وماذا بعد "شيطنة" حماس؟

وماذا بعد شيطنة حماس؟.. صلاح بديوي

undefined

إعلام الكراهية
القضاء يدخل على الخط
حماس وأمن مصر
الحرب على غزة

طالعتنا صحيفة الأخبار القومية الصادرة في العاصمة المصرية القاهرة يوم 28 يناير/كانون الثاني الماضي، بخبر يشير إلى أن حركة المقاومة الفلسطينية "حماس" قامت بإرسال كتائب بقيادة "المجاهد" أحمد الجعبري إلى مصر لتخريب احتفالات الذكرى الثالثة لثورة 25 يناير المجيدة.

وهذا الخبر الذي نشرته تلك الصحيفة -والتي من المفترض أنها مملوكة للشعب المصري- كان من الممكن أن يصدقه العامة في مصر، لولا أن القائد الحمساوي المشار إليه كان قد استشهد في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2012 عندما قصفت طائرة آباتشي "إسرائيلية" سيارته التي كان يستقلها في قطاع غزة.

اتهام إعلام الكراهية أحمد الجعبري "بتخريب احتفالات المصريين بالذكرى الثالثة لثورة ٢٥ يناير جاء ضمن سلسلة أخبار وتقارير كاذبة بدأت فضائيات وصحف الانقلاب بمصر تبثها على نطاق واسع فور وصول الإخوان للسلطة.

وكانت تلك الأخبار تشير إلى أن الرئيس محمد مرسي سيترك شبه جزيرة سيناء لأهل غزة، ويبيع قناة السويس لدولة قطر، ويتنازل عن حلايب للسودان، وكل ذلك كان يتم وفق مخطط شحن معنوي للعامة قامت به ما تسمى بدولة مبارك العميقة، مستخدمة وسائل إعلام وصحفا يقودها رجال أعمال الرئيس المخلوع حسنى مبارك، وذلك للانتقام من ثورة ٢٥ يناير/كانون الثاني ٢٠١١، وما أفرزته من شرعية وعملية سياسية، وتم إعداد هذا المخطط بإحكام وعناية فائقين لكي يحقق الأهداف المرجوة من ورائه.

إعلام الكراهية
وبعد أن نجح إعلام رجال أعمال مبارك في دعم الانقلاب على الشرعية في مصر، لعب الإعلام دور رأس الحربة لتنفيذ مخطط شحن المصريين وتحريضهم على كراهية حركة المقاومة الإسلامية "حماس" على اعتبار أن الحركة امتداد لجماعة الإخوان المسلمين.

دأب إعلام الكراهية على ترويج أكاذيب من قبيل أن مرسي سيترك سيناء لأهل غزة، ويبيع قناة السويس لقطر ويتنازل عن حلايب للسودان، وكل ذلك كان يتم وفق مخطط شحن تقوم به دولة مبارك العميقة

وكان هذا الإعلام روّج معلومات كاذبة تشير إلى أن حماس تقوم بقتل جنود الشرطة والجيش المصريين في سيناء ولها مطامع في أرضها، وأنها تدخلت في الشأن المصري، واقتحمت السجون إبان أحداث ثورة ٢٥ يناير/كانون الثاني ٢٠١١.

وكل ذلك الشحن ضد حركة "حماس" كان يتم من قبل الانقلابين وإعلامهم لا لشيء إلا لكسب دعم وود إسرائيل وواشنطن تجاه الانقلاب من جهة، وتشويه صورة الإخوان المسلمين لدى العامة بمصر من جهة أخرى‫.

ومن الأمور الملفتة للانتباه هنا، أن جماعة الإخوان المسلمين أصبحت بين عشية وضحاها جماعة إرهابية، وكل قادتها إرهابيون، قادتها الذين كانوا -إلى وقت قريب مضى- مكونا رئيسيا في المعادلة السياسية الوطنية، بل وقادة لدولة مصر، وذلك قبيل أن تنقلب المؤسسة العسكرية عليهم وتقصيهم عن السلطة التي وصلوا إليها بناء على استحقاقات انتخابية، تلك الاستحقاقات أشرفت عليها القوات المسلحة نفسها، وشهدت لها منظمات دولية وشهد لها العالم كله بالنزاهة والشفافية.

