ليبيا في عام 2013 ومطلع 2014

ليبيا في عام 2013 ومطلع 2014 .الكاتب :هشام الشلوي

undefined

الخلل المجتمعي
الخلل السياسي

لعل أبرز ما يمكن رصده خلال عام 2013 وبداية 2014 بليبيا هو المزيد من التهتك وعدم الاستقرار سياسيا وأمنيا واقتصاديا واجتماعيا، وسنحاول -هنا- رصد أهم المحطات السياسية التي مرت بها ليبيا في العام المنصرم، مع الاعتراف بعجزنا عن تغطيتها بالمجمل.

الخلل المجتمعي
يدعي الليبيون أن نسيجهم الاجتماعي متماسك ومتلاحم، بسبب المشترك الديني والجغرافي والتاريخي، إلا أن هذا الادعاء لا يصمد كثيرا أمام النزاعات والاقتتال بالجنوب الليبي وبعض مناطق الغرب الليبي أيضا.

منذ زمن والنسيج الاجتماعي متآكل بالجنوب الليبي نتيجة اختلاط عرقي بين قبائل التبو الليبية والقبائل العربية، إذ إن نظام القذافي لم يتبن سياسات دمج وخلق آليات توافق مجتمعي بين مكوناته، عبر المساواة في توزيع الحقوق والواجبات، أو الوعي بأهمية مشروع الدولة كحاضنة طبيعية لهذه المكونات الاجتماعية.

لم يقم النظام السابق بأي تنمية بمناطق الجنوب المعزولة في  رمال الصحراء، بالإضافة إلى أن حكومات ما بعد الثورة لا تدير وجهها للجنوب إلا عندما يكون الحديث عن اختراقات أمنية وراءها أزلام النظام السابق

كما لم يُحدث النظام السابق أي تنمية محلية بمناطق الجنوب المعزولة في بحر من رمال الصحراء، بالإضافة إلى أن حكومات ما بعد ثورة 17 فبراير لم تدر وجهها للجنوب إلا عندما يكون الحديث عن اختراقات أمنية وراءها أزلام النظام السابق.

قامت حركة تجارية عبر الحدود مع الدول الأفريقية عمادها الأساس تهريب المخدرات والسلاح والهجرة غير الشرعية والسلع المدعومة بليبيا، ويصعب على أي نظام سياسي السيطرة على حدود صحراوية كهذه مترامية الأطراف، وبالتالي نشأت صراعات بين مختلف القبائل للسيطرة على منافذ التهريب.

أيضا، هناك مشكلة ما يقارب مليون تشادي بشمال تشاد، تقف الحكومة التشادية عاجزة عن تقديم خدمات حياتية يومية لهم بسبب فقر الدولة وقلة إمكانياتها واستنزاف ما تبقى من مواردها في حروب محلية.

هذه الكتل البشرية ليس أمامها من سبيل إلا الدخول إلى الجنوب الليبي للبحث به عن فرص عمل والإقامة به، أو الانتقال منه إلى مناطق أخرى داخل ليبيا، أو الوقوع في فخ هجرة الموت غير الشرعية، في بلد أصبح الأمن فيه والسيطرة مفردة لا معنى لها أو قيمة.

ومن نافلة القول التأكيد على أن منطقة الجنوب الليبي بسبب بعدها الجغرافي عن الغرب والشرق الليبيين لا تدخل كثيرا في حسابات صانعي القرار بليبيا، بسبب عدم تأثيرها على مجمل الأوضاع بليبيا، وكل ما يردده الساسة الليبيون من حسرات أو يذرفونه من دموع على وضع الجنوب لا يتجاوز المزايدة السياسية.

لاشك أن قبائل التبو بالجنوب قدمت تضحيات كبيرة لإنجاح ثورة 17 فبراير، إلا أنهم تعرضوا لشيطنة مبالغ فيها، باتهامهم أنهم غير ليبيين وأنهم ينتمون لدول أفريقية مجاورة، من قبل قبائل عربية بالجنوب تحاول إلغاء وجودهم الاجتماعي ووضعهم على رف التهميش الاجتماعي.

