الخيارات الأميركية المتاحة للتدخل في العراق

An image made available on 18 December 2011 shows US soldiers from the 3rd Brigade, 1st Cavalry Division, wait to start an internal patrol at Camp Adder, now known as Imam Ali Base, near Nasiriyah, Iraq on 16 December 2011 Around 500 troops from the 3rd Brigade, 1st Cavalry Division ended their presence on Camp Adder, the last remaining American base, and departed in the final American military convoy out of Iraq, arriving into Kuwait in the early morning hours of 18 December 2011. All U.S. troops were scheduled to have departed Iraq by 31 December 2011. At least 4,485 U.S. military personnel died in service in Iraq. According to the Iraq Body Count, more than 100,000 Iraqi civilians have died from war-related violence. EPA/MARIO TAMA / POOL
An image made available on 18 December 2011 shows US soldiers from the 3rd Brigade, 1st Cavalry Division, wait to start an internal patrol at Camp Adder, now known as Imam Ali Base,Near Nasiriya EPA/MARIO TAMA / POOL وكالة الأنباء الأوروبية

منذ ما يزيد على أربعة عقود وأرض الرافدين غارقة في بحر من الأزمات، لا تكاد تخرج من أزمة حتى تدخل بأزمة أشد تعقيدا، فمن حربها مع إيران إلى احتلال الكويت فعاصفة الصحراء التي دمرت بنية الدولة العراقية.

توجت المراحل السابقة بحرب جديدة في عام 2003 نتج عنها احتلال أميركا للعراق وتنصيب بول بريمر حاكما عليها، اتخذ بريمر العديد من القرارات الخاطئة منها حل القوات المسلحة العراقية، وقانون اجتثاث البعث وصياغة دستور جديد للعراق رسخ مفهوم الطائفية.

وأدت تلك القرارات إلى تشكل العديد من التنظيمات المسلحة، والبدء في تنفيذ عمليات عسكرية ضد قوات الاحتلال الأميركية والمتعاونين معها مما قاد العراق إلى دوامة عنف جديدة.

ومما زاد الأمور سوءا لجوء القيادات المتنفذة -وهي شيعية المذهب- إلى تبني سياسة التهميش والإقصاء والانتقام بحق أبناء الطائفة السنية والارتهان للقيادة الإيرانية حتى أصبح العراق الولاية الإيرانية الخامسة والثلاثين، وأدت حالة الفوضى إلى فتح الفضاء العراقي أمام التنظيمات الجهادية للدخول والعمل بحجة الدفاع عن المهمشين والمستضعفين.

طرح السقوط المريع لمدينة الموصل خلال ساعات، العديد من الأسئلة منها، كيف يمكن أن تسقط مدينة يدافع عنها بثلاث فرق عسكرية وفرقة من قوات الأمن الداخلي بيد مجموعات مسلحة لا يتجاوز عددها ألف مقاتل؟

ألقى الربيع العربي بظلاله على الطائفة السنية في العراق، فبدأت في إنشاء ساحات الاعتصام في العديد من المحافظات، إلا أن الحكومة العراقية تجاهلت مطالب المحافظات المنتفضة، فبدلا من تلبية تلك المطالب تم اقتحام ساحات الاعتصام، تلى ذلك عمليات عسكرية للقوات العراقية في الأنبار لم تؤد إلى نتائج إيجابية بل أدت إلى دخول تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام على خط المواجهة المفتوحة، فيما كانت إستراتيجيتها السابقة تتلخص في تنفيذ عمليات انتقائية تتمثل في السيارات المفخخة والعمليات الانتحارية والهجمات المفاجئة.

أفاق العالم صباح اليوم العاشر من هذا الشهر على أنباء سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام على مدينة الموصل، ثم أنباء عن سيطرة التنظيم على محافظات الأنبار وديالى وكركوك.

لقد طرح السقوط المريع لمدينة الموصل وخلال ساعات العديد من الأسئلة منها، كيف يمكن أن تسقط مدينة يدافع عنها بثلاث فرق عسكرية وفرقة من قوات الأمن الداخلي بيد مجموعات مسلحة لا يتجاوز عددها ألف مقاتل؟

للإجابة على هذا السؤال لا بد من طرح الافتراضات التالية:
أولا: ما يطلق عليه الجيش العراقي يصعب وصفه بأنه جيش وطني، ولكنه جيش طائفي بامتياز، والجيوش ذات النزعة الطائفية لا تمتلك مقومات التضحية من أجل الوطن، كما أنها لا تمتلك مقومات الصمود خاصة إذا كانت تعمل في بيئة اجتماعية معادية، وهذا ما حصل للقوات العراقية في المحافظات السنية، فسارع قادة تلك القوات للتخلي عن وحداتهم والهروب إلى أربيل ومنها إلى بغداد مما دفع الجنود وصغار الضباط لنزع ملابسهم العسكرية والهروب.