وعلى الرغم من ذلك فإن هؤلاء القادة من الإخوان الذين انتخبهم الشعب اعتبرتهم قيادة القوات المسلحة المصرية -متمثلة في الفريق أول عبد الفتاح السيسي ورفاقه- إرهابيين، وللأسف يحدث ذلك من أجل إرضاء أجندات خارجية من جهة، وطموحات بعض هؤلاء القادة في الوصول للسلطة -ولو بصورة غير شرعية- من الجهة الأخرى، كما يشير إلى ذلك بوضوح الواقع الراهن بمصر.

القضاء يدخل على الخط
والقضاء من جهته هو الآخر دخل أيضا على الخط، القضاء الذي يعتبره أنصار الشرعية شريكا إستراتيجيا في الانقلاب على الشرعية، دخل على خط تشويه صورة "حماس"، حيث تفوقت النيابة العامة خلال جلسة محاكمة الرئيس محمد مرسي الأخيرة على صحيفة الأخبار، وذلك عندما أوردت -في معرض تلاوتها قرار الاتهام- معلومات ضد الرئيس المنتخب من قبل شعبه محمد مرسي، واتهامات وجهتها إلى أسماء شخصيات تنتمي لحركة "حماس"، وزعمت أن تلك الأسماء جرى تهريبها من داخل سجن وادي النطرون إبان أحداث ثورة 25 يناير/كانون الثاني ٢٠١١، إلا أن حركة حماس ردت على قرار الاتهام الذي تلته النيابة العامة المصرية، مشيرة إلى أن الادعاءات التي ذكرتها النيابة العامة المصرية ضد حركة حماس سياسية محضة، وادّعاءات باطلة جملة وتفصيلا.

ويعتبر إدراجها أسماء أسرى يقبعون في سجون الاحتلال -كالأسير حسن سلامة المحكوم عليه بعدد من المؤبدات منذ عام 1996، وأسماء شهداء قضوا قبل ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 بسنوات كالشهيد حسام الصانع الذي استشهد خلال حرب الفرقان عام 2008، والشهيد تيسير أبو سنيمة الذي استشهد عام 2009- في لائحة الاتهامات الأخيرة يكشف بوضوح وبصورة أقرب إلى الفضيحة زيف هذه الادّعاءات وبطلانها، وأنّها قائمة على الفبركة والتهم المعلبة.

وما جاء في لائحة الاتهام التي وجهتها النيابة لبعض الشهداء والمعتقلين الفلسطينيين خلال جلسة محاكمة الرئيس محمد مرسي ورفاقه يوم الخميس ٢٩ يناير/كانون الثاني الماضي، جعل تلك الجهة القضائية عُرضة للسخرية من قبل الشباب المصري, ليس فقط على مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" و"توتير", بل امتدت السخرية إلى الشارع المصري.

وتناول الشباب بشكل ساخر ما نسبته النيابة إلى الشهيد أحمد الجعبري بأنه يدير غرفة عمليات من قبره مجهزة بأحدث التقنيات والمعدات العصرية, وفي هذه الغرفة يجلس الجعبري مع الشهيد حسام الصانع الذي يتولى عمليات التشفير، والشهيد تيسير أبو سنيمة الذي يتولى العلاقات العامة، أما الأسير حسن سلامة فيتولى حراسة غرفة العمليات من برج محصن, كما أن الشهيد أحمد الجعبري يمتلك أجهزة تجسس عالية المستوى ويراقب عن كثب كل ما يجري في أروقة الفلول والعسكريين بمصر، وينقل هذه المعلومات لجهات أجنبية, والشهيد أحمد الجعبري أيضا يرسل العديد من الإشارات الماسونية من خلال أجهزة التحكم عن بعد.

وبالطبع، فإن سخرية الشباب المصري من الجهات القضائية لها تأثيرها الخطير على هيبة القضاء المصري, مما يهدد الأمن والسلم المجتمعي في مصر.

