المصالحة الأفغانية بين عهدين

Afghanistan's National Army (ANA) soldiers stand guard at the site of an explosion on a road to the presidential palace, in Kabul, Afghanistan, Sunday, Sept. 28, 2014. A military vehicle was detonated by a bomb in diplomatic area in Kabul city. The explosion occurred in the road to the Afghanistan's president palace, a day before the inauguration for the country’s new president. (AP Photo/Rahmat Gul)
أسوشيتد برس

بعد توليه منصبه، بدأ الرئيس الأفغاني الجديد محمد أشرف غني عمله في معالجة الملفات الشائكة والصعبة، ويبدو أنه وضع قضية المصالحة وإعادة الاستقرار إلى أفغانستان على رأس أجندته، إلى جانب اهتمامه بتحسين الجانب الاقتصادي ومحاربة الفساد داخل الدوائر الحكومية. لكن المقلق في الأمر أنه لم يغير الإستراتيجية الفاشلة التي جربها حامد كرزاي طوال 13 عاما من حكمه. وتتلخص تلك الإستراتيجية الفاشلة في النقاط التالية:

1- الاعتماد على مساعدات الولايات المتحدة في إعادة الاستقرار، وعدم الاهتمام بالتواصل والمحادثات المباشرة مع فصائل المعارضة المسلحة ومناقشة القضايا الأساسية معها للوصول إلى الحل المناسب بشأنها.

2- مطالبة الدول المجاورة والدول التي لها تأثير في نظر الحكومة الأفغانية على المعارضة المسلحة وخاصة حركة طالبان، بممارسة الضغوط عليها لقبول المصالحة والعودة إلى المسار السلمي.

3- الاتصال المباشر بالمقاتلين والقادة التابعين للمعارضة المسلحة وخاصة حركة طالبان، ودفع الأموال لهم وإغراؤهم بالوظائف والمناصب، مقابل الاستسلام وتسليم سلاحهم وتركهم للعمل المسلح، وذلك عبر ما تسمى عملية "إعادة الإدماج".

من أسباب فشل إستراتيجية المصالحة السابقة أن  المعارضة المسلحة كانت تعتبر الجهود المبذولة لإعادة الاستقرار المبنية على هذه الإستراتيجية ميدانا آخر للحرب ضدها، ولم تكن تنظر إليها كجهود لحل المشكلة

وقد فشلت هذه الإستراتيجية في السابق لأن المعارضة المسلحة كانت تعتبر الجهود المبذولة لإعادة الاستقرار المبنية على هذه الإستراتيجية ميدانا آخر للحرب ضدها، ولم تكن تنظر إليها كجهود لحل المشكلة، لأنها قائمة -في نظرها- على أساس عدم الاعتراف بها كطرف في القضية، وكأن الإستراتيجية المذكورة تشعرها بأن أطراف القضية هي الحكومة الأفغانية وحكومات بعض الدول المجاورة، ومن هنا كانت المعارضة المسلحة تحارب المجلس الأعلى للمصالحة كما كانت تحارب الجهات الأمنية داخل الحكومة.

ولما بدأ الرئيس أشرف غني عمله توقع الشعب الأفغاني -بناء على الوعود التي قطعها الرجل على نفسه أثناء حملته الانتخابية- أنه سيتمكن من إعادة الاستقرار إلى أفغانستان عبر الوصول إلى المصالحة الوطنية الحقيقية، لكن الشعب أصيب بخيبة أمل لما رأى أنه يسير على نهج سلفه الفاشل في المصالحة وإعادة الاستقرار إلى أفغانستان.

وحينما زار غني المملكة العربية السعودية يوم 25/10/2014 اصطحب معه فريقه الأمني الذي كان يتضمن مستشاره الأمني محمد حنيف أتمر، والأمين العام للمجلس الأعلى للمصالحة معصوم إستانكزاي، ويبدو أن المصالحة كانت المحور الأساسي للمحادثات في الرياض، كما صرح بذلك الناطق باسم الرئاسة الأفغانية فائق واحدي لوسائل الإعلام.