ثانيا: أدت الأوضاع العراقية المتردية خلال السنوات الماضية إلى نشوء العديد من التنظيمات شبه العسكرية التي تتفوق على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام عددا وعدة، ومنها رجال الطريقة النقشبندية شباب ثورة العشرين وتنظيم أبناء العشائر بالإضافة إلى العديد من التنظيمات الأقل شأنا.

ثالثا: ظهر إلى الواجهة أيضا تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام الذي استطاع أن يطور من قدراته العسكرية وأن ينفذ العديد من العمليات النوعية والجريئة.

إن إجراء تقييم دقيق لقدرات تلك الجماعات المسلحة يكشف أن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام ليس الفصيل الأقوى، ولكن العديد من وسائل الإعلام ساهمت في ترويج فكرة أن من قام باحتلال مدينة الموصل وغيرها من المدن هو ذلك التنظيم.

سمح التركيز الإعلامي على دور تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام بتوحيد مواقف معظم دول العالم على ضرورة محاربته متجاهلين أن ما يجري في العراق أكبر من ذلك التنظيم، وأنه ثورة شريحة كبيرة من الشعب العراقي.

يمكن وصف آلية التعامل الأميركية مع الأزمة العراقية بالمترددة والحذرة حيث صرح الرئيس الأميركي بضرورة وقف تقدم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام لأنه يشكل خطرا على الأمن القومي الأميركي، وقد اجتمع الرئيس الأميركي مع طاقم مستشاري الأمن القومي لبحث الوضع في العراق، إلا أنه لم يتخذ قرارا بشأن ضربة عسكرية، فيما أفادت مصادر مسؤولة عدة أن من بين الخيارات المطروحة أمام الرئيس أوباما تنفيذ عمليات عسكرية محدودة، أو طلعات جوية تجسسية بطائرات بدون طيار تركز على جمع معلومات استخباراتية، إلى جانب احتمالية توجيه ضربة جوية.

سمح التركيز الإعلامي على دور تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام بتوحيد مواقف معظم دول العالم على ضرورة محاربته متجاهلين أن ما يجري بالعراق أكبر من ذكل التنظيم وأنه ثورة شريحة كبيرة من الشعب العراقي

وقد أصدر الرئيس الأميركي أمرا بإرسال 275 فردا من العناصر القتالية إلى العراق لحماية السفارة الأميركية لن يتورطوا بمهام قتالية، كما وافق على إرسال ثلاثمائة عنصر للعمل مستشارين بعد أن تقدم الحكومة العراقية ضمانات مكتوبة تمنحهم الحصانة.

تبقى الخيارات الأميركية المتاحة متعددة استنادا إلى القدرات العسكرية الأميركية المتوفرة في منطقة الخليج العربي ومنها:

تنفيذ عمليات عسكرية محدودة تحول دون سقوط بغداد، تنفيذ ضربات جوية بطائرات مقاتلة وطائرات بدون طيار، تنفيذ عمليات عسكرية جراحية منتقاة ضد قادة الجماعات المسلحة تنفذها القوات الخاصة الأميركية، إعادة تأهيل وتدريب الجيش العراقي، تزويد الجيش العراقي بالأسلحة النوعية من طائرات مقاتلة وعمودية وصواريخ، والتي سبق للقيادة العراقية طلبها، التنسيق العسكري مع إيران والسماح لها بإدخال بعض وحدات الحرس الجمهوري إلى داخل العراق لتنفيذ مهام محددة.

بيد أن العديد من هذه الخيارات لا يمكن للقيادة الأميركية تبنيها بسبب التحديدات القائمة ومن أهمها موقف الرئيس الأميركي والمتمثل بعدم الرغبة في شن أية عمليات عسكرية ضد أي دولة أخرى إلا في حالة تعرض الأمن القومي الأميركي للخطر، أو تعرض المصالح الحيوية الأميركية للتهديد، وأن تكون الإدارة الأميركية لديها التصور الإستراتيجي الواضح لمآلات العمل وكيفية إنهائه، والتباين في مواقف الإدارة والكونغرس الأميركي.

يبقى استخدام الطائرات بدون طيار الخيار الممكن والمفضل للإدارة الأميركية، ولكن حتى هذا الخيار لا يزال يواجه العديد من الصعوبات في حال قررت الإدارة الأميركية تبنيه.

فعلى الرغم من امتلاك القوات الأميركية العديد من هذه الطائرات والقواعد العسكرية التي يمكن أن تنطلق منها، حيث توجد قواعد أميركية في كل من تركيا والكويت والإمارات العربية وقطر واليمن وعُمان وباكستان وأفغانستان وقاعدة بحرية في البحرين، إلا أن معظم هذه القواعد العسكرية بعيدة عن العراق وتحتاج الإدارة الأميركية إلى موافقة الدول المستضيفة لهذه القواعد لاستخدامها في العمليات العسكرية المرتقبة، وهذا ما تؤكده زيارة وزير الخارجية الأميركي للمنطقة.

