حتى لا تكون خطوة تكتيكية

حتى لا تكون خطوة تكتيكية- علي بدوان

التفاؤل الحذر
خشية قائمة
غياب الغطاء والرعاية
شيطان التفاصيل

حسنا، جاءت الخطوة الأخيرة بتوقيع أوراق المصالحة الوطنية الفلسطينية في قطاع غزة بين وفدي منظمة التحرير الفلسطينية وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، والاتفاق على تشكيل حكومة توافق وطني من كفاءات وطنية مُستقلة (تكنوقراط) برئاسة الرئيس محمود عباس طبقا لما جاء في إعلان الدوحة المُوقع في السادس من فبراير/شباط 2012 بين الرئيس محمود عباس وخالد مشعل وعلى إجراء الانتخابات الشاملة الرئاسية والتشريعية وحتى انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني (البرلمان الموحد) بعد ستة أشهر والتحضير لاجتماع الهيئة القيادية المؤقتة لمنظمة التحرير الفلسطينية.

فبعد جهيد، وبعد انتظار طال كثيرا، بدأ الفلسطينيون خطوتهم الأخيرة على طريق إسدال الستار على حالة الانقسام القائمة منذ منتصف العام 2007، علهم في ذلك يؤسسون لمرحلة جديدة من العمل الوطني الفلسطيني بعد سنوات عِجاف، حيث الوضع الفلسطيني على مستوى الناس في فلسطين والشتات لم يَعُد يحتمل مزيدا من الترف في التعامل مع حالة الانقسام.

التجربة المريرة خلال الأعوام الماضية جعلت من الناس غير واثقين، وغير مُبالين، أو غير مُكترثين في أحسن الأحوال، لما يُقال عن تلك التفاهمات بعد الانتكاسات التي كانت تليها مباشرة

فهل ينجح الفلسطينيون هذه المرة في تحقيق نقلة نوعية كبرى بالقفز فوق الانقسام وتجاوزه؟

التفاؤل الحذر
في البداية، بات الواحد منّا حذرا في تقديراته قليل التفاؤل وكثير التشاؤم عند الحديث عن توقيعات وأوراق وتفاهمات وحوارات بالنسبة لعملية المصالحة الوطنية الفلسطينية وإنهاء الانقسام الداخلي المُزمن.

فالتجربة المرة والمريرة خلال الأعوام الماضية جعلت من الناس غير واثقين، وغير مُبالين، وغير مُكترثين في أحسن الأحوال، لما يُقال عن تلك التفاهمات بعد الانتكاسات التي كانت تليها مباشرة.

فعسى أن تكون الأمور هذه المرة على سكة جدية بين مُختلف الأطراف المعنية وخصوصا منها حركتي حماس وفتح. وعسى أن تكون القناعة قد تشكّلت بأهمية احترام وتقدير الخلاف والتباين والإيمان بالتشاركية بدلا من إقصاء الآخر، والقبول بالعمل المشترك على مساحات التقاطع البرنامجي السياسي والتنظيمي بين مجموع القوى السياسية.

كما في القفز فوق الحسابات الضيقة والعصبيات التنظيمية الخاصة لصالح المصلحة العامة لعموم الفلسطينيين وحتى لا يكون اتفاق المصالحة تقاسما لكعكة السلطة والنفوذ.

ما جرى في غزة على صعيد النقلة النوعية باتجاه إنهاء الانقسام الداخلي هو مؤشر إيجابي، ففي كل الأحوال هناك مأزق فلسطيني عام مُستحكِم تعاني منه السلطة الفلسطينية أكثر من غيرها، وسط محاولات وئيدة وقلقة للخروج منه في ظل مُعادلات مُعقدة، طورا عبر إحياء جهود المصالحة والحديث عنها والتغني بها، وطورا عبر التمسك بالمفاوضات وبالرعاية الدولية باعتبارها طريقا لا بد منه أمام الأوضاع الإقليمية والدولية التي تَلُفُ المنطقة بأسرها وتلقي بظلالها على الفلسطينيين أكثر من غيرهم.