حماس وأمن مصر
وربما إلقاء الضوء على حقيقة العلاقات بين السلطات المصرية الآن وحركة "حماس" التي تحكم غزة, يكشف لنا بوضوح أن أهل الانقلاب يفتعلون الأزمات مع الحركة لخدمة أجندة إسرائيلية، ولكي يضمنوا تواصل دعم واشنطن وتل أبيب لتلك الجريمة "الانقلاب على الشرعية".

الاتهام القضائي لشهداء ومعتقلين فلسطينيين جعل الجهة القضائية عُرضة للسخرية من الشباب المصري, وهو أمر له تأثيره الخطير على هيبة القضاء, مما يهدد الأمن والسلم المجتمعي في مصر

ومنذ وقت قريب جمعني لقاء مع مسؤول بارز ينتمي إلى حركة المقاومة الفلسطينية "حماس"، وخلال هذا اللقاء أكد هذا المسؤول أن السلطة الحالية بالقاهرة متأكدة تماما من أن حركة "حماس" ليس لها أي دور من قريب أو بعيد في الشأن الداخلي لمصر أو أي شأن داخلي عربي آخر، وأن أجندة "حماس" الرئيسية تنحصر في العمل من أجل تحرير فلسطين، وأن رصاص "حماس" لن يوجه إلا نحو غزاة فلسطين.

وشدد على أن حماس مهما كانت خلافاتها مع "القاهرة" فإنها ترى الأمن القومي المصري والفلسطيني أيد واحدة والتنسيق بين الطرفين لم يتوقف لحظة واحدة، وبالتالي فلا مصلحة لـ"حماس" على الإطلاق في الانحياز إلى أي جانب من أطراف الأزمة المصرية.

وعلى خلاف ما يشاع في بعض وسائل الإعلام التي تبث من العاصمة المصرية القاهرة، فإنه لا يوجد عنصر واحد من حماس في سيناء، ولم ترسل الحركة أي عناصر إلى داخل الأرض المصرية.

ولعله من المهم الإشارة إلى أن أجواء هذا اللقاء الذي جمعني بالمسؤول الفلسطيني عكست شعور أهلنا في غزة بالمرارة حيال بعض القوى السياسية ووسائل الإعلام في القاهرة التي تصر على أن تزج باسم "حماس" في الأزمة المصرية على سبيل تصفية خلافاتها مع الإخوان لا أكثر.

وهذا يقودنا للتنسيق الأمني الإسرائيلي مع الانقلابين في مصر ودوره في تدهور علاقات القاهرة مع "حماس"، ويكشف التقرير الذي تقدم به مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي لدوائر صنع القرار في تل أبيب -وذلك بعد الانقلاب الذي حدث في مصر بأسبوع- عن عمق التعاون الإسرائيلي مع الجيش المصري، ومواصلة تل أبيب السماح للجيش المصري باستخدام القوات في سيناء، بحجم أكبر مما تسمح به اتفاقية كامب ديفيد للجيش المصري في بنودها بالتحرك في سيناء.

ويعتبر ذلك استثناء من قبل الكيان الصهيوني للجيش المصري, لكي يواجه الشبكات الجهادية التي تستهدف إسرائيل في المقام الأول والأخير، مثل شبكات تهريب الوسائل القتالية إلى قطاع غزة، وقد استجابت إسرائيل لطلبات مصرية باستخدام قوات ووسائل تتجاوز قيود ملحق اتفاق السلام, وذلك ضمن ما وصف بالحرب على الإرهاب.

وفي هذا الإطار، سمحت إسرائيل من قبل لطائرات مصرية مروحية بالتحليق فوق غزة ضمن الدور المصري لمحاربة "الإرهاب", الذي زعم البعض أنه قادم من غزة، وللإشراف على تدمير أنفاق بين مصر والقطاع، وهي أنفاق يقاوم من خلالها أهل غزة الحصار المفروض عليهم، وهي المرة الأولى منذ كارثة الخامس من يونيو/حزيران ١٩٦٧م التي يسمح فيها بذلك.

وسبق هذا تنسيق أمني في عملية حماية مطار إيلات أعلنته "إسرائيل" صراحة، وقالت إن مصر أبلغتها بمعلومات عن اعتزام جهاديين إطلاق صواريخ على مطار إيلات، وأنه لهذا الغرض تم إغلاق المطار عدة أيام ثم تم فتحه بعد رصد هذه المجموعات لاستهدافها.

