أميركا وتحديات الشرق الأوسط

A giant red ribbon is affixed on the front of the White House on World Aids Day, on December 1, 2014 in Washington, DC. AFP PHOTO/Mandel NGAN
الفرنسية

كانت المكاسب المحتملة من إعادة توجيه السياسة الخارجية الأميركية نحو منطقة آسيا والمحيط الهادئ واضحة تمام الوضوح في نوفمبر/تشرين الثاني.

ففي أعقاب زيارة ناجحة قام بها الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى الصين لحضور منتدى التعاون الاقتصادي لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ توقف في ميانمار لتعزيز الانتقال السياسي في البلاد، بنتائج إيجابية، قبل أن ينهي رحلته بحضور اجتماع مجموعة العشرين في بريسبان والذي كانت نتائجه مثمرة بشكل ملحوظ.

ولكن في الشرق الأوسط، حيث تبدو المخاطر في ارتفاع متواصل بمرور كل أسبوع، لم يكن إبحار الولايات المتحدة سلسا، بل إن الإجماع على كيفية التحرك إلى الأمام هناك يكاد يكون غائبا تماما.

ربما تمتلك إيران  المعرفة اللازمة لبناء القنبلة النووية، فما لم يكن بالإمكان جمع كل علماء البلاد ونفيهم إلى جزيرة معزولة نائية، فليس من السهل التفاوض على الظروف التي قد تصبح معها دولة في موقف إيران عاجزة عن إنتاج القنبلة وليس مجرد الامتناع عن إنتاجها

ولنتأمل هنا محادثات إيران النووية، والتي مددت مرة أخرى، وهذه المرة إلى يونيو/حزيران 2015. الواقع أن تمديد الموعد النهائي للتوصل إلى اتفاق نهائي نتيجة طيبة، ولن تكون الجهود التي بذلها المفاوضون حتى تاريخنا هذا عبثا. علاوة على ذلك، وبفضل الاتفاق المؤقت الذي تم التوصل إليه قبل عام تقريبا، تظل بعض القيود المفروضة على برنامج إيران النووي قائمة (في مقابل تخفيف بعض العقوبات عن إيران).

وقد اعترفت الأطراف كافة بإحراز تقدم نحو إزالة قدرة إيران على تحقيق "الاختراق" النووي، الذي من شأنه أن يمكنها من البدء في إنتاج الأسلحة النووية في غضون سنة. ويبدو هدف إحباط هذا الاختراق، والذي يعتمد إلى حد كبير على حسابات رياضية وفنية وسياسية، في المتناول.

ولكن في واشنطن، يبدو الحماس ضئيلا للمضي قدما مع إيران. وهذه ليست المرة الأولى في الدبلوماسية الدولية حيث لا يخلف ما يعده أكثر الأشخاص قربا من عملية التفاوض أمرا مرغوبا ويمكن تحقيقه بالضرورة القدر الكافي من الصدى لإقناع أولئك القائمين على السلطة. وفي حالة المحادثات الإيرانية، يرجع هذا إلى ثلاثة أسباب رئيسية.

أولا: لا يشكل منع الاختراق النووي الإيراني، رغم كونه هدفا نبيلا، ما قد يعده الساسة والخبراء بالضرورة انتصارا صريحا، بل على العكس من ذلك، ربما تمتلك إيران بالفعل المعرفة اللازمة لبناء القنبلة، فما لم يكن بالإمكان جمع كل علماء البلاد ونفيهم إلى جزيرة معزولة نائية، فليس من السهل على الإطلاق أن يتم التفاوض على الظروف التي قد تصبح معها دولة في موقف إيران عاجزة عن إنتاج القنبلة، وليس مجرد الامتناع عن إنتاجها.