خشية قائمة
حالة الإحجام عن المُبالغة بالتفاؤل، والتوجس عنـد الناس وحتى عند العديد من القوى الفلسطينية حالة قائمة ومُبررة، وهناك حذر شديد من التفاؤل بالنجاح بالرغم من الدعوات الإيجابية وأجواء التفاؤل التي رافقت عقد لقاءات غزة الأخيرة وتصريحات إسماعيل هنية الذي دعا -في مؤتمر صحفي عقده في منزله لدى استقباله الوفد الآتي من رام الله- إلى "التنفيذ الفوري لكل ما تم الاتفاق عليه في الدوحة وفي القاهرة وبمظلة عربية".

وأضاف قائلا: "نحن متمسكون بالرعاية المصرية للمصالحة الفلسطينية"، وإن حماس تؤمن بـ"التداول السلمي للسلطة من خلال الانتخابات". مشددا على أن حركة حماس "على قلب رجل واحد في تحقيق المصالحة باعتبارها ضرورة وطنية".

الخشية هنا قائمة أيضا -وكما في كل مرة- في أن يكون ما جرى في غزة وفي منزل إسماعيل هنية في مخيم الشاطئ على وجه التحديد، بالنسبة للمصالحة خطوة استعراضية احتفالية لا أكثر ولا أقل، فالهوة ما زالت قائمة بين خيارات السلطة الفلسطينية وحركة فتح السياسية وخيارات حركة حماس.

النوايا الإيجابية -مع أهميتها- لا تكفي لوحدها، فوفدا المصالحة لم يتحدثا عن ضمانات، سواء فلسطينية أو عربية لتطبيق الاتفاق، وهو ما يخفض من سقف توقعات إنجاز المصالحة

كما في الخشية أن تكون المصالحة ومساعيها الجارية بمثابة خطوة استخدامية تكتيكية لإرسال رسائل وإظهار أن لدى الفلسطينيين خيارا آخر غير المفاوضات بعد تَعَقُّد العملية السياسية التفاوضية ومراوحتها بالمكان، بما في ذلك المصير المجهول لخطة وزير الخارجية الأميركي جون كيري بالرغم من محاولات إنعاشها وإخراجها للحياة والتداول، حيث المصلحة المشتركة "الإسرائيلية" والأميركية في تمديد المفاوضات. وتقليص الهوة بين مطالب واشتراطات "الإسرائيليين" وموقف الفلسطينيين خصوصا بالنسبة لبعض العناوين كالعنوان المتعلق بـ"يهودية الدولة".

فالتمديد للعملية التفاوضية يجري الآن البحث به عبر اتصالات مُكثفة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي وبمتابعة من الطرف الأميركي، وجرى ويجري مُعظمها من وراء الكواليس بمشاركة عدة أطراف إقليمية نافذة ومنها أطراف عربية.

ويبدو من تجاوب الطرفين "الإسرائيلي" والفلسطيني مع المسعى الأميركي لاستمرار المفاوضات ومنع انهيارها، أن هناك حاجة أميركية وإسرائيلية لاستمرار العملية التفاوضية حتى ولو كانت تُراوح مكانها.

غياب الغطاء والرعاية
إن المشكلة الإضافية في جهود المصالحة الوطنية الفلسطينية، أنها لم تَعُد تحظى برعاية، أو غطاء، أو متابعة، من جانب أي طرف عربي مؤثر، أو من جانب أي قوة إقليمية، أو دولية، وذلك بعد الخروج العملي المصري من دائرة الموضوع في ظل ما يجري في الساحة المصرية من تفاعلات وتحولات داخلية جعلت من الجهات المصرية المعنية في حل بالنسبة لموضوع المصالحة الفلسطينية في الوقت الراهن على الأقل.