الحرب على غزة
وأمام تلك الهجمة الشرسة -التي يشنها الإعلام المصري ضد "حماس"- يرى خبراء وساسة في القاهرة أن هناك مخططا يجري تجهيزه من أجل إسقاط نظام حكم حركة "حماس" في غزة، وهذا المخطط يمهد له الإعلام المصري عبر أخطر عملية لتشويه سمعة حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وتلويث كل من يتعاطف معها في مصر. وربما يكشف البيان الذي أصدرته حركة المقاومة الفلسطينية "حماس" بتاريخ ٢٩ يناير/كانون الثاني الماضي حقيقة الأزمة بين حماس وسلطات الانقلاب في القاهرة، وما يترتب على ذلك من مؤامرة صهيونية ضد المقاومة الفلسطينية.

الانقلابيون يخوضون الآن حربا بالوكالة ضد حماس والمقاومة لصالح جيش إسرائيل، وتلك الحرب يمكن رؤيتها بوضوح من خلال تواصل التحريض الإعلامي ضد حماس ومحاصرتها في قطاع غزة والتضييق عليها

وربما السطور الأولى من البيان توجز مضمونه وتكشف أبعاد المؤامرة التي تتعرض لها "حماس"، حيث يقول البيان: "في تزامن مريب تتقاطع فيه التهديدات الصهيونية بضرب قطاع غزة وتشديد حصاره، وما يحاك للقضية من تصفية عبر خطة كيري "الصهيوأميركية" مع هذا الكم الهائل المتصاعد من الاتهامات الموجّهة ضد حركة حماس والمقاومة الفلسطينية بالتدخل في الشأن المصري واختلاق أحداث وأسماء لا حقيقة لها على أرض الواقع، وانتقال حمّى شيطنة حماس في مصر واعتبارها عدوا من الإعلام إلى القضاء".

وللأسف، وعلى الرغم من وضوح مواقف وتصريحات قادة حماس وحرصهم على الشفافية الشديدة خلال تعاملهم مع الشأن المصري، فإن سلطات الانقلاب في القاهرة تعطيهم ظهرها ولا تستمع إلا لصوت قادة تل أبيب، وتتخذ من حركة حماس قربانا تحاول أن تقدمه لإسرائيل لكي تساعدها في الضغط على الولايات المتحدة لتقف مساندة وداعمة للانقلاب العسكري في مصر.

ومن الواضح أن قادة الانقلاب يخوضون حربا بالوكالة الآن ضد حماس والمقاومة ولصالح جيش الحرب الإسرائيلي وتلك الحرب يمكن رؤيتها بوضوح من خلال تواصل التحرش الإعلامي بحماس ومحاصرتها في قطاع غزة والتضييق عليها وهو ما يجعل أهلنا في القطاع يعيشون معاناة حياتية كبيرة.

وما يفعله الانقلابيون بالقاهرة تجاه غزة يراه الكثير من الخبراء بمثابة تمهيد للأجواء أمام ضربة عسكرية إسرائيلية محتملة ضد أهلنا في قطاع غزة، وذلك ما أدركته حركة حماس الحاكمة بالقطاع وحذرت حكومة تل أبيب مؤخرا من الإقدام عليه.

مخطط "شيطنة" حماس في الإعلام المصري حظي بترحاب الإعلام الإسرائيلي, وواصلت القناة الثانية الإسرائيلية بثّ أغنية "كلنا بنحب السيسي" للمطرب الشعبي المصري "شعبان عبد الرحيم "الذي غناها حبا في وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، وقد سبق لشعبان عبدالرحيم أن غنى أغنيته الشهيرة "بحب عمرو موسى وبكره إسرائيل" وهى الأغنية التي أثارت غضب إسرائيل, ولم يعد الإعلام المصري يبثها حاليا, على الرغم من أنها حظيت بقبول كل المصريين، أما أغنية "كلنا بنجب السيسي" فتغنى بها المصريون المؤيدون للجانب الانقلابي الذي يعتبر إسرائيل شريكا إستراتيجيا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.