تعويضات أم إتاوات؟

مظاهرة لعناصر اليمين الإسرائيلي المتطرف بالذكرى الـ 38 ليوم الأرض الفلسطيني يطالبون بتعريف إسرائيل دولة الشعب اليهودي ومنع من فلسطينيي 48 إحياء المناسبات الوطنية، المظاهرة أقيمت في مستوطنة كرمئيل بالجليل بشهر مارس-آذار 2014
الجزيرة

دور الحركة الصهيونية
شرعية التعويضات
المصالحة والوحدة

لأول مرة منذ قيامها، أحيت إسرائيل يوم 30 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي ما أسمته "يوم طرد وتشريد اليهود من الأقطار العربية وإيران".

وأكد قادة تل أبيب في كلماتهم بهذه المناسبة، أن إسرائيل ستواصل العمل على إقامة الدعاوى القضائية أمام المحافل الدولية ضد كل من مصر وسوريا والسعودية واليمن وإيران والعراق والمغرب، بغرض الحصول على تعويضات لليهود العرب من أقطارهم، مقابل ممتلكاتهم التي أجبروا على تركها واستولت عليها الحكومات العربية، وفق مزاعمهم.

وفي ذات السياق، تعمد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن يوضح للإسرائيليين أنه سيقاضي المملكة العربية السعودية عن ممتلكات اليهود التي "احتلتها الدولة الإسلامية" على عهد الرسول محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام قبل أكثر من ١٤٠٠ عام.

قادة تل أبيب يؤكدون أن إسرائيل ستواصل العمل على إقامة الدعاوى القضائية أمام المحافل الدولية ضد دول عربية بغرض الحصول على تعويضات لليهود العرب من أقطارهم، مقابل ممتلكاتهم التي أجبروا على تركها وفق زعمهم

ولم يستهدف نتنياهو بتلك التصريحات -كما هو واضح من ظاهرها- مطالبة السعودية بتعويضات فحسب، وإنما استهدف إهانة المسلمين ورسولهم بشكل نراه يمس جوهر عقيدتهم.

وهو نفس الحقد التاريخي على الإسلام ورسوله، ونفس الثارات التاريخية التي جعلت الرئيس الإسرائيلي رؤوبين ريفلين يقول أيضا في نفس الاحتفالية في إشارة إلى قصة اليهود القادمين من بلدان عربية "يجب أن تسرد هذه القصة في مضامين الجهاز التربوي الإسرائيلي، في الإعلام، وفي الأروقة الثقافية، وفي مؤسسات الدولة الرسمية، وينبغي أن تسمع قصتهم في الأوساط العالمية من أجل تصحيح الغبن التاريخي وضمان تعويضات مالية".

ما قاله نتنياهو وريفلين يشير إلى البعد العقائدي الذي يتعامل من خلاله قادة إسرائيل مع أمتنا العربية والإسلامية، بشكل يجعلنا نقول إن قادة إسرائيل لو شعروا للحظة واحدة أنهم قادرون عليها، فلن يترددوا في النيل منها على الإطلاق.

دور الحركة الصهيونية
ووفق ما تشير إليه المراجع التاريخية، فإن بعض اليهود الذين كانوا يعيشون في بعض الأقطار العربية تركوا ممتلكاتهم طواعية خلف ظهورهم، في سبيل تحقيق حلم الهجرة إلى فلسطين التي أطلقوا عليها "أرض الميعاد"، وبشرتهم الحركة الصهيونية العالمية بأنهم سيشربون اللبن والعسل ويأكلون المن والسلوى فيها.

وفي ذات السياق، لعبت الحركة الصهيونية العالمية دورا كبيرا في تهجير اليهود من بلدانهم في المنطقة، وخاصة من مصر والعراق.

يعيدنا ذلك إلى عملية "سوزانا"، وهي عملية تجسس وتخريب نظمتها المخابرات الحربية الإسرائيلية ضد أهداف أميركية وبريطانية، وضد ممتلكات اليهود أنفسهم في مصر عام ١٩٥٤ من أجل إجبارهم على الهجرة نحو إسرائيل.