ويتمثل التحدي الثاني في البعد الفني حيث لا يمكن إطلاق هذه الطائرات من القطع البحرية الأميركية أو إجراء عمليات الصيانة عليها.

يمتلك هذا النوع من الطائرات الحديثة قدرات فنية وقتالية كبيرة، حيث بمقدورها الطيران لفترة تتراوح ما بين عشرين وأربعين ساعة طيران بدون توقف، كما لديها القدرة على ضرب الأهداف الثابتة والمتحركة بدقة تصل إلى 100% ليلا ونهارا وفي مختلف الظروف الجوية باستخدامها صواريخ هيل فاير، كما تتميز بالقدرة على الطيران المرتفع والذي يصل إلى حوالي 24 ألف قدم وبسرعة قصوى تصل إلى 204 كلم بالساعة.

ولكن يبقى التحدي الأكبر أمام استخدام هذا النوع من العمليات الجوية في الحاجة إلى بنك معلومات، وعمليات تحديث مستمرة لهذه المعلومات، وهذا ما لا يتوفر للقيادة الأميركية حاليا بدرجة كافية.

هذه المعلومات يمكن الحصول عليها من صور الأقمار الصناعية أو طائرات الاستطلاع الحربية وطائرات بدون طيار (وقد بدأت القيادة العسكرية الأميركية باستخدام طائرات ف 18 والتي تقلع من حاملة الطائرات جورج بوش الموجودة في مياه الخليج العربي)، أو من خلال تمرير تقارير فورية من قبل نقاط الرصد والقوات الأرضية مما يتطلب إرسال قوات خاصة أميركية للقيام بالمهمة لأن القوات العراقية تعاني من الانهيار والإحباط وسوء التنظيم مما يجعلها غير قادرة على القيام بهذه المهمة بكفاءة.

يضاف لذلك طبيعة العمليات العسكرية الجارية حاليا، حيث توصف بالعمليات السيارة تنفذها مجموعات صغيرة تتحرك باتجاهات متعددة وبالتزامن وفي منطقة جغرافية واسعة، مما يجعل تحديد اتجاهات وأماكن هذه القوات بالغة الصعوبة في ظل عاملي الزمان والمكان المطلوبين.

استخدام الطائرات بدون طيار قد يلحق أضرارا وخسائر بالتنظيمات الإسلامية ويحد من حركتها وفاعليتها ولكنه لن يمنعها من مواصلة القتال وتحقيق بعض الإنجازات، وقد تكون الأضرار التي تلحق بالولايات المتحدة أكثر من الفوائد التي تجنيها

تستطيع الطائرات بدون طيار التعامل مع الأهداف المتحركة على الطرق أو عبر الضواحي بسهولة، ولكن الصعوبة تكمن في دقة المعلومات المقدمة حول طبيعة الهدف، مما يفتح باب الخطأ وسقوط قتلى وجرحى مدنيين، وهذا ما حصل خلال تنفيذ العديد من الغارات الجوية الأميركية في أفغانستان وباكستان واليمن بسبب الأخطاء القاتلة التي ارتكبها مقدمو البيانات حول طبيعة الهدف مما أدى إلى ازدياد النقمة الشعبية ضد القوات الأميركية والشعب الأميركي.

هذه الأخطاء ستزداد في حال تعامل هذه الطائرات مع الجماعات المسلحة الموجودة في المناطق المأهولة مثل مدينة الموصل وتلعفر وغيرها من المدن العراقية وحتى مدينة بغداد في حال وصول الجماعات المسلحة إليها.

يضاف للصعوبات أعلاه طبيعة البناء التنظيمي لهذه الجماعات حيث تعتمد على التنظيم العنقودي والذي يجعل من الصعوبة بمكان الوصول إلى القادة البارزين فيها، فلا يزال عزة الدوري متخفيا رغم المطاردات الحثيثة من القوات الأميركية والقوات العراقية لأكثر من عشر سنوات، وكذلك أبو بكر البغدادي الذي مضى على اختفائه سنوات عدة منذ إطلاق سراحه من السجن من قبل القوات الأميركية.

لذا فإن استخدام الطائرات بدون طيار قد يلحق أضرارا وخسائر بالتنظيمات الإسلامية ويحد من حركتها وفاعليتها ولكنه لن يمنعها من مواصلة القتال وتحقيق بعض الإنجازات، وقد تكون الأضرار التي تلحق بالولايات المتحدة أكثر من الفوائد التي تجنيها.

للصعوبات أعلاه وغيرها الكثير يبدو الرئيس الأميركي متأنيا في اتخاذ قراره بالتدخل العسكري الفاعل في الأزمة العراقية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.