل كبير في التوافق على مرشح معين. ولم تكن باكستان تخفي سعادتها بتقدم عبد الله عبد الله في الجولة الأولى، لكن التدخل السعودي في الموضوع غيّر الوضع في الجولة الثانية للعلاقات الوطيدة بين حكومتي البلدين. وكان لبعض هذه الأمور دور كبير في تأزيم الوضع في أفغانستان بعد الانتخابات.

السيناريوهات المحتملة
يتوقع الخبراء في الشأن الأفغاني أن يؤول أمر نتائج الانتخابات الرئاسية الأفغانية في الجولة الثانية إلى أحد السيناريوهات التالية:

1- إعلان حالة الطوارئ
يرى بعض المحللين أن الأوضاع السياسية تتقدم نحو تهيئة الظروف لإعلان حالة الطوارئ من قبل الرئيس الحالي حامد كرزاي، لأنه -في نظرهم- غير متحمس لترك منصبه، فسمح بتزوير الانتخابات لتهيئة الظروف للفوضى والاضطرابات، ويتمكن بناء على ذلك من إلغاء نتيجة الانتخابات وإعلان حالة الطوارئ، وتشكيل حكومة يرأسها هو أو أحد مقربيه ويجمع فيها فئات مختلفة من الشعب بنسب معينة.

لكن المحللين يستبعدون هذا السيناريو لأن الحكومة الأفغانية تعتمد في كل شيء -حتى في رواتب موظفيها- على المساعدات الأجنبية وخاصة الأميركية، ولا يمكن للنظام أن يحافظ على وجوده إذا توقفت تلك المساعدات، وأميركا غير مستعدة لقبول كرزاي في السلطة أكثر من ذلك، ولهذا فلن يقدم هو على هذه الخطوة رغم رغبته الشديدة في البقاء.

2- العودة إلى الفوضى والحروب الداخلية
يرى بعض المحللين أن الأوضاع ستتجه نحو الحروب الداخلية والفوضى في أفغانستان على غرار ما حدث في العراق، وذلك بسبب أزمة الثقة التي ظهرت للعلن بين المرشحين الرئاسيين، فكلاهما يتهم الآخر بالتزوير، كما أن أحدهما لا يقبل بقرارات الجهات الرسمية المخولة الإشراف على العملية الانتخابية مثل المفوضية المستقلة للانتخابات والمفوضية المستقلة للشكاوى والطعون الانتخابية.

ومن الممكن أن يذكي ذلك صراعات القوى الإقليمية والدولية التي تدور على أرض أفغانستان، والتي تنوب فيها جهات أفغانية عنها، علما بأن بعض الدول المجاورة مستعدة لتقديم كل أنواع الدعم التسليحي والتمويني لعرقلة النفوذ الأميركي والسعودي في أفغانستان.

الشعب الأفغاني يتوقع أن لا تؤدي الأوضاع الحالية إلى مزيد من الانقسام والاستقطاب داخل المجتمع، ويأمل من الأطراف الخارجية أن لا تغرقه في بحار من الدماء

لكن المطلعين على خبايا الأمور يرون أن الأمور لن تتطور إلى هذا الحد، لأن القيادات الحالية للجهة التي تقف وراء عبد الله عبد الله ليس لديها استعداد لحمل السلاح، خاصة بعد ما فقدت قبيل الانتخابات السند العسكري الأقوى داخل النظام بوفاة المشير محمد قسيم فهيم القيادي العسكري الأبرز بعد رحيل المهندس أحمد شاه مسعود، كما أن الشعب الأفغاني ليس مستعدا لرفع السلاح ضد بعضه في قضايا بسيطة يمكن حلها عبر المحادثات.

وقد حاولت بعض القيادات من كلا الطرفين أن تهيئ الظروف للاقتتال الداخلي بإثارة الصراعات العرقية، لكن الأمر بقي في دائرة المثقفين وفي وسائل الإعلام فقط ولم يتجاوب الشعب معه كثيرا، ومن هنا يستبعد هذا السيناريو كذلك مع رغبة شديدة لدى بعض الجهات الأجنبية لتطبيقه، لكن تلك الجهات لن تستطيع بطبيعة الحال تنفيذ خططها إذا عجزت عن إيجاد من يقاتل نيابة عنها.

3- الوصول إلى حل وسط
يرى البعض أن السيناريو الأقرب إلى الواقع يتمثل في اتفاق بين الطرفين يتولى بموجبه أشرف غني أحمد زاي منصب الرئاسة، على أن يقبل عبد الله عبد الله بما هو دون ذلك.

وقد قوي هذا الاحتمال بعد البيانات التي أصدرها البيت الأبيض ومجلس الأمن الدولي حول الانتخابات الأفغانية وأكدا فيها على ضرورة التوافق حول القضايا الخلافية عبر الحوار وعدم السماح للأمور بالخروج عن السيطرة. ويتأكد هذا الاحتمال في ظل ضعف استجابة الشعب للمظاهرات والاحتجاجات، خاصة بعد حلول شهر رمضان. ويبدو أن هذا هو السيناريو المحتمل تحققه.

لكن المشكلة في نوع التوافق بين الطرفين، فإذا اتفقا على توزيع الوزارات والمناصب العليا في الحكومة سيؤدي ذلك إلى إدارة البلد على غرار إدارة شركة مساهمات، كما كان الحال طوال فترة كرزاي، وبناء على ذلك لن تتم محاسبة الحكام الفاسدين، ولن يتم الخروج من حالة الشلل التي تعيشها الحكومة الأفغانية منذ تولي كرزاي إدارتها، فبسبب ذلك الشلل لم تستطع أن تحقق للشعب الأفغاني ما كان يحلم به من إدارة نزيهة، ومحاربة للفساد، وتقدم في الاقتصاد، وإعادة الاستقرار والصلح إلى أفغانستان.

لكن أيا كانت الظروف فإن الشعب الأفغاني يتوقع أن لا تؤدي الأوضاع الحالية إلى مزيد من الانقسام والاستقطاب داخل المجتمع الأفغاني، ويأمل من الدول المجاورة والقوى الإقليمية والدولية أن لا تغرقه في بحار من الدماء مرة أخرى لأجل مصالحها الهامشية، كما يأمل أيضا أن يتجه الجميع -بعد الخروج من هذه الأزمة- نحو مصالحة وطنية تعيد الاستقرار والأمن إلى ربوع أفغانستان.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.