يقول أستاذ الدراسات العبرية إبراهيم البحراوي "في الفترة من ٢٢ نوفمبر/تشرين الثاني إلى ١٥ مارس/آذار ١٩٥٦، غادر مصر طواعية ١٤ ألف يهودي إلى إسرائيل".

ويضيف أنه "بقي في مصر ٢٥ ألف يهودي هاجروا بأموالهم كاملة بين ١٩٥٧ و١٩٦٧، وذهب معظمهم إلى أميركا والبرازيل وفرنسا والأرجنتين، وبقي عدة آلاف تقلصوا اليوم إلى عشرات من الأفراد".

ونظرا لتعرضها لنفس ما تعرضت له الجالية اليهودية في مصر من مكائد دبرتها الحركة الصهيونية، ووفق وثائق رسمية عراقية، فقد هاجرت غالبية الطائفة اليهودية من العراق خلال عامي ١٩٤٩ و١٩٥٠ في عملية سميت "عزرة ونحمية".

وما فعلته الحركة الصهيونية بمصر والعراق، فعلته بطريقة أو بأخرى في مختلف دول المنطقة، وذلك لتنشر الخوف بين اليهود وتجبرهم على ترك بلدانهم والاتجاه نحو إسرائيل، حيث نجحت في ذلك نجاحا منقطع النظير، مستغلة جو الكراهية لليهود الذي ساد المنطقة بسبب العدوان الإسرائيلي على فلسطين.

شرعية التعويضات
أطلقت وزارة الخارجية الإسرائيلية حملة دبلوماسية تزعم خلالها أن أي حل لقضية اللاجئين الفلسطينيين يجب أن يتناول أيضا مشكلة اللاجئين اليهود، وأنه يجب دفع تعويضات بالتساوي لكل اللاجئين سواء اليهود أو الفلسطينيين.

محاولات إسرائيل المساواة بين نزوح يهود مصر ودول عربية برغبتهم، وقد حمل معظمهم أموالهم بعد أن باعوا الأصول المملوكة لهم، وبين مأساة طرد الفلسطينيين وتشريدهم بالمذابح المخططة، محاولات فاشلة لا تنطلي على أحد

وفي ذات السياق، تروج إدارة الأملاك بالوزارة لمشروع قانون طرحته على الكنيست الإسرائيلي مؤخرا لأخذ موافقة عليه، حيث يطالب المشروع عشر دول عربية بتعويضات عن أملاك ٨٥٠ ألف يهودي، قيمتها ٣٠٠ مليار دولار مقسمة فيما بينهم طبقا للتعداد السكاني الأخير لليهود عام ١٩٤٨.

وفي مطلع فبراير/شباط ٢٠١٣ زارت السفيرة الأميركية آن باترسون إسرائيل وهي تحمل ملفا يتعلق بممتلكات اليهود في مصر والتعويضات المطلوبة لهم، وذلك لمناقشته مع الدوائر الإسرائيلية المعنية.

وقد زعمت السفيرة المذكورة في تصريحات أدلت بها على هامش زيارتها لتل أبيب أنها صارت تمتلك الوثائق التي تثبت ملكية اليهود للمشاريع التي شيدوها في مصر، ثم طردهم منها الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر.

وادعت باترسون "أن الوثائق التي لديها أثبتت أن ما يملكه اليهود في مصر يجعلهم يعودون إليها مرة أخرى أسيادا".

وقالت إن "التعويضات التي سيدفعها المصريون لليهود ستجعلهم يفلسون ويعجزون عن دفع أقساط قروض البنك الدولي، وإن البنك المركزي المصري سيصبح مفلسا".

السفير الأميركية قالت كلاما آخر خطيرا في ختام زيارتها لتل أبيب لا يتسع المجال له هنا، إلا أن عموم ما قالته يشير بوضوح إلى أن ما يخططون له في واشنطن وتل أبيب أبعد من إعطاء اليهود العرب تعويضات يزعمون أنها مستحقة لهم في مصر ودول المنطقة، وإنما يمتد للتآمر وفق ما نراه جليا على مصر وعقيدتها، ونفس المنطق سيتعاملون به مع بقية الشعوب العربية.