ولما زار الرئيس الأفغاني الصين يوم 28/10/2014 كان مستشاره الأمني يرافقه، بالإضافة إلى مجموعة أخرى من القيادات والشخصيات الكبيرة في حكومته. ويدل ذلك على أن المصالحة الأفغانية كانت من أهم محاور المحادثات في بكين كذلك. ومما يؤكد ذلك أن الحكومة الصينية أعلنت بعد زيارة الوفد الأفغاني أنها مستعدة للوساطة بين الحكومة الأفغانية والمعارضة المسلحة لأجل المصالحة الوطنية وإعادة الاستقرار إلى أفغانستان.

يبدو واضحا أن الحكومة الأفغانية الجديدة -مثل سالفتها- تعتقد أن حركة طالبان في قبضة الحكومة الباكستانية، أو بالأحرى في قبضة قواتها الأمنية والاستخبارية تماما، وأن باكستان إذا اقتنعت بموضوع المصالحة ستنتهي القضية وستنتهي الحرب وسيعود الاستقرار إلى أفغانستان. وبما أن السعودية والصين من أقرب الدول إلى باكستان، فإن بإمكانهما إقناع الجهات الباكستانية بضرورة إعادة الاستقرار إلى أفغانستان والوصول إلى المصالحة الوطنية بين الحكومة والمعارضة المسلحة، خاصة إذا كانت الصين لها مصالح اقتصادية ضخمة في أفغانستان من خلال الإسهام في استخراج المعادن والنفط والغاز في مناطق مختلفة في البلاد.

لكن الخطأ في هذا التحليل هو تبسيط القضية الأفغانية وتهويل الدور الباكستاني فيها وإعطاؤه حجما أكبر من حقيقته. لا شك أن باكستان لها دور في القضية الأفغانية وتعتبر من اللاعبين الكبار فيها، لكنها ليست الجهة الوحيدة التي بيدها مفاتيح الحل، فهناك لاعبون آخرون، وتعددهم زاد القضية تعقيدا. ومن هؤلاء اللاعبين على سبيل المثال:

يبدو واضحا أن الحكومة الأفغانية الجديدة -مثل سالفتها- تعتقد أن حركة طالبان في قبضة باكستان، وأن الأخيرة إذا اقتنعت بموضوع المصالحة ستنتهي القضية، وفي ذلك تبسيط للقضية وتهويل للدور الباكستاني فيها

1- الولايات المتحدة، فإذا لم تقتنع واشنطن بالمصالحة الأفغانية وإعادة الاستقرار إلى أفغانستان، فلن تتمكن الأطراف الأفغانية من تحقيق ذلك على أرض الواقع.

2- فصائل المعارضة المسلحة، وهي من أهم اللاعبين في القضية الأفغانية، ومن أهمها حركة طالبان، واقتناعها بالمصالحة شرط لتحقيقها، فلو مورست عليها الضغوط من قبل باكستان مثلا لإجبارها على قبول المصالحة، ستجد المعارضة إيران وغيرها من الدول مستعدة لاحتضانها، ولن تفرط إسلام آباد في الورقة التي تملكها لصالح طهران دون مقابل بعدما استثمرت فيها طيلة العقد الماضي. ومن هنا فلا سبيل إلى المصالحة إلا عبر اقتناع المعارضة المسلحة بالمصالحة ذاتيا، وبغير ذلك فلن تجدي ممارسة الضغوط الباكستانية عليها نفعا، أو تغيّر حالا.

3- الفصائل المشاركة في الحكومة والنظام، إذ هناك عدة أحزاب وجهات واتجاهات سياسية وعرقية داخل تشكيلة الحكومة، لا ترغب في المصالحة الوطنية وعودة حركة طالبان إلى العمل السياسي، لأنها تعتبر ذلك سببا لضعف دورها السياسي والاجتماعي. وما لم تقتنع هذه الجهات بضرورة المصالحة وأنها الطريق الوحيد لعودة الاستقرار إلى أفغانستان، لن يتمكن الرئيس الأفغاني لوحده من تحقيق أهدافه في هذا المجال.