تقريبا كل المكونات الاجتماعية الليبية بالشرق والغرب والجنوب لديها امتدادات بدول الجوار (تشاد والنيجر والسودان وتونس ومصر)، وهذه ظاهرة طبيعية بالنسبة لدولة تتماس حدوديا مع عدة دول عربية وأفريقية، كما أن ظروف الحرب إبان الاستعمار الإيطالي والفقر والأوبئة والمجاعات أسهمت في هجرة قبائل كثيرة واستقرار فروع لها بتلك الدول.

بالنسبة لمناطق ومدن الغرب الليبي، يجب الاعتراف بوجود خلل بنيوي على الصعيد الاجتماعي، خاصة بعد ثورة 17 فبراير، بسبب موقف بعض المدن والقبائل المؤيد للثورة وبعضها الآخر المعارض له، كما أن للتاريخ دورا في تأجيج بعض النزاعات، كالحرب التاريخية بين مصراتة وبني وليد.

المنطق الحدي ومعادلة إلغاء الوجود كانا حاضرين بشكل بارز كمعالجة إستراتيجية لأزمة الخلل الاجتماعي بمناطق الغرب الليبي، في محاولة سهلة لتقسيم المجتمع إلى معسكر مؤيد وآخر مناكف للثورة.

لم تضع الحكومات المتعاقبة سياسات لاحتواء هذه المختنقات الاجتماعية، وتركت الوضع على ما هو عليه، وجعلت البسطاء من أبناء القبائل ضحية الالتفاف عليهم من جديد من قبل قوى معادية للثورة محلية وإقليمية ودولية.
لم تضع الحكومات المتعاقبة سياسات لاحتواء المختنقات الاجتماعية، وتركت الوضع على ما هو عليه، وجعلت البسطاء من أبناء القبائل ضحية الالتفاف عليهم من جديد من قبل قوى معادية للثورة محلية وإقليمية ودولية

الذين يصطفون اليوم بجانب النظام السابق من أبناء هذه القبائل، هم وقود ووكلاء حرب يقودها متربصون بالخارج أساسا لإحراز مراكز تفاوضية سياسية متقدمة، والبحث عن موضع قدم ودور في مستقبل ليبيا، وهؤلاء لديهم من الخبرة والعلاقات المتشابكة داخليا وخارجيا ما قد يمكنهم فعلا من خلق مراكز تفاوضية متقدمة، في ظل عجز حقيقي وغفلة وتسطيح للقضايا السياسية والأمنية يتمتع بها صانع القرار التشريعي والتنفيذي والأمني بليبيا الثورة.

الخلل السياسي
ظهر في ليبيا مؤخرا تفسير للمادة ثلاثين من الإعلان الدستوري يدعو إلى حل المؤتمر الوطني بداية فبراير/شباط 2014، أخذا في الاعتبار بحسابات مدد زمنية واردة بالإعلان الدستوري.

وهو ما جابهه المؤتمر الوطني بإصدار خارطة طريق، وخارطة طريق بديلة بعد تشكيل لجنة استمعت إلى مقترحات عدة، وأسهمت في تصويبها وتعديلها لجنة الأمم المتحدة بليبيا، وانتهت إلى انتهاء المرحلة الانتقالية برمتها نهاية ديسمبر/كانون الأول 2014.

أكدت الخارطة الجديدة على بقاء المؤتمر الوطني لحين الاستفتاء على الدستور والدعوة إلى انتخابات برلمانية، ومن ثم التسليم للبرلمان القادم.

في حقيقة الأمر، تفسير الداعين إلى حل المؤتمر الوطني بداية فبراير/شباط الجاري يتماهى مع تمديد المرحلة الانتقالية لفترة زمنية أخرى، وبالتالي استمرار ضعف مؤسسات الدولة وفسادها وهدر أموالها، خاصة إذا علمنا طبيعة المراحل الانتقالية وما ينتابها من ضعف رقابي ومؤسسي.

وهي إستراتيجية تشابه حالة اللبس التي لم تفرق بين مظاهرات ثلاثين يونيو بمصر المشروعة، وانقلاب الثالث من يوليو غير المشروع، فالمنادون بلا لتمديد المؤتمر الوطني، ينادون في الوقت ذاته بنعم لتمديد المرحلة الانتقالية.

أصر نواب تحالف القوى الوطنية على إدراج خارطة طريق بديلة صوّت عليها المؤتمر الوطني تنص على الدعوة إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية في حال فشل لجنة الستين في كتابة الدستور وتقديمه للاستفتاء في خلال ستين يوما من بدء انعقادها.