التعويضات التي تريد أن تحصل عليها تل أبيب من مصر على سبيل المثال، تقابلها عمليات نهب مارستها إسرائيل لثروات شبه جزيرة سيناء على امتداد أكثر من عشرة أعوام من الاحتلال، ولم تدفع إسرائيل مليما واحدا نظير ذلك لمصر.

كما أن محاولات إسرائيل المساواة بين نزوح يهود مصر ودول عربية برغبتهم، وقد حمل معظمهم أموالهم بعد أن باعوا الأصول المملوكة لهم، وبين مأساة طرد الفلسطينيين وتشريدهم بالمذابح المخططة، محاولات فاشلة لا تنطلي على أحد.

المصالحة والوحدة
إن مخططات الإدارة الأميركية التي كشفتها التصريحات الخطيرة للسفيرة باترسون لتسخير المنظمات الدولية لخدمة تل أبيب وفرض عمليات جباية على العرب وإتاوات لصالح إسرائيل، ستجعل صانع القرار العربي في حاجة ماسة إلى أن يفيق من سباته العميق، وعلى الجماهير العربية أن ترى الخطر المحدق بالأمة وترتقي إلى مستوى المسؤولية من أجل وضع نهاية للأزمات المفتعلة التي باتت تعصف بأهم بلدان المنطقة العربية، وذلك حتى يتسنى للعرب مواجهة المخاطر الصهيونية الداهمة.

ما ارتكبته تل أبيب بحق أقطار في أمتنا العربية من جرائم يفوق الجرائم النازية، لكن الأبشع مما ترتكبه تل أبيب الآن، هو ما ارتكبناه ونرتكبه نحن كعرب بحق أنفسنا، عبر تناحرنا وتشتتنا وتفرقنا

إن ما ارتكبته تل أبيب بحق أقطار في أمتنا العربية من جرائم يفوق الجرائم النازية، لكن الأبشع مما ترتكبه تل أبيب الآن، هو ما ارتكبناه ونرتكبه نحن كعرب -شعوبا وقادة- بحق أنفسنا، عبر تناحرنا وتشتتنا وتفرقنا، وغياب الحكماء والمصلحين بيننا، وهو ما يحاول عدونا استثماره الآن.

وبالتالي لا حل أمامنا كعرب لمواجهة التحرك الصهيوني الحالي للمطالبة بالتعويضات والتوجه إلى الهيمنة التامة على منطقة النيل والفرات عبر الاختراق الاقتصادي والسياسي والعسكري إن أمكن، إلا بالوقوف إلى جانب مصر لإخراجها من كبوتها الراهنة، ليس عبر تقديم الدعم الاقتصادي لها فحسب، لأن الأهم من هذا الدعم هو التدخل الفوري ومحاولة رأب الصدع بين أهلها، ووضع نهاية للمقتلة التي ترتكب بحقهم على أيدي أبناء جلدتهم.

ومن ذلك أيضا وضع نهاية للفوضى التي تعصف بالعراق والشام واليمن وليبيا، والتي في اعتقادنا أنها فوضى تم افتعالها لتهيئة المسرح أمام الصهاينة لكي يحققوا هيمنتهم على الأمة من النيل إلى الفرات، ويشيدوا هيكلهم المزعوم.

نحن بحاجة إلى قمة عربية لا تخضع للتدخلات الخارجية والإملاءات، قمة يتفق خلالها على آليات للمصالحة، تعيد ترميم العلاقات بين الشعوب العربية، وتحقق الاستقرار في دول الأمة، وتضع نهاية للطغيان.

فهل يشعر القادة العرب بالخطر؟ وهل تشعر به بعض شعوبنا العربية المتناحرة الآن، ويرتفع الجميع إلى مستوى المسؤولية قبل فوات الأوان؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.