وعليه، فإن النوايا الإيجابية لوحدها لا تكفي مع أهميتها، فوفدا المصالحة لم يتحدثا عن ضمانات، سواء فلسطينية أو عربية لتطبيق الاتفاق، وهو ما يخفض عند الكثير من المتابعين من سقف التوقعات لإنجاز المصالحة.

ومن الطبيعي هنا، القول بأن "إسرائيل" ترى في المصالحة الوطنية الفلسطينية شرا، وهي لا تدّخر وسعا في التحذير منها. فرئيس الحكومة "الإسرائيلية" بنيامين نتنياهو طالب السلطة الفلسطينية بالرسو على موقف واضح، وعلى حد تعبيره "هل تريد المصالحة مع حركة حماس، أم حلّ نفسها أم التفاوض مع إسرائيل؟".

ومن هنا علينا أن نتوقع قيام الدولة العبرية الصهيونية بإجراءات عقابية تجاه السلطة في رام الله حال سارت الأمور كما هو مقرر لها على صعيد إنهاء الانقسام وتطبيق ما تم التوافق والاتفاق عليه فلسطينيا بين الجميع.

شيطان التفاصيل
إن الخشية الإضافية من تعثر جهود المصالحة هذه المرة -وهي خشية حقيقية- تكمُنُ في الخوف من شيطان التفاصيل حال تم السير على طريق إنجاز ملفات المصالحة المنشودة.

فالرؤية الضبابية ما زالت موجودة في ما يتعلق بإمكانية تطبيق الملفات الخمسة (تشكيل حكومة موحدة، وإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، وإجراء المصالحة المجتمعية، وتطبيق الحريات العامة).

إن نجاح المصالحة الوطنية الفلسطينية ووصولها لبر الأمان سيؤدي لولادة حالة فلسطينية مغايرة للحالة الهزيلة السائدة، يُقَدّر لها أن تنعكس إيجابا على حال فلسطينيي الشتات

وكما تبين قبل أيام في لقاءات غزة أن الخلافات ترتدي طابعا إجرائيا وجوهريا على حد سواء. وكانت أولى الخلافات حول طبيعة اللقاء والمشاركين فيه.

فالسلطة الفلسطينية في رام الله تريد اللقاء ليس للتفاوض وإنما لتنفيذ ما سبق وأتفق عليه، بينما تريد حركة حماس اللقاء إطارا لحوار وطني واسع لمناقشة كل القضايا وبهدف التوصل إلى حلول للتباينات القائمة في الساحة الفلسطينية.

وبالتالي من المهم تنفيذ بنود اتفاق القاهرة الموقع قبل ثلاثة أعوام من قبل جميع القوى الفلسطينية، وفي مقدمتها الاتفاق على تشكيلة الإطار القيادي وإصلاح منظمة التحرير، وعدم حصر النقاش في نقطتين هما: موعد الانتخابات العامة وتشكيلة الحكومة الانتقالية على أهميتهما.

إن وجود الإرادة الحقيقية لإنهاء الانقسام مسألة لا بُدَ منها، وتستدعي اختزال واختصار الزمن، وتوفير مرجعية قيادية موحدة وجماعية من عموم القوى والفصائل في عملية التنفيذ، حتى لا يتم التعثر بعقبات وبقضايا جزئية كما حصل في مرات سابقة.

أخيرا، إن نجاح المصالحة الوطنية الفلسطينية ووصولها لبر الأمان سيؤدي نتائجه بولادة حالة فلسطينية مغايرة للحالة الهزيلة السائدة، يُقَدّر له أن ينعكس إيجابا على حال فلسطينيي الشتات وخصوصا منهم فلسطينيي سوريا الذين يعيشون مِحنة كبيرة منذ عامين تقريبا.

ومن هنا نقول لكل القوى والفصائل بعدها "صالحوا مخيم اليرموك كي تسامحكم فلسطين وشعبها".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.