وهي إستراتيجية تترافق هي الأخرى مع شرط إلغاء قانون العزل السياسي الذي يصر عليه التحالف ضمن شروط أخرى للموافقة على سحب الثقة من حكومة رئيس الوزراء علي زيدان، وذلك حتى يعود محمود جبريل الموجود بدولة الإمارات منذ تسعة أشهر لم يدخل فيها ليبيا كلاعب أساسي ومرشح لرئاسة ليبيا.

مفاوضات ماراثونية جرت وما زالت تجري بين كتل سياسية بالمؤتمر الوطني العام تؤيد سحب الثقة من حكومة زيدان (العدالة والبناء، الوفاء للشهداء، كتلة ليبيا، وكتلة المبادرة الوطنية) لأنها ترى أن حكومة زيدان فشلت في فرض الأمن بليبيا، وعجزت عن دمج الثوار بالعملية السياسية والأمنية، وفشلت في فتح المرافئ النفطية، وعدم تفعيل قانون الإدارة المحلية الذي من شأنه تفتيت المركزية في بلد ترتيبه 17 عالميا من حيث المساحة.

وبين كتل تريد أن تستفيد من إقالة حكومة زيدان، وأخرى مستفيدة فعلا من بقاء الحكومة بسبب ارتباطات مصلحية واقتصادية وتعيين أقارب لهم بمراكز حساسة داخل وخارج ليبيا (كتلة يا بلادي، وكتلة الرأي المستقل، وكتلة الوفاق الديمقراطي، وكتلة الحراك الوطني، والأخيرتان كتلتان منبثقتان من حزب تحالف القوى الوطنية) وهي في العموم لها مواقف موحدة داخل المؤتمر كتأييدها المطلق لبقاء زيدان على رأس الحكومة أو مطالبتها المستمرة بإلغاء قانون العزل السياسي، وكذلك مناداتها بحل المؤتمر الوطني بداية فبراير/شباط الجاري لتستفرد حكومة علي زيدان بالمشهد السياسي والاقتصادي الليبي دون رقيب على عملها.

جميع الأطراف الليبية عجزت عن تحقيق حد أدنى من الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي خلال عام 2013 وبداية العام الجديد، فهناك أطراف محلية انضمت لأخرى خارجية لإجهاض مسار التحول من الثورة إلى الدولة

أيضا، تسيطر أزمة ثقة كبيرة بين التيار الإسلامي داخل المؤتمر الوطني (العدالة والبناء، وكتلة الوفاء للشهداء) وبين تيار تحالف القوى الوطنية، وبعض الجهويين والمصلحيين من أعضائه.

ونلفت الانتباه إلى أن حزب تحالف القوى الوطنية لا يُعد الناطق الرسمي باسم الليبرالية أو العلمانية بليبيا، ولا توجد دلائل على ذلك من حيث التنظير أو العمل، بل هو تيار تجمع فيه رجال الأعمال وأصحاب المصالح وذوو النفوذ، والذين يريدون استمرار مصالحهم وزيادتها وتربيتها، إذ إن الذين يفكرون بمنهج علماني أو ليبيرالي وبلغات عدة لا يتجاوزون أصابع اليدين.

ومبعث تخوفهم من رئيس حكومة إسلامي يرجع إلى الخشية من تجفيف منابع المحاباة والفساد والصفقات المشبوهة، وليس معنى ذلك تنزيه التيار الإسلامي من هذه الشبهات أو قداسته بالمطلق، ولكن تنوع وتعدد مصادر هذه الصفقات واتساع الأعمال واعتبار الدولة مصدر رائجا لكسب المال سيقل بشكل حاد.

في نهاية الأمر، ما يمكن ملاحظته أن جميع الأطراف السياسية بليبيا عجزت عن تحقيق حد أدنى من الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي خلال عام 2013 وبداية العام الجديد، فهناك أطراف محلية انضمت لأخرى إقليمية ودولية لإجهاض مسار التحول من الثورة إلى الدولة.

كما أنه لا يمكن -بحال من الأحوال- إنكار التداعيات السلبية التي تركها انقلاب الثالث من يوليو في مصر على كل المنطقة العربية، وتقويته شوكة أنظمة الأمس.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.