والسبب الثاني هو أن أنظمة العقوبات اجتذبت ما يشبه عبادة ذات أتباع، والتي يحدد معالمها الميل إلى المبالغة في تقدير نجاحها وإمكاناتها. والواقع أن العديد من الدراسات الأكاديمية أظهرت أن معدل نجاح العقوبات محدود. ومن المفهوم الآن أنه حتى العقوبات التي فُرِضَت على نظام الفصل العنصري في دولة جنوب أفريقيا ربما أعاقت التحول إلى حكم الأغلبية. فلأن انسحاب الشركات المتعدة الجنسيات كثيرا ما يؤدي إلى بيع المرافق الصناعية بأثمان بخسة لحلفاء النظام، فإن العقوبات ربما كانت سببا في تمكين وإثراء العناصر الرجعية وليس تحفيز التغيير الاجتماعي.

واليوم، يعتقد العديد من المسؤولين الأميركيين أن انتخاب حكومة إيرانية جديدة تحمل تفويضا يخولها التخلص من العقوبات الغربية يشكل دليلا على نجاح العقوبات. (ناهيك عن أن الافتقار إلى مثل هذا الدليل كان ليحرض الدعوات المطالبة بفرض المزيد من العقوبات).

غذت إيران الطائفية في المنطقة، ومن خلال دعم القوى الشيعية خارج حدودها أثارت إيران العالم العربي ضدها. وليس هناك من شك في أن أيدي الإيرانيين ملطخة بدماء السنة والأميركيين. وبنفس القدر من التهور دخلت إيران في منافسة مع الدول العربية السنية في يانصيب معاداة إسرائيل

الواقع أن ديناميكيات العقوبات أكثر تعقيدا ودقة، فكما أظهرت حروب البلقان في تسعينيات القرن العشرين كثيرا ما تفضي العقوبات إلى التحول من التجارة القانونية إلى التجارة غير القانونية. وفي البلقان تسبب هذا في تمكين عناصر المافيا وصهرهم أحيانا في الأحزاب والمؤسسات السياسية. وفي إيران، نشأ نمط مماثل: حيث منحت العقوبات الغربية الحرس الثوري، فضلا عن كل أنشطته الاقتصادية غير الطبيعية، دور الجريمة المنظمة.

الواقع أن الإيرانيين الذين يرغبون بوضوح في إنهاء العقوبات هم في الأغلب أولئك الأكثر تضررا منها، وليس الذين يصيبون الثراء بسببها. ولكن أولئك الذين يعانون من العقوبات لا تقتصر معاناتهم على المصاعب الاقتصادية، فالعزلة التي تفرضها العقوبات تميل إلى محاباة العناصر الأقل استنارة في البلاد. ولا يشعر الحرس الجمهوري بالقلق حول ما إذا كان يتقلب في نعيم المجتمع الدولي.

والسبب الثالث وراء هذا الطريق المسدود الذي بلغته سياسة الولايات المتحدة في التعامل مع الشرق الأوسط ينبع من تعقيد السياسات الطائفية المتزايدة. الواقع أن الكثير قِيل مؤخرا حول التقاء المصالح الأميركية والإيرانية في الشرق الأوسط الكبير، ففي نهاية المطاف كان الإيرانيون راغبين في استقرار وازدهار عراق ما بعد صدام، وهم الذين دعموا نظاما غير طالبان هناك. والإيرانيون هم الذين فضلوا الحوار للتوصل إلى تقاسم السلطة سلميا في سوريا.

ولكن إيران غذت أيضا الطائفية في المنطقة، فمن خلال دعم القوى الشيعية خارج حدودها، خاصة حزب الله في لبنان ونظام أقلية الرئيس السوري بشار الأسد العَلَوية في سوريا، فضلا عن بعض أسوأ المليشيات الشيعية في العراق، أثارت إيران العالم العربي ضدها. وليس هناك من شك في أن أيدي الإيرانيين ملطخة بدماء السنة والأميركيين. وبنفس القدر من التهور، دخلت إيران في منافسة مع الدول العربية السُنّية في يانصيب معاداة إسرائيل.

لقد أدركت الولايات المتحدة مركزية هذه القضايا، فسعت إلى إدارتها من خلال مجموعات أخرى من المفاوضات. ولكن إستراتيجية التقسيم تتطلب التركيز والثبات من جانب صناع السياسات. ولن تكون مهمتهم سهلة. وربما تكون تحركات أوباما النشطة الناجحة عبر شرق آسيا مصدرا للإلهام في هذا السياق.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.