4- الدول المجاورة والقوى الإقليمية وخاصة باكستان وإيران، وهي أيضا لا بد من اقتناعها بضرورة المصالحة الأفغانية وأن مصالحها الاقتصادية ترتبط بتحقق الاستقرار في أفغانستان لأنها تحتضن المعارضة وتسلحها وتمونها.

فإذا أرادت الحكومة الحالية أن تكلل جهودها في مجال المصالحة الوطنية وإعادة الاستقرار إلى أفغانستان، يجب عليها أن تراعي في خطتها ما يلي:

أولا- أن استخدام القوة ليس حلا للقضية الأفغانية، فلو كانت تجدي نفعا لنفعت خلال العقد الماضي من الزمن، وقد استخدمت بكل أنواعها وبجميع وسائلها.

ثانيا- وضع إستراتيجية متكاملة للمصالحة وإعادة الاستقرار إلى أفغانستان، وعدم إهمال الأطراف المؤثرة في القضية، لأن تهويل دور بعض الجهات وتهوين دور جهات أخرى، أو النظرة الجزئية لقضية تتعدد أسبابها وعللها، كل ذلك سيؤدي إلى فشل الجهود والمساعي.

 
إذا استمرت الحكومة الحالية في ارتكاب أخطاء الحكومة السابقة، فستنقضي فترة ولايتها دون أن تتقدم أفغانستان خطوة واحدة إلى الأمام، بل ستكون مهددة في وجودها، وعالة على غيرها كما هي الآن

ثالثا- أن تعطي الحكومة الأولوية لعملية المصالحة ولو على حساب أي مصالح أخرى، وأن لا تضع أية خطوط حمراء في سبيل الوصول إلى المصالحة وإعادة الاستقرار.

رابعا- إعطاء الأولوية لتهيئة الظروف للاتصال بممثلي فصائل المعارضة المسلحة الرسميين، لأنها العنصر الأهم في الأزمة، ولن تجدي ممارسة الضغوط عليها من قبل الدول التي تساعدها كما سبق بيانه. ويجب في هذا الصدد ترك الخداع باسم المصالحة، وعدم استخدامها وسيلة لشق صف المعارضة أو حث أفرادها على الاستسلام للحكومة مقابل مبلغ من المال، فذلك سيؤدي إلى انعدام الثقة في عملية المصالحة برمتها، وسيصبح فتيلا آخر  من فتائل الحرب.

خامسا- جربت الحكومة في مساعي المصالحة مجموعة من الشخصيات والكيانات في عهد الرئيس السابق حامد كرزاي، لكنها لم تتمكن من التقدم خطوة واحدة نحو الهدف، وذلك إما لعدم وضع الأفراد المناسبين في الأماكن المناسبة، وإما بسبب خطأ في الإستراتيجية التي وضعت لبعض الكيانات مثل المجلس الأعلى للمصالحة، ومن هنا فقدت تلك الشخصيات والكيانات مصداقيتها، وارتبطت أسماؤها بأخطاء العهد السابق، ولم تعد محل ثقة لدى المعارضة المسلحة، وعليه يجب على الحكومة الجديدة إعادة النظر في هذه الشخصيات والكيانات إذا كانت جادة في أمر المصالحة.

خلاصة الحديث أن الحكومة الحالية إذا استمرت في ارتكاب أخطاء الحكومة السابقة، فستنقضي فترة ولايتها دون أن تتقدم أفغانستان خطوة واحدة إلى الأمام، بل ستكون مهددة في وجودها، وعالة على غيرها كما هي الآن. أما إذا غيرت الحكومة إستراتيجيتها للوصول إلى المصالحة واتبعت الخطوات المذكورة سلفا، فستثمر مساعيها وجهودها ويكتب لها النجاح.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.